عرض مشاركة واحدة
  #299  
قديم 19-03-2023, 09:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,952
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (294)

صـــــ(1) إلى صــ(16)


‌‌دليل القائلين بأن القول قول المشتري
بناءً على هذا ننظر: فإذا قال المشتري: إن العيب كان موجوداً في الصفقة قبل البيع، أو أثناء عقد البيع، فبعض العلماء يقول: القول قوله، فإذا قلنا: القول قول المشتري فمعناه أن المشتري مدعىً عليه، ومعناه أن البائع مدعٍ.
والسبب في هذا: أن الأصل أن هذا المبيع حينما دفع المشتري فيه القيمة كاملة ينبغي أن نعلم أن المبيع كامل، فإذا ثبت أنه ناقص ورأينا نقصانه، فالمال الذي دفعه لا يستحقه البائع، فمثلاً: اشترى عمارة بخمسمائة ألف، وظهر بها عيب يسقطها إلى أربعمائة ألف، فإذاً لا نستطيع أن نقول بحل الخمسمائة ألف للبائع، إلا إذا تبين أن الصفقة كاملة، فإذا قال المشتري: بها عيب، وقال البائع: لم يكن بها عيب، فالثابت أمامنا أنها معيبة، وأن المال المدفوع الذي هو خمسمائة ألف ليس مدفوعاً في شيء يستحقه على هذا الوجه، فنطالب البائع بدليلٍ وبينةٍ على أن العمارة أثناء البيع لم يكن بها هذا العيب الذي يدعى عليه.
فهذا وجه من يقول: إن القول قول المشتري.
لأن الأصل عدم الخمسمائة ألف أو المال المدفوع حتى يكون المبيع سالماً من العيب، فلما شككنا فرأينا المبيع أمامنا معيباً، فإن الأصل ألا يعطيه إلا شيئاً كاملاً كما أنه أخذ الثمن كاملاً، فينبغي أن نتحقق أن المبيع كاملاً فنطالب البائع بما يثبت أن المبيع كان كاملاً أثناء البيع، فهذا وجه من قال: إن القول قول المشتري
‌‌دليل القائلين بأن القول قول البائع
وهناك من يرى أن القول قول البائع؛ لأنه لما بيع المبيع وأخذ المشتري الصفقة فإن المشتري يقول: قد كان، والبائع يقول: لم يكن، وقد قلنا: إن من ضوابط المدعي والمدعى عليه.
وقيل من يقول قد كان ادعى ولم يكن لمن عليه يدعى فيقولون: المشتري يقول: قد كان، والبائع يقول: لم يكن، فالبائع ينفي والمشتري يثبت، وحينئذٍ يطالب المشتري بالدليل على قدم العيب؛ لأن الأصل عدم وجود العيب، بدليل أن الصفقة تمت بينهما، ولا تتم في الغالب إلا وهي كاملة، فقالوا: الظاهر أن المبيع لم يكن به عيب.
وأياً ما كان فقول من قال: القول قول المشتري أقوى، لما ذكرنا؛ لأن أموال الناس لا تستباح إلا بوجه معتبر، والصفقة على هذا الوجه لم يثبت أنها كاملة، فيطالب البائع بدليل يدل على أن المبيع لم يكن معيباً أثناء العقد.
فقوله: (وإن اختلفا عند من حدث العيب فقول مشترٍ مع يمينه) هذه اليمين يسمونها (يمين التهم)، وتكون في المواطن التي تحصل فيها الريب كالشهادة على الوصية في السفر وفيها الأيمان، وهي أصل عند العلماء رحمهم الله في أيمان التهم، وبها يقول فقهاء المالكية، وكذلك الحنابلة والشافعية في مواضع يحكمون بها، وأيضاً فقهاء الحنفية رحمهم الله في بعض الصور ويسمونها يمين التهمة، فيقولون: يعتضد قول المشتري بيمينه، يقال للمشتري: احلف أن هذا العيب كان موجوداً أثناء العقد
‌‌يقبل قول من لا يحتمل إلا قوله
قال رحمه الله: [وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قبل بلا يمين] وذلك كما ذكرنا في الأصبع الزائد، والعيوب التي يشهد أهل الخبرة أنها لا يمكن أن تحدث وتطرأ في زمن قريب، ويوجد الآن في بعض الآلات أن يدعي صاحب المؤسسة أو صاحب الشركة التي باع الآلة أن هذا العيب ما كان موجوداً، فيأتي خبير ويقول: بل هذا النوع من العيوب لا يمكن أن يحدث إلا من سنة، إذا أثبت أهل الخبرة أن هذا العيب لا يمكن أن يحدث إلا من سنة أو أنه موجود مثل الأصبع الزائد أو عيوب الخلقة، فحينئذٍ يطالب بالرد وليس على المشتري يمين، لدلالة الظاهر على صدقه
‌‌خيار التخبير بالثمن
قال رحمه الله: [السادس: خيار في البيع بتخبير الثمن]: مذهب الحنابلة رحمهم الله من أوسع المذاهب في باب الخيار، ولم يتكلم الفقهاء رحمهم الله في مسائل الخيار بالتفصيل والاستيعاب كفقهاء الحنابلة رحمهم الله، فقد توسعوا في الخيار وذكروا صوره، خاصة وأنهم يقولون بأنواع لا يقول بها غيرهم كفقهاء الحنفية والمالكية رحمة الله على الجميع، وهنا نوع من الخيارات وهو خيار التخبير بالثمن.
وهو أن يأتي الإنسان إلى البائع يريد أن يشتري سلعة، فحينئذ لا يخلو البائع من حالتين: الحالة الأولى: أن يقول لك مثلاً: أبيعك هذه السيارة بعشرة آلاف، أو أبيعك هذه العمارة بمائة ألف، ولا يذكر لك رأس المال الذي اشترى به، فحينئذٍ لا إشكال.
الحالة الثانية: أن يقول لك: هذه السيارة رأس مالي فيها مائة ألف، أو هذه العمارة رأس مالي فيها مليون ريال، فهذا الإخبار بالثمن فيه عهد من المسلم إلى المسلم ألا يكذب وألا يغش وألا يزور؛ لأنه إذا قال لك: رأس مالي في هذه العمارة مليون فمعنى ذلك: أنه إما أن يبيعك برأس المال وقد صدقته أنه اشترى بمليون، وإما أن يقول لك: كم تربحني؟ فتربحه العشر مثلاً، فيبيع بمليون ومائة، أو يقول لك: رأس مالي مليون، أسقط عنك عشر رأس المال، أو يقول لك: رأس مالي مليون، أدخلك شريكاً معي بالنصف.
فإذا أخبرك برأس المال، فإقدامك على السلعة مركب من علمك بهذا القدر وهذه القيمة، فلا يخلو: إما أن يكون صادقاً فلا إشكال، وإما أن يكون كاذباً، أو يكون مخطئاً، هذه ثلاثة أحوال: إما أن يكون صادقاً، فلا إشكال، على حسب ما اتفقتما عليه.
وإما أن يكون كاذباً فيقول: هذه العمارة اشتريتها بمليون، كم تربحني فيها؟ فتقول له: أربحك النصف، فمعناه أنك ستشتريها بمليون ونصف.
فإذا شاء الله عز وجل أن دفعت له المليون والنصف، ثم تبين أنه اشتراها بنصف مليون، وأنه كذب عليك حينما أخبرك أنه اشتراها بالضعف، فيكون حكم الشرع بإعطائه قيمة ما أخذ من المغشوش بالنسبة، وسنبين هذا.
كذلك أيضاً لو قال لك: رأس مالي فيها مليون ريال، ادخل معي شريكاً بالنصف، فأعطيته نصف مليون وتبين أنه اشترى بنصف مليون، فحينئذٍ كان من حقك أن ترجع عليه بربع مليون؛ لأنك دخلت بالخمسمائة ألف على أن رأس المال مليون ريال، وتبين أن رأس المال خمسمائة ألف، فمعناه أنك تدخل معه شريكاً بمائتين وخمسين ألفاً، ومن حقك أن تسترد منه المائتين والخمسين ألفاً المتبقية.
لقد أبدع فقهاء الحنابلة رحمهم الله باعتبار هذا النوع من الخيارات وتكلموا عليه وفصلوا في أحكامه، وهذه ميزة من ميزات الفقه الحنبلي، وإن كان غيرهم نبه على هذه المسائل؛ لكن لماذا دخلت هذه المسألة في الخيار؟ قالوا: لأنه إذا ظهر كذبه، فقد صار للمشتري الحق في أن يطالب بضمان ما خدع به، ومن حقه أن تغفر.
إذاً: كأنك مخير مثل العيب، فلما ظهر العيب الحسي في المبيعات واستحققت به الرد، والعيب المعنوي الموجود في المبيع واستحققت به الرد، كذلك العيب في الثمن حينما يظهر أن البائع كذب عليك فإن من حقك أن ترد وأن يضمن لك فضل ما بين القيمتين.
قد ذكرنا صورة الصدق وصورة الكذب، ولكن في بعض الأحيان قد يكذب البائع تورية، ويقول لك: رأس مالي في هذه السيارة عشرة آلاف تشاركني فيها؟ قلت: أشاركك بالنصف، دفعت خمسة آلاف، وتبين أنه اشتراها بعشرة آلاف ولكن بالتقسيط، وليس بالنقد، ولم يخبرك أنها مقسطة، فحينئذٍ يكون قد غشك وورى عليك، فهو اشتراها بعشرة آلاف ولكنه إلى أجل، والأجل تقع فيه زيادة الثمن على المشتري، فلك أيضاً حق المطالبة إن تبين أنه قد خدعك أو ختلك من هذا الوجه.
هناك صورة ثالثة وهي الخطأ، فمثلاً: قلت له: بكم اشتريت هذا القماش؟ وهذا كثيراً ما يقع في تجار الجملة، وكثيراً ما تقع مسألة البيع برأس المال، والمرابحة برأس المال بين التجار في الصفقات التي تقع بينهم في الجملة، وفي بعض الأحيان قد تشتري شاة -ولا يزال كبار السن يتعاملون بهذا النوع من البيوع- ويقول لك: رأس مالي بكذا، وتصدقه وتشتري إما برأس المال، أو تزيد على رأس المال، سواءً وقع هذا في بيع الجملة أو بيع المقطع.
الذي يعنينا الآن أنه أخطأ في القيمة، قلت له: بكم اشتريت هذه الثياب؟ قال: انتظر حتى أنظر: فواتيرها أو مستنداتها، فنظر في الفواتير وقال: بعشرة آلاف، فقلت له: أنا أربحك العشر، بأحد عشر ألفاً، فدفعت المبلغ، ثم تبين أن هذه الفواتير ليست لهذه الثياب وإنما لثياب أخرى، فالرجل ما كذب ولكنه أخطأ.
أو قال لك: هذه العمارة رأس مالي فيها مليون ريال، وتبين أنه كان يظن أنها عمارة أخرى اشتراها بالمليون، ولكن هذه اشتراها بثمانمائة ألف، فإذاً: من حكمة الله عز وجل أنه أعطى كل ذي حق حقه، والحكيم من يضع الأشياء في موضعها، فما دام أن المسلم قد أمن أخاه المسلم حين أخبره برأس المال، فمعناه أن له عليه حقاً أن يصدقه ولا يكذبه، وأن ينصح ولا يغش، ولذلك يقولون: بيع المسلم للمسلم لا كذب فيه ولا خيانة ولا غش ولا تدليس، فإذا ظهر أنه كاذب فله يضمن الحق، والقاضي يعزره، إذا ثبت عنده أنه كذب على فلان في رأس المال، فيعزره بما يناسبه ويناسب من كذب عليه.
وكذلك أيضاً إذا ثبت أنه أخطأ فإنه يعذر، وحينئذٍ يبقى استحقاق صاحب الحق برده بما فضل.
فإذاً: نحتاج أن نبحث مسائل في خيار التخبير: أولها: بيع المرابحة.
ثانيها: بيع المواضعة.
ثالثها: بيع التورية.
رابعها: بيع الشركة.
فهذه أربعة أنواع من البيوع.

فبيع المرابحة: اصطلح العلماء رحمهم الله على أن بيع المرابحة أن تشتري الشيء ويأتي من يرغب فيه ويقول لك: كم رأس ماله؟ تقول: رأس مالي مائة، يقول: أو أربحك العشر، أو الربع، أو النصف، أو المثل، فلو اشتريته بعشرة، وقال لك: أربحك المثل، فمعناه أنه سيشتريه بعشرين، ولذلك يسمونه بيع المرابحة، ومنه القصة المشهورة ل عثمان رضي الله عنه وأرضاه في عام الرمادة، حين جاءت إبله من الشام محملة بالزيت والطعام إلى المدينة، فجاءه التجار وقالوا له: بع يا عثمان، قال: كم تعطونني؟ قالوا: نعطيك بالدرهم درهمين، أي: نربحك الضعف، قال: أعطيت أكثر، قالوا: نعطيك ثلاثة، أي: ثلاثة أضعاف، قال: أعطيت أكثر، قالوا: نربحك أربعة إلى خمسة، قال: أعطيت أكثر، قالوا: من أعطاك وليس بالمدينة تجار غيرنا؟ قال: أعطاني الله بالدرهم عشرة إلى سبعمائة ضعف، هل عندكم هذا؟ قالوا: لا قال: أشهدكم أنها للفقراء، وتصدق بها رضي الله عنه وأرضاه.
فكان معروفاً عند التجار أن التاجر يأتي لأخيه ويقول له: صفقتك -مثلاً- من الزيت سأربحك الضعف، فيعرفون أنه سيدفع ضعف رأس مالها.
لكن هنا سؤال وهو: هل في بيع المرابحة تحتسب رأس المال الأصلي، أو تحتسب الكلفة؟ هذا أمر يحتاج إلى نظر، فمثلاً: لو اشتريت طعاماً وقيمة الطعام مائة ألف، لكنك نقلته من جدة إلى مكة، وكلفك النقل عشرة آلاف، فهل نقول: رأس المال المائة ألف أو نقول: رأس المال مائة وعشرة آلاف؟ الصحيح أنها مائة وعشرة، وأن عليه أن يبين ويقول: رأس مالي بكلفته مائة وعشرة، أي: كلفتني هذه الصفقة مائة وعشرة.
إذاًَ: بيع المرابحة يشترط فيه أن تملك السلعة وأن تكون في حوزتك حتى تبيعها؛ لأنك لو بعتها قبل أن تملكها فقد بعت ما لم تملك، ومن هنا يتبين خطأ من يقول: يدخل في بيع المرابحة أن تذهب وتختار السيارة ثم تأتي إلى المؤسسة لكي تشتريها لك، ثم تأخذها منها بالتقسيط بعد أن تدفع المؤسسة ثمنها نقداً، وهذا عين الربا، وليس من المرابحة في شيء، فبيع المرابحة صورته معروفة ومعهودة ومشهورة عند العلماء: وهي أن تشتري الصفقة بقيمتها، دون أن يدلك عليها أو يخبرك أحد أنه سيشتريها منك مستقبلاً سواء كانت عقاراً أو منقولاً، وبعد أن نشتريها يأتيك من يساومك بعد أن حزتها وتبين رأس مالك فيها لكي يخبرك بما سيدفعه لك ربحا، ً ولذلك قال: ولا تكون المرابحة إلا بعد الملكية؛ لأنك ترابح في شيء قد ملكته، ولا ترابح في شيء ليس في ملكك
‌‌الأسئلة
‌‌ضمان التصرف في المبيع المعيب بعد رده


‌‌السؤال
في حديث المُصَرّاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد المشتري المبيع وصاعاً من تمر، وذلك لمنفعته في الحليب؛ ولكن في كسر الجوز لم ينتفع المشتري فيه بشيء، فلماذا يرد أرش ما انكسر؟ أثابكم الله.


‌‌الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإنك حينما تلزم الإنسان بضمان شيء إنما هو مركب من الاعتداء ومركب من التصرف، بغض النظر عن كونه انتفع أو لم ينتفع، فلو أن إنساناً جاء وكسر زجاجاً للغير، ولم ينتفع بهذا الكسر، قلنا له: يدك كسرت فعليك أن تضمن لصاحب الحق حقه، ولو أنه أتلف طعاماً ولم يأكله، فإنه يجب عليه الضمان، وكأن الأمر مركب على كسر اليد، فلما اعتدت اليد، بغض النظر عن كونها ارتفقت أو لم ترتفق، أو قصدت الارتفاق أو لم تقصد، فقاعدة الضمان مطردة.
وعليه فإننا نقول: يجب عليه الضمان ويلزمه أن يرد من هذا الوجه، وحديث الْمُصَرّاة مركب من هذا، فإنه احتلب الشاة وهذا الحدث كان من يده، سواء احتلب وشربه هو أو شربه غيره، أو حلب الحليب ثم أراقه فإن الحكم يلزمه، فكأن القضية مركبة من وجود الإتلاف ووجود التصرف، فعلى اليد ما أخذت حتى تؤدي.
فلما أخذت شيئاً كاملاً وجب أن ترده كاملاً إن أمكن، وإن لم يمكن ردت ضمان ذلك الكامل، وهذا من عدل الله بين عباده، وقد بينا وجه ذلك، والله تعالى أعلم

‌‌التراخي في رد المعيب وحق الأرش

‌‌السؤال
بعد أن تقرر أن التراخي قد يسقط حق المشتري في الرد، فماذا عن حقه في الأرش، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
بالنسبة لوجود العيب فمن حقه أن يطالب بالأرش، لكن الرد أهون من الأرش، فإبطال العقد الأول وفسخ العقد الأول ليس كاستدامة العقد وضمان النقص، وسكوته إن كان لا يدل على الرضا بالعيب على وجه الإسقاط للأرش والرد، فلا شك أن من حقه أن يطالب؛ لأن الأصل أن الشرع أثبت له حق المطالبة بصاع الْمُصَرّاة، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة، فحينئذٍ نقول: من حقه أن يطالب بالأرش وضمان ما انتقص من قيمته، ويكون تراخيه إذا لم يفهم منه الرضا عن إسقاط الأرش غير موجب لإسقاط الحق الثابت بأصل الشرع، والله تعالى أعلم

‌‌الضمان في التصرف في المبيع لأجل معرفته

‌‌السؤال
بعض تجار العسل يبيعون العسل بداخل ما يسمى بـ (القدر)، ولا يظهر منه إلا واجهته، ولا يدرى ما بداخله، فما الحكم، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
ليس العسل وحده، بل العسل والفواكه كلها تباع على هذا الوجه، فلو اشتريت من الفواكه الرمان، مع أنه كبير الحب كبير الجذر فإنك لا تستطيع إلا أن تنظر إلى واجهته، أو اشتريت الرطب فإنك لا تستطيع إلا أن تنظر إلى ظاهر الصندوق، فمن حقك من ناحية شرعية أن تقلب أعلاه وأسفله، لكنه لا يمكّنك من هذا.
فلو أخذته وقلبته أمامه ووجدت فيه عيباً فمن حقك أن ترده، ولو أخذت الصندوق وقلبته فوجدت باطنه غير ظاهره فمن حقك أن ترده.
فالعسل لو قال لك: لا تفتشه أو قال لك: هذا عسل جيد وممتاز ومن نوع كذا، فلما أخذته إلى البيت وفتحت قرطاسه أو وعاءه إذا به ليس من النوع الذي ذكر، فمن حقك أن ترده، ثم هذا الفتح إن كان مثله يضمن ضمن، وإن كان مثله لا يضمن لم يضمن.
فمثلاً: القدر إذا فتح ليس فيه إخلال ولا ضرر، لكن لو كان العسل له وعاء معين لا يمكن فتحه إلا بالإتلاف، فحينئذٍ يضمن هذا الإتلاف الذي ذكرناه في جوز الهند، وهكذا بالنسبة لبيض النعام، لأنه أصل عند العلماء.
فالمقصود: أن من حقك الرد، إن تبين أنه غير النوع الذي اشتريته، فمثلاً: قال لك: هذا عسل السدر، وتبين أنه ليس من عسل السدر، وإنما هو نوع آخر، أو قال لك: هذا الرمان من نوع كذا، وتبين أنه من نوع آخر، فمن حقك أن ترد متى اتضح وجود العيب ومخالفة الصفقة لما تم بين البائع والمشتري.
وحينئذٍ فمسائل الضمان يفرع فيها على نفس التفريع الذي ذكرنا، فإن كان العسل في غلاف بحيث إذا فتح تضرر البائع بفتحه، كان من حقه أن يطالبه بأرشه، وإن كان لا يتضرر فإنه ليس من حقه أن يطالب بالأرش، لكن مسألة العسل من حقك أن تقلبه وتذوقه من باب العلم بما فيه، وذلك حتى ترتفع الجهالة ويطمئن إلى حقه، وليس من حق البائع أن يمنعه من ذلك، إنما من حقه أن يمنعه من وسيلة تضر بالعسل، أو تضر به هو.
فمثلاً: لو أدخل يده، فيده قد تكون ملوثة تؤذي العسل، ولو جاء بملعقة كبيرة يريد أن يذوق العسل، فهذا يضر، فحق المشتري أن يفعل ما تستبين به حقيقة الصفقة، فلو باعه إليك مغلفاً، وقال لك: أضمن أنه من النوع الفلاني أو الصنف الفلاني، أو باعك الورد الطيب والمشهور مثلاً في أوعية من النحاس مغلفة مختومة لا تستطيع أن تعرف حقيقة هذا الورد إلا بفك الختم، فحينئذٍ تفك الختم، وإذا فككت الختم وشممت الورد، وتبين أنه فاسد أو تالف فلك أن ترده، فإذا كان هذا الختم ليس فكه ينقص العلبة نفسها أو يؤثر فيها، فليس من حقه أن يطالبك بالأرش، فعلبة الورد معروفة، وهذا الختم ليس له أي قيمة إنما هو من باب الاستيثاق أنه من المؤسسة ومن الشركة، لكنه لا يؤثر في ذات العلبة، فذات العلبة تقفل وتحكم الإقفال، كالقدر إذا رفع ثم غطي، فلا يعتبر هذا مما يوجب الضمان، لكن الذي يوجب الضمان الأشياء التي تستهلك وتستنفذ وتكون اليد متصرفة بالإضرار فيها، فتضمن بحقها وهو قدر الأرش، والله تعالى أعلم

‌‌حق الفسخ في الإجارة

‌‌السؤال
استأجرت داراً لمدة سنة، ودفعت الإيجار مقدماً، وبعد بضعة أشهر أحببت الخروج من الدار، فهل لي أن أطالب المالك بإرجاع ما تبقى لي من قيمة أشهر السنة، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
هذه المسألة مفرعة على مسألة وهي العقود اللازمة والعقود الجائزة.
فالعقود اللازمة مثل البيع والإجارة ليس من حق أحد الطرفين أن يفسخ دون رضا الآخر، فالبيع عقد لازم، فليس من حق المشتري بعد أن تفترقا أن يأتيك ويقول: لا أريد؛ لأنك تقول له: هذا عقد يلزمك، وليس من حقك أن تفسخ هذا البيع إلا بإذني ورضاي، كذلك إذا استأجرت سيارة لتذهب بها إلى الحرم بعشرة ريالات، فركبت معه فإذا ركبت معه، وشرع يمشي فبمجرد مشيه لزمتك الإجارة، وحينئذٍ تمضي معه، فإن أتم لك المشوار استحق الأجرة، وإن امتنع أن يتم لك المشوار أو تعطلت سيارته فعليه أن يقيم غيره مقامه، ولو لم يجد الغير الذي يقوم مقامه، فعليه أن يقدر المسافة من الموضع الذي أخذك منه إلى الموضع الذي تعطلت فيه السيارة، فإن كان نصف المشوار استحق خمسة ريالات، أي: يقدر بقدر ما عمل.
لكن لو جئت تقول له: أريد أن توصلني إلى المدينة، ثم لما مضى بك كيلو أو كيلوين أو نصف كيلو قلت: لا أريد، فذلك ليس من حقك فقد مضت الإجارة ولزمت.
هذا بالنسبة لإجارة الركوب.
وكذلك إجارة السكنى: فلو استأجرت داراً سنة بعشرة آلاف ريال، ثم بعد شهر أو شهرين، أو بعد أن افترقتما مباشرة جئت وقلت: لا أريد، يلزمك أن تدفع الأجرة كاملة إذا لم يقبل منك الإقالة، فإذا كنت لا تستطيع أن تستأجرها فيمكن أن تقيم غيرك مقامك.
وهكذا الطبيب: فلو تعاقدت معه على أن يأتيك للكشف أو الفحص، فجاء الطبيب ومكنك من نفسه، وجلس ولم يكشف شيئاً ولم تأمره بالكشف حتى مضت المدة، يجب عليك أن تدفع الأجرة كاملة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والإجارة عقد، والمسلم إذا اتفق مع أخيه المسلم على إجارة فليس من حقه أن يفسخها إلا برضا الطرف الثاني، فإذا لم يرض الطرف الثاني، فإن العقد لازم وعليه أن تتمه.
وهناك أحوال مستثناة للفسخ منها: - العجز الشرعي.
- العجز الحكمي.
فالعجز الشرعي مثلاً: لو استأجرت من مؤسسة سيارةً تذهب بك للحج، ولما تحركت السيارة تعطلت، وكان خروجك من المدينة في يوم عرفة، بحيث لا يمكنك أن تدرك الحج، فهذا التعطل يفسخ الإجارة؛ لأن المقصود منها الحج، فهذا يعتبر عجزاً شرعياً، وكأن المنفعة الشرعية التي تريدها ليست بموجودة وليست بمحصلة، وحينئذٍ من حقك أن تفسخ الإجارة، وتطالبه بدفع القيمة أو رد الأجرة كاملة إليك.
وهكذا بالنسبة للعجز الحكمي، فمثلاً: ما يقع في المستشفيات بأن يقع العقد بين المريض وبين المستشفى على إجراء عملية، فقبل أن يدخل المريض للعملية توفي، فالإجارة تمت والعقد تم، والأطباء مهيئون، لكن قبل الشروع توفي المريض، فحينئذٍ ليس من حق المستشفى أن يطالب الورثة بدفع القيمة؛ لأن هذا عجز، ولا يمكن للمستأجر بحال أن يتم العقد، كما أنه في العجز الشرعي لا يمكن أن يتم العقد بحال، كذلك أيضاً في العجز الصوري أو الحكمي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]