عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 21-02-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,991
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان

شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 131الى صــ 145
(8)
المجلد الاول
كتاب الصيام



مسألة:
وإذا رأى الهلال وحده؛ صام.

هذا إحدى الروايتين عن أحمد, وعليه عامة أصحابنا: أنه إذا رأى الهلال وحده؛ لزمه الصوم, وإن ردت شهادته, وإن كان فاسقاً.
وكذلك لو كان عدلاً, وقلنا: لا يقبل في هلال رمضان إلا عدلان؛ فإنه يلزمه الصوم.
قال في رواية صالح وقد سأله: إذا رأى هلال شوال وحده هل يفطر أو رأى هلال رمضان أيصوم؟
فقال: أما الصوم؛ فأعجب إليَّ أن يصوم, وأما الفطر؛ فيتهم نفسه.
فقد أمره بالصوم, ومنعه من الفطر.
وقال في رواية صالح: من رأى هلال رمضان وحده؛ يصوم ولا يفطر, وأما شوال؛ فلا.
وأما رمضان؛ فتجوز شهادة رجل واحد, وحمل أصحابنا هذا على الإيجاب.
والرواية الثانية: لا يصوم إذا انفرد برؤيته وردت شهادته, أو قلنا: لا يقبل إلا اثنان.

قال في رواية حنبل في رجل رأى هلال رمضان وحده: هل ترى له أن يصوم إذا لم ير غيره؟ فقال: لا يصوم إلا في جماعة الناس, ولا يفطر حتى يفطر الإِمام.
وحملها أصحابنا على أنه لا يلزمه, وظاهر الرواية أن يكره له الصوم, ويكون في حقه يوم شك.
فأما إذا رآه في موضع ليس فيه غيره؛ فيلزمه الصوم رواية واحدة, وإن انفرد برؤيته بين الرفقة أو في قرية صغيرة ونحو ذلك:
لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1].

127 - ولما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «الصوم يوم تصومون, الفطر يوم تفطرون, وأضحاكم يوم تضحون». رواه الترمذي وقال:حسن غريب.
وقال: «صومكم يوم تصومون, وفطركم يوم تفطرون». رواه الدارقطني من حديث الواقدي عن رجال من أهل المدينة, ورواه الترمذي.
ولحديث ابن عمر وأبي سعيد.
128 - ولأن «يد الله على الجماعة, ومن شذ شذ في النار».
قد يجوز أن يكون عرض له غلط في الرؤية؛ فلا ينفرد عن الجماعة بمجرد ذلك, ولأنه أحد طرفي الشهر, فجاز أن يطرح فيه رؤية نفسه المردودة كالطرف الثاني؛ فإنه منهي عن الصوم في الطرف الأول؛ كما أنه منهي عنه في الطرف الآخر, ولأنه محكوم بأنه من شعبان في حق الكافة؛ فلا يلزمه صومه كما لو شك في الذي رآه هل هو هلال أم لا؟
ووجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته, وأفطروا لرؤيته».
الرؤية موجودة, ولأن ثقته برؤية نفسه أبلغ من ثقته بخبر غيره, ثم لو أخبره شاهدان؛ لوجب الصوم بخبرهما؛ فأن يجب بعلمه أولى وأحرى, ولأن العبد إنما يعامل الله بعلمه؛ فإذا لم يكن له علم قبل قول غيره, وهو يعلم أن هذا اليوم من رمضان.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صومكم يوم تصومون»؛ فهو في حق العامة.
وتلزم الحقوق المتعلقة به من وقوع الطلاق المعلق برمضان, وحلول الدين المؤجل عليه, وانقضاء مدة الإِجازة إلى رمضان, فيما بينه وبين الله تعالى, ذكره القاضي وابن عقيل؛ كمن علم أن عليه حقّاً لا يعلمه صاحبه ويتوجه. . . .
ولو وطئ في هذا اليوم؛ لزمته الكفارة عند أصحابنا؛ لأنا لا نعتبر في وجوبها أن يعلم الشهر بطريق مقطوع به, ولا أن نجمع على وجوبه.
مسألة:
فإن كان عدلاً صام الناس بقوله:هذا هو المشهور عن أبي عبد الله, وعليه أكثر أصحابه, وسواء كانت السماء مصحية أو متغيمة, وسواء رآه بين الناس أو قدم عليهم من خارج.

وعنه: لا يقبل إلا عدلان كسائر الشهور. رواها الميموني.
129 - لما روى حجاج بن أرطاه عن حسين بن الحارث الجدلي؛ قال: خطب عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في اليوم الذي يشك فيه, فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم, وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته, وأفطروا لرؤيته, وانسكوا لها, فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين, فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا». رواه أحمد والنسائي.

فعلق الصوم على شهادة عدلين.
130 - ولأن عثمان كان لا يجيز شهادة الواحد في الهلال. ذكره أحمد واستشهد به.
ولأنه هلال من الأهلة, فلم يثبت إلا بشاهدين كسائر الأهلة.
ولأنه إيجاب حق على الناس, فلم يجب إلا بشاهدين كسائر الحقوق.

ولأن رؤية الواحد معرضة للغلط, ولا سيما إنْ كان بين الناس والسماء مصحية, وربما يتهم في ذلك, فلا بُدَّ من إزالة الشبهة باثنين.

وجمع أبو بكر بين الروايتين فقال: إذا قدم الواحد من سفر على مصر, فخبرهم بالصيام؛ قبلوا وصاموا, وإذا كان شاهداً لهم, وحَوَاس الجميع سالمة؛ لم يقبل منه؛ إلا أن يكون شيئاً مثله يمكن أن ينفرد به الواحد, فيقبل.
ولم يختلف القول في. . . لا يقبل فيه إلا اثنين؛ فعلى هذا اعتمده؛ لأن في هذا جمعاً بين الآثار, ولأن انفراد الواحد في الصحو بين الجم الغفير بعيد جدّاً.
ووجه الأول: قوله تعالى: {. . . إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]؛ فإنه يقتضي أن لا يُتبين عند مجيء العدل, وفي رد شهادة الواحد يبين عند مجيء العدل, وفي سائر المواضع, إنما توقف في شهادة الواحد لأجل التهمة, ولكونه قد عارضها شيء آخر, وهو منتفٍ هنا.
131 - ولما روى ابن عمر؛ قال: «تراءى الناس الهلال, فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته, فصام, وأمر الناس بصيامه». رواه أبو داوود والدارقطني,وقال: تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب, وهو ثقة.

فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيامه عن رؤيته؛ لأنه ذكر ذلك بحرف الفاء, ولأنه لم يذكر شيئاً غير رؤيته, والأصل عدمه, ولأنه ذكر سبباً وحكماً, فيجب تعليقه به دون غيره.
132 - وعن عكرمة عن ابن عباس؛ قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إني رأيت الهلال (يعني: رمضان). فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟». قال: نعم. قال: «أتشهد أن محمداً رسول الله؟». قال: نعم. قال: «يا بلال! أذن في الناس فليصوموا غداً». رواه الأربعة.
وعن حماد بن سلمة, عن سماك, عن عكرمة: أنهم شكُّوا في هلال رمضان مرة, فأراد أن لا يقوموا ولا يصوموا, فجاء أعرابي من الحرة, فشهد أنه رأى الهلال, فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله؟». قال: نعم. وشهد أنه رأى الهلال, فأمر بلالاً, فنادى في الناس أن يقوموا وان يصوموا». رواه أبو داوود, وقال: رواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلاً, ولم يذكر [القيام] أحد إلا حماد بن سلمة.

وهذا نص مبين أنهم إنما صاموا بمجرد شهادة مسلم واحد.

133 - وأيضاً ما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ قال: «كنت مع البراء ابن عازب وعمر بن الخطاب في البقيع ننظر إلى الهلال, فأقبل راكب, فتلقاه عمر, فقال: من أين جئت؟ أمن المغرب؟ وفي رواية: قال: من الشام. فقال: أهللت؟ قال: نعم. قال عمر: الله أكبر, إنما يكفي المسلمين رجل واحد». رواه أحمد في «المسند» وسعيد وحرب.
وعن فاطمة بنت حسين عن علي: أنه أجاز شهادة رجل على هلال رمضان وقال: «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان». رواه سعيد وحرب.
وذكر أحمد عن ابن عمر ونحوه.

ومثل هذا يشتهر ولم ينكر, فصار إجماعاً.
وما نقل عن عثمان؛ فهو مرسل, ولعله أراد هلال الفطر.
134 - وعن عبد الملك بن ميسرة؛ قال: «شهدت المدينة في عيد, فلم يشهد على الهلال إلا رجل واحد, فأمرهم ابن عمر أن يجيزوا شهادته». رواه حرب.
وذكره أحمد, وقال: ابن عمر أجازه وحده أمره وأمر الناس بالصيام.
ولأنه إخبار بعبادة لا يتعلق بها حق آدمي, فقبل فيها قول الواحد؛ كالإِخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكالإِخبار عن مواقيت الصلاة, وجهة الكعبة, وعكسه هلال الفطر والنحر؛ فإن يتعلق بها حق آدمي من إباحة الأكل والإِحلال من الإِحرام.
ولأنه خبر عما يلزم به عبادة؛ يستوي فيها المخبر, فقبل فيها قول الواحد كالأصل.
ولأنه إنما اعتبر العدد في الشهادات خوف التهمة, وهي منتفية هنا, لأنه يلزمه من الصوم ما يلزم غيره.
ولأن قبول قوله هنا فيه احتياط وتحري فيجب اتباعه.
وعكسه هلال الفطر, وكذلك هلال النحر؛ فإنما يخاف مِنْ رد خبره ما يخاف في قبوله؛ لأن الوقوف له وقت واحد, ولأن المرئي بعيد لطيف, ونفس مطلعه غير معلوم لأكثر الناس, والأبصار مختلفة بين حديد وكليل.
وكل هذه الأسباب توجب جواز اختصاص بعض الناس برؤيته.

وحديث ابن عمر دليل على مَنْ رآه بين الناس, وهو وحديث ابن عباس دليل على حال الصحو؛ لأن عامة الرمضانات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الصيف, وقول عمر وعلي نص في قبول قول الواحد مطلقاً.
وتصلى التراويح ليلتئذٍ إذا صمنا, وإذا ثبت ذلك عند الإِمام؛ فقال القاضي: يلزم الصوم لكل أحد, سواء قلنا: يقبل فيه قول الواحد أو لا.
فأما سائر حقوق الآدميين من الآجال والإِجارات والطلاق والعتق المعلق ونحو ذلك؛ فإنه يثبت تبعاً على ما ذكره القاضي.
* فصل:
ويقبل فيه شهادة الواحد سواء كان حرّاً أو عبداً, أو سواء كان رجلاً أو امرأة, في المشهور عند أصحابنا, ذكره أبو بكر وغيره من أصحابنا, كما يقبل أخبارهم, ولا تقبل شهادة الفاسق ولا الكافر ولا الصبي.
قال القاضي: وهذا يدل على أنه خبر؛ لأن ما يطلع عليه الرجال لا تقبل فيه شهادة النساء.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]