عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-10-2021, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي الاكتفاء الذاتي للشخص

الاكتفاء الذاتي للشخص


كيندة حامد التركاوي








الاكتفاء الذاتي من معالم وسلوكيات العملية التربوية الاقتصادية الإسلامية، "أي اعتماد الفرد على دخله الخاص، بحيث تكون مصروفاته في حدود دخله أو أقل من ذلك، حتى لا يحتاج إلى الاستدانة من الآخرين. وفي هذا دعم لاقتصاد الأمة، وتخفيف على الدولة من الأعباء الاقتصادية"[1].


جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ لاِمْرَأَتِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ)[2].


وفي هذا دعوة من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى تقليل المصروفات، ويمكن أن نقيس على الفراش سائر الحاجات الأخرى.


قال العلماء: معناه أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال، والالتهاء بزينة الدنيا وما كان بهذه الصفة فهو مذموم، وكل مذموم يضاف إلى الشيطان؛ لأنه يرتضيه ويوسوس به ويحسنه ويساعد عليه وقيل أنه على ظاهره وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل. كما أنه يحصل له المبيت بالبيت الذي لا يذكر الله تعالى صاحبه عند دخوله عشاء [3].


الاقتصاد في المعيشة مطلب شرعي يقي صاحبه شر الحاجة، والقعود عن العمل والإنتاج مع القدرة عليه حرام شرعاً، وتجويد الإنتاج أصل من أصول الأخلاق الإسلامية، نادى به الإسلام وهو يأمر بالإحسان بمعنى الإتقان، وفي هذه القيم وتلك السلوكيات الراشدة ووردت آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة [4]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" [5]. ففي هذا الحديث العظيم قيم اقتصادية وتربوية رائعة بيّن النبي صلى الله عليه وسلم من خلاله أسس ومبادئ الاكتفاء الذاتي الذي يضمن للمرء كرامته الإنسانية في صحة جسدية يتمتع بها بقوت معتدل، وصحة نفسية يستمتع بها في بيت أمن. فماذا يرجو المرء بعد ذلك من الدنيا وهي زائلة فانية؟


وللوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وللترفع عن الحاجة والمسألة على المسلم أن يسلك السبل التالية:
1- العمل:
إن أول الأهداف التربوية وأبسطها هو كسب العيش، ولا شك في وجاهة هذا الهدف وقيمته الكبيرة، فإن الإنسان، كما قال الفلاسفة: يجب أن يشبع ليتفلسف، والحفاظ على البقاء شرط لوجود الأفراد والجماعات والمجتمعات.


ولا بد للتربية من أن تُربي الفرد، كل فرد على أن يعيش ليكسب عيشه وعلى أن يعمل وعلى أن يحترف حرفة أو يمتهن مهنة؛ لكي يعيش على إن للأمر وجهاً أخر هو أن العمل ليس واجباً إنسانياً فحسب ولكنه أيضاً متعة ولذة وتحقيق لإنسانية الإنسان، فالإنسان الذي لا يعمل لا يستطيع أن يلتذ بالحياة ولا يتفهم معناها ولا يرتفع إلى مستوى البشر الحقيقيين. ولذلك فالعمل مع أنه كسب للعيش يُعتبر تحقيقاً لإنسانية الإنسان، وتنمية لشخصيته، وتكويناً لأخلاقه وطباعه، وصياغة لنفسه.


وإذاً فكسب العيش يجب ألا يُنظر إليه على إنه مجرد واجب وإنما تنظر إليه من حيث قيمته في تكوين الإنسان، والتربية في كل زمان ومكان لا تستطيع أن تتجاهل هذا الهدف الكبير سواء في البيت أم المدرسة أم في المجتمع لا تهيئ المُتربي للعمل تكون تربية ناقصة [6].


والدين الإسلامي دين العبادة والعمل وقد حض القرآن الكريم على العمل الصالح سواء كان عملاً تعبدياً أو عملاً معيشياً ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].


وحض النبي الكريم صانع الأجيال، ومربي البشرية على إتقان العمل لأن العمل عبادة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ" [7].


فعمل المرء بيده شكر لله على القدرة. وآية مساواة بين الناس. ومن الشكر لله وطيب العشرة أن يعمل المرء فيكفي نفسه حاجاتها. وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يحمل القربة على ظهره لأهله. وعلي - رضي الله عنه - يحمل لأهله التمر والملح في ثوبه ويده. وهاهو أبو الدرداء- رضي الله عنه - سألته يوماً زوجته وكانت فقيهة:
إن احتجت بعدك، آكل الصدقة؟. قال: لا، اعملي وكلي، فإن ضّعفت عن العمل فالتقطي السنابل، ولا تأكلي الصدقة [8]. وهذا ما تربى عليه الصحابة الأخيار، وربوا عليه أولادهم.


التربية الاقتصادية هي التي تُربي الإنسان على حب العمل، والإنتاج لنفسه وللمجتمع من حوله، وهي التي تعرف قيمة العمل وتضعه في مكانه الصحيح.


والعمل الذي يتعدى نفعه إلى الآخرين، أفضل من العمل الذي يقتصر نفعه على صاحبه [9].


العمل: لا يتوافر للإنسان غنى النفس إلا إذا استطاع الاستغناء عن حاجته إلى الآخرين، وهذا يتوفر بإحدى وسيلتين: وسيلة نفسية، ووسيلة مادية.


أما الوسيلة النفسية فتتضح من خلال حديث أبي سعيد الخدري[10]- رضي الله عنه - قال: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ. قَالَ فَجَعَلَ لاَ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ أَعْطَاهُ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَنْفَقَ كُلَّ شَىْءٍ بِيَدِهِ وَمَا يَكُونُ عِنْدَنَا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ نَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ [11].


إذاً الوسائل النفسية أهمها: التعفف، الاستغناء، الصبر.


وأما الوسيلة المادّية فهي العمل، لقوله صلى الله عليه وسلم: لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةٍ مِنْ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ [12].

ولهذا كان أهل مكة يعملون بالتجارة في مكة، وبالزراعة في المدينة [13].


والحق أن أوجب الواجبات في عصرنا الحاضر هو الحرص على أن يكون العمل الذي يقوم به الفرد مرضياً له، موافقاً لميوله ورغباته، ومظهراً لقدرته على الإبداع. ومن هنا كانت التربية الصحيحة هي التي تزود الفرد بالمهارة اللازمة للقيام بالعمل الذي يناسبه وتزويده بالمواقف التي تمكنه من الاستمتاع بعمله والتفاخر به [14].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]