الفرق بين الرجل والمرأة في الحَلْق والتَّقصير
د. محمود بن أحمد الدوسري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد: في هذا البحث مسألتان:
المسألة الأولى: التَّحلُّل بالحلق والتَّقصير للمُحْرم.
المسألة الثانية: التَّحلُّل بالتَّقصير للمُحْرمة.
المسألة الأولى: التَّحلُّل بالحَلْق والتَّقصير للمُحْرم:
لا خلاف بين أهل العلم أنَّ الرَّجل المُحْرِم مُخيَّر بين الحَلْق والتَّقصير في التَّحلُّل من الإحرام حجّاً كان أو عمرة، أيُّهما فَعَل أجزأه، لكن الحلق أفضل [1].
الأدلَّة:
1- ما جاء عنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَتَى مِنًى، فَأَتَى الجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ: «خُذْ». وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ [2]. وجه الدَّلالة: فيه مشروعيَّة الحَلْق للرَّجل، حيث فَعَلَه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في حَجَّته.
2- ما جاء عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: «حَلَقَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ»[3]. وجه الدَّلالة: فيه مشروعية التَّقصير للرَّجل؛ لأنَّ من الصَّحابة مَنْ فعله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
3- ما جاء عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَـمِ المُحَلِّقِينَ». قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «اللُّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ». قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَالمُقَصِّرينَ»[4].
المسألة الثانية: التَّحلُّل بالتَّقصير للمُحْرمة:
المرأة المحرمة تختلف عن الرَّجل المُحرم في التَّحلُّل من الإحرام، إذْ لا يشرع لها الحلق أبداً، ويجب عليها التَّقصير بالإجماع [5].
الدليل: ما تقدَّم من حديث ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهما، قال رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الحَلْقُ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ»[6]. وجه الدَّلالة: نفى الحلقَ عن النِّساء في التَّحلُّل من الإحرام، وأثبتَ لهنَّ التَّقصير، ممَّا يؤكِّد أنَّ المرأة لا يجوز لها الحلق. قال التِّرمذي رحمه الله: «والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون على المرأة حَلْقاً، ويرون أنَّ عليها التَّقصيرَ»[7].
وحَلْق المرأة رأسَها فيه مفاسد عدَّة، منها: أنَّه مُثْلة؛ لأنَّه حِلاق غير معتاد[8]، وفيه تشبُّه بالرِّجال، فضلاً عن كونه بدعة [9].
دليل الإجماع: حكى الإجماعَ غير واحدٍ من أهل العلم؛ كابن المنذر، والنَّووي، وابن حجر. أمَّا ابن المنذر رحمه الله فقد حكاه قائلاً: «أجمعوا: أن ليس على النِّساء حلق»[10]. وأمَّا النَّووي رحمه الله فقال: «أجمع العلماء: على أنَّه لا تُؤمر المرأة بالحلق، بل وظيفتها التَّقصير من شعر رأسها»[11]. وكذا ابن حجر رحمه الله في قوله: «وأمَّا النِّساء: فالمشروع في حقِّهنَّ التَّقصير بالإجماع»[12].
الخلاصة: أنَّ الرَّجل المُحْرم يُخيَّر بين الحلق والتَّقصير بالإجماع، والحلق أفضل، ويجب على المرأة التَّقصير دون الحلق بالإجماع.
[1] انظر: مختصر الطحاوي (ص63)؛ الفتاوى الهندية (1/ 231)؛ المنتقى، للباجي (3/ 29)؛ الكافي، لابن عبد البر (1/ 374)؛ الأم (2/ 215)؛ روضة الطالبين (3/ 101)؛ المغني (3/ 434)؛ شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 534).
[2] رواه مسلم، (2/ 947)، (ح1305).
[3] رواه البخاري، (1/ 510)، (ح1729)؛ ومسلم، (2/ 945)، (ح1301).
[4] رواه البخاري، (1/ 510)، (ح1727)؛ ومسلم، (2/ 945)، (ح1031).
[5] انظر: مختصر الطحاوي (ص64)؛ فتاوى قاضي خان (1/ 296)؛ المنتقى، للباجي (3/ 29)؛ الكافي، لابن عبد البر (1/ 375)؛ روضة الطالبين (3/ 101)؛ المجموع (8/ 210)؛ المغني (3/ 439)؛ الفروع (3/ 513).
[6] رواه أبو داود (2/ 203)، (ح1984). وحسَّنه ابن حجر في «التلخيص الحبير» (2/ 261)، (ح1058). وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/ 555)، (ح1985).
[7] سنن الترمذي (3/ 257).
[8] انظر: المنتقى، للباجي (3/ 29).
[9] انظر: المجموع (8/ 151).
[10] الإجماع (ص55).
[11] المصدر السابق (8/ 150).
[12] فتح الباري (10/ 375).