عرض مشاركة واحدة
  #108  
قديم 01-11-2022, 08:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,363
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الحج

من صــ 694 الى صـ 703
الحلقة (108)





سورة الحج
119 - قال الله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين (11)
* سبب النزول:

أخرج البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوء.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد أورد هذا الحديث الطبري والبغوي وابن عطية وابن كثير وابن عاشور وجعلوا الحديث سبب نزولها.
وأورده القرطبي ومعه غيره لكن بدون ترجيح.
قال الطبري: (يعني جل ذكره بقوله: (ومن الناس من يعبد الله على حرف)أعرابا كانوا يقدمون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرين من باديتهم، فإن نالوا رخاء من عيش بعد الهجرة، والدخول في الإسلام أقاموا على الإسلام وإلا ارتدوا على أعقابهم فقال الله: (ومن الناس من يعبد الله) على شك (فإن أصابه خير اطمأن به) وهو السعة من العيش وما يشبهه مبن أسباب الدنيا اطمأن به. يقول: استقر بالإسلام وثبت عليه، (وإن أصابته فتنة) وهو الضيق بالعيش وما يشبهه من أسباب الدنيا (انقلب على وجهه) يقول: ارتد فانقلب على وجهه الذي كان عليه من الكفر بالله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) اهـ. ثم ساق الحديث.
وقال البغوي: (نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته ذكرا وكثر ماله قال: هذا دين حسن وقد أصبت خيرا واطمأن إليه، وإن أصابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت فرسه وقل ماله قال: ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا شرا فينقلب عن دينه، وذلك الفتنة فأنزل الله - عز وجل -: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) اهـ.
وقال ابن عطية: (هذه الآية نزلت في أعراب وقوم لا يقين لهم كان أحدهم إذا أسلم فاتفق له اتفاقات حسان من نمو ماله وولد ذكر يرزقه وغير ذلك قال: هذا دين جيد وتمسك به لهذه المعاني وإن كان الأمر بخلاف ذلك تشاءم به وارتد كما صنع العرنيون وغيرهم، قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم) اهـ.
وقال ابن كثير بعد ذكر السبب: (وهكذا ذكر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الآية) اهـ.
وقال ابن عاشور: (والظاهر أن هذه الآية نزلت بالمدينة. ثم ساق الحديث إلى أن قال: وفي رواية الحسن أنها نزلت في المنافقين مثل عبد الله بن أبي ابن سلول وهذا بعيد لأن أولئك كانوا مبطنين الكفر فلا ينطبق عليهم قوله: (فإن أصابه خير اطمأن به) وممن يصلح مثالا لهذا الفريق العرنيون). اهـ بتصرف يسير.
وقال السعدي: (ومن الناس من هو ضعيف الإيمان لم يدخل الإيمان قلبه ولم تخالطه بشاشته بل دخل فيه إما خوفا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن.
(فإن أصابه خير اطمأن به) إن استمر رزقه رغدا، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير لا إيمانه، فهذا ربما أن الله يعافيه ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه.
(وإن أصابته فتنة) من حصول مكروه، أو زوال محبوب (انقلب على وجهه) أي ارتد عن دينه) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية، لصحة سنده، وموافقته للسياق القرآني واتفاق المفسرين على معناه. والله أعلم.
* * * * *

120 - قال الله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم (19)
* سبب النزول:

أخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه كان يقسم قسما: إن هذه الآية: (هذان خصمان اختصموا في ربهم). نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة.
وأخرجه البخاري والنسائي عن علي - رضي الله عنه - قال: فينا نزلت هذه الآية: (هذان خصمان اختصموا في ربهم).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد اختلفت أنظار المفسرين في الحديث.
فمنهم من ذهب إلى أنه سبب نزولها كالقرطبي والشنقيطي.
قال القرطبي بعد أن ذكر الأقوال: (والقول الأول أصح) اهـ يعني حديث أبي ذر وعلي - رضي الله عنهما -.
وقال الشنقيطي: (نزل في المبارزين يوم بدر) اهـ.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الآية تتناول المؤمنين والكافرين عموما وإن كانت صورة السبب تدخل في العموم دخولا أوليا، واختار هذا الطبري وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري بعد ذكر الأقوال: (وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب وأشبهها بتأويل الآية قول من قال: عنى بالخصمين جميع الكفار من أي أصناف الكفر كانوا وجميع المؤمنين وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لأنه تعالى ذكره، ذكر قبل ذلك صنفين من خلقه: أحدهما أهل طاعة له بالسجود له، والآخر: أهل معصية له قد حق عليه العذاب. فذكر كلاما حتى قال:
فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن أبي ذر في قوله: (إن ذلك نزل في الذين بارزوا يوم بدر؟) قيل: ذلك إن شاء الله كما روي عنه، ولكن الآية قد تنزل بسبب من الأسباب، ثم تكون عامة في كل ما كان نظير ذلك السبب، وهذه من تلك) اهـ.
وقال ابن كثير: (وقول مجاهد وعطاء أن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله - عز وجل - والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل وهذا اختيار ابن جرير وهو حسن) اهـ.
وقال ابن عاشور: (فالمراد من هذه الآية ما يعم جميع المؤمنين، وجميع مخالفيهم في الدين. ثم ذكر حديث أبي ذر فقال: والأظهر أن أبا ذر عنى بنزول الآية في هؤلاء أن أولئك النفر الستة هم أبرز مثال وأشهر فرد في هذا العموم فعبر بالنزول وهو يريد أنهم ممن يقصد من معنى الآية، ومثل هذا كثير في كلام المتقدمين) اهـ.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الآية في المؤمنين والكافرين عموما، واختار هذا ابن عطية والسعدي.
قال ابن عطية: (وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن ابن أبي الحسن وعاصم والكلبي الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم، وهذا قول تعضده الآية وذلك أنه تقدم قوله: (وكثير من الناس) المعنى: هم مؤمنون ساجدون، ثم قال: (وكثير حق عليه العذاب) ثم أشار إلى هذين الصنفين بقوله: (هذان خصمان) اهـ.
وقال السعدي: (يخبر تعالى عن طوائف أهل الأرض من الذين أوتوا الكتاب من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين، ومن المجوس ومن المشركين أن الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل ثم ذكر كلاما إلى أن قال: ثم فصل هذا الفصل بينهم بقوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) كل يدعي أنه المحق) اهـ.
والفرق بين هذا القول وسابقه أن الأولين وإن كانوا يرون العموم إلا أنهم أشاروا إلى حديث أبي ذر وعلي - رضي الله عنهما - بخلاف ابن عطية والسعدي فلم يشيرا إليه والله أعلم.
أما البغوي فقد ساق عددا من الأقوال بداية بحديث أبي ذر، لكنه لم يتعقبها بشيء.
وقبل تحرير الكلام في المسألة أود أن أبين أن البحث في أمرين:
الأول: هل للآية سبب نزول.
الثاني: فيمن نزلت هذه الآية.
أما الأول: فالظاهر - والله أعلم - أن الآية تتحدث عن الخصومة بين عسكرين: إيمان، وكفر: أيا كان حال هذين العسكرين، وتبين ما أعد الله لهما من الثواب والعقاب: ولم تنزل لتعالج قضية حاضرة تنتظر الجواب لحلها، مما يجعل القول بأن الآية نزلت بسبب كذا بعيد.
وإنما مراد من أشار إلى النزول أن الآية تتناول بعمومها هؤلاء المذكورين وغيرهم ممن يماثلهم.
أما الثاني: فإن الناظر في سياق الآيات يلحظ حديثها العام بين الإيمان والكفر وبيان ذلك ما يلى:
أولا: أن الله ذكر المؤمنين واليهود والصابئين والنصارى والمجوس والمشركين، وهذه طوائف الكفر مع الإيمان، وعقب هذا بقوله: (إن الله يفصل بينهم).
ثانيا: أن الله ذكر السجود له وأن كثيرا من الناس يسجد له، وكثيرا حق عليه العذاب.
ثالثا: أن الله ذكر ما أعد لكلا الطائفتين من النعيم والعذاب المقيم.
وإذا نظرت إلى قول أبي ذر وأنه كان يقسم أن هذه الآية نزلت في المذكورين يوم بدر وقول علي - رضي الله عنه -: (أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة).
قلت: إن الآية تتحدث عن هؤلاء المبارزين يوم بدر فقط.
وعندي - والله أعلم - أن الآية تعم المؤمنين ومن خالفهم في الدين، وهؤلاء الستة هم أبرز مثال وأشهر فرد في هذا العموم، وهذا اختيار الطبري وابن كثير وابن عاشور، وبهذا تتحقق الموازنة بين سياق الآيات، والأحاديث الواردة في ذلك.
* النتيجة:
أن الآية نزلت تتحدث عن الخصومة بين المؤمنين والكافرين، وليس لها سبب معلوم، كالمصطلح عليه، وذلك لدلالة السياق على ذلك، واختيار أكثر المفسرين له. والله أعلم.
*******

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]