02-11-2021, 03:55 AM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,313
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (105)
سُورَةُ الْأَنْفَالِ (7)
صـ 76 إلى صـ 80
وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَبْنِي لَكَ بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ ؟ قَالَ : " لَا ، إِنَّمَا هُوَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ " ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ .
وَمِنْهَا : مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ ، قَالَ : كَانَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ تُدْعَى السَّوَائِبَ ، لَمْ تُبَعْ رِبَاعُهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَبِي بَكْرٍ ، وَلَا عُمَرَ ، مَنِ احْتَاجَ سَكَنَ ، وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ .
وَمِنْهَا : مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مِنًى مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ " .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " فِي الْجَنَائِزِ ، فِي " بَابِ الدَّفْنِ " فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَغَيْرُهُمْ ، بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ ، فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ .
وَمِنْهَا : مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : كَانَ عَطَاءٌ يَنْهَى عَنِ الْكِرَاءِ فِي الْحَرَمِ ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، كَانَ يَنْهَى عَنْ تَبْوِيبِ دُورِ مَكَّةَ لِأَنْ يَنْزِلَ الْحَاجُّ فِي عَرَصَاتِهَا ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَوَّبَ دَارَهُ ، سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَنْظِرْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي كُنْتُ امْرَءًا تَاجِرًا ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ بَابَيْنِ يَحْبِسَانِ لِي ظَهْرِي ، فَقَالَ : ذَلِكَ لَكَ إِذَنْ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، قَالَ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِدُورِكُمْ أَبْوَابًا ، لِيَنْزِلِ الْبَادِي حَيْثُ يَشَاءُ . اهـ ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ : إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ ، لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، كَمَا قَدَّمْنَا ، وَلِلْأَدِلَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَا غَيْرُهُ ، وَلِأَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ مَكَّةَ بَقِيَتْ لَهُمْ دِيَارُهُمْ بَعْدَ الْفَتْحِ يَفْعَلُونَ بِهَا مَا شَاءُوا مِنْ بَيْعٍ ، وَإِجَارَةٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَأَجَابَ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ عَنْ أَدِلَّةِ الْمُخَالِفِينَ ; فَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِ : [ ص: 77 ] سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي [ 22 \ 25 ] ، بِأَنَّ الْمُرَادَ خُصُوصُ الْمَسْجِدِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ ، بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِنَفْسِ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِهِ : وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْآيَةَ [ 22 \ 25 ] ، وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا [ 27 \ 91 ] ، بِأَنَّ الْمُرَادَ : حَرَّمَ صَيْدَهَا ، وَشَجَرَهَا ، وَخَلَاهَا ، وَالْقِتَالَ فِيهَا ، كَمَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَعَ كَثْرَتِهَا النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ دُورِهَا ، وَعَنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ أَبِيهِ : بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " : هُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ إِسْمَاعِيلَ ، وَأَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ . اهـ .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى : إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ضَعِيفٌ ، وَأَبُوهُ غَيْرُ قَوِيٍّ ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَرُوِيَ عَنْهُ هَكَذَا ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا بِبَعْضِ مَعْنَاهُ ، وَعَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَوَاتِ مِنَ الْحَرَمِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ .
وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي حَنِيفَةَ : بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : تَضْعِيفُ إِسْنَادِهِ بِابْنِ أَبِي زِيَادٍ الْمَذْكُورِ فِيهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ عِنْدَ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَقَالُوا : رَفْعُهُ وَهْمٌ ، قَالَهُ : الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ، وَالْبَيْهَقِيُّ .
وَعَنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بِجَوَابَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ ، كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ .
الثَّانِي : مَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَغَيْرُهُمْ : أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ : الْإِخْبَارُ عَنْ عَادَتِهِمُ الْكَرِيمَةِ فِي إِسْكَانِهِمْ مَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ مِنْ بُيُوتِهِمْ بِالْإِعَارَةِ تَبَرُّعًا ، وَجُودًا .
وَقَدْ أَخْبَرَ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِشَأْنِ مَكَّةَ مِنْهُ عَنْ جَرَيَانِ الْإِرْثِ ، وَالْبَيْعِ فِيهَا .
وَعَنْ حَدِيثِ " مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ " ، بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَوَاتِهَا ، وَمَوَاضِعِ نُزُولِ الْحَجِيجِ مِنْهَا ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ اهـ .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَضْعِيفَ الْبَيْهَقِيِّ لِحَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، وَحَدِيثِ [ ص: 78 ] عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ مُحَشِّيهِ صَاحِبُ " الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ " ، بِمَا نَصُّهُ : " ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا فِي سَنَدِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، فَضَعَّفَ إِسْمَاعِيلَ ، وَقَالَ عَنْ أَبِيهِ غَيْرُ قَوِيٍّ ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، ثُمَّ قَالَ : رَفْعُهُ وَهْمٌ ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ ، قُلْتُ : أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ ، ثُمَّ صَحَّحَ الْأَوَّلَ ، وَجَعَلَ الثَّانِيَ شَاهِدًا عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي آخِرِهِ حَدِيثًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا مُنْقَطِعٌ .
قُلْتُ : هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَعَلْقَمَةُ هَذَا صَحَابِيٌّ ، كَذَا ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ هَذَا الشَّأْنِ ، وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ ، كَانَ مَرْفُوعًا عَلَى مَا عُرِفَ بِهِ ، وَفِيهِ تَصْرِيحُ عُثْمَانَ بِالسَّمَاعِ عَنْ عَلْقَمَةَ ، فَمِنْ أَيْنَ الِانْقِطَاعُ ؟ اهـ كَلَامُ صَاحِبِ " الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ " .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَخْفَى سُقُوطُ اعْتِرَاضِ ابْنِ التُّرْكُمَانِيِّ هَذَا عَلَى الْحَافِظِ الْبَيْهَقِيِّ ، فِي تَضْعِيفِهِ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ .
أَمَّا فِي الْأَوَّلِ : فَلِأَنَّ تَصْحِيحَ الْحَاكِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ لَا يُصَيِّرُهُ صَحِيحًا .
وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَتَسَاهُلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّصْحِيحِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرِ بْنِ جَابِرٍ الْبَجَلِيُّ قَدْ يَكُونُ لِلْمُنَاقَشَةِ فِي تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ بِهِ وَجْهٌ ; لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ بِالرِّجَالِ وَثَّقَهُ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ .
وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ ، فِي " التَّقْرِيبِ " : " صَدُوقٌ لَيِّنُ الْحِفْظِ " ، أَمَّا ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ ، وَتَضْعِيفُ الْحَدِيثِ بِهِ ظَاهِرٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ .
وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " : ضَعِيفٌ ، فَتَصْحِيحُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا وَجْهَ لَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي اعْتِرَاضِهِ تَضْعِيفَ الْبَيْهَقِيِّ لِحَدِيثِ الثَّانِي ، فَمِنْ أَيْنَ الِانْقِطَاعُ - فَجَوَابُهُ : أَنَّ الِانْقِطَاعَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ نَضْلَةَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ ، وَزَعْمُ الشَّيْخِ ابْنِ التُّرْكُمَانِيِّ ، أَنَّهُ صَحَابِيٌّ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " : عَلْقَمَةُ بْنُ نَضْلَةَ - بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ - الْمَكِّيُّ كِنَانِيٌّ .
وَقِيلَ : كِنْدِيٌّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مَقْبُولٌ ، أَخْطَأَ مَنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ ، وَإِذَنْ فَوَجْهُ انْقِطَاعِهِ ظَاهِرٌ ، فَظَهَرَ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الْحَافِظِ الْبَيْهَقِيِّ ، وَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي تَضْعِيفِ [ ص: 79 ] الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ تَوَرَّعَ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِ مَكَّةَ ، وَإِيجَارِهَا خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ ، أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ ; لِأَنَّ مَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ .
تَنْبِيهٌ
أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَوَاضِعَ النُّسُكِ مِنَ الْحَرَمِ كَمَوْضِعِ السَّعْيِ ، وَمَوْضِعِ رَمْيِ الْجِمَارِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسَاجِدِ ، وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِيهَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْحَجِيجُ مِنْ مِنًى ، وَمُزْدَلِفَةَ كَذَلِكَ ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُضَيِّقَهُمَا بِالْبِنَاءِ الْمَمْلُوكِ حَتَّى تَضِيقَا بِالْحَجِيجِ ، وَيَبْقَى بَعْضُهُمْ لَمْ يَجِدْ مَنْزِلًا ; لِأَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ ، وَبِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ .
فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُضَيِّقَ مَحَلِّ الْمَنَاسِكِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، حَتَّى لَا يَبْقَى مَا يَسَعُ الْحَجِيجَ كُلَّهُ ، وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ : " مِنًى مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ " كَمَا تَقَدَّمَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : فِي تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فِيمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ ، وَسَنَذْكُرُ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ، وَأَدِلَّتَهُمْ ، وَمَا يَقْتَضِي الدَّلِيلُ رُجْحَانَهُ .
اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، كَمَا أَشَرْنَا لَهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ ، وَوَعَدْنَا بِإِيضَاحِهِ هُنَا ، فَذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنَفِّلَ أَحَدًا شَيْئًا إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ; لِأَنَّ الْأَخْمَاسَ الْأَرْبَعَةَ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ الْمُوجِفِينَ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ ، هَذَا مَشْهُورُ مَذْهَبِهِ ، وَعَنْهُ قَوْلٌ آخَرُ : أَنَّهَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ .
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّ أَخْمَاسَ الْخُمُسِ الْأَرْبَعَةِ ، غَيْرُ خُمُسِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَصَارِفَ مُعَيَّنَةٍ فِي قَوْلِهِ : وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ الْبَاقِيَةِ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ .
وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ عَنِ الشَّافِعِيِّ : أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُنَفِّلُ إِلَّا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ ، وَدَلِيلُهُ : مَا ذَكَرْنَا آنِفًا .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ : لَا نَفْلَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " : وَلَعَلَّهُ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [ ص: 80 ]
وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي بَدْأَتِهِ ، وَالثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ .
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ . أَنَّ لِلْإِمَامِ قَبْلَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ أَنْ يُنَفِّلَ الرُّبُعَ ، أَوِ الثُّلُثَ ، أَوْ أَكْثَرَ ، أَوْ أَقَلَّ بَعْدَ الْخُمُسِ ، وَبَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنْفِيلُ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا جُمْلَةَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ ، وَنَحْنُ الْآنُ نَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يَقْتَضِي الدَّلِيلُ رُجْحَانَهُ .
اعْلَمْ أَوَّلًا : أَنَّ التَّنْفِيلَ الَّذِي اقْتَضَى الدَّلِيلُ جَوَازَهُ أَقْسَامٌ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ : إِنْ غَنِمْتُمْ مِنَ الْكُفَّارِ شَيْئًا ، فَلَكُمْ مِنْهُ كَذَا بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِهِ ، فَهَذَا جَائِزٌ ، وَلَهُ أَنْ يُنَفِّلَهُمْ فِي حَالَةِ إِقْبَالِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْكُفَّارِ الرُّبُعَ ، وَفِي حَالَةِ رُجُوعِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَوْطَانِهِمُ الثُّلُثَ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ .
وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ : إِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي إِفْسَادِ نِيَّاتِ الْمُجَاهِدِينَ ; لِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُقَاتِلِينَ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ الَّذِي وَعَدَهُمُ الْإِمَامُ تَنْفِيلَهُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازٍ ذَلِكَ : مَا رَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي بَدْأَتِهِ ، وَنَفَّلَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ " ، أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَالْحَاكِمُ ، وَابْنُ الْجَارُودِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي حَبِيبٍ الْمَذْكُورِ : أَنَّهُ صَحَابِيٌّ ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " : مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ ، وَالرَّاجِحُ ثُبُوتُهَا لَكِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا ، وَلَهُ ذِكْرٌ فِي " الصَّحِيحِ " ، فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ اهـ .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|