عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 20-01-2021, 05:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ26 إلى صــ 31
الحلقة (5)


قال تعالى : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( سواء عليهم ) رفع بالابتداء ، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل ، وسدت هذه الجملة مسد الخبر ، والتقدير : يستوي عندهم الإنذار وتركه ، وهو كلام محمول على المعنى ، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدأ ، وساء خبر مقدم ، والجملة على القولين خبر إن ، ولا يؤمنون لا موضع له على هذا ، ويجوز أن يكون سواء خبر إن وما بعده معمول له ، ويجوز أن يكون لا يؤمنون خبر أن ، وسواء عليهم وما بعده معترض بينهما .

ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر . و ( سواء ) مصدر واقع موقع اسم الفاعل ، وهو مستو ، يعمل عمل يستوي ، ومن أجل أنه مصدر لا يثنى ولا يجمع ، والهمزة في سواء مبدلة من ياء ; لأن باب طويت ، وشويت أكثر من باب قوة ، وحوة فحمل على الأكثر .

قوله تعالى : ( أأنذرتهم ) قرأ ابن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر ، وهمزة الاستفهام مرادة ، ولكن حذفوها تخفيفا وفي الكلام ما يدل عليها ، وهو قوله : أم لم ; لأن أم تعادل الهمزة وقرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام ، ثم اختلفوا في كيفية النطق به ، فحقق قوم الهمزتين ، ولم يفصلوا بينهما ، وهذا هو الأصل ، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل ; لأن الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة ، فالنطق بها يشبه التهوع ، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم ، فمن هنا لا يحققهما أكثر العرب .

ومنهم من يحقق الأولى ، ويجعل الثانية بين بين ; أي بين الهمزة والألف وهذه في الحقيقة همزة مليئة ، وليست ألفا ، ومنهم من يجعل الثاني ألفا صحيحا ، كما فعل ذلك في آدم وآمن ، ومنهم من يلين الثاني ، ويفصل بينها وبين الأولى بالألف ، ومنهم من يحقق الهمزتين ، ويفصل بينهما بألف .

[ ص: 26 ] ومن العرب من يبدل الأولى هاء ، ويحقق الثانية ، ومنهم من يلين الثانية مع ذلك ، ولا يجوز أن يحقق الأولى ، ويجعل الثانية ألفا صحيحا ، ويفصل بينهما بألف ; لأن ذلك جمع بين ألفين ، ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية ، وذلك شبيه بالاستفهام ; لأن المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم ; فكذلك يفعل من يريد التسوية ، ويقع ذلك بعد سواء كهذه الآية ، وبعد ليت شعري ، كقولك : ليت شعري أقام أم قعد ، وبعد لا أبالي ولا أدري .

وأم هذه هي المعادلة لهمزة الاستفهام ، ولم ترد المستقبل إلى معنى المضي حتى يحسن معه أمس ، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال .

قال تعالى : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ( 7 ) ) قوله تعالى : ( وعلى سمعهم ) السمع في الأصل مصدر سمع ، وفي تقديره هنا وجهان : أحدهما : أنه استعمل مصدرا على أصله ، وفي الكلام حذف تقديره : على مواضع سمعهم ; لأن نفس السمع لا يختم عليه .

والثاني : أن السمع هنا استعمل بمعنى السامعة ، وهي الأذن ، كما قالوا : الغيب بمعنى الغائب ، والنجم الغائب والنجم بمعنى الناجم ، واكتفى بالواحد هنا عن الجمع ، كما قال الشاعر :
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
يريد جلودها .

قوله تعالى : ( وعلى أبصارهم غشاوة ) يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ ، وعلى أبصارهم خبره ، وفي الجار على هذا ضمير .

وعلى قول الأخفش غشاوة مرفوع بالجار ، كارتفاع الفاعل بالفعل ، ولا ضمير في الجار على هذا الارتفاع الظاهر به ، والوقف على هذه القراءة على : ( وعلى سمعهم ) .

ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة ; ولا يجوز أن [ ص: 27 ] ينتصب بختم ; لأنه لا يتعدى بنفسه . ويجوز كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر ، غشوة بغير ألف ، بفتح الغين ، وضمها ، وكسرها .

قوله تعالى : ( ولهم عذاب ) مبتدأ وخبر ، أو فاعل عمل فيه الجار على ما ذكرنا قبل وفي : ( عظيم ) ضمير يرجع على العذاب لأنه صفته .
قال تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( ومن الناس ) : الواو دخلت هنا للعطف على قوله : ( الذين يؤمنون بالغيب ) وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس ; فالآيات الأول تضمنت ذكر المخلصين في الإيمان وقوله : ( إن الذين كفروا ) تضمن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه وهذه الآية تضمنت ذكر من أظهر الإيمان ، وأبطن الكفر ، فمن هنا دخلت الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الأول ، ومن هنا للتبعيض ، وفتحت نونها ولم تكسر ; لئلا تتوالى الكسرتان .

وأصل الناس عند سيبويه أناس ، حذفت همزته ، وهي فاء الكلمة ، وجعلت الألف واللام كالعوض منها ، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالألف واللام ، ولا يكاد يستعمل أناس بالألف واللام ، فالألف في الناس على هذا زائدة واشتقاقه من الأنس .

وقال غيره ليس في الكلمة حذف ، والألف منقلبة عن واو وهي عين الكلمة ، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا ، إذا تحرك وقالوا في تصغيره نويس .

قوله : ( من يقول ) ( من ) في موضع رفع بالابتداء ، وما قبله الخبر أو هو مرتفع بالجار قبله على ما تقدم .

و ( من ) هنا نكرة موصوفة ، ويقول صفة لها ويضعف أن تكون بمعنى الذي ; لأن الذي يتناول قوما بأعيانهم والمعنى هاهنا على الإيهام والتقدير ، ومن الناس فريق يقول .

و ( من ) موحدة اللفظ ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد ، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها ، وأن يثنى ويجمع ويؤنث حملا على معناها ، وقد جاء في هذه الآية على الوجهين ، فالضمير في يقول مفرد ، وفي آمنا وما هم جمع . والأصل في يقول يقول بسكون القاف وضم الواو ; لأنه نظير يقعد ويقتل ، ولم يأت إلا على ذلك ، فنقلت ضمة الواو إلى القاف ; ليخف اللفظ بالواو ومن هاهنا إذا [ ص: 28 ] أمرت لم تحتج إلى الهمزة ; بل تقول : قل ; لأن فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل .

قوله تعالى : ( آمنا ) : أصل الألف همزة ساكنة ، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان ، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها ، ووزن آمن أفعل من الأمن .

و : ( الآخر ) فاعل فالألف فيه غير مبدلة من شيء .

قوله : ( وما هم ) هم ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز ، ومبتدأ عند تميم ، والباء في الخبر زائدة للتوكيد ، غير متعلقة بشيء ، وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدأ أو الخبر أو الفاعل وما تنفي ما في الحال ، وقد تستعمل لنفي المستقبل .

قال تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ( 9 ) ) .

قوله تعالى : ( يخادعون الله ) في الجملة وجهان أحدهما لا موضع لها .

والثاني : موضعها نصب على الحال ، وفي صاحب الحال والعامل فيها وجهان : أحدهما : هي من الضمير في يقول ، فيكون العامل فيها يقول ، والتقدير : يقول آمنا مخادعين ، والثاني : هي حال من الضمير في قوله بمؤمنين ، والعامل فيها اسم الفاعل ، والتقدير : وما هم بمؤمنين في حال خداعهم .

ولا يجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين ; لأن ذلك يوجب نفي خداعهم ، والمعنى على إثبات الخداع ، ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنا ، لأن آمنا محكي عنهم بـ ( يقول ) ، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنا ، لكانت محكية أيضا ، وهذا محال لوجهين : أحدهما : أنهم ما قالوا آمنا وخادعنا . والثاني أنه أخبر عنهم بقوله يخادعون ، ولو كان منهم لكان : نخادع بالنون .

وفي الكلام حذف تقديره : ( يخادعون ) نبي الله . وقيل هو على ظاهره من غير حذف .

قوله عز وجل : ( وما يخادعون ) وأكثر القراءة بالألف ، وأصل المفاعلة أن تكون من [ ص: 29 ] اثنين وهي على ذلك هنا ; لأنهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبي يدور الخداع بينهما ، فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم ، وقيل المفاعلة هنا من واحد ; كقولك سافر الرجل ، وعاقبت اللص . ويقرأ يخدعون بغير ألف مع فتح الياء

ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان ; فكأنه قال : وما يخدعهم الشيطان . ( إلا أنفسهم ) أي عن أنفسهم ، وأنفسهم نصب بأنه مفعول ، وليس نصبه على الاستثناء ; لأن الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا .

قال تعالى : ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( فزادهم الله ) زاد يستعمل لازما كقولك زاد الماء ويستعمل متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما وعلى هذا جاء في الآية .

ويجوز إمالة الزاي ; لأنها تكسر في قولك زدته وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف إلا أنه أحسن فيما عينه ياء .

قوله تعالى : ( أليم ) هو فعيل بمعنى مفعل ; لأنه من قولك آلم فهو مؤلم ، وجمعه ألماء وإلام ، مثل شريف وشرفاء وشراف .

قوله تعالى : ( بما كانوا يكذبون ) هو في موضع رفع صفة لأليم ، وتتعلق الباء بمحذوف تقديره : أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق ، وما هنا مصدرية ، وصلتها يكذبون ، وليست كان صلتها ; لأنها الناقصة ، ولا تستعمل منها مصدر ، ويكذبون في موضع نصب خبر كان ، وما المصدرية حرف عند سيبويه ، واسم عند الأخفش ، وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء .
قال تعالى : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ( 11 ) ) .

قوله عز وجل : ( وإذا قيل لهم ) : إذا في موضع نصب على الظرف ، والعامل فيها جوابها ، وهو قوله : قالوا ، وقال قوم : العامل فيها قيل ، وهو خطأ ; لأنه في موضع جر بإضافة إذا إليه ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف ، وأصل قيل قول ، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت ، وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء ، كما فعلوا في أدل وأحق ، ومنهم من يقول نقلوا كسرة الواو إلى القاف ، وهذا ضعيف ; لأنك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها ، فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف ، وهذا عمل كثير .

[ ص: 30 ] ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الأصل .

ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع : قول وبوع ، ويسوي بين ذوات الواو والياء ، قالوا : وتخرج على أصلها ، وما هو من الياء تقلب فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية ، والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر ، وهو القول ، وأضمر ; لأن الجملة بعده تفسره والتقدير : وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا . ونظيره ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ) [ يوسف : 35 ] ; أي بدا لهم بداء ورأي . وقيل : ( لهم ) هو القائم مقام الفاعل ; لأن الكلام لا يتم به ، وما هو تفسره الجملة بعده .

ولا يجوز أن يكون قوله : ( لا تفسدوا ) قائما مقام الفاعل ; لأن الجملة لا تكون فاعلا ، فلا تقوم مقام الفاعل ، ولهم في موضع نصب مفعول قيل .

قوله : ( في الأرض ) الهمزة في الأرض أصل ; وأصل الكلمة من الاتساع ، ومنه قولهم : أرضت القرحة إذا اتسعت . وقول من قال : سميت أرضا ، لأن الأقدام ترضها ليس بشيء ; لأن الهمزة فيها أصل ، والرض ليس من هذا .

ولا يجوز أن يكون في الأرض حالا من الضمير في تفسدوا ; لأن ذلك لا يفيد شيئا ، وإنما هو ظرف متعلق بـ ( تفسدوا ) .

قوله : ( إنما نحن ) ( ( ما ) ) ههنا كافة لإن عن العمل لأنها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى وهي إنما عملت لاختصاصها بالاسم .

وتفيد ( إنما ) حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر ، كقوله ( إنما الله إله واحد ) [ النساء : 171 ] وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره ، كقولك ( ( إنما زيد كريم ) ) ; أي ليس فيه من الأوصاف التي تنسب إليه سوى الكرم ، ومنه قوله تعالى : ( إنما أنا بشر مثلكم ) [ الكهف : 110 ] ; لأنهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر ; فأثبت لنفسه صفة البشر ، ونفى عنه ما عداها

[ ص: 31 ] قوله : نحن : هو اسم مضمر منفصل مبني على الضم . وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التي ترجع إليها ، فهي كالحروف في افتقارها إلى الأسماء ، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان ، وضمت النون ; لأن الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت . وقيل ضمت لأن موضعها رفع ، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو ، ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم ، وهو في موضع رفع بالابتداء و : ( مصلحون ) خبره .

قال تعالى : ( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ( 12 ) ) .

قوله تعالى : ( ألا ) : هي حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب .

وقيل معناها : حقا ، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا ، وهو في غاية البعد .

قوله : ( هم المفسدون ) هم مبتدأ ، والمفسدون خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيدا لاسم إن .

ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ; لأن الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]