عرض مشاركة واحدة
  #486  
قديم 19-03-2023, 12:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الزُّخْرُفِ
الحلقة (486)
صــ 311 إلى صــ 320




ولما جاءهم يعني قريشا في قول الأكثرين . وقال قتادة: هم اليهود . والحق القرآن .
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون . [ ص: 311 ] ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون . ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون . وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين .

قوله تعالى: وقالوا لولا أي: هلا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أما القريتان، فمكة والطائف، قاله ابن عباس، والجماعة; وأما عظيم مكة، ففيه قولان .

أحدهما: الوليد بن المغيرة القرشي، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، [وبه قال قتادة، والسدي] .

والثاني: عتبة بن ربيعة، قاله مجاهد .

وفي عظيم الطائف خمسة أقوال .

أحدها: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني: مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث: أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه ليث عن مجاهد، وبه قال قتادة .

والرابع: [أنه] ابن عبد ياليل، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والخامس: كنانة بن عبد [بن] عمرو بن عمير الطائفي، قاله السدي .

[ ص: 312 ] فقال الله عز وجل ردا عليهم وإنكارا: أهم يقسمون رحمت ربك يعني النبوة، فيضعونها حيث شاؤوا، لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا .

نحن قسمنا بينهم معيشتهم المعنى أنه إذا كانت الأرزاق بقدر الله، لا بحول المحتال -وهو دون النبوة- فكيف تكون النبوة؟! قال قتادة: إنك لتلقى ضعيف الحيلة عيي اللسان قد بسط له الرزق، وتلقى شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه .

قوله تعالى: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات فيه قولان: أحدهما: بالغنى والفقر . والثاني: بالحرية والرق ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وقرأ ابن السميفع، وابن محيصن: "سخريا" بكسر السين . ثم فيه قولان .

أحدهما: يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فيلتئم قوام العالم، وهذا على القول الأول .

والثاني: ليملك بعضهم بعضا بالأموال فيتخذونهم عبيدا، وهذا على الثاني .

[ ص: 313 ] قوله تعالى: ورحمت ربك فيها قولان . أحدهما: النبوة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله ابن عباس . والثاني: الجنة خير مما يجمعون في الدنيا، قاله السدي .

قوله تعالى: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة فيه قولان . أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله ابن عباس . والثاني: على إيثار الدنيا على الدين، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة لهوان الدنيا عندنا . قال الفراء: إن شئت جعلت اللام في "لبيوتهم" مكررة، كقوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [البقرة: 217]، وإن شئت جعلتها بمعنى "على"، كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم، تقول للرجل: جعلت لك لقومك الأعطية، أي: جعلتها من أجلك لهم .

قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : "سقفا" على التوحيد . وقرأ الباقون: :سقفا" بضم السين والقاف جميعا .

قال الزجاج : والسقف واحد يدل على الجمع; فالمعنى: جعلنا لبيت كل واحد منهم سقفا من فضة ومعارج وهي الدرج; والمعنى: وجعلنا معارج [ ص: 314 ] من فضة، وكذلك "ولبيوتهم أبوابا" أي: من فضة "وسررا" أي: من فضة .

قوله تعالى: عليها يظهرون قال ابن قتيبة : أي: يعلون، يقال: ظهرت على البيت: إذا علوت سطحه .

قوله تعالى: وزخرفا وهو الذهب; والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهبا وغنى وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا المعنى: لمتاع الحياة الدنيا، و "ما" زائدة وقرأ عاصم، وحمزة "لما" بالتشديد، فجعلاه بمعنى "إلا"; والمعنى: إن ذلك يتمتع به قليلا ثم يزول والآخرة عند ربك للمتقين خاصة لهم .
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين . وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون . حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين . ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب [ ص: 315 ] مشتركون . أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين .

قوله تعالى: ومن يعش فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: يعرض، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والفراء، والزجاج .

والثاني: يعم، روي عن ابن عباس أيضا، وبه قال عطاء، وابن زيد .

والثالث: أنه البصر الضعيف، حكاه الماوردي . وقال أبوعبيدة: تظلم عينه عنه . وقال الفراء: من قرأ: "يعش"، فمعناه: يعرض، ومن نصب الشين، أراد: يعم عنه; قال ابن قتيبة : لا أرى القول إلا قول أبي عبيدة، ولم نر أحدا يجيز "عشوت عن الشيء": أعرضت عنه، إنما يقال: "تعاشيت عن كذا"، أي: تغافلت عنه، كأني لم أره، ومثله: تعاميت، والعرب تقول: "عشوت إلى النار": إذا استدللت إليها ببصر ضعيف، قال الحطيئة:



متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد


ومنه حديث ابن المسيب: "أن إحدى عينيه ذهبت، وهو يعشو بالأخرى"، أي: يبصر بها بصرا ضعيفا .

قال المفسرون: "ومن يعش عن ذكر الرحمن" فلم يخف عقابه ولم يلتفت إلى كلامه "نقيض له" أي: نسبب له "شيطانا" فنجعل ذلك جزاءه "فهو له قرين" لا يفارقه .

[ ص: 316 ] وإنهم يعني الشياطين ليصدونهم يعني الكافرين، أي: يمنعونهم عن سبيل الهدى; وإنما جمع، لأن "من" في موضع جمع، ويحسبون يعني كفار بني آدم أنهم على هدى .

حتى إذا جاءنا وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: "جاءنا" واحد، يعني الكافر . وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: "جاءانا" بألفين على التثنية، يعنون الكافر وشيطانه . وجاء في التفسير أنهما يجعلان يوم البعث في سلسلة، فلا يفترقان حتى يصيرهما الله إلى النار، قال الكافر للشيطان: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين أي: بعد ما بين المشرقين; وفيهما قولان .

أحدهما: أنهما مشرق الشمس في أقصر يوم في السنة، ومشرقها في أطول يوم، قاله ابن السائب، ومقاتل .

والثاني: أنه أراد المشرق والمغرب، فغلب ذكر المشرق، كما قالوا: سنة العمرين، يريدون: أبا بكر وعمر، وأنشدوا من ذلك:



أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع



يريد: الشمس والقمر; وأنشدوا:



فبصرة الأزد منا والعراق لنا والموصلان ومنا مصر والحرم



يريد: الجزيرة والموصل، [وهذا اختيار الفراء، والزجاج] .

[ ص: 317 ] قوله تعالى: فبئس القرين أي: أنت أيها الشيطان . ويقول الله عز وجل يومئذ للكفار: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أي: أشركتم في الدنيا أنكم في العذاب مشتركون أي: لن ينفعكم الشركة في العذاب، لأن لكل واحد منه الحظ الأوفر . قال المبرد: منعوا روح التأسي، لأن التأسي يسهل المصيبة، وأنشد للخنساء أخت صخر بن مالك في هذا المعنى



ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي


وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي



وقرأ ابن عامر: "إنكم" بكسر الألف .

ثم أخبر عنهم بما سبق لهم من الشقاوة بقوله: أفأنت تسمع الصم الآية .
فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون . أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون . فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم . وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون .

قوله تعالى: فإما نذهبن بك قال أبو عبيدة: معناها: فإن نذهبن; وقال الزجاج : دخلت "ما" توكيدا للشرط، ودخلت النون الثقيلة في "نذهبن" توكيدا أيضا; والمعنى: إنا ننتقم منهم إن توفيت أو نرينك ما وعدناهم ووعدناك فيهم من النصر . قال ابن عباس: ذلك يوم بدر . وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله: فإما نذهبن بك منسوخ بآية السيف، ولا وجه [له] .

[ ص: 318 ] قوله تعالى: وإنه يعني القرآن لذكر لك أي: شرف لك بما أعطاك الله ولقومك في قومه ثلاثة أقوال . أحدها: العرب قاطبة . والثاني: قريش . والثالث: جميع من آمن به . وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل: لمن هذا الأمر من بعدك؟ لم يخبر بشيء، حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا سئل قال: "لقريش" . وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من هذا أنه يلي على المسلمين بحكم النبوة وشرف القرآن، وأن قومه يخلفونه من بعده في الولاية لشرف القرآن الذي أنزل على رجل منهم . ومذهب مجاهد أن القوم هاهنا: العرب، والقرآن شرف لهم إذ أنزل بلغتهم . قال ابن قتيبة : إنما وضع الذكر موضع الشرف، لأن الشريف يذكر . وفي قوله: وسوف تسألون قولان . أحدهما: عن شكر ما أعطيتم من ذلك . والثاني: عما لزمكم فيه من الحقوق .
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون . ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون [ ص: 319 ] وملئه فقال إني رسول رب العالمين، فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون . وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون . وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون . فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون . ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون . أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين . فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين . فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين . فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين . فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين .

قوله تعالى: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا إن قيل: كيف يسأل الرسل وقد ماتوا قبله؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه لما أسري به جمع له الأنبياء فصلى بهم، ثم قال [له] جبريل: سل من أرسلنا قبلك . . . الآية . فقال: لا أسأل، قد اكتفيت، رواه عطاء عن ابن عباس، وهذا قول سعيد بن جبير، والزهري، وابن زيد; قالوا: جمع له الرسل ليلة أسري به، فلقيهم، وأمر أن يسألهم، فما شك ولا سأل .

والثاني: أن المراد: [اسأل] مؤمني أهل الكتاب [من] الذين أرسلت إليهم الأنبياء، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي في آخرين . قال ابن الأنباري: والمعنى: سل أتباع من أرسلنا قبلك، [ ص: 320 ] كما تقول: السخاء حاتم، أي: سخاء حاتم، والشعر زهير، أي: شعر زهير . وعند المفسرين أنه لم يسأل على القولين . وقال الزجاج : هذا سؤال تقرير، فإذا سأل جميع الأمم، لم يأتوا بأن في كتبهم: أن اعبدوا غيري .

والثالث: [أن] المراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: خطاب أمته، فيكون المعنى: سلوا، قاله الزجاج . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: إذا هم منها يضحكون استهزاء بها وتكذيبا .

وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها يعني ما ترادف عليهم من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس، فكانت كل آية أكبر من التي قبلها، وهي العذاب المذكور في قوله: وأخذناهم بالعذاب ، فكانت عذابا لهم، ومعجزات لموسى عليه السلام .

قوله تعالى: وقالوا يا أيه الساحر في خطابهم له بهذا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أرادوا: يا أيها العالم، وكان الساحر فيهم عظيما، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنهم قالوه على جهة الاستهزاء، قاله الحسن .

والثالث: أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر، قاله الزجاج .

قوله تعالى: إننا لمهتدون أي: مؤمنون بك . فدعا موسى، فكشف عنهم، فلم يؤمنوا . وقد ذكرنا ما تركناه هاهنا في [الأعراف: 135] .

قوله تعالى: تجري من تحتي أي: من تحت قصوري أفلا تبصرون عظمتي وشدة ملكي؟!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]