عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 25-10-2021, 05:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (26)

من صــ 416 الى صـ
ـ 422


ولهذا يقال: العبد حر ما قنع والحر عبد ما طمع وقال القائل أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حرا ويقال: الطمع غل في العنق قيد في الرجل فإذا زال الغل من العنق زال القيد من الرجل.
ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: الطمع فقر واليأس غنى وإن أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه. وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه؛ فإن الأمر الذي ييأس منه لا يطلبه ولا يطمع به ولا يبق قلبه فقيرا إليه ولا إلى من يفعله وأما إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه تعلق قلبه به فصار فقيرا إلى حصوله؛ وإلى من يظن أنه سبب في حصوله وهذا في المال والجاه والصور وغير ذلك. قال الخليل صلى الله عليه وسلم {فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون}.
فالعبد لا بد له من رزق وهو محتاج إلى ذلك فإذا طلب رزقه من الله صار عبدا لله فقيرا إليه وإن طلبه من مخلوق صار عبدا لذلك المخلوق فقيرا إليه. ولهذا كانت " مسألة المخلوق " محرمة في الأصل وإنما أبيحت للضرورة وفي النهي عنها أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن والمسانيد كقوله صلى الله عليه وسلم {لا تزال المسألة بأحدكم حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم} وقوله: {من سأل الناس وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في وجهه} وقوله: {لا تحل المسألة إلا لذي غرم مفظع أو دمع موجع أو فقر مدقع} هذا المعنى في الصحيح.
وفيه أيضا {لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب فيحتطب خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه}فصل:
في " العبادات " و " الفرق بين شرعيها وبدعيها ".

فإن هذا باب كثر فيه الاضطراب كما كثر في باب الحلال والحرام، فإن أقواما استحلوا بعض ما حرمه الله وأقواما حرموا بعض ما أحل الله تعالى وكذلك أقواما أحدثوا عبادات لم يشرعها الله بل نهى عنها.
و " أصل الدين " أن الحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله؛ ليس لأحد أن يخرج عن الصراط المستقيم الذي بعث الله به رسوله. قال الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: هذه سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}. وقد ذكر الله تعالى في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ما ذم به المشركين حيث حرموا ما لم يحرمه الله تعالى كالبحيرة والسائبة واستحلوا ما حرمه الله كقتل أولادهم وشرعوا دينا لم يأذن به الله فقال تعالى:
{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} ومنه أشياء هي محرمة جعلوها عبادات كالشرك والفواحش مثل الطواف بالبيت عراة وغير ذلك. والكلام في " الحلال والحرام " له مواضع أخر. والمقصود هنا " العبادات " فنقول.
العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى منها ما كان محبوبا لله ورسوله مرضيا لله ورسوله إما واجب وإما مستحب كما في الصحيح {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى:
ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه}. ومعلوم أن الصلاة منها فرض وهي الصلوات الخمس ومنها نافلة كقيام الليل وكذلك الصيام فيه فرض وهو صوم شهر رمضان ومنه نافلة كصيام ثلاثة أيام من كل شهر وكذلك السفر إلى المسجد الحرام فرض وإلى المسجدين الآخرين: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبيت المقدس - مستحب.
وكذلك الصدقة منها ما هو فرض ومنها ما هو مستحب وهو العفو كما قال تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يا ابن آدم إنك إن تنفق الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول} والفرق بين الواجب والمستحب له موضع آخر غير هذا والمقصود هنا الفرق بين ما هو مشروع سواء كان واجبا أو مستحبا وما ليس بمشروع. فالمشروع هو الذي يتقرب به إلى الله تعالى وهو سبيل الله وهو البر والطاعة والحسنات والخير والمعروف وهو طريق السالكين ومنهاج القاصدين والعابدين وهو الذي يسلكه كل من أراد الله هدايته وسلك طريق الزهد والعبادة وما يسمى بالفقر والتصوف ونحو ذلك. ولا ريب أن هذا يدخل فيه الصلوات المشروعة واجبها ومستحبها ويدخل في ذلك قيام الليل المشروع وقراءة القرآن على الوجه المشروع والأذكار والدعوات الشرعية.
وما كان من ذلك موقتا بوقت كطرفي النهار وما كان متعلقا بسبب كتحية المسجد وسجود التلاوة وصلاة الكسوف وصلاة الاستخارة وما ورد من الأذكار والأدعية الشرعية في ذلك. وهذا يدخل فيه أمور كثيرة وفي ذلك من الصفات ما يطول وصفه وكذلك يدخل فيه الصيام الشرعي كصيام نصف الدهر وثلثه أو ثلثيه أو عشره وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر ويدخل فيه السفر الشرعي كالسفر إلى مكة وإلى المسجدين الآخرين ويدخل فيه الجهاد على اختلاف أنواعه وأكثر الأحاديث النبوية في الصلاة والجهاد ويدخل فيه قراءة القرآن على الوجه المشروع.
و " العبادات الدينية " أصولها: الصلاة والصيام والقراءة التي جاء ذكرها في الصحيحين في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص لما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {ألم أحدث أنك قلت لأصومن النهار ولأقومن الليل ولأقرأن القرآن في ثلاث؟ قال: بلى قال: فلا تفعل: فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس ثم أمره بصيام ثلاثة أيام من كل شهر فقال إني أطيق أكثر من ذلك فانتهى به إلى صوم يوم وفطر يوم فقال: إني أطيق أكثر من ذلك فقال:
لا أفضل من ذلك وقال: أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى. وأفضل القيام قيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأمره أن يقرأ القرآن في سبع}. ولما كانت هذه العبادات هي المعروفة قال في حديث الخوارج الذي في الصحيحين:
{يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} فذكر اجتهادهم بالصلاة والصيام والقراءة وأنهم يغلون في ذلك حتى تحقر الصحابة عبادتهم في جنب عبادة هؤلاء. وهؤلاء غلوا في العبادات بلا فقه فآل الأمر بهم إلى البدعة فقال:
{يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. أينما وجدتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة}. فإنهم قد استحلوا دماء المسلمين وكفروا من خالفهم. وجاءت فيهم الأحاديث

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]