عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-04-2021, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي وقفة مع العشر الأخيرة من رمضان

وقفة مع العشر الأخيرة من رمضان

















د. علاء شعبان الزعفراني




ها هي أيام الشهر قد تتابعت، هذه أيام رمضان قد أوشكت بالرحيل، سنستقبل العشر الأواخر، علينا أن نستقبلها ونحنُ فقراء إلى رحمة الله، نشكو تقصيرنا إلى الله، وكلنا أمل وطمع في رحمة الله أن لا يخيب رجاءنا وأن يستجيب دعاءنا، نحن على أبواب عشر ما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله صلى الله عليه وسلم ، بينها ليلة هي خير من ألف شهر من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، لذا نقف مع بعض ما نحتاج إليه في بداية هذه العشر.







الوقفة الأولى: مجاهدة النفس:



يبرز معنى المجاهدة مع استشعار اقتراب الشهر من نهايته، فإذا استشعر المرء ذلك بانتهاء ثلثي الشهر، فينبغي أن يُبادر إلى محاولة اغتنام الثلث الآخر.















قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ [الروم: 55 - 57].







يخبر تعالى عن يوم القيامة وسرعة مجيئه وأنه إذا قامت الساعة ﴿ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الروم: 55] بالله أنهم ﴿ مَا لَبِثُوا ﴾ [الروم: 55] في الدنيا إلا ﴿ سَاعَةٍ ﴾ [الروم: 55] وذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر واستقصار لمدة الدنيا.







ولما كان قولهم كذبًا لا حقيقة له قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴾ [الروم: 55] أي: ما زالوا - وهم في الدنيا - يؤفكون عن الحقائق ويأتفكون الكذب، ففي الدنيا كذَّبوا الحق الذي جاءتهم به المرسلون، وفي الآخرة أنكروا الأمر المحسوس وهو اللبث الطويل في الدنيا، فهذا خلقهم القبيح والعبد يبعث على ما مات عليه.







﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ﴾ [الروم: 56] أي: مَنَّ الله عليهم بهما وصارا وصفًا لهم العلم بالحق والإيمان المستلزم إيثار الحق، وإذا كانوا عالمين بالحق مؤثرين له لزم أن يكون قولهم مطابقا للواقع مناسبا لأحوالهم.







فلهذا قالوا الحق: ﴿ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 56] أي: في قضائه وقدره، الذي كتبه الله عليكم وفي حكمه ﴿ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ﴾ [الروم: 56] أي: عمرتم عُمْرًا يتذكر فيه المتذكر ويتدبر فيه المتدبر ويعتبر فيه المعتبر حتى صار البعث ووصلتم إلى هذه الحال.







﴿ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 56] فلذلك أنكرتموه في الدنيا وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا تتمكنون فيه من الإنابة والتوبة، فلم يزل الجهل شعاركم وآثاره من التكذيب والخسار دثاركم.







﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ ﴾ [الروم: 57] فإن كذبوا وزعموا أنهم ما قامت عليهم الحجة أو ما تمكنوا من الإيمان ظهر كذبهم بشهادة أهل العلم والإيمان، وشهادة جلودهم وأيديهم وأرجلهم، وإن طلبوا الإعذار وأنهم يردون ولا يعودون لما نُهوا عنه لم يُمَكَّنُوا فإنه فات وقت الإعذار فلا تقبل معذرتهم، ﴿ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ [الروم: 57] أي: يزال عتبهم والعتاب عنهم [1].







فهذه الحسرة تكون بعد زال الدنيا والشعور بأنها كانت قصيرة جدًا، وفما بالنا بشهر واحد في العام؟! لا نكاد نشعر بالحسرة إلا بعد انتهاء الشهر وكأنه ما كان إلا ساعة!! فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.







وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص تلك العشر باجتهاد مضاعف، ليُرشد المؤمنين إلى تدارك ما فات وإدراك ما بقي، فكان يعتكف العشر الأواخر ويجتهد في العبادة فيه ما لا يجتهد في سائر الشهر، فعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ"[2].







ولا ننسى في هذه الأيام ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها .







قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها : "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ تَقُولِينَ: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي"[3].







فالمغفرة هي:



ستره على المذنبين من عباده، فلا يؤاخذهم فَيُشهِر بهم ويفضحهم، بل يسترهم.







أما العفو فهو:



أن يضع عن عباده تَبعات خطاياهم، وآثارهم، فلا يستوفيها منهم، وذلك إذا تابوا واستغفروا [4].







الوقفة الثانية: تحري ليلة القدر:



(1) ورد الفضل العظيم في العبادة في ليلة القدر، فقد ذكر ربنا تبارك وتعالى أنها خير من ألف شهر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.







قال تعالى:﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].







وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [5].







إيمانًا:



بفضلها وبمشروعية العمل فيها.



واحتسابًا: إخلاصًا للنية لله تعالى، وانتظار الأجر منه تبارك وتعالى.







(2) تعيين ليلة القدر:



اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر على أقوال كثيرة، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولاً كما في "فتح الباري"، وأقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان.







فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ"[6].







والحديث:



بوَّب عليه البخاري بقوله: "باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر".







لكن هل الوتر باعتبار ما بقي أم ما مضى؟



فإذا كان باعتبار ما مضى، فليالي الوتر إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين.







وإن كان باعتبار ما بقي، وكان الشهر ثلاثين، فتاسعة تبقى ليلة اثنين وعشرين، وسابعة تبقى ليلة أربع وعشرين، وخامسة تبقى ليلة ست وعشرين، وثالثة تبقى ليلة ثمان وعشرين، وواحدة تبقى آخر ليلة فعن أَبِي بَكَرَةَ، قَالَ: مَا أَنَا بِطَالِبِهَا - ليلة القدر - إِلَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ سَبْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ خَمْسٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ ثَلَاثٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ»[7].







والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة.







قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:



قوله - أي: الإمام البخاري - ‏: "‏باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر": في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره، لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها[8]‏.‏







وعليه: فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، وخاصة إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها.







فعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: "إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ"[9]‏.







(تَلاحَى) أي تنازع وتخاصم.







أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر: فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا [10]‏.







لذا لا ينبغي للمسلم أن يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر، لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه، فقد تكون ليلة الحادي العشرين، أو الثالث والعشرين، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين، فإذا قام ليلة السابع والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير، ولم يصب تلك الليلة المباركة.







الوقفة الثالثة: هل هناك فرق بين التراويح والتهجد وقيام الليل؟ وكم عدد الركعات؟



قيام الليل:



"هو قضاء الليل، أو جزءًا منه ولو ساعة، في الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله، ونحو ذلك من العبادات، ولا يشترط أن يكون مستغرقًا لأكثر الليل.







وجاء في مراقي الفلاح:



معنى القيام أن يكون مشتغلاً معظم الليل بطاعة، وقيل: ساعة منه، يقرأ القرآن أو يسمع الحديث أو يسبح أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم "[11] انتهى.







وأما التهجد:



فهو صلاة الليل خاصة، وقيده بعضهم بكونه صلاة الليل بعد نوم.







قال الحجاج بن عمرو الأنصاري رضى الله عنه: "يحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد، إنما التهجد أن يصلي الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، وتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم "[12].







فتبين بهذا أن قيام الليل أعم وأشمل من التهجد، لأنه يشمل الصلاة وغيرها، ويشمل الصلاة قبل النوم وبعده.

يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]