الموضوع: فقه الدعوة
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 19-12-2021, 01:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,991
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الدعوة


فـقه الدعوة (7)


د.وليد خالد الربيع

ذكرنا في الحلقة السابقة أن من أهم شروط الدعوة إلى الله تعالى التي يجب مراعاتها ليحصل الأجر والثواب في حق الداعي الإخلاص، لأنه يجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عز وجل، لا يريد رياء ولا سمعة.

الشرط الثاني: العلم
من شروط الدعوة إلى الله تعالى التي يجب مراعاتها العلم، فالدعوة إلى الله من العمل الصالح كما لا يخفى، وشرط العمل الصالح أن يكون مستندا إلى العلم الشرعي الصحيح، قال شيخ الإسلام: «ولا يكون عمله صالحا إن لم يكن بعلم وفقه، كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح»، وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: «العلم إمام العمل، والعمل تابعه»، وهذا ظاهر؛ فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلا وضلالا واتباعا للهوى كما تقدم، وهذا الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام، فلابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولابد من العلم بحال المأمور وحال المنهي».
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «العلم هو أساس الدعوة ومادة الدعوة، ولا يمكن أبدا لدعوة أن تتم على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل إلا إذا كانت مبنية على العلم «، وقال: « كل دعوة بلا علم فإنها لابد أن يكون فيها انحراف وضلال؛ ولهذا حذر النبي [ من هذا الأمر عندما يقبض العلماء فلا يبقى إلا رؤساء جهال يفتون بغير علم فيضلون ويضلون»، وقال: «الدعوة بدون علم فإنها دعوة على جهل، والدعوة على الجهل ضررها أكبر من نفعها؛ لأن هذا الداعية قد نصب نفسه موجها ومرشدا، فإذا كان جاهلا فإنه بذلك يكون ضالا مضلا والعياذ بالله»، وقال: « الدعوة إلى الله على غير علم خلاف ما كان عليه النبي [ ومن اتبعه، واستمعوا إلى قول الله تعالى آمرا نبيه [ حيث قال: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} أي إن من اتبعه [ فإنه لابد أن يدعو إلى الله على بصيرة لا على جهل»اهـ.
ويقول بعض الدعاة: «أنت أعمى كيف تقود غيرك؟! إنما يقود الناس البصير، إنما يخلصهم من البحر السابح المحمود، وإنما يرد الناس إلى الله عز وجل من عرفه، أما من جهله فكيف يدل عليه ؟!»اهـ.
وقال د. سيد نوح -رحمه الله- مبينا حقيقة العلم المطلوب: «أن يكون الداعية على دراية تامة بإسلامه، وبمهمته في الحياة، وبأي المدعوين يبدأ وأيهم يؤخر، وبالظروف المحيطة بمن يدعوه، وبأفضل السبل أو الأساليب لتوصيل الدعوة إليه، وصدق الله العظيم: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}اهـ.
فمن العلم المطلوب في مجال الدعوة إلى الله تعالى:
1- العلم بالمعروف والمنكر:
كما تقدم في كلام شيخ الإسلام فلابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، فالعلم مهم للداعية ليعرف مراتب المعروف الذي يدعو إليه فيميز بين الواجبات والمندوبات والمباحات، ويعرف الفرق بين الكبائر والصغائر والمحرمات والمكروهات والمتشابهات التي يريد أن ينهى عنها.
فالمعروف: اسم لكل أمر يعرف حسنه بالشرع أو العقل، قال شيخ الإسلام: «مثل شرائع الإسلام... ومثل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، ومثل الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه...، ومثل ما أمر الله به ورسوله من الأمور الباطنة والظاهرة».
والمنكر: اسم لما ذمه الشرع ونهى الله عنه، قال شيخ الإسلام: «وأما المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله فأعظمه الشرك بالله...، ومن المنكر كل ما حرمه الله كقتل النفس بغير الحق وأكل أموال الناس بالباطل والبيوع والمعاملات التي نهى عنها رسول الله [، وكذلك قطيعة الرحم وعقوق الوالدين..، وكذلك العبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله وغير ذلك»اهـ.
2- العلم بحال المأمور والمنهي:
يحتاج الداعية إلى العلم ليميز بين مراتب المدعوين، فيعامل كلا حسب رتبته، فيفرق بين الكبير والصغير، والعالم والجاهل، والعامد والمخطئ، والمكابر والمتأول، كما فرقت الشريعة بينهم في النيات والأحكام.
قال الحليمي: «ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مميزا، يرفق في موضع الرفق ويعنف في موضع العنف، ويكلم كل طبقة من الناس بما يعلم أنه يليق بهم وأنجع فيهم وأن يكون غير محاب ولا مداهن».
قال شيخ الإسلام في بيان أدب الإنكار: «ألا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم أو نهيهم أو هجرهم أو عقوبتهم... فإن كثيرا من الآمرين الناهين قد يتعدى حدود الله إما بجهل وإما بظلم، وهذا باب يجب التثبت فيه، وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين».
وقد ضرب لنا النبي [ أروع الأمثلة في كمال الفقه وغاية الحكمة في استعمال الأسلوب المناسب في موضعه، فانظر إلى لينه ورفقه بالجاهل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي [: «دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»، قال النووي: «فيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يرد بالمخالفة استخفافا أو عنادا»اهـ.
وفي حديث معاوية بن الحكم السلمي عندما تكلم في الصلاة جاهلا قال: فلما صلى رسول الله [ فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، قال النووي: «فيه بيان ما كان عليه رسول الله [ من عظيم الخلق الذي شهد ال له تعالى به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم، وفيه الترفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه».
وقد يكون فاعل المنكر أو تارك الواجب متأولا له شبهة أو دليل اعتمد عليه فلا يعامل معاملة المكابر المعاند، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له؛ فإن الله غفر له خطأه، بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه من ثناء ودعاء وغير ذلك».
وقال شيخ الإسلام: «ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة، وإن كان ذلك في المسائل العملية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة، وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل، مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول [ بحسب إمكانه، هو أحق بأن يتقبل الله حسناته ويثيبه على اجتهاداته ولا يؤاخذ بما أخطأ؛ تحقيقا لقوله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا}.
ويقول أيضا: «هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم، لا يؤثمون مجتهدا مخطئا في المسائل الأصولية ولا الفرعية، كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره، وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين، أنهم لا يكفّرون ولا يفسّقون ولا يؤثّمون أحدا من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة علمية ولا عملية، قالوا: والفرق بين مسائل الفروع والأصول إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم».
قال: «وإذا ثبت بالكتاب المفسر أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان، فهذا عام عموما محفوظا، وليس في الأدلة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئا على خطئه... وأيضا فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من المسائل واتفقوا على عدم التكفير بذلك، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة».
قال الشيخ ابن عثيمين: «فالمسائل الخلافية التي يسوغ فيها الاجتهاد لا ينبغي للإنسان أن يكون فيها عنيفا بحيث يضلل غيره، فمن رحمة الله عز وجل أنه لا يؤاخذ بالخلاف إذا كان صادرا عن اجتهاد؛ فمن أصاب فله أجران، ومن أخطا فله أجر واحد، وأهل السنة والجماعة من هديهم وطريقتهم ألا يضللوا غيرهم ما دامت المسألة يسوغ فيها الخلاف.»اهـ.
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة على هذه المسألة، وأن المسلم يعذر بجهله وخطئه ونسيانه وأنه غير مؤاخذ بكل ذلك إذا قصد الخير وطلب الحق، فمن الكتاب قوله عز وجل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..} وقد ثبت في (صحيح مسلم) أن الله تعالى قد قال: «قد فعلت».
قال د. عبد الكريم زيدان في كتابه (أصول الدعوة): «فيجب لكل داع إلى الله تعالى: العلم بشرع الله وبالحلال والحرام وبما يجوز وما لا يجوز، وبما يسوغ فيه الاجتهاد وما لا يسوغ، وما يحتمل وجهين أو أكثر وما لا يحتمل، والعلم بما قام عليه الدليل الشرعي من كتاب الله أو سنة رسوله أو من أدلة الشرع الأخرى، وعلى المسلم أن يستزيد من هذا العلم الشرعي النافع ليعرف موضوع دعوته، وليكون على بصيرة وبينة؛ فلا يأمر إلا بحق، ولا ينهى إلا عن باطل.» اهـ.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]