الموضوع: مناسك الحج
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-11-2021, 08:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج (الحلقة الثالثة)
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد



(الحلقة الثالثة)




أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وُضع أولُ؟ قال: ((المسجد الحرام))، قلت: ثم أي؟ قال: ((المسجد الأقصى))، قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون سنة))، ثم قال: ((حيث أدركتك الصلاة فصلِّ، فكلها مسجد)).

أيها المستمعون الكرام: لا تعرف الإنسانية مكانًا في الأرض سوى الكعبة البيت الحرام أكبره الله تبارك وتعالى في قلوب عباده، وأوقع في نفوسهم هيبته، وعظم بينهم حرمته، وجعله قيامًا للناس، وسببًا من أعظم أسباب صلاح معاشهم ومعادهم، ودنياهم وآخرتهم، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم، واختاره منطقة أمان للإنسان والطير والحيوان، وفرض عليهم حجَّه، وربطه بإبراهيم خليل الرحمن وأبي الأنبياء، وأبقى أثره فيه، تهوي إليه أفئدة الناس، تلتمس بمسعاها إليه علوَّ الدرجات، وتكفير الخطيئات وزيادة الكرامات، وإلى ذلك كله يشير رب العالمين حيث يقول: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97]، وكما قال عز وجل: ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾ [المائدة: 97]، وكما قال عز وجل: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125].

ولعظم حرمة هذا البيتِ العتيق جعل الله تبارك وتعالى لمن حجه ميقاتًا زمنيًّا لا يصح الإحرام إلا فيه، وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، كما أحاطه الرب تبارك وتعالى بمنطقة شاسعة حدَّد فيها أماكن حرَّم على من يريد الحج أو العمرة أن يتجاوزها دون أن يكون مُحْرِمًا، وهي لجميع من يمر عليها من أهل الدنيا، سواء كان قريب الدار من هذه المواقيت، أو كان بعيدًا عنها ويمر بها، فقد روى البخاري ومسلم صحيحيهما من حديث حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفةَ، ولأهل نجد قرنَ المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهلُّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها.

وقد وقَّت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات عِرق لأهل العراق؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما فُتح هذان المصرانِ (يعني البصرة والكوفة) أتوا عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرنًا، وإنه جور عن طريقنا، وإن أردنا أن نأتي قرنًا شقَّ علينا، قال عمر رضي الله عنه: فانظروا حذوها من طريقكم، قال: فحدَّ لهم ذات عِرق.

وبهذا تبين أنه لا يلزم من كان طريقه على غير طريق هذه المواقيت أن يأتيَها ليُحرِمَ منها، بل يكفيه أن يحرم من مكان يقابلها من طريقه، ولا يتجاوز ذلك بأية حال من غير إحرام ما دام يريد الحج والعمرة، ولا فرق في ذلك كذلك بين أن يكون طريقه بحريًّا أو بريًّا أو جويًّا، وأن من كان في المدينة المنورة مثلًا وأراد الحج والعمرة لا يجوز له أن يتجاوز ذا الحليفة - وهي آبار علي - بدون إحرام، سواء كان مدنيًّا أو شاميًّا أو مصريًّا أو مغربيًّا أو أوربيًّا أو أمريكيًّا أو يابانيًّا أو هنديًّا أو إفريقيًّا.

وكذلك من أتى من طريق نجد وكان مروره على ميقات نجد وهو قرن، أو مر على طريق يلملم، أو جاء من البحر عن طريق الجحفة ومكانها الذي اختير هو رابغ، من جاء من الحجاج أو العمار من أي طريق من هذه الطرق، كانت مواقيتها هي ميقاته، بقطع النظر عن جنسه أو البلد الذي قدم في الأصل منه؛ لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه المواقيت: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة)).

وإذا كان طريقه يمر بميقاتين؛ كمن يتوجه من المدينة عن طريق آبار علي ورابغ، فلا يحل له أن يتجاوز الأول منهما بدون إحرام؛ لأن ميقاته صار هو الأول لمروره عليه، فإذا تجاوز الميقات بدون إحرام رجع وأحرم من الميقات.

أما إذا لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، فإنه يلزمه دمٌ عند أكثر علماء الإسلام.

أما من كان مسكن أهله ومنزله داخل هذه المواقيت؛ أي: أقرب إلى مكة منها، فميقاته من حيث عزم على الحج أو العمرة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومن كان دون المواقيت، فميقاته من حيث أهلَّ، حتى أهل مكة من مكة)).

والإنسان مخيَّر عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة، وهي: إفراد الحج أو التمتع أو القران، فإن شاء أحرم بالحج مفردًا، وإن شاء تمتَّع بالعمرة إلى الحج، وإن شاء قرَنَ بين الحج والعمرة، وهذه الأنساك الثلاثة هي التي عرفها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحجِّروا على أحد في اختيار نوع منها، وقد فعلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.

فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوادع، فمنا من أهلَّ بعمرة، ومنا من أهلَّ بحج وعمرة، ومنا من أهلَّ بالحج، وأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة فحلَّ، وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحُّلوا حتى كان يوم النحر.

فالذي يهل بالحج وحده يسمى مفرِدًا، والذي يهل بالعمرة في أشهر الحج ثم بعد الانتهاء من أعمالها يتحلل ويقيم بمكة حلالًا حتى يحج من سنته هذه يسمى متمتعًا. أما القارن فهو الذي يجمع في نيته بين الحج والعمرة.

ولا فرق في العمل بين المفرد والقارن، فإن أداء النسك للمفرد كأدائه للقارن تمامًا لا يختلفان في شيء إلا أن المفرد عند التلبية يقول: لبيك اللهم حجًّا، والقارن يقول: لبيك اللهم حجًّا وعمرة. وكذلك فإن المفرد لا يجب عليه هديٌ، بخلاف القارن فإنه يجب عليه الهدي. أما سائر الأعمال فإنه لا فرق فيها بين المفرد والقارن، فالذي يعمله المفرد من وقت إحرامه إلى وقت تحلُّله هو عين ما يفعله القارن من وقت إحرامه إلى وقت تحلُّله.


وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]