عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-10-2021, 08:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,513
الدولة : Egypt
افتراضي حديث: أمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - القاع

حديث: أمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - القاع
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قدم ناس من عُكْل أو عُرَينة فاجتووا المدينة، فأمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - القاع، وأمرهم أن يشربوا من أبوابها وألبانها، فانطلقوا، فلفا ضحوا قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر بهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله؛ أخرجه الجماعة.

اجتويت البلاد: إذا كرهتها وكانت موافقة، واستوبأتها: إذا لم توافقك.

الحدود: جمع حد، وأصله ما يحجز بين شيئين، وسميت عقوبة الزاني ونحوه حدًّا لكونها تمنعه المعاودة، أو لكونها مقدرة من الشارع، قال الراغب: وتطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي؛ كقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187]، وعلى فعل فيه شيء مقدر، ومنه: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]، وكأنها لما فصلت بين الحلال والحرام سُميت حدودًا، فمنها ما زجر عن فعله، ومنها ما زجر عن الزيادة عليه والنقصان منه.

قوله: (قدم ناس) وفي رواية: قدم ناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

قوله: (من عكل أو عرينة) شك من الراوي، وفي رواية أن ناسًا من عكل وعرينة بالواو العاطفة.

قال الحافظ: (وهو الصواب ويؤيِّده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل، وقال: هما قبيلتان متغايرتان عكل من عدنان وعرينة من قحطان، وعكل من تيم الرباب وعرينة حي من قضاعة، وحي من بجيلة، والمراد هنا الثاني، وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست، وللبخاري أنهم كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الأبد.

قوله: (فاجتووا المدينة).

قال الحافظ: (قال ابن فارس: اجتويت البلد: إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة، وقيَّده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة، وهو المناسب لهذه القصة، وقال القزاز: اجتووا؛ أي لم يوافقهم طعامها، وقال ابن العربي: الجوي داء يأخذ من الوباء، وفي رواية: استوخموا، قال: وهو بمعناه.

قوله: (فأمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاح)، وفي رواية: فأمرهم أن يلحقوا براعيه، وفي رواية أنهم قالوا: يا رسول الله، ابغنا رسلًا؛ أي: اطلب لنا لبنًا، قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود.

قال الحافظ: اللقاح باللام المكسورة والقاف وآخره مهملة النوق ذوات الألبان، وأحدها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف، وقال أبو عمرو: يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر، ثم هي لبون، وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه - صلى الله عليه وسلم - كانت خمس عشرة، وإنهم نحروا منها واحدة يقال لها: الحناء.

قوله: (وأمرهم أن يشربوا من أبوابها وألبانها)، احتج به مالك وأحمد ومن وافقهم على طهارة بول ما يؤكَل لحمُه.

قال ابن المنذر: الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة، قال: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام، فلم يُصِبْ؛ إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل[1].

قوله: (فانطلقوا، فلما ضحوا قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا النعم)؛ أي فشربوا من أبوابها وألبانها، فلما صحوا وفي رواية وسمنوا، وللإسماعيلي: ورجعت إليهم ألوانهم.

قوله: (فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم)، وفي رواية: فجاء الصريخ وفي رواية لأبي عوانة: فقتلوا أحد الراعيين، وجاء الآخر قد جزع، فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل، وفي رواية: فبعث في آثارهم الطلب، وفي حديث سلمة بن الأكوع: خيلًا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري، ولمسلم عن أنس: إنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلًا، وبعث معهم قائفًا يقتص آثارهم.

قوله: (فلما ارتفع النهار جيء بهم)، فيه حذف تقديره فأدركوا في ذلك اليوم، فأخذوا فلما ارتفع النهار جيء بهم؛ أي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أسارى.

قوله: (فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسُمِّرت أعينهم وتُركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون)، وفي رواية: ولم يَحسِمْهم؛ أي لم يَكْوِ ما قطَع منهم بالنار، لينقطع الدم، بل تركه ينزف.

قال ابن بطال: إنما ترك حسمهم؛ لأنه أراد إهلاكهم، فأما من قطع في سرقة مثلًا فإنه يجب حسمه؛ لأنه لا يؤمن معه التلف غالبًا بنزف الدم، وللترمذي فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف[2].

قوله: (وسمرت أعينهم) بالتشديد والتخفيف، ولمسلم: وسمل بالتخفيف واللام، قال الخطابي: السمل فقء العين بأي شيء كان، قال: والسمر لغة في السمل، ومخرجهما متقارب، قال: وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت وفي رواية، ثم أمر بمسامير، فأحميت فكحلهم بها، وفي رواية: ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا، وفي رواية قال أنس: فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت، وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والموخم، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بالعطش على مَن عطش آل بيته في قصة رواها النسائي)[3].

قوله: (قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا).

قال الحافظ: (أي لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها وقتلوا أي الراعي، قال: وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم قدوم الوفود على الإمام ونظره في مصالحهم، وفيه مشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها، وفيه أن كل جسد يطب بما اعتاده، وفيه: قتل الجماعة بالواحد، سواء قتلوه غيلة أو حرابة إن قلنا: إن قتلهم كان قصاصًا، وفيه المماثلة في القصاص، وليس ذلك من المثلة المنهي عنها، وفيه جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وفي غيره قياسًا عليه بإذن الإمام، وفيه العمل بقول القائف، وللعرب في ذلك المعرفة التامة)[4]؛ انتهى.

وقال البخاري: كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة[5].

قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].

قال ابن بطال: ذهب البخاري إلى أن آية المحاربة نزلت في أهل الكفر والردة، وساق حديث العرنيين، وليس فيه تصريح بذلك، ولكن أخرج عبدالرزاق عن معمر عن قتادة حديث العرنيين، وفي آخره قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله.. الآية، ووقع مثله في حديث أبي هريرة، وممن قال ذلك الحسن وعطاء والضحاك والزهري قال: وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد ويقطع الطريق، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين[6].

قال الحافظ: (والمعتمد أن الآية نزلت أولًا فيهم، وهي تتناول بعمومها من حارب من المسلمين بقطع الطريق، لكن عقوبة الفريقين مختلفة، فإن كانوا كفارًا يُخيَّر الإمام فيهم إذا ظفر بهم، وإن كانوا مسلمين فعلى قولين: أحدهما وهو قول الشافعي والكوفيين، ينظر في الجناية فمن قتَل قُتل، ومن أخذ المال قُطع، ومن لم يقتل ولم يأخذ مالًا، نُفي، وجعلوا أو للتنويع، وقال مالك: بل هي للتخيير، فيتخير الإمام في المحارب المسلم بين الأمور الثلاثة، ورجَّح الطبري الأول)[7].

تتمة:
قال في الاختيارات: والمحاربون حكمُهم في المصر والصحراء واحد، وهو قول مالك في المشهور عنه، والشافعي وأكثر أصحابنا، قال القاضي: المذهب على ما قال أبو بكر في عدم التفرقة، ونص في الخلاف، بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء والردء كالمباشرة في الخراب، وهو مذهب أحمد، وكذا في السرقة، والمرأة التي تحضر النساء للقتل تُقتل، والعقوبات التي تقام من حد أو تعزير إذا ثبتت بالبينة، فإذا أظهر من وجب عليه الحد التوبة لم يوثق منه بها، فيقام عليه، وإن كان تائبًا في الباطن، كان الحد مكفرًا وكان مأجورًا على صبره، وإن جاء تائبًا بنفسه فاعترف، فلا يقام عليه في ظاهر مذهب أحمد، ونص عليه في غير موضع، كما جزم به الأصحاب، وغيرهم في المحاربين، وإن شهد على نفسه كما شهده ماعز والغامدية، واختار إقامة الحد عليه أقيم، وإلا فلا، وتصح التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر إذا كان المقتضي للتوبة منه أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر، أو كان المانع من أحدهما أشد هذا هو المعروف عن السلف والخلف، ويلزم الدفع عن مال الغير، وسواء كان المدفوع من أهل مكة أو غيرهم.

وقال أبو العباس: في جند قاتلوا عربًا نهبوا أموال تجار ليردوها إليهم، فهم مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولا كفارة، ومن أمن للرئاسة والمال لم يُثب على فساد نيته كالمصلي رياءً وسمعة، وقال أيضًا: والمرتد من أشرك بالله تعالى، أو كان مبغضًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولما جاء به، أو ترك إنكار منكر بقلبه، أو توهم أن أحدًا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم من قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك، أو أنكر مجمعًا عليه إجماعًا قطعيًّا، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكَّل عليهم، ويدعوهم ويسألهم، ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهله، فمرتد وإن كان مثله يجهلها، فليس بمرتد، ولهذا لم يكفر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته؛ لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ومنه قول عائشة - رضي الله عنه -: مهما يكتم الناس يعلمه الله قال: "نعم"، وإذا أسلم المرتد عصم دمه وماله، وإن لم يحكم بصحة إسلامه حاكم باتفاق الأئمة، بل مذهب الإمام أحمد المشهور عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي: أنه من شهد عليه بالردة، فانظر حكم بإسلامه، ولا يحتاج أن يفي بما شهد عليه به، وقد بيَّن الله تعالى أنه يتوب عن أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع، ومن شفع عنده في رجل، فقال: لو جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع فيه ما قبلت منه إن تاب بعد القدرة عليه قتل لا قبلها في أظهر قولي العلماء فيهما، ولا يضمن المرتد ما أتلفه بدار الحرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة، وهو رواية عن أحمد اختارها الخلال وصاحبه والتنجيم؛ كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية، هو من السحر، ويحرم إجماعًا وأطفال المسلمين في الجنة إجماعًا، وأما أطفال المشركين، فأصح الأجوبة فيهم ما ثبت في "الصحيحين": أنه سئل عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، فلا نحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار، ويُروى أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عمي دخل النار، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، والصحيح في أطفال المشركين أنهم يمتحنون في عرصات القيامة[8]؛ انتهى، والله أعلم.

[1] فتح الباري: (1/ 337، 338).

[2] فتح الباري: (12/ 111).

[3] فتح الباري: (1/ 340).

[4] فتح الباري: (1/ 341).

[5] صحيح البخاري: (8/ 201).

[6] فتح الباري: (109/12).

[7] فتح الباري: (12/ 110).

[8] الاختيارات الفقهية: (1/ 598، 599).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.29 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]