عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 20-02-2022, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان

شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 116الى صــ 130
(7)
المجلد الاول
كتاب الصيام



قال: فليعلم أن الخطأ حصل بيومين من شعبان, وهذا الذي قاله يقتضي أنه غُم هلال شعبان ثم غُم هلال رمضان ليلتين: أن يؤخذ بالاحتياط؛ لأنه يجوز أنه كان هلال شعبان تحت الغمام, فتكون الليلة التي يظن أنها تسع وعشرون من شعبان ليلة الثلاثين منه والسماء متغيمة, فيقدر له ويصام, وأنه لو أكمل العدتين وصام ثم رأى الهلال بعد ثمانية وعشرين من رمضان: أنه يقضي يومين, وعلى قياس [هذا]؛ فلو توالت ثلاثة أشهر أو أكثر مغيمة. . . والأشبه. . . , وذكر في موضع آخر أن لا يحكم بدخول شهر من الشهور بمجرد الإِغمام إلا شهر رمضان كما لا يثبت بشهادة الواحد إلا رمضان خاصة.
وأيضاً؛ فإن من حيل بينه وبين رؤية الهلال فإنه يعمل بالتحري والاجتهاد.
أصله الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر فإنه يتحرى, والتحري يوجب الصوم؛ لأنه أحوط للشهر, ولأنه الأغلب.
وأيضاً فإن الصوم ثابت في ذمته بيقين, ولا يتيقن براءة ذمته إلا بصوم الإِغمام, فصامه؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, كما يجب عليه إمساك جزء قبل الفجر؛ لأنه لا يتم صوم اليوم إلا به, وكما لو كان عليه فوائت لا يعلم عددها, أو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها, أو أصاب ثوبه نجاسة جهل محلها؛ فإنه يلزمه فعل ما يتيقن به براءة [ذمته] , كذلك ها هنا.

ولأنه إغمام في أحد طرفي الشهر فأخذ فيه بالاحتياط كالطرف الثاني.
والذي يدل على الأخذ بالاحتياط في أول الشهر قبول خبر الواحد فيه مع أنه لا يقبل في سائر الشهور إلا بشهادة اثنين, فلولا رعاية الاحتياط فيه لقيس على سائر الشهور.
فإن قيل: في هذه الأصول المقيس عليها قد تيقن الوجوب, ولا تيقن البراءة من الواجب إلا بفعل الجميع, وهنا يشك في وجوب صوم ذلك اليوم, والأصل عدم وجوبه, والأصل بقاء شهر شعبان, فيجب العمل باستصحاب الحال؛ كما لو شك في مقدار الزمان الذي فوت صلاته, مثل أن يقول: لم أصلِّ منذ بلغت, ولا أدري هل بلغت من سنة أو سنتين, أو شك في طريان النجاسة على الثوب, وكما لو شك في طلوع الفجر؛ فإنه يجوز له الأكل حتى يتيقن طلوعه, وكما يستصحب الحال مع الصحو.
قيل: وقد تيقن وجوب صوم الشهر بكماله, وشك في هذا [اليوم] هل هو من الشهر أم لا؟ مع أن الأغلب أنه منه, وليس معه قرينة تنفي كونه منه.
وأما كون الأصل بقاء شعبان؛ فقد عارضه كون الغالب طلوع الهلال في هذه الليلة, وأن هذا الأصل متيقن الزوال, وإنما التردد في وقت زواله.
ثم الفرق بين هذا وبين الأكل والوقوف مع الشك في طلوع الفجر: أنه قد وجد منه الإِمساك هنا والوقوف, فلم تسقط العبادة بالبناء على الأصل, وهنا البناء على الأصل يسقط صوم يوم.
وأيضاً؛ فإن إيجاب الاحتياط هناك فيه مشقة عظيمة؛ فإن طلوع الفجر يخفى على كثير من الناس, وتفويت الحج أشق وأشق, وليس في صوم يوم الإِغماء مشقة.
وأيضاً؛ فإنه هناك يجوز الأكل مع قدرته على معرفة طلوع الفجر.
124 - كما جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ولو كانت السماء مصحية وأراد التغافل عن رؤية الهلال لئلا يصوم ذلك اليوم؛ لم يجز. فعُلِم الفرق بينهما.
ولأن الله سبحانه قال في الفجر: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] , فعلق الحكم بالتبيين, وقال هنا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ} [البقرة: 189] , فعلق الحكم بنفس الهلال, لا بمجرد رؤيته.
وأيضاً؛ فإن الصوم عبادة مقدرة بوقت وجوبها, فوجبت مع الاشتباه؛ كالصلاة في آخر الوقت, والشك في آخر الشهر, وهذا لأنه إذا شك تضايق وقت الصلاة؛ وجب [عليه] فعلها حذر الفوات, مع أن الأصل بقاء الوقت؛ فكذلك الصوم مثله سواء.
فعلى هذا صوم يوم الغيم [واجب] في المشهور عند أصحابنا ويتوجه. . . .وأما الأحاديث المتقدمة؛ فقد أجاب أصحابنا عنها أنها بين صحيح لا دلالة فيه, أو ظاهر الدلالة لكن في إسناده مقال ويقبل التأويل. قالوا: فكل موضع جاء فيه: «فأكملوا العدة»؛ فالمراد به إكمال عدة رمضان؛ لأنه أقرب المذكورين, ولأنه جاء مصرحاً به في حديث أبي هريرة:
من رواية مسلم التي إسنادها أصح الأسانيد: «فإن غم عليكم؛ فصوموا ثلاثين يوماً».
وفي رواية الترمذي التي صححها هو وغيره: «فعدوا ثلاثين يوماً ثم أفطروا».

وكذلك في حديث ابن عباس: «فأكملوا العدة ثلاثين يوماً ثم أفطروا». رواه أبو داوود.
ولأنا قد قدمنا عن أبي هريرة وعائشة وابن عمر أنهم أمروا بصوم يوم الغيم, فلو كانت أحاديثهم تقتضي إفطار يوم الغيم, لم يخالفوا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن مثل هذا لا يجوز أن ينسب الراوي فيه إلى نسيان أو تأويل, وتأولوا أيضاً إكمال العدة على وجهٍ آخر سيأتي.
فأمَّا الأحاديث الظاهرة في إكمال عدة شعبان؛ فأجابوا عنها بجوابين:
أحدهما: القدح: أما حديث أبي هريرة؛ فقال أبو بكر الإِسماعيلي: قد رواه البخاري عن آدم عن شعبة, فقال: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين».

قال: قد رويناه عن غندر وعبد الرحمن بن مهدي وابن علية وعيسى بن يونس وشبابة وعاصم بن علي والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وأبي داوود وآدم, كلهم عن شعبة, لم يذكر أحد منهم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين. قال: وهذا يجوز أن يكون من آدم, رواه على التفسير من عنده للخبر, وإلا؛ فليس لانفراد البخاري عنه بهذا من بين من رواه عنه [ومن بين] سائر مَنْ ذكرنا ممن يرويه عن شعبة [وجه] , ورواه المقبري عن ورقاء عن شعبة على ما ذكرناه أيضاً.
فإن قيل: هذه زيادة من الثقة فيجب قبولها.
قلنا: هذا لا يصح لوجوه:
أحدها: أن من لم يذكر هذه الزيادة عدد كثير لا يجوز على مثلهم في عددهم وضبطهم أن يغفلوها ويضبطها واحد لا يقاربهم في الفضل والضبط, وقد اختلف عليه فيها, فروي أنه ذكرها, وروي عنه أنه تركها, وعلى هذا عامة أهل الحديث وأكثر محققي أصحابنا, لا سيما وقرينة الحال تقتضي أنه روى الحديث بالمعنى الذي فهمه منه.
الثاني: أن الزيادة إنما تقبل إذا زاد الواحد على لفظ الجماعة, أما إذا غيَّر لفظ الجماعة؛ علم أنه خالف لفظهم, ولم يزد عليهم, وسائر الجماعة رووا هذا الحديث: «فأكملوا العدة» , وبعضهم قال: «فعدوا ثلاثين يوماً» , ولا شك أن هذا اللفظ لا يزاد عليه شعبان إلا بتغييره, وحذف أداة التعريف؛ فمن قال: عدة شعبان, لا يقال: إنه قد زاد على لفظ من قال: فأكملوا العدة, لكن خالف لفظُهُ لفظَهُ, وأما المعنى؛ فقد يكون متفقاً, وقد يكون مختلفاً.
الثالث: إن الروايات الصحيحة التي لا علة فيها عن أبي هريرة تثبت أن المراد: أكملوا عدة رمضان ثلاثين يوماً كما تقدم, فتحمل الروايات المطلقة على المفسرة, وتكون هذه الرواية تفسيراً من عند الراوي؛ كما شهد به عليه أهل المعرفة بعلل الحديث.

الرابع: أنه تقدم عن أبي هريرة أنه كان يقول: «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» , وأن عائشة أفتت بذلك, وأقرها عليه؛ فلو سمع من فلق فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً صحيحاً بإكمال عدة شعبان وابتداء الصوم بعدها في مثل هذا الخطب الذي لا يكاد يغفل ويهمل بهذا اللفظ الذي لا يعدل عنه ويتأول؛ لما استجاز خلافه.
ونحن إذا قلنا: مخالفة الراوي للحديث لا يمنع الاحتجاج به؛ فإنا ننسب مخالفته إلى نسيان أو اعتقاد نسخ أو تأويل, وهذه الاحتمالات مندفعة هنا.
ثم لا ريب أن مخالفته علة في الحديث تؤثر فيه؛ فإذا اعتضد بمخالفته انفراد واحد عن الإِثبات بهذا اللفظ الذي فيه المخالفة, ومخالفته للفظ الجماعة؛ كثرت الشهادات القادحة في هذا اللفظ, فوقف.
ويتوجه فيه شيء آخر, وهو أن اللفظ المشهور: «فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» , وهذا يكون في حال الصحو إذا تراءاه فغبي عليه ولم يره ولم يعرفه؛ لأنهم. . . غبي على الشيء إذا لم يعرفه مع إمكان معرفته, وفي لفظ: «فإن غمي عليكم الشهر» , وهذا محتمل للصحو.
وأما حديث ابن عباس؛ فقد رواه أبو داوود: «فأتموا العدة ثلاثين يوماً, ثم أفطروا» , وهي زيادة محضة لا تخالف المزيد كالزيادة الأولى.
125 - وروي أيضاً: «فأكملوا العدة عدة شعبان».
وفي السياق ما يدل على هذا المعنى.
وهذا الاختلاف وإن لم يكن موهياً للحديث؛ فإنه نوع علة فيه يحطه عن درجة القوة, وتعرضه للتأويل الذي يأتي.
وأما حديث حذيفة مسنداً ومرسلاً؛ فقال أحمد: سفيان وغيره يقولون: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليبين قوله: حذيفة, [ليس] بمحفوظ.
[و] قوله: «لا تصوموا حتى تكملوا العدة أو تروا الهلال»: محمول على حال الصحو, وأكثر ما فيه تخصيص العام, وذلك جائز بالدليل.
وأما الرواية المفسرة؛ فمدارها على الحجاج بن أرطانة, وضعفه مشهور, ثم هي مرسلة؛ فلا تعارض المسند.

وأما حديث عائشة؛ ففي إسناده معاوية بن صالح, وقد تُكلم فيه, والذي يضعفه أن المشهور عن عائشة أنها كانت تصوم هذا اليوم وتقول: «لأنْ أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان»؛ فكيف تروي الحديث في مثل هذا وتعمل بخلافه؟! وهذا علة ظاهرة فيه.
الجواب الثاني: تأويا أبي إسحاق بن شاقلا وابن حامد والقاضي وغيرهم, وهو أن تحمل الأحاديث في إكمال عدة شعبان على ما إذا غُم هلال رمضان وهلال شوال؛ فإنه هنا يجب إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً, وإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً, فيصوم, فيقدر أن يوم الغيم لم يكن من رمضان حتى يصوم أحداً وثلاثين يوماً, فدل على ذلك أن قوله: «فإن غم عليكم» , وبعد الجملتين, فيعود إليهما جميعاً, ويكون فائدة الحديث التحذير من أن يحتسب بيوم الغيم من رمضان بكل حال, فبنى على ذلك تمام ثلاثين يوماً, فيفضي إلى فطر آخر يوم من رمضان, وهذا المعنى هو الذي قصد عمر رضي الله عنه بقوله: «ليتق أحدكم أن يصوم يوماً من شعبان ويفطر يوماً من رمضان» , وكذلك أنس بن مالك في قوله: «هذا اليوم يَكمُلُ لي واحداً وثلاثين يوماً» , ولعل يوم الشك واستقبال الشهر ونحوه إنما نهي عنه حذراً من هذا المعنى؛ فإنه يفضي إلى إفطار يوم من رمضان.
وأما حديث يوم الشك؛ فالمشهور عند أصحابنا أن هذا ليس بيوم شك كما تقدم عن ابن عمر وغيره: أنه كان يكره صوم الشك, ولا يرى هذا [شكاً] , كما لو شهد به واحد, فإنه ليس بيوم شك, وإن كان كذبه ممكناً, وكذلك هنا الظاهر أنه من رمضان, وإن كان الآخر محتملاً, وعلى قول مَنْ يسميه يوم الشك, لما فيه من التردد باللفظ العام, فيحمل على الشك في حال الصحو؛ فإنه هو الذي يقع فيه الشك, واحتمال الرمضانية والاختلاف فيه مرجوح.
يبين صحة هذا أن يوم الشك يقع على أنواع: منها الشك في [حال] آخر الشهر وصومه واجب بالإِجماع, ومنها الشك إذا رآه الرجل أو أخبره ثقة عنده فإنه يجب صومه عليه دون غيره, ومنها الشك في الغيم, ومنها الشك في الصحو, والعموم ليس مراداً قطعاً, فيحمل على الشك المعهود الذي جاء مفسراً في عدة روايات.
ثم عمار رضي الله عنه لم يحكِ عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً, وإنما ذكره أنه من صام يوم الشك فقد عصاه, وذلك يدل على أنه سمع منه نهياً عن صوم يوم الشك في الجملة, أو فهم من قوله: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته»: النهي عن صوم يوم الشك؛ فإنه ظاهر في ذلك, أو سمع منه لفظاً غير ذلك, ففهم منه هذا المعنى.
وفي الجملة؛ فقول الصاحب: نزلت في كذا, أو: هذا حكم الله ورسوله, أو: هذا مما حرمه الله ورسوله, أو: من فعل هذا فقد عصى أبا القاسم: محتمل لأنه أخبر به عن فهم واعتقاد.
ولهذا لم يرو أحمد وأمثاله في مسند الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن كان غيره من العلماء يدخلون مثل هذا في الحديث المسند.
ولم يصرح عمار بأن يوم الغيم يوشك, ولو صرح به؛ لما كان الرجوع إلى ما فهمه بأولى من الرجوع إلى ما رواه ابن عمر وفهمه, وما قاله أبو هريرة وعائشة وغيرهما مع روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد رضي الله عنه في رواية المروذي, وقد سئل عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك, فقال: «إذا كان صحو؛ لم يصم, فأما إن كان في السماء غيم؛ صام».

ونقل أبو داوود عنه: «الشك على ضربين؛ فالذي لا يصام إذا لم يحل دون منظره سحاب ولا قتر والذي يصام إذا حال دون منظره سحاب أو قتر».
ونقل الأثرم عنه: «ليس ينبغي أن يصبح صائماً إذا لم يحل دون منظر الهلال شيء من سحاب ولا غير. . .».
ويمكن جواب ثالث: وهو أن تحمل الأحاديث في الصوم على الجواز والاستحباب, وتحمل أحاديث الفطر على عدم الوجوب, ويكون التغليظ فيهما على مَنْ يجزم بأنه من رمضان ويعتقد وجوب صومه كوجوب صوم الذي يليه حتى يلحق برمضان ما لم يتيقن أنه منه, وعلى من يعتاض بصومه عن صوم آخر يوم من رمضان كما نهى عنه عمر.
فإن أحاديث الصوم تدل على أن الناس كلهم لم يكونوا يصوموا يوم الغيم, وإنما كان يصومه جماعات من الصحابة والتابعين, ولم يجئ نص عن أحد منهم بأنه أنكر صوم يوم الغيم, وكان عامة الناس لا يؤمرون بالصوم إلا بعد الرؤية أو إكمال العدة, وفي حديث ابن عمر أنه كان يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب.
وقوله: وفعله يدل على أنه كان يرى هذا حسناً لا واجباً, وكذلك فعل معاوية, وقول غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم: «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان»: إنما يدل على الاستحباب.
والقياس يقتضي صحة هذا القول؛ فإن إيجاب ما لم يتقن وجوبه خلاف القياس, وكراهة التحري والاحتياط في العبادات خلاف القياس أيضاً.
* فصل:
وإذا أوجبنا صومه؛ ترتب عليه جميع أحكام الصوم, ولزم تبييت النية له وتعيينها في إحدى الروايتين نقلها الأثرم, وفي الأخرى يكفي مطلق نية الصوم, رواها المروذي وصالح, وفرق في رواية صالح بين الغيم وغيره؛ فإنه هنا لا سبيل لها إلى اعتقاد الرمضانية مع عدم العلم بخلاف غيره واعتقاد الفرضية على أحد الوجهين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ولو جامع فيه لزمته الكفارة, ذكره القاضي؛ لأن من أصلنا أن كل يوم واجب تجب الكفارة بالوطء فيه, سواء اتفق في وجوبه وعُلم أنه من الشهر بطريق مقطوع أو لا.
هل تصلى التراويح ليلتئذٍ؟ على وجهين:
أحدهما: لا تصلى, وهو قول أبي حفص العكبري والتميميين وابن الجوزي, والآثار إنما جاءت في الصوم, ولا يلزم من الاحتياط للصوم الواجب أن يُعلَّق به جميع الأحكام الرمضانية, ولذلك لا يعلق به [انقضاء] العدد والآجال في الديون وغيرها, ولأن الصلاة قبل تيقن دخول الوقت لا تجوز؛ بخلاف الصوم؛ فإن الإِمساك قبل دخول الوقت مشروع في الجملة.
والثاني: تُصلى, وهو قول كثير من أصحابنا, منهم ابن حامد والقاضي وابنه, وهو أقيس.
قال أبو الفرج بن الجوزي: وهو اختيار أكثر مشايخنا المتقدمين. قال: جرت هذه المسألة في زمن شيخنا فصلى. قال القاضي: وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الفضل بن زياد: القيام قبل الصيام.
126 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه؛ فمن صامه وقامه».
فقرن بين الصيام والقيام, ولا يتيقن أنه صام الشهر حتى يقوم ليلة الإِغمام.
ولأنه لا فرق في الاحتياط بين الصيام والقيام, ولا يصح إلحاق هذا بسائر الصلوات؛ بخلاف من يصلي تلك الليلة وسائر الليالي؛ فإنه بمنزلة من يصوم ذلك اليوم وسائر الأيام.
ولأنه قد تقدم في خطبة عمر أنه خطبهم ليلة الغيم وذكر الصيام والقيام.

وأما إذا علق طلاق نسائه وعتق عبيده بدخول شهر رمضان أو كان عليه دين محله شهر رمضان أو استأجر الدار شهر شعبان ونحو ذلك من الأحكام؛ فإنه لا يحل الدين ولا يقع الطلاق ولا تنقضي مدة الإِجارة في أصح الوجهين, وفي الآخر تثبت الأحكام التي بين الناس تبعاً لوجوب الصوم, كما تثبت شهادة الواحد تبعاً, وليس بجيد؛ لأن في ذلك إسقاط لحق ثابت بمجرد الشك, وذلك لا يجوز, ولأن الصوم إنما وجب احتياطاً, وليس في حقوق الآدميين احتياط, ولأن الوقوع والحلول مما لا يتكرر, وما لا يتكرر لا يشرع فيه الاحتياط كالصلاة والوقوف, ولهذا لو شهد واحد بهلال رمضان؛ وجب الصوم.
وقد ذكر القاضي وأبو الحسين: هل يصام هذا اليوم حكماً من رمضان أم قطعاً؟ على وجهين: أصحهما حكماً, اختاره الخلال وصاحبه والخرقي والقاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى. قال الخلال: يصام بعزيمة من رمضان في الحكم, لا قطع عين في الحقيقة.
والوجه الثاني: ذكر القاضيان أن بعض أصحابنا قال: يصوم قطعاً, وصاحب هذا الوجه إن أراد به أن يقطع النية؛ فهذا صحيح عند هؤلاء؛ كما أن الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر؛ تحرَّى وصام جازماً بالنية, وإن لم يجزم بوجود المنوي, وإن عنى أنه يقطع بدخول الشهر؛ فلا وجه لهذا.
ولو حلف أن الهلال تحت الغيم أو أنه لم يطلع؛ لم يحنث؛ كما لو حلف أن هذا الطائر غراب, وطار ولم يعلم ما هو, ذكره القاضي. ويتخرج: أن يحنث. ولو حلف ليفعلن كذا أول يوم من رمضان, فقال القاضي: لا يبرأ حتى يدخل يوم الإِغمام والذي يليه؛ لأن كل واحد من اليومين يحتمل أن يكون أول الشهر؛ فلا يبرأ إلا بالفعل فيهما؛ كما لو حلف ليفعلن كذا عقب الصلاة التي في ذمته, وقد نسي صلاة من خمس لا يعلم عينها؛ فإن عليه أن يفعله في عقب كل صلاة.
وعلى هذا: إذا غم هلال سائر الشهور. . . .
ولو نذر أن يصوم رجباً أو شعبان, فغم أوله, فقال ابن عقيل: قال أصحابنا: يلزمه أن يصوم يوم الإِغمام؛ لأن النذور تبنى على أصولها من الفروض.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]