عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-07-2021, 03:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي حول ظاهرة الخرم وأثرها في البناء الشعري

حول ظاهرة الخرم وأثرها في البناء الشعري
أ. د. أحمد محمد عبدالدايم عبدالله




حول ظاهرة الخرم وأثَرها في البِناء الشعري[1]

مقدمة:
تناولتُ في بحْثي "البحور الشِّعرية المهملة بيْن الواقع المستعمل والفرْض المستحيل" المنشور في حولية "كلية دار العلوم"، جامعة القاهرة، العدَد العاشر 1982م، زحاف الخرم، وقد حاولتُ مِن خلاله ردِّ كثير مِن شواهد البحور المهمَلة في الشِّعر العربي إلى شواهد مِن بحور مستعملة، ولمستُ مِن خلال البحث ومِن خلال ما قدَّمتُه للمكتبة العربية من كُتب العَروض محقَّقة، أنَّ هناك كثيرًا من الزحافات والعِلل تحتاج إلى دراسة، وإعادة نظَر قد نستطيع بها إلقاءَ الضوء على ما غَمُض منها، وبالتالي نذلِّل بعضَ العقبات أمامَ الدارسين للشِّعر، والقارضين له، وهي على كلِّ حال نظرةُ مجتهد مبنيَّة على ما ورَد في تراثنا العَروضي، الذي ما زالتْ كنوزه مخبوءةً بفِعل تركيز العلماء لجهودهم على درْس اللغة والنحو والصَّرْف دون العَروض، حتى صارتْ مكتبتنا العربية فقيرة في هذا العِلم قياسًا على أفْرُع العلوم الأخرى، بل إنَّ الذين يجرؤون على الغوْص في بحور عِلم العَروض، أحسبهم لا يَزيدون على عدد أصابع اليدين إلاَّ قليلاً، فلعل مقالة الجاحِظ عنه بأنه "علم مستبرد" لا فائدةَ له ولا محصول" جعلتْهم يهابون درسه ويعزفون عن الخوضِ في مسائله، أو ربَّما صرفَهم عنه عجزُ الأصمعي عن أن يحذق هذا الفن، وصرْف الخليل له عن درْسه في لطف بقوله:

السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب


وليس العَروض بهذا القدْر المبالَغ فيه من الصعوبة والجفاء، كما أنَّه لا يتطلَّب قدرًا وافيًا من الذكاء، كل ما في الأمر أنَّ العَروضي يحتاج إلى أُذن موسيقيَّة مع قُدرة على تحصيل مصطلحاته واستيعابها، ثم إنَّه ذلك العِلم الذي يهيِّئ للناقد قدرةً على معرفة ما إذا كان الشاعِر يُجيد فنَّ النظم ويقدِر على تصريف الكلام، ويُقيم الأوزان أم لا.

على أنَّ الأمر الذي يبْعَث في النفس السرور، هو ازدهارُ الدِّراسات العَروضيَّة بصورة ملحوظة في النِّصف الأخير مِن هذا القرْن، ونشاط الدَّارسين في درْسهم لقضاياه، وإدْخال الحاسبات الآلية في رصْد ظواهره وقِراءة دوائره، بل إنَّ الأمر لم يبقَ وَقفًا على الرِّجال وحدَهم، بل زاحمهم النساء في درْسه والتغلغل في مشاكله، مما يبشِّر بخير كبير، وإن كنَّا نطمع في المزيد.

الخرم في اللغة:
يقول الجوهري[2]: "والخرْم مصدر قولك، خرمتُ الخرز، أخرِمه بالكسر إذا أتأته، وما خرمتُ منه شيئًا، أي ما نقصتُ وما قطعت؛ "أي: إنَّ الخرْم" نوع مِن النقص، أو القطْع، ومنها قولنا "هذه مخطوطة أصابها خرْم؛ أي: نقص في ورقِها أو قطع فيه".

الخرم في الإصطلاح:
يقول ابن القطَّاع[3]: "هو إسقاطُ المتحرِّك الأوَّل مِن الجزء الأوَّل من البيت".

ويقول الزمخشري[4]: "والخرم أن تُسقِط أوَّل الوتد المجموع في أوَّل البيت".

بين الخرم والخزم:
الخزم (بالزاي) مِن عِلل الزيادة، وهو زِيادة تلحق أوَّل صدْر البيت أو أوَّل العجُز، وتتمثَّل في زيادة حرْف أو حرفين أو ثلاثة، وأقْصى زيادة أربعة أحرف، وقد قال في ذلك ابنُ القطاع[5] وقدْ جاء عن العرَب الخزم "أخذ مِن خزمت البعير، إذا جعلت في أنفه خزامة، وهو زيادة حرْف في أول جزء من البيت، ويكون بزيادة ثلاثة أحرُف ويكون بزيادة أربعة، كما رُوي عن علي - رضي الله عنه - في أوَّل جزءٍ مِن البيت، أنه قال:


اشْدُدْ * حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لاَقِيكَا


اشدد* حيازيم * كللموت فإنا لمو * تلاقيكا


فعلن * مفاعيل * مفاعيل مفاعيلن * مفاعيلن


/ه/ه* //ه/ه/* //ه/ه/ //ه/ه/ه * //ه/ه/ه


وعلَّق قائلاً: "اشدد كلُّها خزْم، والبيت من الضَّرْب الأول في الهزج" [6].

أما الخرم (بالراء) فهو مِن عِلل النَّقْص، التي تلحَق الجزء الأوَّل مِن صدر البيت بشرط أن يكون وتدًا مجموعًا، يقول ابنُ القطَّاع عن الخرم: "وهو إسقاط المتحرِّك الأوَّل من الجزء الأول مِن البيت "ويُعلِّل تسميته بقوله: "وإنَّما سُمِّي خرمًا؛ لأنَّه قطع بعضه"، ومثَّل له بقول الشاعر:

لَمَّا رَأَيْتُ الخَيْلَ زُورًا كَأَنَّهَا
جَدَاوِلُ زَرْعٍ خُلِّيَتْ فَاسْبَطَرَّتِ


لم ما. رأيتل خي. لزورن. كأن نها جداو. لزرعن خل. ليت فس. بطررتي

فعلن. مفاعيلن. فعولن. مفاعيلن فعول. مفاعيلن. فعولن. مفاعلن

حيث صارت "فعولن" في أوَّل البيت إلى عُولن، وحوِّلت إلى فعلن (/ه/ه) متحرِّك فساكن، والأصْل متحرِّكان فساكن (فعولن) دخَلَها الخرم بحذْف أولها المتحرِّك، ومعنى هذا أنَّ الزحافين كليهما يتعلَّقان بأوَّل البيت، الخزم بالزيادة فيه، والخرم بالنقص منه.

الخرم بين أيدي العَروضيِّين:
اختلفتْ آراء علماء العَروض حولَ موقِع الخرم في البيت الشِّعري اختلافًا بيِّنًا، منذُ عهد الخليل بن أحمد - رحمه الله - وكان لكلٍّ منهم رأيُه ودليلُه عليه:

فأولاً: نرَى الخليل، يقول: "إنَّ الخرم لا يكون إلاَّ فيما أوله وتدٌ مجموع"[7].

ومعنى هذا أنَّ الخليل حصَر الخرم في البحر "الطويل" مِن الدائرة الأولى و"الوافر" من الدائرة الثانية و"الهزج" مِن الدائرة الثالثة، و"المضارع" مِن الدائرة الرابعة، و"المتقارب" من الدائرة الخامِسة؛ أي: بحرًا واحدًا مِن كل دائرة.

والمفهوم مِن كلام الخليل، أيضًا، أنَّه يجوز إسقاط المتحرِّك الأوَّل أو الثاني من الوتد المجموع، حيث لم يحدِّد صراحةً أيهما يسقط في الكلام.

وكذلك، لم يحدِّد ما إذا كان ذلك يقَع في أوَّل الصدر أو أوَّل العجْز من البيت.

ثانيًا: أمَّا الأخفش (سعيد بن مسعده ت 215هـ)، فقد ذكر حين حديثِه عن الزَّحاف في (مستفعلن) حينما يدخله التشعيث، وهو حذْف سابعه الساكن، وتسكين ما قبله، وبه صار إلى "مفعولن" يقول[8]: وأمَّا مفعولن فجاءت مع "فاعلاتن" لخفَّة هذا الشِّعر، ولأنَّ اللفظ به يشبه اللفظ بالغناء، وإنَّما حذف مِن الوتد، وقال بعضهم: حذف الأوَّل لأنَّ أول الأوتاد يحذف للخرْم، وقال بعضهم: لا بل حذف الثاني؛ لأنَّه وسط، فكان أقوى له، والأوَّل يلي السبب، ويلي موضِع الاعتدال وحذْف الأوَّل أقيس.

ونرَى الأخفش - رحمه الله - يذهب مذهبَ الخليل، في أنَّ أول الأوتاد يقَع فيه الخرم، من غير تحديد لمكان الجزْء الذي يقَع فيه أكان في أوَّل الصَّدْر أم في أول العجُز.

ثالثًا: وقد فهمتُ من كلام الجوهري - المتوفى في 393هـ في كتابه "عَروض الورقة" أنه يرى أنَّ الخرم لا يكون إلا في الوتد المجموع، وفي أوَّل جزء من البيت، يقول في نهاية درْسه لبحر الكامل[9]: "وإنما لم يجز الخرم في الكامل؛ لأن الحرف الثاني وإن كان متحرِّكًا، فهو في حكم الساكن"، ومعنى هذا بوضوح "لأنَّه لم يبدأ بوتد مجموع".

ويقول عن "الطويل"، وهو مِن البحور التي يقَع فيها يقول[10]:
"ويجوز في أوَّل جزء منه" "الثلم"، وهو خرم الفاء منه فيبقى "عولن"، فينقل إلى مِثل وزنه وهو فعلن.

إلا أنَّني من خلال دَرْسي لكتابه "عروض الورقة" وجدتُ له صورًا استشهد بها، وقد ورد فيها خرم جزئه الأوَّل من الصدر والعجُز، من ذلك قول الشاعر[11]:
قُلْنَا لَهُمْ وَقَالُوا كُلٌّ لَهُ مَقَالُ

فالبيت - كما هو واضح - دخَله الخرم في أول العجُز، كما دخَله في أوَّل الصدر فجزؤه الأول (قلنال) دخَله الخرم بحذف أوَّل التفعيلة المتحرِّك، ودخله الكف بحذف النون، فصارتْ (مفاعيلن) إلى (فاعيل)، وحوِّلت إلى (مفعول) أمَّا جزؤه الأوَّل من العجُز، فهو (كل لن ل) فقدْ دخَله الخرم بحذْف أوَّل التفعيلة المتحرِّك، ودخله الكف أيضًا، فصارتْ (مفاعيلن) إلى (فاعيل) وحوِّلت إلى (مفعول).

رابعًا: ابن القطاع "علي بن جعفر 515هـ":
أمَّا ابن القطَّاع، فقد نظَر إلى القضية نظرةً فيها جُرأة مبنيَّة على ما عنده مِن شواهد من التراث العربي، فهو يرَى أنَّ الخرم يأتي في أوَّل الصدر، كما يأتي في أوَّل العجُز، يقول[12]: "وقد جاء عن العرَب الخرم في الجزء الأوَّل مِن النصف الأخير مِن البيت، وهو قليل، قال الأعشى:

فَمُوتُوا كِرَامًا بِأَسْيَافِكُمْ
فَالْمَوْتُ يَجْشَمُهُ مَنْ جَشِمْ


حيث جاء الجزء الأوَّل من العجُز (فالمو) على (فعلن) بحذْف أول فعولن (المتحرك).

كما أنَّه يرَى أيضًا أنَّ الخرم يأتي في غير الوتد المجموع، خلافًا للخليل والأخفش، فقد يأتي في ثواني الأسباب الثقيلة، وأوَّل الأسباب الخفيفة.

يقول[13]: "ذكَر الخليل أنَّ الخرم لا يكون إلا فيما أوله وتد مجموع، وهذا يختلُّ عليه؛ لأنَّه قد جاء في أشعار العرَب الفصحاء غير ذلك، وقد جاء في الكامل بعدَ الوقص، وهو ذَهاب الثاني المتحرِّك من "متفاعلن" في قول يَزيد الحميري شاهده:

هَامَةٌ تَدْعُو صَدًى بَيْنَ الْمُشَقَّرِ فَالْيَمَامَهْ


هامتن. تدعو صدا بينل مشق. قرفل يمامه


فاعلن. مستفعلن مستفعلن. متفاعلن


/ه//ه[14] /ه/ه//ه /ه/ه//ه. ///ه//ه/ه


ومعنى هذا بوضوحٍ أنَّ ابن القطاع يرَى الخرم يقَع في غير الوتد المجموع، بل يقَع في أوَّل الأسباب، وفي غير البُحور التي قرَّرها الخليل، بل في وسط التفعيلة.

والأكثر مِن هذا أنَّ ابن القطَّاع يُبيح وقوع الخرم في بحْر المنسرِح بحذف أوَّل السبب الخفيف الثاني مِن مستفعلن، وهو أيضًا ليس مِن البحور التي تبدأ بوتد مجموع كما قرَّر الخليل حسبما ذكرْنا سالفًا؛ يقول ابن القطاع[15]: "وجاء - الخرم - في المنسرح بعدَ الخبن، وهو ذَهاب الثاني الساكن، في قول الشمَّاخ بن عوف بن يعمر الكناني، شاهده:
قَاتِلِ الْقَوْمَ يَا خَزَاعِ وَلاَ يَدْخُلْكُمُ مِنْ قِتَالِهِمْ فَشَلُ

قاتلل. قوم ياخ. زاعولا يدخلكمو. من قتال. هم فششلو
[16] فاعلن. فاعلات. مفتعلن مستفعلن. فاعلاتُ. مفتعلن

ويقول في حسْم واضح:[17] "وهو جائزٌ على هذا، مستعمل في سائرِ أجناس الشِّعر بعدَ ذَهاب المانع لذلك".

إلا أنَّني أرى أنَّ ابن القطاع، مع هذا، لم يخرجْ عن إطار الخليل بن أحمد في أنَّ الخرم إنما يكون في الجزءِ الأوَّل من البيت.

خامسًا: جار الله الزمخشري (ت538هـ):
لقدْ ذَهَب الزمخشري في مذهب السكَّاكي وابن القطاع، حيث أجاز وقوعَ الخرم في أوَّل العجُز مع كثرة وقوعه في أوَّل الصدر، يقول:[18] "ولا يجوز الخرمُ - عند الأكثر - إلا في الصَّدْر، وقد جوزوا في الابتداء، كقوله:[19]
فَلَمَّا أَتَانِي وَالسَّمَاءُ تَبُلُّهُ قُلْتُ لَهُ: أَهْلاً وَسَهْلاً وَمَرْحَبَا

قلت = فعل بدلاً من فعولن وهو أول العجز.

بل إنَّ الزمخشريَّ يرَى أنَّ الخرم قد يقَع في أوَّل الصدر وأوَّل العجُز في بيت واحد يقول:[20] "وقد جمَع الآخَرُ الأمرين جميعًا في قوله:

لَكِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمَّا أَتَيْتُهُ
أَعْطَى عَطَاءً لاَ قَلِيلاً وَلاَ نَزِرَا


والبيت مِن الطويل، خرم أوله (لاكن = فعلن بدلاً من فعولن) وخرم أول عجُزه (أعطى - فعلن بدلاً من فعولن) أيضًا.

سادسًا: السكاكي، أبو يعقوب يوسف:
ويقول السكَّاكي في معرِض حديثه عن الزَّحافات والعِلل[21]، وها هنا نوعٌ مِن النُّقصان، يُسمَّى "الخرم"، ونوعٌ مِن الزيادة يُسمَّى (الخزم)، فالخرم إسقاط المتحرِّك الأوَّل من الوتد المجموع في الجزء الصَّدري لعُذر يتَّفق واضح، وربَّما وقع في الجزء الابتدائي[22]، وأنَّه عندي رذِل لا أورده في الاعتبار، فاعلم".

والسكَّاكي يسير في قوله هذا على نهْج الخليل والأخْفش، في أنَّه يرى أنَّ الخرم لا يكوم إلاَّ في الوتد المجموع من أوَّل الصدر إلا أنَّه زاد عليهما في أنَّه يجوز وقوعه في أوَّل العجُز، وإنْ كان يسترذل ذلك، أضِف إلى ذلك أنَّه اشترط لوقوع الخرم عمومًا أن يكونَ للشاعر عذرٌ واضح في الإتيان به.

وأرى أنَّ السكاكي يسيرُ على نهج ابن القطاع في إباحة وقوعِ الخرم في أول العجُز.

سابعًا: عبدالقادر بن عمر البَغدادي (1093هـ):
وإذا ما واصلنا البحْث والدِّراسة حولَ هذه الظاهرة عندَ بعض المتأخرين، فإنَّنا نراهم أكثرَ وضوحًا من سابقيهم، كما أنَّهم حسَموا الأمر حسمًا قاطعًا، من أولئك البغدادي صاحِب "حاشية على شرْح بانت سعاد لابن هشام"، حيث يقول عن الخرم[23]: "والخرم حذف أوَّل الوتد المجموع في أوَّل البيت وأينما وقَع، أولاً كان أم لا، ولا يجوز في أول المصراع منه ولا في السبب الثقيل على الصحيح فيها.

هكذا يقرِّر أنَّ الخرم يقع في أيِّ بيت من القصيدة سواء أكان في مِصراعها أم في أي بيت آخَر منها، وهذا رأي جديرٌ بالاحترام، ونحن معه فيه، والنماذج التي بين أيدينا تدلِّل على ذلك، إلا أنَّنا لا نقرُّه في عدم تجويز وقوعه في العجُز، وفي السبب الثقيل؛ لأنَّ الخرم ورَد فيهما كما سبق أن أشرْنا عند حديثنا عن ابن القطَّاع.

ويُحدِّثنا البغدادي عن سببِ وقوع الخرم فيقول[24]: "قال ابن رشيق في العمدة، إنَّما جاز الخرم في أشعار العرَب؛ لأنَّ أحدهم يتكلم بالكلام على أنَّه غير شِعر، ثم يرى فيه رأيًا، فيصرفه إلى الشِّعر في أي وجه شاء، ومِن هنا احتمل لهم وقَبُح على غيرهم".

وهذا الرأي رغم وجاهته إلا أنَّه يُوحي بأنَّ الشعراء ينظمون بطريقة عفوية دون تهيؤ ذِهني سابِق، ولو كان الأمر أنَّ الشاعر يتكلَّم بالكلام على أنَّه غير شِعر، ثم يصرِفه إلى الشِّعر، لاستطاع الشاعِر إدراك ذلك وصحَّحه، كما أنَّ هذا القول يتناقض مع ما قاله قبل ذلك مِن أنَّ الخرم يقَع في أيِّ بيت مِن القصيدة؛ أي: إنَّه يقَع بعدَ أن يصرف الشاعِر قوله إلى الشِّعر، بمعنى أنَّ الخرم أحيانًا يقَع وقبله شِعر وبعده شِعر، فأين الكلام؟ وأين الصَّرْف إلى الشعر؟ والبغدادي يرَى أنَّ الخرم عيب، يُعاب مرتكبه، ويرى أنَّ مستكره عندَ العرب، يقول[25]: والخرْم مستكرَه عندَ العرب، وإنما يقَع في الضرورة، ولم يجزه جماعة المولدين، وجوزَّه بعضهم بكراهة؛ ولهذا عاب بعضُ كتَّاب عبدالله بن طاهر ذلك على أبي تمَّام، وهو أوْلى الناس بطريقة العرَب حين قال:
"... هُنَّ عَوَادِي يُوسَفٍ وَصَوَاحِبُهْ... "



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]