الموضوع: خاتم النبيين
عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 03-11-2022, 07:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خاتم النبيين

خاتم النبيين (25)
الشيخ خالد بن علي الجريش





الحلقة الخامسة والعشرون من برنامج خاتم المرسلين

دروس من غزوة الخندق


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فمرحبًا بكم أيها المستمعون والمستمعات الكرام في برنامجكم خاتم النبيين، فيما سبق مستمعي الأكارم في حلقتنا الماضية ذكرنا غزوة الأحزاب، وكيف تحزَّب المشركون على المسلمين، وماذا كان مستوى تلك الشدة، وكيف تعامل معها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، وأيضا ذكرنا عددًا من المعجزات في تلك الغزوة، وأزلفنا أيضًا وصفًا لواقع للمشركين والمسلمين، وذكرنا عددًا من المبشرات إلى غير ذلك.

وفي حلقتنا هذه نستكمل تلك الغزوة، مواقفها ودروسها، فهي اشتداد في الحال وظهور في النفاق والمنافقين، فإن هذا لم يفتَّ من عَضُد المؤمنين، بل سلموا الأمر لله تعالى تسليمًا، وعلموا أن النصر من عند الله تبارك وتعالى وأنه قريبٌ، فكانوا يعيشون ذلك التفاؤل والاطمئنان داخل نفوسهم، وإن كان الواقع مخيفًا، لكن الله عز وجل ربط على قلوبهم، وبدأت المعركة بالنبال حتى خرجت فوارس من قريشإلى الخندق، فرأوا مكانًا ضيقًا، فاقتحموه فدخلوا على المسلمين، فأسرع إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين، فأغلقوا تلك الثغرة عن دخول آخرين، وممن دخل مع هذه الفتحة عمرو بن ود، فأخذ يدعو إلى المبارزة، وهو ابن تسعين سنة، فبارزه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حتى قتله فهرَب أصحابه راجعين، واستمرت المناوشات بين المسلمين والكفار، فأصاب رجل من الكفار سعد بن معاذ، أصابه إصابة شديدة وسالت منه الدماء، فقال سعد رضي الله عنه: اللهم لا تُخرج نفسي حتى تقرَّ عيني من بني قريظة، فاستمسك الدم عن السيلان، فاستجاب الله عز جل دعوته، وحكم سعد على بني قريظة بأن تُقتل مقاتلتهم، وتُسبى ذراريهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة، فحمل رضي عنه إلى المسجد، ليتطبب فيه وليعوده من يعوده، وحيث مكث المشركون قريبًا من شهر، ولم يستطيعوا أن يعبروا الخندق في الجهة الشمالية من المدينة، فقد طال المقام عليهم، فاتَّعدوا أن يُغيروا جميعًا ولا يتخلف منهم أحد، فهيؤُوا أنفسهم ورتبوا صفوفهم ليعبروا الخندق عبرًا واحدًا، ويقاتلوا المسلمين، فجاؤوا إلى الخندق قبل طلوع الشمس، فتجهزوا للقتال، وكذلك تجهز المسلمون لمجابهة عدوهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف أصحابه رضي الله عنهم ويرتِّبهم، ووعدهم بالنصر بإذن الله تعالى إن هم صبَروا، فحصل التراشق بالنبل وبالرمي، وكان المسلمون يدافعون ضربات عدوِّهم، ودام ذلك التراشق مع محاولة عبور الخندق يومهم هذا كله، حتى غربت الشمس، فلم يستطع المسلمون أن يُصلوا صلواتهم لانشغالهم بعدوِّهم، وذلك قبل نزول صلاة الخوف، فلما غربت الشمس تفرَّق المشركون ولم يحصل بعد ذلك اليوم قتال، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصلوات الفائتة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارًا؛ رواه مسلم.

وفي هذه الشدة العصيبة واجتماع الأحزاب جميعًا على المسلمين، أسلم نُعيم بن مسعود رضي الله عنه، فجاء خُفية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد شهادة الحق، وقال: يا رسول الله، مُرني بما شئت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذِّل عنا ما استطعتَ، فإن الحرب خَدعة، فذهب نعيم رضي الله عنه وأخذ يقابل بعض سادات بني قريظة، فقال لهم كلامًا ثم ذهب إلى أشراف قريش من الأحزاب، فقال لهم كلامًا آخر مغايرًا، وذهب إلى غطفان وقال لهم كلامًا مغايرًا عن السابق، حتى اضطرب القوم، وكل منهم يقول لأصحابه: صدق نعيم بما قاله، فتباعد كل فريق عن الآخر، ووقعت بينهم الوقيعةُ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾ [الأحزاب: 25]، وقد حصل النصر للمسلمين على عدوهم من خلال عوامل عديدة بإذن الله تعالى، من أهمها ما يلي:
أولًا: حفر الخندق الذي حال بين المسلمين والكفار، وهو تجربة فارسية.

الثاني: الريح التي أرسلها الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [الأحزاب: 9]، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: نُصرت بالصَّبا وأهلكت عاد بالدَّبور؛ متفق عليه.

العامل الثالث في نصر المسلمين في الأحزاب: موقف نعيم بن مسعود رضي الله عنه، فعندما أسلم ذهب ليخذِّل الأحزاب ويخالف بينهم.

العامل الرابع: الدعاء، فهو سلاح كبير وعظيم، فقد دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اهزِم الأحزاب، اللهم اهزِمهم وزلزِلهم؛ متفق عليه، وفي رواية صحيحة: وانصُرنا عليهم، ومن أعظم نتائج غزوة الأحزاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه رضي الله عنهم متفائلًا ومستشعرًا نصرَ الله عز وجل حين انصرف الأحزاب أذلاءَ صاغرين، فقد قال لهم: الآن نغزوهم ولا يَغزوننا، نحن نسير إليهم؛ رواه البخاري، وفي رواية أخرى حسنة قال: لا يغزونكم بعد هذا أبدًا، ولكن أنتم تغزونهم.

وفعلًا بعد تلك الغزوة سار المسلمون إلى الكفار يغزونهم، فقد سار المسلمون إلى مكة معتمرين بعد الأحزاب، وتوالت الفتوح بدءًا بفتح مكة في السنة الثامنة، ثم حنين، وهكذا حتى دخل الناس في دين الله تعالى أفواجًا، وأما الأحزاب فلم يغزو المدينة بعد ذلك، وفي هذا علم من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، وقد ظهرت مظاهر القدرة الإلهية في غزوة الأحزاب، فأرسل الله تعالى تلك الريح الباردة في الليالي الشاتية، فأكفأت قدورَهم وأطفأت نيرانهم، وهدمت خيامهم، وأرسل الله تعالى مع الريح ملائكة تُزلزلهم، وتلقي الرعب في قلوبهم، فامتلأت قلوبهم رعبًا وخوفًا؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ولولا أن جعل الله رسوله رحمة للعالمين؛ حيث قال تعالى: وما الله ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 33]، لولا ذلك وذاك، لكانت هذه الريح كالريح العقيم على عاد، ويلتمس أيضًا الإمام ابن كثير رحمه الله حكمة وملحة، فيقول: حيث اجتمعوا بسبب الرأي والهوى، فقد سلط الله عليهم الهواء الذي فرَّقهم، فكما جمعهم هوى فقد فرَّقهم أيضًا هواء، ولما حصلت تلك الريح وساءت حالهم، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من رجل يقوم، فينظُر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة، قال حذيفة: فما قام أحد من شدة الجوع والبرد والخوف، فلما لم يقم أحد دعاني عليه الصلاة والسلام، فقال: اذهَب فادخل في القوم، فانظُر ماذا يفعلون، ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا، قال حذيفة فذهبت وتسلَّلت حتى دخلت في القوم، فرأيت الريح وجنود الله تعالى تفعل بهم الأفاعيل، فكأنهم توجسوا أن أحدًا دخل عليهم، فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، ليَنظر كل امرئ من جليسه، قال حذيفة رضي الله عنه، فبادرت مَن عن يميني وعن يساري، فقلت من أنت? فلما انتهيت رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي، فلما سلَّم، أخبرته خبرهم، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاني أن أُحدث شيئًا لقتلت أبا سفيان زعيمهم، وبعد ذلك أَذِنَ الرسول عليه الصلاة والسلام للمسلمين في الانصراف إلى المدينة وهم يقولون: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وكان انصرافهم في أواخر ذي القعدة، وهكذا تكالب الأحزاب والقبائل، ورجعوا خاسئين خاسرين خائبين، أذلاءَ صاغرين، وهي سنة الله تعالى في نصر أوليائه، وكبت أعدائه إلى قيام الساعة، فلله الحمد أولًا وآخرًا.

ونختتم حلقتنا هذه أيها المستمعون والمستمعات الكرام ببعض الدروس والعبر المستفادة مما سبق عرضه، فمن ذلك ما يلي:
أولًا: في هذه الغزوة سنة إلهية وحكمة ربانية تستحق التأمل؛ لأن فيها فرجًا ومخرجًا للنفوس، واطمئنانًا لِما في الصدور، وهي أنه كلما زادت الشدة، فإن الفرج على أثرها، ويَتبعها، وتلك الغزوة مثال ونموذج على هذا، وقد قال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لن يغلب عسرٌ يسرين، ففي تلك الآية العسر جاء معرفًا، فالأول هو الثاني نفسه، لكن اليسر جاء منكرًا، ومن ثم يختلف الثاني عن الأول، ففي الآية عسر واحد ويسران، فإن من ابتُلي بشدة وعسر، وتأمَّل مثل هذه القواعد، فإنه يحسن الظن بربه عز وجل، وينتظر الفرج ويتفاءل بحصوله، وإذا كان كذلك، فسيحصل عنده الاطمئنان والراحة بقدر ما عنده من التفاؤل وحسن الظن، فليستقل أو ليستكثر، أما من تخلف عن فكره تلك القاعدة العظيمة، فقد يعيش في أوهام ومخاوف قد تتجدد وتتكاثر، وتفتح باب الشيطان، ففي تلك الغزوة ومع شدتهم وضيقهم، قالوا: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22]، فتفاءلوا وأحسنوا ظنَّكم بربكم رحمكم الله.

الدرس الثاني في تلك الغزوة: أنهم انشغلوا بالقتال ومدافعة العدو عن صلاتهم، وذلك أنهم لم يستطيعوا أن يجمعوا بين الصلاة والمدافعة، وذلك قبل نزول صلاة الخوف، فكان تأسُّفهم رضي الله عنهم على فوات صلاتهم، وهم بذلك معذورون ومعهم نبيهم عليه الصلاة والسلام، فتأسفوا كل الأسف وندموا كل الندم على فواتها عن وقتها، انشغالًا بمدافعة ذلك العدو الذي لو انشغلوا عنه لاستأصلهم، فأين الذين يؤخرون صلواتهم عن أوقاتها بلا عذر أو بنومٍ لا يُعذرون فيه، فإن جملة كبيرة من أهل العلم قالوا: إذا أخَّر المسلم الصلاة عن وقتها عمدًا بلا عذرٍ فلا تصح منه ولو صلاها مرارًا؛ لأنها ليست في وقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ؛ أي مردود على صاحبه، ومثلوا لذلك بمن أخَّر صيام رمضان إلى غيره من الشهور بلا عذرٍ، أو أخر الحج إلى غيره من الشهور، فإنه لا يُقبل منه صيام ولا حج، قالوا: والصلاة أعظم من الصيام والحج، فليتقِ الله تعالى أولئك الذين هم عن صلاتهم ساهون، فيجمعون الصلاة مع الأخرى بغير عذرٍ، فهم على خطر عظيم من الكفر، كما قاله جمع من السلف، فعليهم أن يتوبوا ويرجعوا.

ألا يخشى أولئك أن تُقبض أرواحُهم وهم لم يُصلوا؟ فبماذا يقابلون ربهم عز وجل? وهم لاهون غير معذورين، فليس كل نوم عذرًا مبيحًا لتأخير الصلاة، فاتقوا الله تعالى تفلحوا في الدارين.

الدرس الثالث: في موقف نعيم بن مسعود رضي الله عنه درس في أن الحرب خَدعة، فهو قال كلامًا، ونقله بين الأحزاب وهو ليس حقيقيًّا، لكنه فيه مصلحة للمسلمين وتفريق للكافرين، وقد أَذِنَ له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فحصل به فرج للمسلمين بتوفيق الله تعالى، ويشبه هذا ما يكون للإصلاح بين المتخاصمين، فالمصلح له أن ينقل كلامًا بين المتشاحنين ليصلح بينهما، وليحرص أن يكون ذلك من المعاريض إن أمكَن، فيقصد به وجهًا ويفهمون هم وجهًا آخر للكلام، فالإصلاح بين المتخاصمين عمل صالح كبير وثوابه جزيل، وما يقال في سبيل الإصلاح لعله مغفور مقابل تلك المصلحة العظيمة، وهو الصلح بين المتخاصمين.

الدرس الرابع: في الأحزاب أرسل الله تعالى الريح وهي جندٌ من جند الله، يرسلها على من خالف أمره واتَّبع هواه، فجنود الله تعالى عظيمة وكثيرة، وليخشَ العصاة المجاهرون أن يقع عليهم شيءٌ من جنود الله تعالى من مرض أو وباء، أو فقر مُدقعٍ، أو تسلُّط عدوٍّ، أو نقصٍ في المعيشة، أو غير ذلك، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرون.

فإن المعصية إذا خَفيت فهي على صاحبها، أما إذا جهر بها ولم تُنكر، فتعم، فلنتقِ الله تعالى في أفعالنا وأقوالنا، ولنعلَم أن الله عز وجل أنعم علينا بنعم قد صرَفها عن غيرنا، أما نخشى أن يَصرفها عنا.

الدرس الخامس: الدعاء سلاح عظيم وجسيم، وهو طريق لتفريج الكربات والمضايق، سلكه الأنبياء والصالحون، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا في الأحزاب على العدو، فاستجاب الله عز وجل دعوته، فكن أخي المستمع الكريم في جميع أحوالك ملازمًا للدعاء، وعندما تدعو فافتتحه بالحمد والثناء على الله وحسن الظن به، وتوسل بقولك: يا ألله يا حي يا قيوم، وأظهر حاجتك وعجزك، فالله عز وجل قريب مجيب، والبعض منا قد يسلك الأسباب المادية وينسى الدعاء، بقضاء حاجاته وتفريجها، واعلم أنك إذا دعوت فلك بدعائك إحدى ثلاث؛ إما أن تُعطى ما سألت، أو يُدَّخر لك ذلك حسنات يوم القيامة، أو أن يُدفع عنك بلاءٌ سيقع عليك، فيدفعه الله عنك، فأنت رابح في جميع أحوالك، فإذا كنت تدعو الله تعالى لقضاء حاجاتك وتحمده أيضًا بعد قضائها، فستدعو وتحمد خلال حياتك بملايين المرات، فيا بشراك بذلك، فاجعل ذلك سجية لك أنك في جميع حاجاتك تدعو، وإذا قضيت تلك الحاجة تحمد، فما أحوجنا إلى تلك اللمسات أن تكون واقعًا لنا.

الدرس السادس: في غزوة الأحزاب شيء من دلائل النبوة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأن الأحزاب لن يغزوَهم، وقد حصل ذلك فعلًا، فلم يغزوهم في المدينة بعد غزوة الأحزاب، وكل معجزاته عليه الصلاة والسلام هي دلائل على صحة نبوته عليه الصلاة والسلام، فإذا تأمَّلها المسلم زاد علمًا ويقينًا وإيمانًا وثباتًا، وزالت عنه الشُّبه واتَّضح له الحق.

الدرس السابع: أهمية التفاؤل في حياة المسلم، فما أضيقَ الحالة التي مرت بالمسلمين في الأحزاب? ومع ذلك كانوا متفائلين ومحسنين الظن بالله عز وجل، ففي جميع أحوالك - وخصوصًا ما ضاق منها - كن متفائلًا؛ لأنك إن تفاءلت كان هذا التفاؤل رسائل إيجابية للضمير، فيرتاح ولو نسبيًّا، ويخف عليه وطأة المشكلة، وذلك الضيق، أما لو لم يتفاءل وبَقِيَ على ضيقه وتشاؤمه، فسيفتح على نفسه باب الوساوس والتفكير، وسيرسل من خلال ذلك رسائل سلبية للضمير، فيزيد الضيق ضيقًا والإشكال إشكالًا، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التفاؤل؛ لأنه شرح للنفس وطُمأنينة لها، وسلامة للقلب، وطريق للحل والوصول إليه، وعلى أقل أحواله هو علاج مناعي عن زيادة الأمراض المزمنة، فلنتفاءل حتى ولو بلغت القلوب الحناجر.

الدرس الثامن: أن الصلاة إذا فاتت بعذرٍ، وأراد المسلم تأديتها، فليُصلها كما كان، يُصليها كل يوم، فالجهرية يَجهر بها ولو قُضيت في وقت سرٍّ، كالفجر في وقت الضحى، والسرية تُصلى سرًّا، ولو قضيت في الليل، فالقضاء يحكي الأداء، أما من أخرها عن وقتها بلا عذرٍ كمن يضع المنبه لصلاة الفجر في وقت الضحى، فيستيقظ ويصلي، ثم يذهب إلى عمله، فإني أهمس في أذنه ما يلي:
أولًا: إن هذا الفعل مخالفة للفطرة والشريعة، فهي صلاة في غير وقتها، فقد افتقدت شرطًا مهمًّا من شروط الصلاة وهو الوقت؛ لأنها بغير عذرٍ، ولأن النوم والحالة هذه ليس عذرًا شرعيًّا.

ثانيًا: ماذا لو ختمت حياته قبل استيقاظه، وقد تعمَّد تأخير الصلاة عن وقتها، فما جوابه لربه عز وجل؟

ثالثًا: إن المنافقين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ويؤخرون الصلاة، ويصلون في بيوتهم، وهذا تشبُّه بهم.

رابعًا: إن هذا وأمثاله كيف يكونون في ذمة الله تعالى وهم لم يطيعوا الله عز وجل في تأدية الصلاة في وقتها.

خامسًا: إن هذا الفعل فيه رضا للشيطان، فهو يريد ذلك الفعل؛ ليفسد على المسلم دينه.

سادسًا: إن هذا وأمثاله لو تاب توبة صادقة، فإن له أربعًا من البشارة، الأولى تمحى عنه سيئاته التي كُتبت عليه، والثانية أنها تقلب إلى حسنات، والثالثة أن الله عز وجل يفرح بتوبته فرحًا شديدًا، والرابعة أن الملائكة تستغفر له وتدعو له، فحَيهلًا أيها المستمعون والمستمعات الكرام على التوبة وتحصيل تلك البشريات، فهي خير عظيم في الدارين.

إن دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي منهج يسير عليه المسلم؛ تزكيةً لنفسه وسلامة لقلبه، وشرحًا لصدره، وتصحيحًا لمفاهيمه، فماذا لو قرأت في كل يوم ولو عشر دقائق أو صفحة من كتاب، فستدرك بذلك شيئًا كثيرًا وجليلًا وجميلًا من السيرة النبوية في وقت يسير، فابدأ أخي المستمع الكريم، واستمر فأنت تقرأ سيرة أعظم رجل في التاريخ، وهو محمد عليه الصلاة والسلام، وما تقرأه أيضًا اذكره في مجالسك لتفيد وتستفيد، وهذا من طلب العلم ونشره، فسيُيسر الله عز وجل لك طريقًا إلى الجنة؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)، فما أحوجك أخي المستمع الكريم أن تجعل لك في دنياك هذه طرقًا توصلك إلى الجنة، ومن هذه الطرق أن تبدأ بقراءة سيرة النبي صلى الله وسلم، مستخرجًا منها الدروس والعبر، ولتكون منهجًا لك ولأولادك ولأقربائك ولجلسائك، وكل مَن عَلِمَ علمًا من تلك السيرة عن طريقك، فإن لك مثل أجره.

أسال الله تبارك وتعالى أن يَجعلنا من عباده المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

اللهم ارزُقنا قلوبًا صادقة، وعقولًا زاكية راشدة، ووفِّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]