عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 01-03-2021, 04:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العقيدة والعبر من قصار السور

العقيدة والعبر من قصار السور
- التكاثر


د. أمير الحداد





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)




{ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين} المصحف التكاثر.

– إمامنا يقرأ كل ليلة في التراويح من سورة (ألهاكم التكاثر) إلى نهاية المصحف، أصلي وراءه ليلة أو اثنتين أو رمضان كله، لكن لدي تساؤل: لماذا ربط الله -سبحانه- رؤية الجحيم بعلم اليقين؟ {كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم}.

– هذا الربط غير صحيح؛ لذلك على من يقرأ هذه السورة أن يقف بعد علم اليقين، ويبدأ من جديد لترون الجحيم، وذلك أن علم اليقين مرتبط بما قبله ورؤية الجحيم مرتبط بما بعده، وهما غير مرتبطين.

هز صاحبي رأسه موافقا.

– الآن اتضحت السورة، وأنا أتساءل منذ سنين عن هذه القضية.

– هل الخبر في بداية الآية عام، أم أنه عن المشركين؟!- دعني أبين لك قاعدة جميلة هنا، وهي أن كل خطاب أو خبر عن المشركين أو المنافقين أو اليهود أو غيرهم، فيه تنبيه للمؤمنين ألا يكونوا مثلهم في التصرفات أو الأخلاق أو الكلام، وإلا وقع عليهم ما وقع على أولئك، مثلا يصف الله المنافقين: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}؛ فمن فعل من المؤمنين شيئا من هذه القضايا؛ وقع في شيء من أفعال المنافقين المذمومة؛ فينبغي أن يتخلص منها، وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها…» الحديث. فيه تحذير للمؤمنين من هذه الخصال المذمومة.

وهكذا بداية هذه السورة: {ألهاكم التكاثر} أي لا ينبغي أن يكون حال المؤمن هكذا؛ لأن فيه تحذيرا {كلا سوف تعلمون}، ومرة ثانية: {كلا سوف تعلمون}، {كلا لو تعلمون علم اليقين}. وفي صحيح مسلم عند عبدالله بن الشخير، قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «ألهاكم التكاثر، يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت».

– والعبرة؟!

– أن من ألهته الدنيا عن الآخرة، سيرى مغبة ذلك دون شك، سواء من بدايات الموت أم القبر أم العبث، ثم الحساب.

– ومعنى: {كلا لو تعلمون علم اليقين}؟

– الجواب عن هذه الجملة لم يذكر، لتهويل الأمر لعلمتم أن هناك بعثا بعد الموت، وحسابا وجزاء، هذا خطاب للمشركين ولكل من أنكر الآخرة أو غفل عنها.

– {لتروّن الجحيم}؟!

– هذه جملة لبيان جزاء المشركين، أو لتخويف جميع الخلق، وذلك أن من عقيدتنا أن الجميع سيمر على جهنم -حفظنا الله منها- {وإن منكم إلا واردها}، وفي الحديث: «يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته» متفق عليه.

وبين الله -سبحانه- أن الجميع سيسأل عن (النعيم)، كل ما أنعم به الله على العبد.

الكافر يسأل سؤال توبيخ؛ لأنه تنعم وكفر، والمؤمن يسأل سؤال تشريف؛ لأنه تنعم وشكر، وهنا حديثان يجب بيانهما وهما:

في حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فإذا هو بأبي بكر وعمر فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته؛ إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني؛ فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، وأخذ المدية فذبح لهم؛ فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة». والأنصاري هو أبو الهيثم بن التيهان واسمه مالك. ومعنى الحديث: لتسألن عن شكر تلك النعمة، أراد تذكيرهم بالشكر في كل نعمة، وسؤال المؤمنين سواء لترتيب الثواب على الشكر، أم لأجل المؤاخذة بالنعيم الحرام.

وذكر القرطبي عن الحسن: لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار، وروي: أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية، قال: يارسول الله أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان من خبز شعير ولحم وبسر قد ذَنَّب(1)، وماء عذب، أنخاف أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «ذلك للكفار، ثم قرأ: {وهل نجازى إلا الكفور}(سبأ: 17). ويمكن أن نجمل ما ورد في هذه السورة من العقيدة بما يأتي:

1 – لا ينبغي للمؤمن أن تلهيه نعم الدنيا؛ فيكثر منها حتى ينسى الآخرة والمعاد.

2 – إن البقاء في القبر (حياة البرزخ) مرحلة مؤقتة بين الدنيا والبعث؛ فهي «زيارة للقبور»، ثم خروج منها.

3 – على المؤمن أن يعلم يقيناً لاشك فيه أن هناك حسابا وجزاء بعد الموت.

4 – جهنم -والعياذ بالله- سيراها الجميع يوم القيامة «لها سبعون ألف زمام على كل زمام سبعون ألف ملك» تجر إلى المحشر.


5 – يمر الجميع على الصراط على جنبتي جهنم ينجو المؤمنون ويسقط آخرون ويخلد الكافرون.

6 – من أدى حق شكر النعمة تكون له أجراً يكون القيامة.


الهوامش:

1 – ذنَّبَ البُسْر: أرطب من جهة ذَنَبِه


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]