عرض مشاركة واحدة
  #125  
قديم 10-05-2022, 08:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(111)
الحلقة (125)
صــ 206إلى صــ 210





1243 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : لو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة ، استعرضوا [ ص: 206 ] بقرة فذبحوها لكانت إياها ، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، لما هدوا إليها أبدا .

1244 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إنما أمر القوم بأدنى بقرة ، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم . والذي نفس محمد بيده ، لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد .

1245 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم .

1246 - حدثنا أبو كريب قال ، قال أبو بكر بن عياش ، قال ابن عباس : لو أن القوم نظروا أدنى بقرة - يعني بني إسرائيل - لأجزأت عنهم ، ولكن شددوا فشدد عليهم ، فاشتروها بملء جلدها دنانير .

1247 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لو أخذوا بقرة كما أمرهم الله كفاهم ذلك ، ولكن البلاء في هذه المسائل ، فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) ، فشدد عليهم ، فقال : ( إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ) ، فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) ، قال : وشدد عليهم أشد من الأول ، فقرأ حتى بلغ : ( مسلمة لا شية فيها ) فأبوا أيضا فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ) فشدد عليهم ، فقال : ( إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ) ، [ ص: 207 ] قال : فاضطروا إلى بقرة لا يعلم على صفتها غيرها ، وهي صفراء ، ليس فيها سواد ولا بياض .

قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه - من الصحابة والتابعين والخالفين بعدهم ، من قولهم إن بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم - من أوضح الدلالة على أن القوم كانوا يرون أن حكم الله ، فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، على العموم الظاهر ، دون الخصوص الباطن ، إلا أن يخص ، بعض ما عمه ظاهر التنزيل ، كتاب من الله أو رسول الله ، وإن التنزيل أو الرسول ، إن خص بعض ما عمه ظاهر التنزيل بحكم خلاف ما دل عليه الظاهر ، فالمخصوص من ذلك خارج من حكم الآية التي عمت ذلك الجنس خاصة ، وسائر حكم الآية على العموم ; على نحو ما قد بيناه في كتابنا كتاب الرسالة من لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام - في قولنا في العموم والخصوص ، وموافقة قولهم في ذلك قولنا ، ومذهبهم مذهبنا ، وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام ، وشهادتهم على فساد قول من قال : حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم ، ما لم يختص منها بعض ما عمته الآية . فإن خص منها بعض ، فحملك الآية حينئذ على الخصوص .

وذلك أن جميع من ذكرنا قوله آنفا - ممن عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن صفة البقرة التي أمروا بذبحها وسنها وحليتها - رأوا أنهم كانوا في مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى ذلك مخطئين ، وأنهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرة من البقر - إذ أمروا بذبحها بقوله : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، فذبحوها - كانوا للواجب عليهم من أمر الله في ذلك [ ص: 208 ] مؤدين ، وللحق مطيعين ، إذ لم يكن القوم حصروا على نوع من البقر دون نوع ، وسن دون سن .

ورأوا مع ذلك أنهم - إذ سألوا موسى عن سنها فأخبرهم عنها ، وحصرهم منها على سن دون سن ، ونوع دون نوع ، وخص من جميع أنواع البقر نوعا منها - كانوا في مسألتهم إياه في المسألة الثانية ، بعد الذي خص لهم من أنواع البقر ، من الخطأ على مثل الذي كانوا عليه من الخطأ في مسألتهم إياه المسألة الأولى .

وكذلك رأوا أنهم في المسألة الثالثة على مثل الذي كانوا عليه من ذلك في الأولى والثانية ، وأن اللازم كان لهم في الحالة الأولى ، استعمال ظاهر الأمر ، وذبح أي بهيمة شاءوا مما وقع عليها اسم بقرة .

وكذلك رأوا أن اللازم كان لهم في الحال الثانية استعمال ظاهر الأمر وذبح أي بهيمة شاءوا مما وقع عليها اسم بقرة عوان لا فارض ولا بكر ، ولم يروا أن حكمهم - إذ خص لهم بعض البقر دون البعض في الحالة الثانية - انتقل عن اللازم الذي كان لهم في الحالة الأولى ، من استعمال ظاهر الأمر إلى الخصوص . ففي إجماع جميعهم على ما روينا عنهم من ذلك - مع الرواية التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموافقة لقولهم - دليل واضح على صحة قولنا في العموم والخصوص ، وأن أحكام الله جل ثناؤه في آي كتابه - فيما أمر ونهى - على العموم ، ما لم يخص ذلك ما يجب التسليم له . وأنه إذا خص منه شيء ، فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامة الظاهر ، وسائر حكم الآية على ظاهرها العام - ومؤيد حقيقة ما قلنا في ذلك ، وشاهد عدل على فساد قول من خالف قولنا فيه . [ ص: 209 ] وقد زعم بعض من عظمت جهالته ، واشتدت حيرته ، أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر الله إياهم بذبح بقرة من البقر ، لأنهم ظنوا أنهم أمروا بذبح بقرة بعينها خصت بذلك ، كما خصت عصا موسى في معناها ، فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها .

ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا ، لسهل عليه ما استصعب من القول . وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددا منهم في دينهم ، ثم أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم . فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضا ، ويتعبدهم بعبادة ، ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به ، حتى يسألوا بيان ذلك لهم ! فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه ، ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه ، فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض ، فنعوذ بالله من الحيرة ، ونسأله التوفيق والهداية .

وأما قوله : ( إن البقر تشابه علينا ) ، فإن " البقر " جماع بقرة .

وقد قرأ بعضهم : ( إن الباقر ) ، وذلك - وإن كان في الكلام جائزا ، لمجيئه في كلام العرب وأشعارها ، كما قال ميمون بن قيس :


وما ذنبه أن عافت الماء باقر وما إن تعاف الماء إلا ليضربا
[ ص: 210 ] وكما قال أمية :


ويسوقون باقر السهل للط ود مهازيل خشية أن تبورا
- فغير جائزة القراءة به لمخالفته القراءة الجائية مجيء الحجة ، بنقل من لا يجوز - عليه فيما نقلوه مجمعين عليه - الخطأ والسهو والكذب .

وأما تأويل : ( تشابه علينا ) ، فإنه يعني به التبس علينا . والقرأة مختلفة في تلاوته . فبعضهم كانوا يتلونه : " تشابه علينا " ، بتخفيف الشين ونصب الهاء على مثال " تفاعل " ، ويذكر الفعل ، وإن كان " البقر " جماعا . لأن من شأن العرب تذكير كل فعل جمع كانت وحدانه بالهاء ، وجمعه بطرح الهاء - وتأنيثه ، كما قال الله تعالى في نظيره في التذكير : ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) [ القمر : 20 ] ، فذكر " المنقعر " وهو من صفة النخل ، لتذكير لفظ " النخل " - وقال في موضع آخر : ( كأنهم أعجاز نخل خاوية ) [ الحاقة : 7 ] ، فأنث " الخاوية " وهي من صفة " النخل " - بمعنى النخل . لأنها وإن كانت في لفظ الواحد المذكر - على ما وصفنا قبل - فهي جماع " نخلة " .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]