عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-05-2021, 04:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي وظائف ختام شهر رمضان ووقفات تربوية مهمة في ختامه

وظائف ختام شهر رمضان ووقفات تربوية مهمة في ختامه
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري




الحمدُ لله الذي منَّ علينا بشريعةِ الإسلام، وشَرَعَ لنا ما يُقرِّب إليه من صالح الأعمال، والحمدُ لله الذي مَنَّ علينا بتيسيرِ الصيامِ والقيام، وجعلَ ثوابَ فاعلها إيماناً واحتساباً مغفرةَ الذنوبِ والآثام، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ذو الجلالِ والإكرام، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أفضلُ مَن تعبَّدَ لله وصام، اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على الصراطِ المستقيم، وسلِّم تسليماً.


أمَّا بعد:
فيا أيها الناسُ اتقوا الله، وتعرَّضُوا فيما بقي من شهرِكم لنفَحَاتِ ربِّكم الكريم.


عباد الله:
هذا شهرُ رمضانَ قد تقاربَ تَمامُه، وتصرَّمت لياليه الفاضلةُ وأيَّامُه، فمن كان منكم مُحسناً فيه فعليه بالإكمال والإتمام، ومَن كان مُقصِّراً فليختمه بالتوبة والاستدراك، فالعمل بالختام، واستَمِرُّوا في التماسِ ليلةِ القدرِ، التي قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عنها: (مَن قامَ ليلَةَ القَدْرِ إيماناً واحتِساباً غُفِرَ لهُ ما تقَدَّمَ من ذنبهِ) متفقٌ عليه، وعليك أيها المؤمنُ أن تزيد في عبادتكَ وتَحُثَّ أهلَكَ وتُنشِّطُهم وتُرغِّبهم في العبادةِ لا سيَّما في هذه الأربع الأواخر التي لا يُفرِّط فيها إلا محروم، قال صلى الله عليه وسلم: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ) رواه مسلم.


وقد بلغَ مجموعُ الروايات التي حدَّدت ليلة القدر بليلةِ سبعٍ وعشرين من خلال الكتب التسعة إلى سبع رواياتٍ، وأربعُ رواياتٍ في تحديدها بصفةٍ تنطبقُ على أواخرِ الشهر، قال صلى الله عليه وسلم: (تَحَرَّوْها ليلَةَ سَبْعٍ وعشرِينَ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه أبو البركات ابن تيميَّة، وعن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه: (وواللهِ إني لأَعلَمُ أيُّ ليلةٍ هيَ، هيَ الليلَةُ التي أمَرَنَا بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بقيامِهَا، هيَ ليلَةُ صَبيحَةِ سَبْعٍ وعشرينَ، وأَمَارَتُهَا أنْ تَطْلُعَ الشمسُ في صَبيحَةِ يوْمِهَا بيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَها) رواه مسلم.


فعليكَ أخي المسلم أن تَحْرِصَ على تحقيق هذا الخير، والحصول عليه بالعبادة والطاعة فيما بقي من هذه الليالي من الصلاة والتلاوة والذكر والدُّعاء، وكلِّ ما تستطيعُه من الباقيات الصالحات.


عبادَ الله:
ولقد شرَعَ اللهُ لنا في ختام شهرنا عباداتٍ جليلةٍ، نزدادُ بها إيماناً، وتكمُل بها عباداتُنا، وتَتمُّ بها علينا نعمةُ ربِّنا، شرَعَ لنا ربُّنا زكاةَ الفطرِ، وتكبيرَ ليلةِ العيدِ، وصلاةَ العيدِ.


أمَّا زكاةُ الفطرِ:
فعنِ ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: (فَرَضَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ زكَاةَ الفِطْرِ صاعاً مِن تَمْرٍ، أو صاعاً من شَعيرٍ، علَى العبدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنثى، والصغيرِ والكبيرِ من المسلمينَ، وأَمَرَ بها أنْ تُؤَدَّى قبلَ خُرُوجِ الناسِ إلى الصلاةِ) رواه البخاريُّ ومسلمٌ واللفظُ للبخاري، وكان الصحابةُ رضي الله عنهم يُؤدُّونها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومينِ، قال نافعٌ رحمه الله: (وكانُوا يُعْطُونَ قبلَ الفِطْرِ بيومٍ أو يومينِ) رواه البخاري.


وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء: (إنَّ الذي تحرَّر لنا في مقدار الصاع النبويِّ أنه قدر أربع حَفَناتٍ بيديِّ الرَّجُلِ المعتدِلِ في الْخِلْقة)، وقالت أيضاً: (ومقداره بالكيلو ثلاثة كيلو تقريباً) انتهى.


فطهِّرُوا صيامكم بإخراجها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فَرَضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً للصَّائِمِ منَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعْمَةً للمساكينِ، مَنْ أدَّاهَا قبلَ الصلاةِ فهِيَ زكاةٌ مَقْبُولَةٌ، ومَنْ أدَّاهَا بعدَ الصلاةِ فهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصدقَاتِ) رواه أبو داود وحسَّنه ابن قدامة، وقد صدَرَ قرارُ هيئة كبار العلماء بأنه لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر، لأنها عبادةٌ، وقد بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما تُخْرَجُ منه وهو الطعام، وجاء في فتوى اللجنة الدائمة: (وتُعطى فقراءَ المسلمين في بلدِ مُخرجها، ويجوزُ نقلها إلى فقراءِ بلدٍ أُخرى أهلُها أشدُّ حاجة) انتهى.


عباد الله:
ومما شرَعَ لنا ربُّنا في ختام شهرنا: التكبير عند إكمال العدَّة: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، وعنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما (أنهُ كانَ يُكبِّرُ إذا غَدَا إلى الْمُصَلَّى يومَ العِيدِ) أخرجه الفريابيُّ بسندٍ صحيح، وعن أُمِّ عطيَّةَ رضي الله عنها قالت: (كُنَّا نُؤمَرُ أنْ نَخْرُجَ يومَ العيدِ حتى نُخْرِجَ البكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ الناسِ، فيُكَبِّرْنَ بتكبيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعائهِم، يَرْجُونَ بَركَةَ ذلكَ اليومِ وطُهْرَتَهُ) رواه البخاري، قال النووي: (يُستَحَبُّ رَفْعُ الصوتِ بالتكبيرِ بلا خِلافٍ) انتهى.


ومما شَرَعَ لنا ربُّنا في ختام شهرنا: صلاة العيد، فعن أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قالت: (أُمِرنا أنْ نُخرِجَ الحُيَّضَ يومَ العيدينِ، وذوَاتِ الخُدُورِ، فيَشهَدنَ جماعةَ المسلمينَ ودَعْوَتَهُم، ويَعتزِلُ الحُيَّضُ عن مُصلاَّهُنَّ، قالتِ امرأةٌ: يا رسولَ اللهِ إحدانا ليسَ لَهَا جلبابٌ؟ قالَ: لِتُلْبسْهَا صاحِبَتُهَا من جِلْبَابهَا) رواه البخاري ومسلم، والجلبابُ: لباسٌ تلتحفُ فيه المرأةُ بمنزلةِ العَباءة.


وليَخرُجِ الرِّجالُ متنظِّفين مُتطيِّبين لابسين أحسنَ ثيابهم، مع الحذر من الفخر والتكبُّرِ وإسبالِ الثيابِ والعَباءات، وليَخرُجِ النساءُ مُحتشماتٍ بالعباءاتِ الشرعيةِ غيرَ متطيِّباتٍ ولا مُتبرِّجاتٍ بزينة.


والسنةُ أن يأكُلَ المسلمُ في بيته قبل الخروج إلى الْمُصلَّى تَمَراتٍ وِتْرَاً، فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: («كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يَغْدُو يومَ الفِطْرِ حتى يأكُلَ تَمَرَاتٍ»، وقالَ مُرَجَّأُ بنُ رَجَاءٍ، حدَّثني عُبيدُ اللهِ، قالَ: حدَّثني أنسٌ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «ويَأْكُلُهُنَّ وِتْراً») رواه البخاري، وقال الشيخ ابن عثيمين: (وأمَّا الخروجُ بالتمرِ إلى مُصلَّى العيدِ وأكلُه هناكَ فليسَ بسُنَّةٍ بلْ هو بدعة) انتهى.


ومن أحكام صلاة العيد: ألاَّ أذانَ ولا إقامةَ لصلاةِ العيد، قال جابرٌ رضي الله عنه: (لا أذانَ للصلاةِ يومَ الفِطْرِ حينَ يَخرُجُ الإمامُ، ولا بعدَ ما يَخرُجُ، ولا إقامةَ، ولا نِداءَ، ولا شيءَ، لا نِداءَ يومَئِذٍ ولا إقامةَ) رواه مسلم.


ويُستحبُّ الاغتسالُ لصلاة العيد: قال سعيدُ بن المسيَّب: (سُنةُ الفطرِ ثلاثٌ: المشيُ إلى المصلَّى، والأكلُ قبلَ الخُروجِ، والاغتسالُ) رواه الفِرْيابيُّ وصحَّحه الألباني.


وكذا يُستحبُّ التجمُّل في العيد باللباس الْحَسَن، وكذا يُستحبُّ التطيُّب للعيد: سُئل نافعٌ رحمه الله: (كيفَ كانَ ابنُ عُمَرَ يَصنَعُ يومَ العيدِ؟ قالَ: كانَ يَشْهَدُ صلاةَ الفجرِ معَ الإمامِ ثُمَّ يَرجِعُ إلى بيتِهِ فيَغتَسِلُ غُسْلَهُ منَ الجَنابةِ، ويَلْبَسُ أحسَنَ ثِيابهِ، ويَتَطَيَّبُ بأطيَبِ ما عِنْدَهُ، ثُمَّ يَخرُجُ حتى يأتيَ الْمُصَلَّى) رواه الحارث في مسنده بسندٍ حسن.


وأمَّا التهنئةُ بالعيد: فعن جُبيرِ بنِ نُفَيْرٍ قالَ: (كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا التَقَوْا يومَ العِيدِ يقُولُ بعضُهُم لبعضٍ: تقَبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنْكَ) رواه الْمَحامِلِيُّ وحسَّنه ابن حجر.


وليحذر المسلم من تخصيص ليلة العيد بقيامٍ من بين سائر الليالي: قالت اللجنة الدائمة للإفتاء: (تخصيص ليلة العيد بقيام دون سائر الليالي يعتبر بدعة؛ لأنه لم يكن من سُنةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم) انتهى.


أمتعنا الله وإياكم بالاجتهادِ في بقيَّة شهر البركةِ، وتقبَّلَ اللهُ منَّا إنه هو السميع العليم، وتاب علينا إنه هو التواب الرحيم، آمين.
♦♦ ♦♦

إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّداً عبدُه ورسولُه.

أمَّا بعدُ: فمع قُدومِ رمضانَ وقُربِ رحيلهِ ينبغي أن نتدبَّرَ ونتفكَّرَ في الآتي:
أولاً: الانتباه لسُرْعةِ الأيام والحذرِ من الاغترارِ بالدنيا، فمع سُرعة قُرب رحيل رمضان تتذكر وصيَّةَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لابنِ عُمَرَ، فعَنْ (عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُما قالَ: أَخَذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بِمَنْكِبي فقَالَ: «كُنْ في الدُّنيا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابرُ سَبيلٍ»، وكانَ ابنُ عُمَرَ يقُولُ: «إذا أَمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وإذا أَصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ») رواه البخاري.


فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم يُوصي شابَّاً في العشرينَ من عُمُرِه بقِصَرِ الأَمَلِ والحذرِ من الدُّنيا.
فتذكَّر بقُربِ رحيلِ رمضان: خواتيمَ الأعمالِ، وخواتيمَ الأعمارِ، والاستعدادِ للسَّفَرِ الطويل.


ثانياً: أنْ تجمعَ بين الإحسانِ والخوفِ، فلا تَغْتَرَّ بما قدَّمْتَهُ من عَمَلٍ، منَ المحافظةِ على صلاةِ التراويحِ وتفطيرِ الصائمينَ وغيرِ ذلك، فالصحابةُ لا يُعْجَبُون بعَمَلِهِم، ولا يُفتنونَ بثناءِ الناسِ، قال ابنُ القيِّم: (فإنَّ اللهَ إذا أراد بعبدٍ خيراً سَلَبَ رُؤيةَ أعمالِهِ الْحَسَنةِ من قَلْبهِ، والإخبارِ بها من لسانهِ، وشَغَلَهُ برُؤيةِ ذنبه، فلا يزال نُصْبَ عينيهِ حتى يَدْخُلَ الجنَّةَ، فإنَّ ما تُقُبِّلَ من الأعمالِ رُفِعَ من القلبِ رُؤيتُهُ، ومن اللسانِ ذِكْرُه) انتهى.


وقد بيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن العبدَ العاقلَ لا يرتكنُ إلى عَمَلِهِ الذي لا يَدْرِي أقبلَهُ اللهُ منهُ أم لا، فقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (سَدِّدُوا وقَارِبُوا وأَبْشِرُوا، فإنهُ لا يُدْخِلُ أَحَداً الجنَّةَ عَمَلُهُ، قالُوا: ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَني اللهُ بمغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ) رواه البخاري ومسلم.


و(عنْ عائشةَ قالتْ: قُلْتُ يا رسولَ اللهِ: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]، أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْني ويَسْرِقُ ويَشْرَبُ الخَمْرَ؟ قالَ: لا يا بنْتَ أبي بكْرٍ – أوْ: لا يا بنْتَ الصِّدِّيقِ - ولكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ ويُصَلِّي ويَتَصَدَّقُ، وهُوَ يَخافُ أنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه الألباني.


فأُمُّ المؤمنين تظنُّ أن الخائفَ هو مَن أتى بالموبقات، ومثلُه يَحقُّ له الخوف، فصحَّحَ لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ الصادقَ هو من يجمع مع الإحسان خوف عدم القبول.


وإليكَ هذا المثال من تواضع الصحابةِ رضيَ الله عنهم: ففي حديث قصَّةِ استشهادِ ثاني الخلفاءِ الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال عمروُ بنُ ميمون: (فاحْتُمِلَ إلى بَيْتِهِ فانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وكأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصيبَةٌ قبلَ يوْمَئِذٍ، فقَائِلٌ يقولُ: لا بأْسَ، وقائلٌ يقولُ: أَخَافُ عليهِ، فأُتِيَ بنَبيذٍ فشَرِبَهُ، فخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتيَ بلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فعَلِمُوا أنهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عليهِ، وجَاءَ الناسُ، فجَعَلُوا يُثْنُونَ عليهِ، وجاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فقالَ: أَبْشِرْ يا أميرَ المؤمنينَ ببُشْرَى اللهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقَدَمٍ في الإسلامِ ما قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فعَدَلْتَ، ثمَّ شَهَادَةٌ، قالَ: وَدِدْتُ أنَّ ذلكَ كَفَافٌ لا علَيَّ ولا لِي) رواه البخاري.


قال ابن حجر: (وما أَحْسَنَ قَوْلَ أبي عُثمانَ الجِيزِيِّ: «مِنْ علامةِ السعادةِ أنْ تُطِيعَ وتَخافَ أنْ لا تُقْبَلَ، ومِنْ علامةِ الشَّقاءِ أنْ تَعْصِيَ وترجو أنْ تنجو») انتهى.


ثالثاً: إنَّ أبرزَ علاماتِ القَبُول هو استمرارُكَ على العمل الصالح بعد انقضاءِ رمضان، فمن عمل حَسَنةً ثم أتبعها بحسنةٍ بعدَها كان ذلكَ علامة على قبول الحسنة الأولى، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إنَّ أحَبَّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْوَمُهَا وإنْ قَلَّ) رواه البخاري ومسلم.


رابعاً: بماذا تَختم رمضان: أمَرَ اللهُ عبادَهُ أن يختموا أعمالهم العظيمة بالاستغفار، (عنْ ثوْبانَ قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا انْصَرَفَ مِنْ صلاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثلاثاً)، رواه مسلم، وقال تعالى فيما يَفعلُ الحاجُّ بعد نُزوله من عرفةثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وأمَرَ اللهُ نبيَّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنْ يَختمَ حياتَهُ بالاستغفار، (عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُكْثِرُ مِن قَوْلِ: سُبحانَ اللهِ وبحمْدِهِ، أَستَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إليهِ، قالتْ: فقُلْتُ يا رسولَ اللهِ، أَرَاكَ تُكثِرُ مِن قولِ: سُبْحَانَ اللهِ وبحمدِهِ، أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليهِ؟ فقالَ: خَبَّرَني رَبِّي أنِّي سَأَرَى عَلامَةً في أُمَّتي، فإذا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِن قولِ: سُبْحَانَ اللهِ وبحمدِهِ، أســتـغفرُ اللهَ وأتوبُ إليهِ، فقدْ رأَيْتُها: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾، فَتْحُ مَكَّةَ، ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1- 3]) رواه مسلم، وإن العبدَ ليتحسَّرُ على تفريطهِ، فبالأمسِ نستقبلُ رمضان، وبعدَ ثلاثةِ أيامٍ أو أربعةٍ سيُودِّعُهُ الحيُّ منَّا، فسبحانَ مَنْ قلَّبَ الليل والنهار، وفي ذلك مُعتبرٌ للمُعْتَبرِين، جَعَلَنا اللهُ مِمَّن صامَ ويصومُ وقامَ ويقومُ رمضان وليلة القدر إيماناً واحتساباً، آمين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]