عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 11-04-2021, 01:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ53 إلى صــ 57
الحلقة (10)


قَالَ تَعَالَى : ( وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ) ( ( 41 ) ) .

[ ص: 53 ] قَوْلُهُ : ( مُصَدِّقًا ) : حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ مِنَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ فِي أَنْزَلْتُ .

وَ ( مَعَكُمْ ) : مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ .

( أَوَّلَ ) : هِيَ أَفْعَلُ ، وَفَاؤُهَا وَعَيْنُهَا وَاوَانِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ مِنْهَا فِعْلٌ لِاعْتِلَالِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ ، وَتَأْنِيثُهَا أَوْلَى ، وَأَصْلُهَا وَ " وَلَّى " فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً لِانْضِمَامِهَا ضَمًّا لَازِمًا ، وَلَمْ تَخْرُجْ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا خَرَجَ وُقِّتَتْ وَوُجُوهٌ ، كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ الْوَاوَيْنِ .

وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ : أَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ وَأَلَ يَئِلُ إِذَا نَجَا ، فَأَصْلُهَا أَوْأَلَ ، ثُمَّ خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ بِأَنْ أُبْدِلَتْ وَاوًا ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْأُولَى فِيهَا ، وَهَذَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ ، بَلِ الْقِيَاسُ فِي تَخْفِيفِ مِثْلِ هَذِهِ الْهَمْزَةِ أَنْ تُلْقَى حَرَكَتُهَا عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا وَتُحْذَفَ .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مِنْ آلَ يَئُولُ ; فَأَصْلُ الْكَلِمَةِ أَوَّلَ ، ثُمَّ أُخِّرَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ فَجُعِلَتْ بَعْدَ الْوَاوِ ثُمَّ عُمِلَ فِيهَا مَا عُمِلَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ ، فَوَزْنُهُ الْآنَ أَعْفَلُ .

( كَافِرٍ ) : لَفْظُهُ وَاحِدٌ ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ ; أَيْ أَوَّلُ الْكُفَّارِ كَمَا يُقَالُ هُوَ أَحْسَنُ رَجُلٍ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ أَوَّلُ فَرِيقٍ كَافِرٍ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( ( 42 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ) : هُوَ مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى وَلَا تَلْبِسُوا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْجَوَابِ بِالْوَاوِ ; أَيْ لَا تَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ; كَقَوْلِكَ لَا تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبِ اللَّبَنَ . ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ، وَالْعَامِلُ لَا تَلْبِسُوا وَتَكْتُمُوا .

قَالَ تَعَالَى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ( 43 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) : أَصْلُ أَقِيمُوا أَقْوِمُوا ، فَعَمِلَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ : ( وَآتُوا الزَّكَاةَ ) : أَصْلُهُ : آتِيُوا فَاسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَسُكِّنَتْ وَحُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ثُمَّ حُرِّكَتِ التَّاءُ بِحَرَكَةِ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ ، وَقِيلَ ضُمَّتْ تَبَعًا لِلْوَاوِ كَمَا ضُمَّتْ فِي اضْرِبُوا وَنَحْوِهِ ، وَأَلِفُ الزَّكَاةِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ لِقَوْلِهِمْ زَكَا الشَّيْءُ يَزْكُو ، وَقَالُوا فِي الْجَمْعِ زَكَوَاتٌ .

( مَعَ الرَّاكِعِينَ ) : ظَرْفٌ .

قَالَ تَعَالَى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) ( ( 44 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَتَنْسَوْنَ ) : أَصْلُهُ تُنْسِيُونَ ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ ) [ الْبَقَرَةِ : 16 ] ( أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) : اسْتِفْهَامٌ فِي مَعْنَى التَّوْبِيخِ ، وَلَا مَوْضِعَ لَهُ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) ( ( 45 ) ) .

[ ص: 54 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاسْتَعِينُوا ) : أَصْلُهُ اسْتَعْوِنُوا ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْفَاتِحَةِ . وَأَنَّهَا الضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ ، وَقِيلَ لِلِاسْتِعَانَةِ ; لِأَنَّ اسْتَعِينُوا يَدُلُّ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ عَلَى الْقِبْلَةِ لِدَلَالَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا ، وَكَانَ التَّحَوُّلُ إِلَى الْكَعْبَةِ شَدِيدًا عَلَى الْيَهُودِ : إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِكَبِيرَةٍ ، وَإِلَّا دَخَلَتْ لِلْمَعْنَى وَلَمْ تَعْمَلْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِكَبِيرَةٍ لِيُسْتَثْنَى مِنْهُ فَهُوَ كَقَوْلِكَ هُوَ كَبِيرٌ عَلَى زَيْدٍ .

قَالَ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) ( ( 46 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ ) : صِفَةٌ لِلْخَاشِعِينَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارٍ أَعْنِي ، وَرَفْعٍ بِإِضْمَارِ " هُمْ " .

( أَنَّهُمْ ) : أَنَّ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا سَادٌّ مَسَدَ الْمَفْعُولَيْنِ ، لِتَضَمُّنِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الظَّنُّ ، وَهُوَ اللِّقَاءُ ، وَذَكَرَ مَنْ أُسْنِدَ إِلَيْهِ اللِّقَاءُ ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ : أَنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ مَفْعُولٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : يَظُنُّونَ لِقَاءَ اللَّهِ وَاقِعًا .

( مُلَاقُو ) : أَصْلُهُ مُلَاقِيُوا ثُمَّ عُمِلَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَحُذِفَتِ النُّونُ تَخْفِيفًا ; لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ ، إِذَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا ، وَلَمَّا حَذَفَهَا أَضَافَ . ( إِلَيْهِ ) : الْهَاءُ تَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ ، وَقِيلَ إِلَى اللِّقَاءِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مُلَاقُوا .

قَالَ تَعَالَى : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ( 47 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، تَقْدِيرُهُ : وَاذْكُرُوا تَفْضِيلِي إِيَّاكُمْ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 48 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا ) : يَوْمًا هُنَا مَفْعُولٌ بِهِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى لَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَاتَّقُوا عَذَابَ يَوْمٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .

( لَا تَجْزِي نَفْسٌ ) : الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةُ الْيَوْمِ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ تُجْزَى فِيهِ ثُمَّ حُذِفَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ الظُّرُوفَ يُتَّسَعُ فِيهَا ، وَيَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا ، وَقَالَ غَيْرُهُ : تُحْذَفُ " فِي " فَتَصِيرُ تَجْزِيهِ ، فَإِذَا وَصَلَ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ ، حُذِفَ الْمَفْعُولُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ . ( عَنْ نَفْسٍ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ ( تُجْزَى ) .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ، عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ شَيْئًا عَنْ نَفْسٍ . وَ ( شَيْئًا ) : هُنَا فِي حُكْمِ الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ جَزَاءٍ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ شَيْءٌ فَوُضِعَ الْعَامُّ مَوْضِعَ الْخَاصِّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) : أَيْ فِيهِ ; وَكَذَلِكَ : ( وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) . وَ ( مِنْهَا ) : فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ ( يُقْبَلُ ) وَيُؤْخَذُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِشَفَاعَةٍ وَعَدْلٍ ، فَلَمَّا قَدِ انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ .

[ ص: 55 ] وَ " يُقْبَلُ " يُقْرَأُ بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الشَّفَاعَةِ وَبِالْيَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَحَسُنَ ذَلِكَ لِلْفَصْلِ .
قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) ( ( 49 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ ) : إِذْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَعْطُوفًا عَلَى ( اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ) [ الْبَقَرَةِ : 50 ] ، ( وَإِذْ وَاعَدْنَا ) [ الْبَقَرَةِ : 51 ] ، وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى ، وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مِنَ الْعُطُوفِ . ( مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) : أَصْلُ آلٍ أَهْلٌ ، فَأُبْدِلَتِ الْهَاءُ هَمْزَةً لِقُرْبِهَا مِنْهَا فِي الْمَخْرَجِ ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ أَلِفًا لِسُكُونِهَا وَانْفِتَاحِ الْهَمْزَةِ قَبْلَهَا مِثْلُ آدَمَ وَآمَنَ ، وَتَصْغِيرُهُ أُهَيْلٌ ; لِأَنَّ التَّصْغِيرَ يَرُدُّ إِلَى الْأَصْلِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُوَيْلٌ ، فَأَبْدَلَ الْأَلِفَ وَاوًا ، وَلَمْ يَرُدَّهُ إِلَى الْأَصْلِ كَمَا لَمْ يَرُدُّوا عِيدًا فِي التَّصْغِيرِ إِلَى أَصْلِهِ .

وَقِيلَ أَصْلُ آلٍ أَوْلٌ ، مِنْ آلَ يَئُولُ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَئُولُ إِلَى أَهْلِهِ ، وَفِرْعَوْنُ أَعْجَمِيٌّ مَعْرِفَةٌ . ( يَسُومُونَكُمْ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ آلٍ .

( سُوءَ الْعَذَابِ ) : مَفْعُولٌ بِهِ ; لِأَنَّ يَسُومُونَكُمْ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ يُقَالُ سُمْتُهُ الْخَسْفَ أَيْ أَلْزَمْتُهُ الذُّلَّ . ( يُذَبِّحُونَ ) : فِي مَوْضِعِ حَالٍ إِنْ شِئْتَ مِنْ " آلٍ " عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْحَالِ الْأُولَى ; لِأَنَّ حَالَيْنِ فَصَاعِدًا لَا تَكُونُ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، إِذْ كَانَتِ الْحَالُ مُشَبَّهَةً بِالْمَفْعُولِ ، وَالْعَامِلُ لَا يَعْمَلُ فِي مَفْعُولَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ فِي يَسُومُونَكُمْ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَشْدِيدِ الْبَاءِ لِلتَّكْثِيرِ ، وَقُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ .

( بَلَاءٌ ) : الْهَمْزَةُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْهُ بَلَوْتُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) . ( مِنْ رَبِّكُمْ ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةٌ لِبَلَاءٍ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( 50 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ ) : بِكُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَفْعُولٌ ثَانٍ ، وَالْبَحْرُ مَفْعُولٌ [ ص: 56 ] أَوَّلٌ ، وَالْبَاءُ هُنَا فِي مَعْنَى اللَّامِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : بِسَبَبِكُمْ . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُعَدِّيَةُ كَقَوْلِكَ : ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : أَفْرَقْنَاكُمُ الْبَحْرَ ، وَيَكُونُ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ) [ الْأَعْرَافِ : 138 ] . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلْحَالِ ; أَيْ فَرَقْنَا الْبَحْرَ ، وَأَنْتُمْ بِهِ ، فَيَكُونُ إِمَّا حَالًا مُقَدَّرَةً أَوْ مُقَارِنَةً . ( وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَالْعَامِلُ " أَغْرَقْنَا " .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) ( ( 51 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاعَدْنَا مُوسَى ) : وَعَدَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، تَقُولُ وَعَدْتُ زِيدًا مَكَانَ كَذَا ، وَيَوْمَ كَذَا ، فَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مُوسَى ، وَ " أَرْبَعِينَ " الْمَفْعُولُ الثَّانِي ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ تَمَامَ أَرْبَعِينَ ، وَلَيْسَ أَرْبَعِينَ ظَرْفًا ، إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى وَعَدَهُ فِي أَرْبَعِينَ .

وَيُقْرَأُ وَاعَدْنَا بِأَلِفٍ ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ الْوَاقِعَةِ مِنَ اثْنَيْنِ ، بَلْ مِثْلَ قَوْلِكَ : عَافَاهُ اللَّهُ ، وَعَاقَبْتُ اللِّصَّ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْوَعْدَ مِنَ اللَّهِ ، وَالْقَبُولَ مِنْ مُوسَى ، فَصَارَ كَالْوَعْدِ مِنْهُ ، وَقِيلَ : إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَعِدَ بِالْوَفَاءِ فَفَعَلَ .

وَ ( مُوسَى ) : مُفْعَلٌ ، مِنْ أَوْسَيْتُ رَأْسَهُ ، إِذَا حَلَقْتُهُ ; فَهُوَ مِثْلُ أَعْطَى فَهُوَ مُعْطًى .

وَقِيلَ : هُوَ فُعْلَى مِنْ مَاسَ يَمِيسُ إِذَا تَبَخْتَرَ فِي مَشْيِهِ ، فَمُوسِيُّ الْحَدِيدِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ; لِكَثْرَةِ اضْطِرَابِهَا وَتَحَرُّكِهَا وَقْتَ الْحَلْقِ ، فَالْوَاوُ فِي مُوسَى عَلَى هَذَا بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا .

وَمُوسَى اسْمُ النَّبِيِّ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالِاشْتِقَاقِ ; لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ وَإِنَّمَا يُشْتَقُّ مُوسَى الْحَدِيدِ . ( ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) : ; أَيْ إِلَهًا ، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ الثَّانِي ، وَمِثْلُهُ : بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ، وَقَدْ تَأْتِي اتَّخْذَتُ مُتَعَدِّيَةً إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى جَعَلَ وَعَمِلَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) [ الْبَقَرَةِ : 116 ] وَكَقَوْلِكَ : اتَّخَذْتُ دَارًا وَثَوْبًا ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَيَجُوزُ إِدْغَامُ الذَّالِ فِي التَّاءِ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا ، وَيَجُوزُ الْإِظْهَارُ عَلَى الْأَصْلِ .

( مِنْ بَعْدِهِ ) : أَيْ مِنْ بَعْدِ انْطِلَاقِهِ ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ .
[ ص: 57 ] قَالَ تَعَالَى : ( ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( ( 52 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَعَلَّكُمْ ) : اللَّامُ الْأُولَى أَصْلٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ ; وَإِنَّمَا تُحْذَفُ تَخْفِيفًا فِي قَوْلِكَ : عَلَّكَ ، وَقِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ ، وَالْأَصْلُ عَلَّكَ ، وَلَعَلَّ حَرْفٌ ، وَالْحَذْفُ تَصَرُّفٌ ، وَالْحَرْفُ بَعِيدٌ مِنْهُ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 53 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَالْفُرْقَانَ ) : هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مِثْلُ الرُّجْحَانِ وَالْغُفْرَانِ ، وَقَدْ جُعِلَ اسْمًا لِلْقُرْآنِ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 54 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لِقَوْمِهِ ) : اللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ تُكْسَرَ الْهَاءُ إِذَا انْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا ، وَتُزَادَ عَلَيْهَا يَاءٌ فِي اللَّفْظِ ; لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ لَا تَبِينُ كُلَّ الْبَيَانِ بِالْكَسْرِ وَحْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا يَاءٌ مِثْلُ عَلَيْهِ فَالْجَيِّدُ أَنْ تُكْسَرَ الْهَاءُ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ ; لِأَنَّ الْهَاءَ خَفِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ ، فَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا يَاءٌ ، وَبَعْدَهَا يَاءٌ لَمْ يَقْوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْهَاءِ فَتْحَةٌ أَوْ ضَمَّةٌ ضُمَّتْ وَلَحِقَتْهَا وَاوٌ فِي اللَّفْظِ نَحْوَ : إِنَّهُ وَغُلَامُهُ لِمَا ذَكَرْنَا . ( يَاقَوْمِ ) : حَذَفَ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ اكْتِفَاءً بِالْكَسْرَةِ ، وَهَذَا يَجُوزُ ، وَهَذَا فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ لَا يَلْبَسُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُ الْيَاءَ سَاكِنَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْلِبُهَا أَلِفًا بَعْدَ فَتْحِ مَا قَبْلَهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَا قَوْمُ بِضَمِّ الْمِيمِ . ( إِلَى بَارِئِكُمْ ) : الْقِرَاءَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ; لِأَنَّ كَسْرَهَا إِعْرَابٌ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو تَسْكِينُهَا فِرَارًا مِنْ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ ، وَسِيبَوَيْهِ لَا يُثْبِتُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَضْبِطْ عَنْ أَبِي عَمْرٍو ; لِأَنَّ أَبَا عَمْرٍو اخْتَلَسَ الْحَرَكَةَ ، فَظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ سَكَّنَ . ( ذَلِكُمْ ) : قَالَ بَعْضُهُمُ الْأَصْلُ ذَانِكُمْ ; لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ التَّوْبَةُ وَالْقَتْلُ فَأَوْقَعَ الْمُفْرَدَ مَوْقِعَ التَّثْنِيَةِ ; لِأَنَّ ذَا يَحْتَمِلُ الْجَمِيعَ ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ فَاقْتُلُوا تَفْسِيرُ التَّوْبَةِ فَهُوَ وَاحِدٌ . ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : فَفَعَلْتُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( 55 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ) : إِنَّمَا قَالَ : نُؤْمِنَ لَكَ لَا بِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَنْ نُؤْمِنَ لِأَجْلِ قَوْلِكَ ، أَوْ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى لَنْ نُقِرَّ لَكَ بِمَا ادَّعَيْتَهُ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]