عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-10-2021, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي بحث في معنى قول الله تعالى:{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}

بحث في معنى قول الله تعالى:{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}
سليم سيدهوم


تصنيف أقوال العلماء في قول الله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)



القراءات:
1ـ الوقف علىلا ريب فيه) أولى
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :ومن القرّاء من يقف على قوله: {لا ريب} ويبتدئ بقوله: {فيه هدًى للمتّقين} والوقف على قوله تعالى: {لا ريب فيه} أولى للآية الّتي ذكرنا، ولأنّه يصير قوله: {هدًى} صفةً للقرآن، وذلك أبلغ من كون: {فيه هدًى}.

المسائل التفسرية:
1ـ معنى (ذلك الكتاب):

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن قتادة لا ريب فيه هدى يقول لا شك فيه). [تفسير عبد الرزاق: 1/39]2ـ معنى (الكتاب):
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين}.
قال عامّة المفسّرين: تأويل قول اللّه تعالى: {ذلك الكتاب} هذا الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ الكوفيّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ذلك الكتاب} قال:« هو هذا الكتاب ».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، قال: « {ذلك الكتاب} هذا الكتاب ».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا الحكم بن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، في قوله: {ذلك الكتاب} قال: « هذا الكتاب ».
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ذلك الكتاب} هذا الكتاب قال: قال ابن عبّاسٍ{ذلك الكتاب} هذا الكتاب ».
فإن قال قائلٌ: وكيف يجوز أن يكون ذلك بمعنى هذا؟ وهذا لا شكّ إشارةٌ إلى حاضرٍ معاينٌ، وذلك إشارةٌ إلى غائبٍ غير حاضرٍ ولا معاينٍ؟
قيل: جاز ذلك لأنّ كلّ ما تقضّى وقرب تقضّيه من الأخبار فهو وإن صار بمعنى غير الحاضر، فكالحاضر عند المخاطب؛ وذلك كالرّجل يحدّث الرّجل الحديث، فيقول السّامع: إنّ ذلك واللّه لكما قلت، وهذا واللّه كما قلت، وهو واللّه كما ذكرت. فيخبر عنه مرّةً بمعنى الغائب إذ كان قد تقضّى ومضى، ومرّةً بمعنى الحاضر لقرب جوابه من كلام مخبره كأنّه غير منقضٍ، فكذلك ذلك في قوله: {ذلك الكتاب} لأنّه جلّ ذكره لمّا قدّم قبل ذلك الكتاب {الم} الّتي ذكرنا تصرّفها في وجوهها من المعاني على ما وصفنا، قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد هذا الّذي ذكرته وبيّنته لك الكتاب. ولذلك حسن وضع ذلك في مكان هذا، لأنّه أشير به إلى الخبر عمّا تضمّنه قوله: {الم} من المعاني بعد تقضّي الخبر عنه {الم}، فصار لقرب الخبر عنه من تقضّيه كالحاضر المشار إليه، فأخبر عنه بذلك لانقضائه ومصير الخبر عنه كالخبر عن الغائب.
وترجمه المفسّرون أنّه بمعنى هذا لقرب الخبر عنه من انقضائه، فكان كالمشاهد المشار إليه بهذا نحو الّذي وصفنا من الكلام الجاري بين النّاس في محاوراتهم، وكما قال جلّ ذكره: {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلٌّ من الأخيار هذا ذكرٌ} فهذا ما في ذلك إذا عنى بها هذا.
وقد يحتمل قوله جلّ ذكره: {ذلك الكتاب} أن يكون معنيًّا به السّور الّتي نزلت قبل سورة البقرة بمكّة والمدينة، فكأنّه قال جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد اعلم أنّ ما تضمّنته سور الكتاب الّتي قد أنزلتها إليك هو الكتاب الّذي لا ريب فيه. ثمّ ترجمه المفسّرون بأنّ معنى ذلك: هذا الكتاب، إذ كانت تلك السّور الّتي نزلت قبل سورة البقرة من جملة جميع كتابنا هذا الّذي أنزله اللّه عزّ وجلّ على نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وكان التّأويل الأوّل أولى بما قاله المفسّرون؛ لأنّ ذلك أظهر معاني قولهم الّذي قالوه في ذلك.
وقد وجّه معنى ذلك بعضهم إلى نظير معنى بيت خفاف بن ندبة السّلميّ:

فإن تك خيلي قد أصيب صميمها.......فعمدًا على عينٍ تيمّمت مالكا.
أقول له والرّمح يأطر متنه.......تأمّل خفافًا إنّني أنا ذلكا
كأنّه أراد: تأمّلني أنا ذلك. فزعم أنّ {ذلك الكتاب} بمعنى هذا نظير ما أظهر خفافٌ من اسمه على وجه الخبر عن الغائب وهو مخبرٌ عن نفسه، فكذلك أظهر ذلك بمعنى الخبر عن الغائب، والمعنى فيه الإشارة إلى الحاضر المشاهد.
والقول الأوّل أولى بتأويل الكتاب لما ذكرنا من العلل.
وقد قال بعضهم: {ذلك الكتاب} يعني به التّوراة والإنجيل، وإذا وجّه تأويل ذلك إلى هذا الوجه فلا مؤنة فيه على متأوّله كذلك لأنّ ذلك يكون حينئذٍ إخبارًا عن غائبٍ على صحّةٍ). [جامع البيان: 1/231-228]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين (2)}
قوله: {ذلك الكتاب}
- به عن عكرمة: {ذلك الكتاب}قال: «هذا الكتاب ». قال: وهكذا فسّره سعيد ابن جبيرٍ والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان وزيد بن أسلم.قوله: {الكتاب}
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أسباط بن محمّدٍ، عن الهذليّ- يعني أبا بكرٍ- عن الحسن في قول اللّه: الكتاب قال: «القرآن ». قال أبو محمّدٍ: وروي عن ابن عبّاسٍ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/34-33]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو أحمد محمّد بن إسحاق الصّفّار، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن، عن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه: {الم ذلك الكتاب}[البقرة: 2] قال: « {الم} [البقرة: 1] : حرف اسم اللّه، و {الكتاب} [البقرة: 2] : القرآن، {لا ريب فيه}[البقرة: 2] : لا شكّ فيه» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه ). [المستدرك: 2/286] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين })
-أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال: «من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين ومن أربعين آية إلى عشرين ومائة في بني إسرائيل».
-وأخرج وكيع عن مجاهد قال:« هؤلاء الآيات الأربع في أول سورة البقرة إلى {المفلحون} نزلت في نعت المؤمنين واثنتان من بعدها إلى {عظيم} نزلت في نعت الكافرين وإلى العشر نزلت في المنافقين
-وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال:« أربع آيات من فاتحة سورة البقرة في الذين آمنوا وآيتان في قادة الأحزاب ».
-وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود {الم} حرف اسم الله و{الكتاب} القرآن {لا ريب} لا شك فيه.
-وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ذلك الكتاب} قال: «هذا الكتاب»
-وأخرج ابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف عن عكرمة، مثله.
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين (2)}
الاسم من ذلك الذال والألف، وقيل الذال وحدها، والألف تقوية، واللام لبعد المشار إليه وللتأكيد، والكاف للخطاب، وموضع ذلك رفع كأنه خبر ابتداء، أو ابتداء وخبره بعده، واختلف في ذلك هنا فقيل: هو بمعنى «هذا»، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك أنه قد يشار بـ «ذلك» إلى حاضر تعلق به بعض الغيبة وب «هذا» إلى غائب هو من الثبوت والحضور بمنزلة وقرب.
وقيل: هو على بابه إشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل: ما قد كان نزل من القرآن، وقيل: التوراة والإنجيل، وقيل: اللوح المحفوظ أي الكتاب الذي هو القدر،وقيل: إن الله قد كان وعد نبيه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء، فأشار إلى ذلك الوعد.
وقال الكسائي: «ذلك إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد».
وقيل: إن الله قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد كتابا، فالإشارة إلى ذلك الوعد. وقيل: إن الإشارة إلى حروف المعجم في قول من قال الم حروف المعجم التي تحديتكم بالنظم منها.
ولفظ الكتاب مأخوذ من «كتبت الشيء» إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض ككتب الخرز بضم الكاف وفتح التاء وكتب الناقة.
ورفع الكتاب يتوجه على البدل أو على خبر الابتداء أو على عطف البيان.

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين (2)}
قال ابن جريج: قال ابن عبّاسٍ: «{ذلك الكتاب}: هذا الكتاب». وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان، وزيد بن أسلم، وابن جريجٍ: أنّ ذلك بمعنى هذا، والعرب تقارض بين هذين الاسمين من أسماء الإشارة فيستعملون كلًّا منهما مكان الآخر، وهذا معروفٌ في كلامهم.
و {الكتاب} القرآن. ومن قال: إنّ المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التّوراة والإنجيل، كما حكاه ابن جريرٍ وغيره، فقد أبعد النّجعة وأغرق في النّزع، وتكلّف ما لا علم له به.


3ـ معنى (لا ريب فيه):

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا ريب فيه}
وتأويل قوله: {لا ريب فيه} لا شكّ فيه،.
- كما حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن المحاربيّ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {لا ريب فيه}، قال: «لا شكّ فيه ».
- حدّثني سلاّم بن سالمٍ الخزاعيّ، قال: حدّثنا خلف بن ياسين الكوفيّ، عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن عطاءٍ: {لا ريب فيه} قال: «لا شكّ فيه ».
- حدّثني أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا الحكم بن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، قال: «{لا ريب فيه} لا شكّ فيه ».
- حدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا ريب فيه} لا شكّ فيه.
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لا ريب فيه} قال: « لا شكّ فيه ».
- حدّثنا القاسم بن الحسن قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ{لا ريب فيه} يقول لا شكّ فيه ».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {لا ريب فيه} يقول: « لا شكّ فيه».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قوله: {لا ريب فيه} يقول: « لا شكّ فيه».وهو مصدرٌ من قولك: رابني الشّيء يريبني ريبًا. ومن ذلك قول ساعدة بن جؤيّة الهذليّ..

فقالوا تركنا الحيّ قد حصروا به.......فلا ريب أن قد كان ثمّ لحيم
ويروى: حصروا، وحصروا، والفتح أكثر، والكسر جائزٌ. يعني بقوله: حصروا به أطافوا به، ويعني بقوله، {لا ريب فيه} لا شكّ فيه، وبقوله: أن قد كان ثمّ لحيم يعني قتيلاً، يقال، قد لحم إذا قتل.
والهاء الّتي في فيه. عائدةٌ على الكتاب، كأنّه قال: لا شكّ في ذلك الكتاب أنّه من عند اللّه هدًى للمتّقين).[جامع البيان: 1/233-231]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لا ريب فيه}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ، ثنا حريز بن عثمان عن عبد الرحمن ابن أبي عوفٍ، عن عبد الرّحمن بن مسعودٍ الفزاريّ، عن أبي الدّرداء قال: «الرّيب- يعني الشّكّ- من الكفر ». قال أبو محمّدٍ: «ولا أعلم في هذا الحرف اختلافًا بين المفسّرين منهم ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وأبو مالكٍ، ونافعٌ مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباحٍ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، وإسماعيل بن أبي خالد»). [تفسير القرآن العظيم: 1/34]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لا ريب فيه} قال: «لا شك فيه ».
-وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال «ال {ريب} الشك من الكفر ».
-وأخرج الطستي في مسائل ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له:« أخبرني عن قوله عز وجل {لا ريب فيه} قال: لا شك فيه قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت ابن الزبعرى وهو يقول: ليس في الحق يا أمامة ريب * إنما الريب ما يقول الكذوب ».
-وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {لا ريب فيه} قال:« لا شك فيه».
-وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله). [الدر المنثور: 1/129-127]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : {ولا ريب فيه} معناه: لا شكّ فيه ولا ارتياب به والمعنى أنه في ذاته لا ريب فيه وإن وقع ريب للكفار.
وقال قوم: لفظ قوله لا ريب فيه لفظ الخبر ومعناه النهي.
وقال قوم: هو عموم يراد به الخصوص أي عند المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف.

والرّيب: الشّكّ، قال السّدّيّ عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا ريب فيه}: لا شكّ فيه.
وقاله أبو الدّرداء وابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ وأبو مالكٍ ونافعٌ مولى ابن عمر وعطاءٌ وأبو العالية والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان والسّدّيّ وقتادة وإسماعيل بن أبي خالدٍ. وقال ابن أبي حاتمٍ: لا أعلم في هذا خلافًا.
[وقد يستعمل الرّيب في التّهمة قال جميلٌ:


بثينة قالت يا جميل أربتني ....... فقلت كلانا يا بثين مريب...


واستعمل -أيضًا-في الحاجة كما قال بعضهم:
قضينا من تهامة كلّ ريبٍ ....... وخيبر ثمّ أجمعنا السّيوفا]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :ومعنى الكلام: أنّ هذا الكتاب -وهو القرآن-لا شكّ فيه أنّه نزل من عند اللّه، كما قال تعالى في السّجدة: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين} [السّجدة: 1، 2]. [وقال بعضهم: هذا خبرٌ ومعناه النّهي، أي: لا ترتابوا فيه].

4ـ معنى (هدى للمتقين):
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هدًى}.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال، حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن بيانٍ، عن الشّعبيّ: {هدًى} قال، «هدًى من الضّلالة».
- حدّثني موسى بن هارون، قال، حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل السّدّيّ، في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {هدًى للمتّقين} يقول: « نورٌ للمتّقين ».
والهدى في هذا الموضع مصدرٌ من قولك هديت فلانًا الطّريق إذا أرشدته إليه. ودللته عليه، وبيّنته له، أهديه هدًى وهدايةً.
فإن قال لنا قائلٌ: أوما كتاب اللّه نورًا إلاّ للمتّقين ولا رشادًا إلاّ للمؤمنين؟
قيل: ذلك كما وصفه ربّنا عزّ وجلّ، ولو كان نورًا لغير المتّقين، ورشادًا لغير المؤمنين لم يخصّص اللّه عزّ وجلّ المتّقين بأنّه لهم هدًى، بل كان يعمّ به جميع المنذرين؛ ولكنّه هدًى للمتّقين، وشفاءٌ لما في صدور المؤمنين، ووقرٌ في آذان المكذّيين، وعمًى لأبصار الجاحدين. وحجّةٌ للّه بالغةٌ على الكافرين؛ فالمؤمن به مهتدٍ، والكافر به محجوجٌ.
وقوله: {هدًى} يحتمل أوجهًا من المعاني؛
أحدها: أن يكون نصبًا لمعنى القطع من الكتاب لأنّه نكرةٌ والكتاب معرفةٌ، فيكون التّأويل حينئذٍ: الم ذلك الكتاب هاديًا للمتّقين. وذلك مرفوعٌ بـ الم، والم به، والكتاب نعتٌ لذلك.
وقد يحتمل أن يكون نصبًا على القطع من راجع ذكر الكتاب الّذي في فيه، فيكون معنى ذلك حينئذٍ: الم الّذي لا ريب فيه هاديًا.
وقد يحتمل أن يكون أيضًا نصبًا على هذين الوجهين، أعني على وجه القطع من الهاء الّتي في فيه، ومن الكتاب على أنّ الم كلامٌ تامٌّ، كما قال ابن عبّاسٍ إنّ معناه: أنا اللّه أعلم. ثمّ يكون ذلك الكتاب خبرًا مستأنفًا، ويرفع حينئذٍ الكتاب بذلك وذلك بالكتاب، ويكون هدًى قطعًا من الكتاب، وعلى أن يرفع ذلك بالهاء العائدة عليه الّتي في فيه، والكتاب نعتٌ له، والهدى قطعٌ من الهاء الّتي في فيه. وإن جعل الهدى في موضع رفعٍ لم يجز أن يكون {ذلك الكتاب} إلاّ خبرًا مستأنفًا والم كلامًا تامًّا مكتفيًا بنفسه إلاّ من وجهٍ واحدٍ؛ وهو أن يرفع حينئذٍ هدًى بمعنى المدح كما قال اللّه جلّ وعزّ: {الم تلك آيات الكتاب الحكيم هدًى ورحمةٌ للمحسنين} في قراءة من قرأ رحمةٌ بالرّفع على المدح للآيات.
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {للمتّقين}.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن الحسن، قوله:{للمتّقين} قال: « اتّقوا ما حرّم عليهم وأدّوا ما افترض عليهم ».
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {للمتّقين} أي الّذين يحذرون من اللّه عزّ وجلّ عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته بالتّصديق بما جاء به.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {هدًى للمتّقين} قال: «هم المؤمنون ».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: «سألني الأعمش عن المتّقين؟ قال: فأجبته، فقال لي: سئل عنها الكلبيّ، فسألته فقال: الّذين يجتنبون كبائر الإثم قال: فرجعت إلى الأعمش، فقال: نرى أنّه كذلك ولم ينكره».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم الطّبريّ، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه، قال: حدّثنا عمر أبو حفصٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: {هدًى للمتّقين} هم من نعتهم ووصفهم فأثبت صفتهم فقال: {الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال حدّثنا بشر بن عمّارٍة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {للمتّقين} قال: « المؤمنين الّذين يتّقون الشّرك ويعملون بطاعتي ».
وأولى التّأويلات بقول اللّه جلّ ثناؤه: {هدًى للمتّقين} تأويل من وصف القوم بأنّهم الّذين اتّقوا اللّه تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه، فتجنّبوا معاصيه واتّقوه فيما أمرهم به من فرائضه فأطاعوه بأدائها. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أبهم وصفهم بالتّقوى فلم يحصر تقواهم إيّاه على بعض ما هو جلّ ثناؤه أهلٌ له منهم دون بعضٍ. فليس لأحدٍ من النّاس أن يحصر معنى ذلك على وصفهم بشيءٍ من تقوى اللّه عزّ وجلّ دون شيء إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها، لأنّ ذلك من صفة القوم لو كان محصورًا على خاصٍّ من معاني التّقوى دون العام لم يدع اللّه جلّ ثناؤه بيان ذلك لعباده، إمّا في كتابه، وإمّا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم؛ إذ لم يكن في العقل دليلٌ على استحالة وصفهم بعموم التّقوى.
فقد تبيّن إذًا بذلك فساد قول من زعم أنّ تأويل ذلك إنّما هو: الّذين اتّقوا الشّرك وبرءوا من النّفاق؛ لأنّه قد يكون كذلك وهو فاسقٌ غير مستحقٌّ أن يكون من المتّقين. إلاّ أن يكون عند قائل هذا القول معنى النّفاق ركوب الفواحش الّتي حرّمها اللّه جلّ ثناؤه وتضييع فرائضه الّتي فرضها عليه، فإنّ جماعةً من أهل العلم قد كانت تسمّي من كان كذلك منافقًا، فيكون، وإن كان مخالفًا في تسميته من كان كذلك بهذا الاسم، مصيبًا تأويل قول اللّه عزّ وجلّ للمتّقين). [جامع البيان: 1/239-237]

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]