الموضوع: خاتم النبيين
عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 27-11-2022, 11:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خاتم النبيين

خاتم النبيين (28)
الشيخ خالد بن علي الجريش


الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
فمرحبًا بكم أيها الكِرام في برنامجكم خاتم النبيِّين، أيها الأفاضل فيما سبق ذكرنا شيئًا من السرايا والبعوث التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض الجهات والقبائل، فذكرنا أحداثها ودروسَها المستفادة منها، ونستكمل في حلقتنا تلك شيئًا من السرايا والبعوث الأخرى، مستذكرين بعض الدروس والعِبَر، فمن ذلك ما يُسمَّى بسرية الخَبَط، وقد رواها البخاري ومسلم، فقد بعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه ومعه ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار؛ ليرصدوا عِيْرًا لقريشٍ، وقد زوَّدهم النبي صلى الله عليه وسلم جرابًا من تَمْر، لم يجد غيره، حتى إذا كانوا في أثناء الطريق نفد زادُهم، فأمر أبو عبيدة رضي الله عنه أن يأتوا بأزوادهم، فجمعها أبو عبيدة وصار يُعطيهم منه قليلًا قليلًا حتى كاد أن يفنى، فصار يُزوِّدهم تمرةً تمرةً، فلكُلِّ رجلٍ تمرة، فكانوا يمصُّونها كما يمصُّها الصبي، ثم يشربون عليها الماء، قال الراوي: فتكفينا تلك التمرة إلى الليل، وسُئل جابر رضي الله عنه: وما تُغني عنكم التمرة؟ قال: وجدنا فقدها حين فقدناها، فأصابهم الجوع والجهد حتى أكلوا الخَبَط، وهو أن يضرب الشجرة اليابسة فيتساقط ورقها، ثم يرطبه بالماء ويأكله، حتى تقرَّحت أشداقهم رضي الله عنهم وأرضاهم؛ ولهذا سميت تلك السريَّة سريَّة الخَبَط، وعندما وصلوا لساحل البحر أخرج الله تعالى لهم من البحر حوتًا يدعى العَنْبر، وهو كبير، قالوا بأنه كالجبل الصغير، فأقاموا يأكلون منه ثماني عشرة ليلة حتى سمنوا وصحَّت أجسامُهم حتى ذكر جابر رضي الله عنه شيئًا من صفات ذلك الحوت، فقال: كنا نغترف من عينه الدهن بالقلال، وهي الأواني الكبيرة، وقال أيضًا: كنا نقتطع منه اللحم بحجم الثور، وقال أيضًا: لقد جلس في مكان عينه ثلاثة عشر رجلًا، وقال أيضًا: أخذنا ضلعًا من أضلاعه فجئنا بأطول رجل على أكبر بعير فمَرَّ من تحته؛ فهذا يدل على ضخامة هذا الحوت، فسبحان الخالق العظيم! وفي تلك السريَّة لم يجدوا تلك العِيْر لقريش، فانصرفوا إلى المدينة فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الحوت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((هو رِزْقٌ أخرجَه اللهُ لكم، فهل معكم مِن لَحْمِه شيءٌ فتُطعمونا؟)) قال جابر: فأعطيناه منه فأكله؛ رواه البخاري ومسلم.

ومن السرايا أيضًا سريَّة كُرْز بن جابر الفِهْري في العُرَنِيِّين، وقد كانت في شوال من السنة السادسة؛ حيث إنه قدم إلى المدينة ثمانية نفر من عُكْل وعُرَيْنة، فأظهروا الإسلام، وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وجلسوا في المدينة فأصابهم المرض، وسقمت أجسامُهم وهزلت، فاشتكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا تخرجون مع راعينا في إبله؟ فتُصيبون من أبوالها وألبانها؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، فخرجوا إليها، فشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحُّوا وسمنُوا ورجعت إليهم عافيتُهم كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا الراعي، واسمه يسار، ومثَّلُوا به، وسمروا عينيه، وساقوا الإبل معهم، فجاء الراعي الآخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صارخًا بأنهم قتلوا صاحبه، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم على أثرهم عشرين فارسًا بقيادة كُرْز بن جابر رضي الله عنه، وأرسل معهم بعض القافة؛ وهو الذي يتتبَّع الأثر ويعرفه، ودعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اللهم أعم عليهم الطريق، واجعله عليهم أضيق من مسك جمل))؛ أي: جلد الجمل، فعمى الله عليهم الطريق، فما ارتفع النهار حتى أدركوهم وأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل، حتى أتوا بهم المدينة، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقُطِعَت أيديهم وأرْجُلُهم، وسمرت أعينهم- أي: كحل أعينهم بمسامير محمَّاة بالنار كما فعلوا بالراعي- وألقاهم بالحرة يستسقون فلا يُسْقَون حتى ماتوا، قال أبو قلابة: هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا وحاربوا الله ورسوله، وأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في هؤلاء العُرَنِيِّين قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: بأن هذه الآية عامة فيهم وفي غيرهم من المفسدين والمحاربين لله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وهذه الآية هي أصل في حد الحرابة.

ومن السرايا أيضًا التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم سرية عبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، وكانت في شعبان من السنة السادسة، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن عوف، فقال له: ((تَجَهَّز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد إن شاء الله)).

فأصبح عبدالرحمن بن عوف، فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقعده بين يديه وعمَّمَه بيده، ثم عقد له اللواء ثم قال: ((خُذْه بسم الله وبركته))، ثم أمَرَه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسير إلى دومة الجندل فيدعوهم إلى الإسلام، فسار عبدالرحمن بأصحابه، وكانوا سبعمائة رجل، حتى قدم دومة الجندل، فمكث أيامًا يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم رئيسهم الأصبغ بن عمرو، وكان نصرانيًّا، وأسلم بإسلامه خَلْقٌ كثيرٌ، فبعث عبدالرحمن بشيرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُبشِّره بإسلامهم، وتزوَّج أيضًا عبدُالرحمن ابنةَ رئيسِهم، وقدم بها المدينة، فولدت له سلمة بن عبدالرحمن بن عوف.

أيها الأكارم، تلك من أهم السرايا والبعوث التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض الأقوام والقبائل من العرب، ولعلنا نختم حلقتنا هذه ببعض الدروس والعِبَر من تلك السرايا، فمن ذلك:
الدرس الأول: في سرية أبي عبيدة رضي الله عنه كان عددهم ثلاثمائة رجل ولم يزوِّدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بجرابٍ من تَمْر لم يجد غيره، ولنا في ذلك وقفة ودرس عظيم؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله تعالى، وهؤلاء الأصحاب هم أفضل القرون، ومع ذلك لم يجد إلا ذلك زادًا لهم، وهذا يفيدنا بأن الدنيا وما تحويه من مآكل ومشارب وملبس ومركب ونحو ذلك، ليست هي الأصل؛ بل إنها وسيلة للآخرة، وعمل الآخرة هو الذي يبقى ذخرًا للإنسان وسببًا لدخول الجنان برحمة الله تبارك وتعالى، وأن اللذائذ من النِّعَم أيًّا كانت وإن كانت حلالًا للمؤمنين؛ إلا أن الإكثار منها ليس ممدحة، وأن الإسراف منها فيه مذمَّة، فرسالة لأولئك الذين يُسرِفون في طعامهم وملابسهم ومراكبهم، وكأن ذلك هو الأصل، فيُقال لهم: رويدًا بأنفسكم، فلو كان ذلك فيما هو أنفع لكان أولى وأتم.

ويزيد الإشكال إشكالًا إذا كان هذا الإسراف من ورائه ديون بسبب هذا الإسراف، فهذه المصيبة الأكبر، فكيف يتحمَّل الديون مع عظم شأنها على نوافل يمكن التخلِّي عنها؟! وهي أيضًا رسالة أخرى لمن لا يحترمون النعمة فيفيضون بباقي أطعمتهم في أماكن لا تليق بها، فيضعها بعضهم مع النفايات العامة مع أنها صالحة للاستهلاك الآدمي، ولو أن هذا وأمثاله غلَّفَها ثم دفعها إلى مستحقِّيها وما أكثرهم! لكان خيرًا وبرًّا بدل أن يكون إثمًا وزُورًا، كيف لا وهناك أناس يتضوَّرُون جوعًا فيمرضون ويموتون ولا يجدون ما يطعمون؟! ألا يكون لنا في هؤلاء عبرة وعظة؟! وقد انتشر في مملكتنا الغالية جمعيات تُعنى بفائض الأطعمة، فيمكن التواصُل معهم لأخذه وإعداده، ويُقترَح أيضًا على تلك الجمعيات وضع وسيلة التواصل في قصور الأفراح وعموم الاستراحات؛ ليسهل التواصُل بهم عند الحاجة مشكورين.

الدرس الثاني: رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وأوليائه؛ حيث رزقهم ذلك الحوت الكبير عندما جاعوا واحتاجوا، وفي هذا درس أن الله عز وجل لا يضيع أجْرَ المحسنين؛ بل هو معهم يكلؤهم ويرعاهم ويُسدِّدهم ويطعمهم، ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه، ومن أسماء الله تعالى الرزَّاق، فهو يرزق عباده ما يحتاجون إليه في حياتهم، وإذا حصل لك أخي الكريم رِزْق من الله تبارك وتعالى أيًّا كان، فعليك بالإكثار من حمد الله تعالى وشكره، وقد وعدَك الله تعالى بأنك إذا شكرته زادك من عطائه ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، فعوِّد نفسك اللهج بالشكر عند حصول النِّعَم وتجدُّدها وقضاء الحاجات، فالله تعالى علم حال هؤلاء الصحابة، فرحمهم ورزقهم.

الدرس الثالث: في حجم هذا الحوت الذي هو كالجبل مظهر عظيم من مظاهر قدرة الله تبارك وتعالى؛ حيث إن عظمة هذا المخلوق تدل على عظمة الخالق، وقد سبق وصف الصحابة رضي الله عنهم لبعض مظاهر وصفات هذا الحوت العظيم الكبير، فسبحان الخلَّاق العظيم! وعندما يتأمَّل المسلم تلك المخلوقات يقوى إيمانُه بالله تعالى، وتطمئن نفسه، ويقدر الله تعالى حقَّ قدْرَه، وذلك مِن تقوى القلوب، فما أحوجنا إذا رأينا أو سمعنا أو قرأنا شيئًا من ذلك أن نقف وقفة تأمُّل وتفكُّر ليقوى إيماننا! فهذه الشمس وهذا القمر وتلك السماء والأرض والنجوم وعموم الخلق، هي كلها مجال للتفكُّر والتأمُّل، فاجعل ذلك التفكُّر منهجًا لك؛ فهو من المثبتات على دين الله تبارك وتعالى.

الدرس الرابع: هؤلاء العُرْنِيُّون شكَوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجدونه في أنفسهم من المرض، فأرشدهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى ما يكون فيه علاجهم بإذن الله تعالى، وهذا لا بأس به أن يذكر الإنسان حاله لمن قد يستفيد منه في ذلك؛ كالطبيب ونحوه؛ لكن المأخذ عند بعض الناس أنه إذا أصابه عِلَّةٌ أو مرض فقد يشكو ذلك لكلِّ الناس مُخبِرًا لهم بهذا المرض وتلك العلة، ولو أنه اقتصر على من يستفيد منه في ذلك، لكان خيرًا له في دينه ودنياه، فإن الناس فيهم من المشاكل ما يكفيهم، وقد لا يرغبون بذكر المزيد عليها، في حين أن هذا المريض عليه أن يشكو ذلك كثيرًا إلى الله تبارك وتعالى؛ لأنه هو القادر على كل شيء، وهو القريب المجيب، وهو المجازي على تلك الأمراض والعِلَل، وهو الذي قدرها، وهو الذي يزيلها، فاجعل شكواك إلى مولاك ولا تلتفت إلى الخلق إلا بمقدار ما يستطيعون نفعك به، مستعينًا بالله تعالى، معتقدًا أن ما عندهم هو من الله تبارك تعالى، ساقه لك على أيديهم، فهذا أوْلَى وأقْرَب وأصْوَب وأحْكَم بإذن الله تبارك وتعالى.

الدرس الخامس: في فعل العُرْنِيِّين صفة ذميمة يجب على المسلم أن يحذر منها، ويبتعد عنها؛ وهي مقابلة الإحسان بالإساءة، فهم عندما أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه علاجهم وصِحَّتهم، قابلوا هذا الإحسان بالسوء، وهذا من خُبْث الطويَّة وسوء النيَّة، والأصل أن تُحسِن إلى مَنْ أحْسَن إليك، وذلك بدعوة أو غيرها، والبعض من الناس يحسن إلى غيره؛ ولكِنَّ في إحسانه نوعًا من الخلل غير المقصود، فمثل هذا ينبغي أن يُغتفَر خَلَلُه لأجل نيَّته الحسنة، ولا يمنع هذا من إرشاده وتوجيهه ليزول خَلَلُه، واجعل أخي الكريم الإحسان إلى الآخرين سجيَّةً لك تكسب من خلالها محبَّة الله تعالى ورحمته ومعيَّته وعونه وجزاءه لك بالإحسان، فهل جزاءُ الإحسانِ إلَّا الإحسان؟!

الدرس السادس: إثبات العلاج بألبان وأبوال الإبل، وقد أكَّد ذلك عددٌ من الأطِبَّاء في القديم والحديث، وكذلك مراكز الأبحاث؛ ولهذا شواهد كثيرةٌ من الواقع في السابق واللاحق، على اختلاف في آلية التعامل في المسلك العلاجي لهما، إن التحاليل المخبريَّة تدل على أن أبوال الإبل وألبانها تحتوي على تركيز عالٍ من البوتاسيوم والبروتينات والصوديوم وغيرها، ذكر ذلك الدكتور محمد هاج في رسالته العلمية الماجستير، وعلى مَن أراد العلاج بهما استشارة المصادر الطبية ومراكز الأبحاث قبل تناولها ليتعرف على احتياطاتها قبل تناولها، فالأبحاث والنتائج تتجدَّد يومًا بعد يوم، ولا يتناولها اعتمادًا على التجربة، فإن التجارب تختلف من شخص إلى آخر.

الدرس السابع: في تلك الحادثة نزلت آية المائدة؛ وهي نصٌّ في حدِّ الحرابة، فجزاء هؤلاء المفسدين والمحاربين هو ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا... ﴾ الآية [المائدة: 33].

الدرس الثامن: إن عقوبة هؤلاء الجناة كانت مماثلة لما فعلوه بالراعي؛ كما في كتاب الله، وهذا يُعطينا قاعدةً أن الجزاء من جنس العمل؛ سواء في الخير أو في الشر، فكما يكون العمل فسيكون الجزاء مماثلًا له؛ ولهذا قال الله تعالى في الخير ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، فلنحرص على عمل الصالحات لنجد جزاءها تكريمًا ورحمةً وعطاءً وافرًا، ولنبتعد عن السيئات حتى لا نحظى بجزائها؛ وهو العقوبة في الآخرة، إن لم يعْفُ الله تبارك وتعالى.

الدرس التاسع: حُسْن الاستجابة من الصحابة الكرام، وذلك من خلال استعداد واستجابة عبدالرحمن بن عوف عندما أمره النبي صلى الله عليه وسلم في يومه أن يقود تلك السريَّة، فقد استجاب مباشرةً هو وصحبه الكِرام رضي الله عنهم، وهذا شأن المؤمن مع أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، تراه مستجيبًا، يقول: سمِعْنا وأطَعْنا.

فانظر أخي الكريم في أحوالك وتصرُّفاتك وأقوالك، هل هي فيها استجابة لأمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؟ أم أنها تنحو ذات اليمين وذات الشمال؟ فالأمر الآن بيدك فاستثمر وقتك وحياتك لتصحيح مسارك قبل فوات الأوان.

الدرس العاشر: أهمية البشارة في حصول الخير، وهذا أبو عبيدة رضي الله عنه أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُخبره ويُبشِّره بإسلام رئيسهم، فالبشارة لها مذاقها الطيب لدى المبشِّر والمبشَّر، وفيها أيضًا أجْرٌ عظيمٌ، فهي إدخال للسرور على المسلم حيث يصحبها الابتسامة والاطمئنان والسكون والبهجة والفرح، كذلك الكلمة الطيبة، وأيضًا على مَن تُلقَى عليه البشارة أن يُكثِر من الحمد والشكر لله تبارك وتعالى، وأن يسجد سجود شكر لله عز وجل، فإن ذلك الفعل والقول هو سبب للزيادة من الخير، وكم تستجد نعمة أو تندفع نقمة عند بعض الناس فينسى سجود الشكر ويلهو بما بشَّره به الآخرون!

أيها الكِرام، السيرة كلها دروس وعِبَر تُصحِّح المفاهيم، وتُقوِّي الإيمان، وتزيد في العلم، فليكن لنا في قراءتها نصيبٌ وافرٌ، فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي منهج يسير عليه المسلم تزكيةً لنفسه وسلامةً لقلبه وشرحًا لصدره وتصحيحًا لمفاهيمه، فماذا أخي الكريم لو قرأتَ في كل يوم ولو عشر دقائق أو صفحةً من كتاب، فستدرك بذلك شيئًا كثيرًا وجليلًا وجميلًا من السيرة النبوية في وقت يسير، فابدأ واستمر، فأنت تقرأ سيرةَ أعظم رجل في التاريخ وهو محمد عليه الصلاة والسلام، وما تقرؤه اذكره في مجالسك لتفيد الآخرين وتستفيد أيضًا ثبات هذا العلم في ذهنك، وهذا من طلب العلم ونشره فسييسِّر الله تعالى لك طريقًا إلى الجنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سَلَكَ طريقًا يلتمِسُ فيه عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لهُ به طريقًا إلى الجَنَّةِ))، فأنت إذا قرأت في هذه السيرة النبوية واستفدت منها الأحكام الفقهية والوقفات التربوية وتصحيح المفاهيم، فإنك بذلك تعرف الحكم والدليل؛ لأن هذا هو فعل النبي عليه الصلاة والسلام وفعل أصحابه ومجالسته عليه الصلاة والسلام لهم رضي الله عنهم، فأنت بهذا تعرف الوقائع الشرعية، فتستطيع أن تعبد الله تبارك وتعالى على ما شرعه لك، فاحرص أخي الكريم أن يكون لك جلسة مع أولادك، حتى يتفقَّه الجميع، وفي هذا خيرٌ عظيمٌ لا يُحصَى كثرةً، فتغشاكم الرحمة، وتنزل عليكم السكينة، ويذكركم الله تعالى فيمن عنده، وهذا لا شَكَّ أنه خيرٌ عظيمٌ، وتكون مجالِسُكم وبيوتُكم ومنازِلُكم هي مأوى هؤلاء الملائكة الكِرام الذين حفُّوكم، وجلسوا حولكم، فكنتم جلساء الملائكة مع ما يحصل من طمأنة النفوس وشَرْح الصدور، فهذا خيرٌ عظيمٌ لا سيَّما وأن فيه زوالًا لكثيرٍ من المشاكل؛ لأن المشاكل التي عند الأولاد أو المشاكل الزوجية سيأتي مثل هذه المجالس وسيكون حلًّا لها بإذن الله تبارك وتعالى.

أسأل الله عز وجل لنا جميعًا الهُدَى والتُّقَى والسَّداد والرشاد، اللهُمَّ أوصِلْنا دار السلام بسلامٍ، ووفِّقْنا لهُداك، واجعل عملنا في رِضاك، وارحمنا واغفر لنا ووالدينا والمسلمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]