عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 02-06-2021, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

معنى البسملة


( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )


ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ ï´¾: الباء للاستعانة؛ أي: باسم الله أقرأ، أو أتوضأ، مستعينًا به، ومتيمِّنًا، ومتبركًا[1].

و"الاسم" مأخوذ من "الوَسم"، وهو العلامة؛ لأن الاسم علامة على من وُضِع له، وهذا اختيار الكوفيين وطائفة من النحويين.

وذهب البصريون وأكثر النحويين إلى أنه مأخوذ من "السمو"، وهو العلوُّ والارتفاع؛ لأن "الاسم" يسمو بالمسمى، فيرفعه عن غيره، وقيل: لأن الاسم علا بقوته على الفعل والحرف؛ لأنه الأصل.

وقول الكوفيين أظهر من حيث المعنى، وهو أن الاسم علامة على من وُضع له، لكن تصريف "اسم" وجمعه يقوِّي قول البصريين: إنه من السمو، وهو العلو والارتفاع؛ فهو يجمع على "أسماء" و"أسامي"، ويصغر على "سُمَيّ"، ولو كان من السمة، لكان أصله "وسم"، وجُمع على "أوسام"، وصغِّر على "وُسَيْم"؛ لأن الجمع والتصغير يرُدَّانِ الأشياءَ إلى أصولها[2].

ولا مانع أن يكون الاسم مأخوذًا من المعنيين معًا؛ لأن الاسم يُظهِر المسمى، فيكون فيه معنى العلو والارتفاع، ويميِّزه عن غيره فيكون فيه معنى العلامة.

و"اسم": اسم مفرد أضيف إلى لفظ الجلالة - كما تقدم - وهو معرفة، فاستفاد العموم، فيعُم جميع أسماء الله الحسنى، فالمعنى بكل اسم من أسماء الله[3].

و"الله": عَلَمٌ على "الربِّ" تبارك وتعالى خاصٌّ به سبحانه، ولا يجوز أن يسمى به غيره؛ قال تعالى: ï´؟ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ï´¾ [مريم: 65].

قال سيبويه: "وهو أعرَفُ المعارفِ".
وهو أصل أسمائه الحسنى، ودالٌّ عليها جميعًا، وعلى صفاته العليا[4].
وقال بعض أهل العلم: إنه الاسم الأعظم[5].

وتأتي أسماء الله تعالى تابعةً لهذا الاسم، وأوصافًا له، ومضافة إليه[6]؛ قال تعالى: ï´؟ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾ [الحشر: 22 - 24].

وقال تعالى: ï´؟ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ï´¾ [الأعراف: 180]، وقال تعالى: ï´؟ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [الإسراء: 110]، وقال تعالى: ï´؟ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [طه: 8].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة))[7].

ولهذا يقال: "الرحمن" و"الرحيم" و"الحكيم" من أسماء الله، ولا يقال: "الله" من أسماء "الرحمن"، أو من أسماء "الرحيم"، أو من أسماء "الحكيم".

وقد يأتي لفظ الجلالة "الله" تابعًا لغيره من الأسماء، كما في قوله تعالى: ï´؟ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ï´¾ [إبراهيم: 1، 2]، فلفظ الجلالة "الله" على قراءة الجر عطفُ بيان، تابعٌ للاسم الذي قبله.

واختُلِف هل لفظ الجلالة "الله" مرتجَلٌ أو مشتَقٌّ؟ فقيل: إنه مرتجل غير مشتق، والألف واللام لازمة له، لا لتعريفٍ، ولا لغيره، بدليل دخول حرف النداء عليه، وبدليل أنه لا يُثنَّى ولا يجمع، وهو اختيار الخليل وسيبويه والزجاج وأكثر الأصوليين والفقهاء.

والصحيح أنه مشتق من "أله" إذا عبد، فهو مصدر في موضع المفعول، من أَلَه الرجل يَأْلَه إلهة: إذا تعبَّدَ وتألَّهَ وتنسَّكَ[8]؛ قال تعالى: ï´؟ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ï´¾ [الأنعام: 3]، وقال تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ï´¾ [الزخرف: 84]، وقال تعالى: ï´؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ï´¾ [النمل: 60 -64].

قال رؤبة بن العجاج[9]:
للهِ دَرُّ الغَانياتِ المُدَّهِ *** سَبَّحْنَ واسترجَعْنَ مِن تأَلُّهِي

أي من تعبُّدي وطلبي لله بعملي[10].
وأصله "إله"؛ حُذفت منه الهمزة، وعُوِّض منها حرف التعريف[11].

ونظيره "الناس"، أصله "أناس"؛ قال الشاعر:
إن المنايا يطلع *** ن على الأُناس الآمنينا[12]


واختار سيبويه أن أصله "لاه"، فدخلت الألف واللام للتعظيم[13].

وأنشدوا قول ذي الإصبع العُدْواني[14]:
لاهِ ابنُ عمِّك لا أفضَلتَ في حسَبٍ *** عني ولا أنت ديَّاني فَتَخْزُوني


قال الزمخشري[15]: "الإله من أسماء الأجناس، اسم يقع على كل معبود بحقٍّ أو باطل، ثم غلب على المعبود بحقٍّ، أما "الله" بحذف الهمزة، فيختص بالمعبود بالحق، لم يُطلَقْ على غيره".

ومعنى "الله": المألوه المعبود محبةً وتعظيمًا؛ أي المألوه المعبود بحق، الذي تعبُده الخلائق وتتألَّهُ له محبة وتعظيمًا وخضوعًا له، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب[16]؛ لما له من صفات الألوهية، وهي صفات الكمال[17]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية[18]: "فإن الله سبحانه هو المستحق للعبادة لِذاتِه؛ لأنه المألوه المعبود الذي تألَهُه القلوب وترغب إليه، وتفزع إليه عند الشدائد".

وقال أيضًا[19]: "الله هو الإله المعبود، فهذا الاسم أحقُّ بالعبادة، يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه، وما خُلِق له، وما فيه صلاحه وكماله، وهو عبادة الله؛ ولهذا يقال: الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله".

والمراد: المألوه المعبود بحق؛ لأن غيره من المعبودات إلاهيتُها ليست حقًّا، بل هي باطلة؛ كما قال تعالى: ï´؟ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ï´¾ [الحج: 62].

ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾: اسمان من أسماء الله تعالى مشتقَّان من الرحمة.
عن عبدالرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله: أنا الرحمن، وهي الرحم، شققتُ لها اسمًا من اسمي، من وصَلَها وصَلتُه، ومن قطَعَها قطَعتُه))[20]، ف"الرحمن" و"الرحيم" مشتقان من الرحمة، و"الرحم" مشتقة من اسمه تعالى "الرحمن".

و"الرحمن" على وزن "فعلان"، و"الرحيم" على وزن "فعيل"، كل منهما صفة مشبَّهة، ومن صيغ المبالغة، لكن "فعلان" أبلَغُ من "فعيل"؛ لأن صيغة "فعلان" تدل على الامتلاء، يقال: رجل غضبان؛ أي: ممتلئ غضبًا؛ ولهذا قُدِّم "الرحمن" على "الرحيم".

وكل منهما دالٌّ على إثبات صفة الرحمة الواسعة العظيمة لله تعالى، كما قال تعالى: ï´؟ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ï´¾ [الأنعام: 147]، وقال تعالى: ï´؟ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ï´¾ [الأعراف: 156]، وقال تعالى: ï´؟ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ï´¾ [الأنعام: 12]، وقال تعالى: ï´؟ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ[21] كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ï´¾ [الروم: 50].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمْسَكَ عنده تسعة وتسعين، وأنزَلَ في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرَها عن ولدها؛ خشية أن تصيبه))[22].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما قضى الله الخلق، كتَبَ في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي))[23].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طَمِع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قَنَطَ من جنته أحد"[24].

وإذا اجتمع "الرحمن" مع "الرحيم" في مثل البسملة، والفاتحة، وقوله تعالى: ï´؟ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ï´¾ [البقرة: 163]، وقوله تعالى: ï´؟ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [فصلت: 2]، وقوله تعالى: ï´؟ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ï´¾ [الحشر: 22]:
دلَّ "الرحمن" على إثبات صفة الرحمة الذاتية القائمة به سبحانه، كما قال تعالى: ï´؟ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ï´¾ [الأنعام: 133]، وقال تعالى: ï´؟ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ï´¾ [الكهف: 58]، وقال تعالى: ï´؟ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ï´¾ [الأنعام: 147].

ودلَّ "الرحيم" على إثبات صفة الرحمة الفعلية لله عز وجل المتعلقة بالمرحوم؛ فهو تعالى فاعل الرحمة وموصِّلُها إلى من شاء من خلقه؛ رحمة عامة بجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ï´؟ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ï´¾ [العنكبوت: 21]، وقال تعالى: ï´؟ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ï´¾ [الإسراء: 54]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [البقرة: 143، والحج: 65].

قال ابن القيم[25] بعدما ذكر قول السهيلي: "وفائدة الجمع بين الصفتين "الرحمن" و"الرحيم" الإنباءُ عن رحمة عاجلة وآجلة، وخاصة وعامة..."، قال: وهو أن "الرحمن" دال على الصفة القائمة به سبحانه، و"الرحيم" دال على تعلُّقِها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفتُه، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمَّل قوله: ï´؟ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 43] ï´؟ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التوبة: 117]، ولم يجئ قط "رحمن بهم"، فعُلِم أن "الرحمن" هو الموصوف بالرحمة، و"رحيم" هو الراحم برحمته..." اه.

أما إذا جاء كل منهما منفردًا عن الآخر، كما في قوله تعالى: ï´؟ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [الإسراء: 110]، وكما في قوله تعالى: ï´؟ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 43]، فإن كلًّا منهما - بمفرده - يدل على إثبات صفة الرحمة لله تعالى، باعتبارها صفة ذاتية لله، وباعتبارها صفة فعلية له عز وجل.

وكما أن الرحمة صفة ثابتة لله عز وجل ذاتية وفعلية، فهي أيضًا تُطلَق على آثار هذه الرحمة، كما قال تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ï´¾ [الشورى: 28]، وقال تعالى في الحديث القدسي للجنة: ((أنتِ رحمتي، أرحم بك مَن أشاء))[26].

والفرق بين "الرحمن" و"الرحيم" من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن بينهما عمومًا وخصوصًا من حيث اللفظ؛ ف"الرحمن" اسم خاص بالله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره بالإجماع[27]، كاسم "الله"، و"الرزاق".

قال ابن القيم[28]: "ولما كان هذا الاسم مختصًّا به تعالى، حسُن مجيئه مفردًا غير تابع كمجيء اسم الله كذلك"؛ يعني في نحو قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ï´¾ [الرحمن: 1، 2]، وقوله: ï´؟ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ï´¾ [طه: 5]، وقوله: ï´؟ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ï´¾ [الملك: 20]، وغير ذلك.

بل يُعَدُّ "الرحمن" ثاني اسم من أسماء الله تعالى؛ لقوله تعالى: ï´؟ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [الإسراء: 110]، وقوله تعالى: ï´؟ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ï´¾ [الزخرف: 45].

ولهذا لمَّا تسمى مُسَيْلِمةُ بذلك تعنُّتًا وكفرًا، أذَلَّه الله تعالى.

قال ابن كثير[29]: "ولما تَجَهْرَمَ مُسيلِمةُ الكذَّابُ، وتسمَّى برحمن اليمامة، كساه الله جلباب الكذب، وشَهَّرَ به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، فصار يُضرَبُ به المَثَلُ في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب".

و"الرحيم" اسم عام يجوز أن يوصف به غير الله؛ كاسم "الرؤوف"، و"السميع"، و"البصير"، قال تعالى عن نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: ï´؟ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التوبة: 128]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ï´¾ [الإنسان: 2].

الوجه الثاني: أن بينهما عمومًا وخصوصًا من حيث المعنى[30]، ف"الرحمن" رحمة عامة لجميع الخلق؛ مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، في الدنيا والآخرة.

فرحمته للمؤمنين في الدنيا هدايتُهم للحق وإلى الطريق المستقيم، إلى غير ذلك من نعم الله عليهم، مما هو دون ذلك، ورحمتُه لهم في الآخرة إدخالُهم جناتِ النعيم، ووقايتهم عذاب الجحيم.

ورحمته للكافرين والبهائم في الدنيا، ما يتمتَّعون به من نعم الله، من الصحة والمآكل والمشارب ونحوها، ورحمته لهم في الآخرة العدلُ في حسابهم، كما قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ï´¾ [الأنعام: 164، الإسراء: 15، فاطر: 18، الزمر: 7]، وقال تعالى: ï´؟ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ï´¾ [الطور: 21]، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَتُؤَدَّنَّ الحقوقُ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقادَ للشاة الجَلْحاءِ من الشاة القَرْناءِ))[31].

قال ابن كثير[32] - بعد أن ذكر القول بأن "الرحمن" لجميع الخلق، و"الرحيم" بالمؤمنين - قال: "ولهذا قال: ï´؟ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ï´¾ [الفرقان: 59]، وقال: ï´؟ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ï´¾ [طه: 5]"، قال ابن كثير: "فذكر الاستواء باسمه الرحمن؛ ليعم جميع خلقه برحمته".

وقال الشنقيطي[33] - بعد أن ذكر كلام ابن كثير السابق - قال: "ومثله قوله تعالى: ï´؟ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ï´¾ [الملك: 19]، قال: أي: ومن رحمانيته لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافَّاتٍ وقابضات في جو السماء، ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ï´¾ [الرحمن: 1، 2] إلى قوله: ï´؟ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ï´¾ [الرحمن:1 -13]".

و"الرحيم" رحمة خاصة بالمؤمنين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ï´؟ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 43][34]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التوبة: 117].

وهذا إنما يصح في حال اجتماع "الرحمن" و"الرحيم"، فيؤخذ من "الرحمن" الرحمةُ العامة، ومن "الرحيم" الرحمةُ الخاصة، أما في حال انفراد أحدهما عن الآخر، فيؤخذ من كل منهما إثباتُ الرحمة العامة والخاصة، ودليل العموم من "الرحيم" قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [البقرة:143، الحج:65][35].

الوجه الثالث: أن "الرحمن" أبلغ من "الرحيم"[36]؛ ولهذا، ولكونه - أي: "الرحمنِ" - أخَصَّ من "الرحيم"؛ قُدِّم عليه في البسملة والفاتحة، وقُدِّم عليهما لفظ الجلالة؛ لأنه أخص منهما وأعرَفُ، وهما وغيرهما من أسمائه تعالى تبعٌ للفظ الجلالة "الله".

قال ابن كثير[37]: "بدأ باسم الله، ووصَفَه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم؛ لأن التسمية أولًا إنما تكون بأشرف الأسماء؛ فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص".

وقد كان اسم "الرحمن" معروفًا - والله أعلم - عند العرب قبل الإسلام، وقد ورد ذلك في أشعارهم.

كقول سلامة الجعدي[38]:
عَجِلْتُم علينا عَجْلَتَيْنا عليكمُ *** وما يَشَأِ الرحمنُ يَعْقِدْ ويُطْلِقِ


وقول الآخر:
ألا ضرَبتْ تلك الفتاةُ هَجِينَها *** ألا قَضَبَ الرحمنُ ربي يَمينَها[39]


أما قوله تعالى عن المشركين: ï´؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ï´¾ [الفرقان: 60].

وكذا قولهم في صُلح الحُدَيْبِيَةِ لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: ((اكتب بسم الله الرحمن الرحيم)) قالوا: "ما ندري ما الرحمن، اكتب باسمِك اللهم"[40].

فذلك منهم محمول - والله أعلم - على الجحود والعناد، والتعنُّت في الكفر، كما قال كثير من المفسرين[41].

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن»


[1] انظر: "البحر المحيط" (1/ 14)، "تفسير ابن كثير" (1/ 39)، "أنوار التنزيل" (1/ 6)، "شرح البسملة" لأبي زكريا الأنصاري (1/ أ)، "شرح البسملة والحمدلة" لأحمد بن عبدالحق (6/ أ)، "رسالة إسماعيل بن غنيم الجوهري في البسملة" (6/ أ)، "رسالة الصبان الكبرى في البسملة" (8/ ب).

[2] انظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي (1/ 66)، "الكشاف" (1/ 5)، "المحرر الوجيز" (1/ 55)، "التفسير الكبير" (1/ 108)، "الدر المصون" (1/ 19 -21)، "أنوار التنزيل" (1/ 6).

[3] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 40).

[4] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 56).

[5] انظر: "التفسير الكبير" (1/ 115)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 102)، "تفسير ابن كثير" (1/ 40). وانظر الأحاديث الواردة في الاسم الأعظم ضمن الفائدة الخامسة والثلاثين من سورة الفاتحة.

[6] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 56).

[7] أخرجه البخاري - في الدعوات - باب لله مائة اسم غير واحد (6410)، ومسلم - في الذكر - باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها (2677).

[8] انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص(25).

[9] "جامع البيان" (1/ 123)، "معالم التنزيل" (1/ 38)، "المحرر الوجيز" (1/ 57)، "لسان العرب" مادة "أله"، "لباب التأويل" (1/ 13)، "بدائع الفوائد" (1/ 22 -23)، "تفسير ابن كثير" (1/ 40).

[10] انظر: "ديوانه" ص(165).

[11] انظر: "اشتقاق أسماء الله الحسنى" للزجاجي ص(26 -42)، "الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس (2/ 433)، "الكشاف" (1/ 6)، "الدر المصون" (1/ 23 -29).

[12] البيت لذي جرن الحميري، انظر: "اشتقاق أسماء الله الحسنى" ص (32)، وانظر: "الكشاف" (1/ 6).

[13] انظر: "الكتاب" (2/ 195، 3/ 498).

[14] انظر: "اشتقاق أسماء الله الحسنى" ص(34)، "المفضليات" (160)، "مجالس العلماء" (71).

[15] في "الكشاف" (1/ 6).

[16] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 56).

[17] انظر: "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 33).

[18] انظر: "مجموع الفتاوى" (1/ 88).

[19] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 12).

[20] أخرجه أبو داود - في الزكاة - باب صلة الرحم (1694)، والترمذي في البر والصلة - ما جاء في قطيعة الرحم (1907)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد (1/ 191)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"، وأخرجه أحمد (2/ 498) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[21] قد يكون المراد بالرحمة في الآية الرحمةَ التي هي صفة ذاتية من صفات الله تعالى غير مخلوقة، وقد يراد بها الرحمة التي هي المطر، فهذه رحمة مخلوقة، هي من آثار رحمة الله التي هي من صفاته، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((تحاجَّتِ الجنة والنار...))، وفيه قوله تعالى للجنة: ((أنتِ رحمتي، أرحَمُ بك من أشاء من عبادي... الحديث))؛ أخرجه البخاري - في التفسير (4850)، ومسلم - في الجنة ونعيمها وأهلها (2846)، فالجنة من الرحمة المخلوقة.

[22] أخرجه البخاري - في الأدب - باب جعل الله الرحمة في مائة جزء (6000)، ومسلم - في التوبة - باب سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه (2752). وأخرجه أيضًا من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه (2753).

[23] أخرجه البخاري - في بدء الخلق - ما جاء في قوله تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ï´¾ [الروم: 27] (3194)، ومسلم - في التوبة - سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه (2751).

[24] أخرجه مسلم في الباب السابق (2755).

[25] في "بدائع الفوائد" (1/ 24).

[26] أخرجه البخاري في التفسير (4580)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2846)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[27] انظر: "جامع البيان" (1/ 134)، "معالم التنزيل" (1/ 38)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 105 -106).

[28] انظر: "بدائع الفوائد" (1/ 23 -24).

[29] في "تفسيره": (1/ 43).

[30] انظر: "جامع البيان" (1/ 127 -129)، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص(28)، "مقاييس اللغة" مادة "رحم".

[31] أخرج مسلم - في البر والصلة والأدب - باب تحريم الظلم (2582).

[32] في "تفسيره" (1/ 43).

[33] في "أضواء البيان" (1/ 40).

[34] انظر: "زاد المسير" (1/ 9)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 105)، "أنوار التنزيل" (1/ 7)، "تفسير ابن كثير" (1/ 43).

[35] انظر: "تيسير العزيز الحميد" ص(31).

[36] انظر: "جامع البيان" (1/ 133)، "الكشاف" (1/ 6).

[37] في "تفسيره" (1/ 43).

[38] انظر: "ديوانه" ص(19).

[39] انظر: "جامع البيان" (1/ 131)، "تفسير ابن كثير" (1/ 44).

[40] أخرجه من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم - مطولًا -: البخاري في الشروط - باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2731 - 2732).

[41] انظر: "جامع البيان" (1/ 131)، "الكشاف" (1/ 6)، "تفسير ابن كثير" (1/ 44).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]