عرض مشاركة واحدة
  #485  
قديم 19-03-2023, 12:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الزُّخْرُفِ
الحلقة (485)
صــ 301 إلى صــ 310






[ ص: 301 ] سُورَةُ الزُّخْرُفِ

هِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ مَكِّيَّةٌ، إِلَّا آيَةً، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا [الزُّخْرُفِ: 45] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ . أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ . وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ . وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ . وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمُ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .

[ ص: 302 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: حم قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ [الْمُؤْمِنِ] .

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ قَسَمٌ بِالْقُرْآنِ .

إِنَّا جَعَلْنَاهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنْزَلْنَاهُ . وَمَا بَعْدَ هَذَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ [النِّسَاءِ: 82، يُوسُفَ: 2] إِلَى قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ يَعْنِي الْقُرْآنَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ قَالَ الزَّجَّاجُ : أَيْ: فِي أَصْلِ الْكِتَابِ، وَأَصْلُ كُلِّ شَيْءٍ: أُمُّهُ، وَالْقُرْآنُ مُثْبَتٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَدَيْنَا أَيْ: عِنْدَنَا لَعَلِيٌّ أَيْ: رَفِيعٌ .

وَفِي مَعْنَى الْحَكِيمِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: مُحْكَمٌ، أَيْ: مَمْنُوعٌ مِنَ الْبَاطِلِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: حَاكِمٌ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِالْجَنَّةِ وَلِأَهْلِ الْكُفْرِ بِالنَّارِ، ذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَالْمَعْنَى: إِنْ كَذَّبْتُمْ بِهِ يَا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا شَرِيفٌ عَظِيمُ الْمَحَلِّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَيْ: نُمْسِكُ عَنْكُمْ فَلَا نَذْكُرُكُمْ صَفْحًا، أَيْ: إِعْرَاضًا، يُقَالُ: صَفَحْتُ عَنْ فُلَانٍ: إِذَا أَعْرَضْتُ عَنْهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُوَلِّيَهُ صَفْحَةَ عُنُقِكَ، قَالَ كُثَيِّرٌ يَصِفُ امْرَأَةً:



صَفُوحًا فَمَا تَلْقَاكَ إِلَّا بَخِيلَةً فَمَنْ مَلَّ مِنْهَا ذَلِكَ الْوَصْلَ مَلَّتِ


أَيْ: مُعْرِضَةً بِوَجْهِهَا، يُقَالُ; ضَرَبْتُ عَنْ فُلَانٍ كَذَا: إِذَا أَمْسَكْتَهُ وَأَضْرَبْتَ عَنْهُ . أَنْ كُنْتُمْ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ: "أَنْ كُنْتُمْ" بِالنَّصْبِ، أَيْ: لِأَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ . وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، [ ص: 303 ] وَالْكِسَائِيُّ: "إِنْ كُنْتُمْ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، أَيْ: إِنْ تَكُونُوا مُسْرِفِينَ نَضْرِبْ عَنْكُمُ الذِّكْرَ .

وَفِي الْمُرَادِ بِالذِّكْرِ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذِكْرُ الْعَذَابِ، فَالْمَعْنَى: أَفَنُمْسِكُ عَنْ عَذَابِكُمْ وَنَتْرُكُكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ؟! وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالسُّدِّيِّ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْقُرْآنُ، فَالْمَعْنَى: أَفَنُمْسِكُ عَنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِهِ؟! وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ، وَابْنِ زَيْدٍ .

وَقَالَ قَتَادَةُ: "مُسْرِفِينَ" بِمَعْنَى مُشْرِكِينَ .

ثُمَّ أَعَلَمَ نَبِيَّهُ أَنِّي قَدْ بَعَثْتُ رُسُلًا فَكُذِّبُوا فَأَهْلَكْتُ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآيَاتِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَشَدَّ مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ قُرَيْشٍ بَطْشًا أَيْ: قُوَّةً وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ أَيْ: سَبَقَ وَصْفُ عِقَابِهِمْ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ . وَقِيلَ: سَبَقَ تَشْبِيهُ حَالِ أُولَئِكَ بِهَؤُلَاءِ فِي التَّكْذِيبِ، فَسَتَقَعُ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِهْلَاكِ .

ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ جَهْلِهِمْ حِينَ أَقَرُّوا بِأَنَّهُ خَالِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ عَبَدُوا غَيْرَهُ بِالْآيَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ; ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا مُفَسَّرَةٌ فِي [طَه: 53] إِلَى قَوْلِهِ: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أَيْ: لِكَيْ تَهْتَدُوا فِي أَسْفَارِكُمْ إِلَى مَقَاصِدِكُمْ .
والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون . والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين . وإنا إلى ربنا لمنقلبون .

[ ص: 304 ] قوله تعالى: والذي نزل من السماء ماء بقدر قال ابن عباس: يريد أنه ليس كما أنزل على قوم نوح بغير قدر فأغرقهم، بل هو بقدر ليكون نافعا . ومعنى "أنشرنا": أحيينا .

قوله تعالى: كذلك تخرجون قرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر: "تخرجون" بفتح التاء وضم الراء; والباقون بضم التاء وفتح الراء . وما بعد هذا قد سبق [يس: 36، 42] إلى قوله تعالى: لتستووا على ظهوره قال أبو عبيدة: هاء التذكير لـ "ما" .

ثم تذكروا نعمة ربكم إذ سخر لكم ذلك المركب في البر والبحر، وما كنا له مقرنين قال ابن عباس ومجاهد: أي: مطيقين، قال ابن قتيبة : يقال: أنا مقرن لك، أي: مطيق لك، ويقال: هو من قولهم: أنا قرن لفلان: إذا كنت مثله في الشدة، فإن قلت: أنا قرن لفلان -بفتح القاف- فمعناه: أن تكون مثله بالسن . وقال أبو عبيدة: "مقرنين" أي: ضابطين، يقال: فلان مقرن لفلان، أي: ضابط له .

قوله تعالى: وإنا إلى ربنا لمنقلبون أي: راجعون في الآخرة .
[ ص: 305 ] وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين . أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين . وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم . أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين .

قوله تعالى: وجعلوا له من عباده جزءا أما الجعل هاهنا، فمعناه: الحكم بالشيء، وهم الذين زعموا أن الملائكة بنات الله; والمعنى: جعلوا له نصيبا من الولد، قال الزجاج : وأنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى "جزء" معنى الإناث -ولا أدري البيت قديم أو مصنوع-:



إن أجزأت حرة، يوما، فلا عجب قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا


أي: آنثت، ولدت أنثى .

قوله تعالى: إن الإنسان يعني الكافر لكفور أي: جحود لنعم الله عز وجل مبين أي: ظاهر الكفر .

ثم أنكر عليهم فقال: أم اتخذ مما يخلق بنات وهذا استفهام توبيخ وإنكار وأصفاكم أي: أخلصكم بالبنين .

وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا أي: بما جعل لله شبها، وذلك أن ولد كل شيء شبهه وجنسه . والآية مفسرة في [النحل: 58] .

[ ص: 306 ] قوله تعالى: أومن ينشأ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: "ينشأ" بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين; وقرأ الباقون: بفتح الياء وسكون النون . قال المبرد: تقديره: أو يجعلون من ينشأ في الحلية . قال أبو عبيدة: الحلية: الحلى .

قال المفسرون: والمراد بذلك: البنات، فإنهن ربين في الحلي . والخصام بمعنى المخاصمة، غير مبين حجة . قال قتادة: قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها .

وقال بعضهم: هي الأصنام .
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون . وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون . أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون . بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون . وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون . فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين .

قوله تعالى: وجعلوا الملائكة قال الزجاج : الجعل هاهنا بمعنى القول والحكم على الشيء، تقول: قد جعلت زيدا أعلم الناس، أي: قد وصفته بذلك وحكمت به . قال المفسرون: وجعلهم الملائكة إناثا قولهم: هن بنات الله .

[ ص: 307 ] قوله تعالى: الذين هم عباد الرحمن قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب، وأبان عن عاصم، والشيزري عن الكسائي: "عند الرحمن" بنون من غير ألف وقرأ الباقون: "عباد الرحمن"، ومعنى هذه القراءة: جعلوا له من عباده بنات . والقراءة الأولى موافقة لقوله: إن الذين عند ربك [الأعراف: 206]، وإذا كانوا في السماء كان أبعد للعلم بحالهم . أشهدوا خلقهم؟ قرأ نافع، والمفضل عن عاصم: "أأشهدوا" بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مضمومة . وروى المسيبي عن نافع: "أو شهدوا" ممدودة من أشهدت، والباقون لا يمدون .

"أشهدوا" من شهدت، أي: أحضروه فعرفوا أنهم إناث؟! وهذا توبيخ لهم إذ قالوا فيما يعلم بالمشاهدة من غير مشاهدة . ستكتب شهادتهم على الملائكة أنها بنات الله وقال مقاتل: لما قال الله عز وجل: "أشهدوا خلقهم؟"، سئلوا عن ذلك فقالوا: [لا]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فما يدريكم أنها إناث؟" فقالوا: سمعنا من آبائنا، ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله: ستكتب شهادتهم ويسألون عنها في الآخرة . وقرأ أبو رزين، ومجاهد: "سنكتب" بنون مفتوحة "شهادتهم" بنصب التاء، ووافقهم ابن أبي عبلة في "سنكتب" وقرأ: "شهاداتهم" بألف .

قوله تعالى: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم في المكني عنهم قولان . أحدهما: أنهم الملائكة، قاله قتادة ، ومقاتل في آخرين . والثاني: الأوثان، قاله مجاهد . وإنما عنوا بهذا أنه لو لم يرض عبادتنا لها لعجل عقوبتنا، فرد عليهم قولهم بقوله: ما لهم بذلك من علم . وبعض المفسرين يقول: إنما أشار بقوله: [ ص: 308 ] "ما لهم بذلك من علم" إلى ادعائهم أن الملائكة إناث; قال: ولم يتعرض لقولهم: "لو شاء الرحمن ما عبدناهم" لأنه قول صحيح; والذي اعتمدنا عليه أصح، لأن هذه الآية كقوله: لو شاء الله ما أشركنا [الأنعام: 148]، وقوله: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه [يس: 470] وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك . و "يخرصون" بمعنى: يكذبون . وإنما كذبهم، لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر دينا .

أم آتيناهم كتابا من قبله أي: من قبل هذا القرآن، أي: بأن يعبدوا غير الله فهم به مستمسكون يأخذون بما فيه .

بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة أي: على سنة وملة ودين وإنا على آثارهم مهتدون فجعلوا أنفسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حجة; ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول، فقال: وكذلك أي: وكما قالوا قال مترفو القرى من قبلهم، وإنا على آثارهم مقتدون بهم .

( قل أولو جئتكم ) وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: "قال أولو جئتكم" [بألف] . قال أبو علي: فاعل "قال" النذير، المعنى: فقال لهم النذير . وقرأ أبو جعفر: "أولو جئناكم" بألف ونون بأهدى أي: بأصوب وأرشد .

[ ص: 309 ] قال الزجاج : ومعنى الكلام: قل: أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه؟! وفي هذه الآية إبطال القول بالتقليد . قال مقاتل: فردوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا بما أرسلتم به كافرون ; ثم رجع إلى الأمم الخالية، فقال: فانتقمنا منهم . . . الآية .
وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون . إلا الذي فطرني فإنه سيهدين . وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون . بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين . ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون .

قوله تعالى: إنني براء قال الزجاج : البراء بمعنى البريء، والعرب تقول للواحد: أنا البراء منك، وكذلك للاثنين والجماعة، وللذكر والأنثى، يقولون: نحن البراء منك والخلاء منك، لا يقولون: نحن البراءان منك، ولا البراءون منك، وإنما المعنى: أنا ذو البراء منك، ونحن ذوو البراء منك، [ ص: 310 ] كما يقال: رجل عدل، وامرأة عدل . وقد بينا استثناء إبراهيم ربه عز وجل مما يعبدون عند قوله: إلا رب العالمين [الشعراء: 77] .

قوله تعالى: وجعلها يعني كلمة التوحيد، وهي "لا إله إلا الله" كلمة باقية في عقبه أي: فيمن يأتي بعده من ولده، فلا يزال فيهم موحد لعلهم يرجعون إلى التوحيد كلهم إذا سمعوا أن أباهم تبرأ من الأصنام ووحد الله عز وجل .

ثم ذكر نعمته على قريش فقال: بل متعت هؤلاء وآباءهم والمعنى: إني أجزلت لهم النعم ولم أعاجلهم بالعقوبة حتى جاءهم الحق وهو القرآن ورسول مبين وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ينبغي لهم أن يقابلوا النعم بالطاعة للرسول، فخالفوا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]