عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14-10-2021, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الاكتفاء الذاتي للشخص

الاكتفاء الذاتي للشخص


كيندة حامد التركاوي








من أولويات أهداف التربية الاقتصادية الإسلامية العمل؛ لكونه المورد الاقتصادي الأساسي للحياة، لذلك كان لابد من تعويد الأطفال على العمل منذ الصغر، ربما بهذا الرأي سأجد انتقاضات كثيرة من دعاة حقوق الطفل، فأنا لا أشير إلى ممارسة الأعمال الشاقة ولكن فعلاً هنالك مجموعة من الأعمال يمكن أن يمارسها الأبناء وبسهولة وتحت إشراف المربين أنفسهم وهذه بعض الاقتراحات:
تقسيم أعمال البيت بينهم، وتحديد المسؤوليات فيه، وتعويدهم على المشاركة في أعماله، والمساهمة في القيام بشؤونه، ومن عجز عن تقديم العون لغيره، فلا أقل من أن يقوم بشأن نفسه من ترتيب وتنظيف حتى لا يكون كَّلا على غيره معتمداً على سواه.


مشاركة الأطفال الصغار بإعداد المائدة مع والدتهم، بحمل أشياء خيفة وغير خطرة، كالخبز مثلاً مع التنبيه إلى حمل الخبز بشكل جيد لأنه نعمة يجب أن نكرمها. والأولاد الأكبر سناً يمكنهم حمل الأطباق الفارغة، أو الطعام الغير الحار، مع شكرهم والثناء على مشاركتهم.



تعليم الأبناء فنون البيع والشراء وضوابطه وطرائقه، وإكسابهم الثقة في أنفسهم منذ الصغر، من خلال اصطحاب الأب لابنه معه إلى التسوق أولاً، ثم إرساله إلى شراء شيء بسيط بمفرده، والثناء عليه أمام أخوته إذا كانت السلعة التي اشتراها جيدة، ولومه إذا كانت السلعة غير جيدة؛ حتى لا يُغش في المرة القادمة.


تعليم البنت الكثير من الأعمال المنزلية، بما فيها بعض المهارات اليدوية، كالتطريز، والخياطة، وأعمال الصنارة والصوف، ولا نقول أن هذه الأعمال هوايات أكل عليها الزمن وشرب، بالطبع لا، فكم من امرأة جعلت من هذه الهوايات عملاً لها، يعود بالنفع عليها وعلى أسرتها، وقد انتشرت الورش والمشاغل الصغيرة التي تديرها المرأة في منزلها دون أن تضطر لترك أولادها.


ممارسة الأطفال الذكور ممن هم في سن العاشرة فما فوق لبعض الأعمال الآمنة تحت إشراف الأب، أو من خلال دورات وأندية صيفية، فكثير من المهن اليدوية الرائعة تكاد تنقرض، كمهنة التنجيد، والحفر على الخشب.


وعلى الوالدين أنْ يضعوا للأطفال برنامجاً يوضّحون لهم المحبوب والمذموم من الأعمال، لكي نزرع في قلوبهم حبّ الأعمال الصالحة وبغض الأعمال غير الصالحة.


تقوية الضمير في نفس الطفل في هذهِ المرحلة حتى يكون صماماً له في المستقبل، فنزرع في قلبه الخوف من ارتكاب العمل غير الصالح، والشوق إلى العمل الصالح، بدلاً من الخوف من العقوبة أو الشوق إلى المدح والإطراء، وعلى الوالدين أن يجعلوا المدح أو التأنيب خالصاً من أجل تربية الأطفال، وأن لا يعكسوا أوضاعهم النفسية في التربية، كمن يواجه مشكلة فيصّب غضبه على الطفل دون أي مبرّر.


تعويد الأبناء على أن يكون لهم مشروعين، مشروع على المدى القريب، كمساهمته بجزء من مصروفه اليومي في شراء حاجة من حوائج البيت. ويجب أن تكون هذه الحاجة لجميع أفراد الأسرة. أما المشروع الثاني فيكون على المدى البعيد، بحيث يترك للطفل التفكير بمشروع ينتفع منه أفراد الأسرة جميعاً، وبذلك ننمي بداخله روح الأثرة والمحبة والإبداع والتخطيط.


تعويد الأبناء على المشاركة بالأعمال الخيرية، من خلال التبرعات لصندوق المسجد في صلاة الجمعة، أو إعطاء زكاة الفطر والصدقات بنفسه للفقراء.


2- التعامل بالطيبات:
يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على منهج إيماني أخلاقي مبعثه تحقيق رضا الله تعالى، وعبادته والإيمان بأن العمل (ومنه المعاملات الاقتصادية) عبادة، وأساس ذلك قول الله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114].


وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: طَلَبُ الْحَلالِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ [15].
طلب كسب الحلال، فريضة بعد الفريضة، أي بعد المكتوبات الخمس، عند أهل الشرع أو المراد فريضته متعاقبة يتلو بعضها لبعض أي لا غاية لها ولا نهاية؛ لأن طلب كسب الحلال أصل الورع وأساس التقوى. وطلب الحلال بمنزلة الجهاد في حصول الثواب عليه؛ لأنه جاهد نفسه في تحري الحلال مع عزته وترك الحرام مع كثرته، ومكابدة دقيق النظر في التخلي عن الشبهات، والكف عن كثير من المباح بالورع خوفاً من الجناح وهو الجهاد الأكبر [16].


كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أن مِنَ الذُنُوبِ ذُنوبَاً لَا يُكَفِرها إِلاَّ الهَمُ فِي طَلبِ المَعِيشَة [17].


فالتعامل بالطيبات أصل ثابت من أصول التربية الاقتصادية الإسلامية؛ لأنه أمر إلهي، وتوجيه نبوي كريم. ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157].


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ [18]. وقال بعض العلماء: كل ما أحل الله تعالى، فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه، فهو خبيث ضار في البدن والدين [19]. فالقليل من الإنفاق مع النية الصالحة يكون كثيراً. ورغم أن التربية الإسلامية عموماً والتربية الإسلامية خصوصاً تتصف بالمرونة، ولكن مع هذه المرونة فهي تتصف بالصرامة التي تُبقي على طابعها وتعطيها النمط الإسلامي وتتمثل بالتزامات اقتصادية متعددة، تستند إلى موقف الفرد من ذوي القربى، وتحّرم تكديس الأموال، والكسب الغير المشروع مثل الربا والقمار، وتجارة الخمور. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا [20].


لذا يحرص المسلمون على ألا يأكلون إلا الحلال، ولا يتعاملوا إلا بالحلال، ولا يطعموا أهلهم إلا الحلال، فيبتعدوا عن الغش والتزييف والسرقة والاحتيال و...، فالتعامل بالطيبات يكون باختيار العمل الصالح، الذي يُكسب المال الحلال، وهذا المال بدوره يُصرف في الإنفاق المباح للطيبات من الطعام والشراب، وللتبرعات والصدقات، وللادخار للمخبآت من نوائب الزمان. لذا يجب على الآباء ألا يعملوا إلاّ عملاً طيباً، ولا يشتروا إلا الطيبات، ويعلّموا الأولاد أن هذا طيب وهذا خبيث، وللزوجة الدور الكبير في هذا الأمر، فهي عون لزوجها على كسب الحلال بقناعتها بما قُسم لها، وتربية أبنائها على القناعة، فالزوجات الأُوّل كن يقلن لأزواجهن: لا تطعمنا إلا حلالاً.


[1] الرماني، زيد، معالم التربية الاقتصادية، 40.

[2] سبق تخريجه، ص 74.

[3] النووي، شرح النووي على مسلم، 14، حديث (2804)، 59.

[4] محمود، علي عبد الحليم، التربية الاقتصادية الإسلامية، 58.

[5] الطبراني، المعجم الأوسط، 2، حديث (1828)، 230.

[6] عاقل، فاخر، معالم التربية، 37.

[7] الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، 4، حديث (6460)، 175.

[8] الجندي، عبد الحليم، أحمدبن حنبل، القاهرة، دار المعرفة، ط2، د.ت، 145.

[9] المصري، رفيق يونس، أصول الاقتصاد الإسلامي، 89.

[10] سعد بن مالك: بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد الخدري. مشهور بكنيته استصغر بأحد، واستشهد أبوه بها وغزا هو ما بعدها. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الكثير. وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم. روى عنه من الصحابة: ابن عباس وابن عمر وجابر. ومن كبار التابعين: ابن المسيب. وهو مكثر من الحديث، وكان من أفقه أحداث الصحابة، وكان من أفاضل الصحابة. قال الواقدي: مات سنة أربع وسبعين. وقيل أربع وستين. وقال العسكري: مات سنة خمس وستين. يُنظر: الإصابة في معرفة الصحابة، 1، 433.

[11] ابن حنبل، المسند، 3، حديث (11908)، 93.

[12] البخاري، الجامع الصحيح المختصر، كتاب الزكاة (30)، باب الاستعفاف عن المسألة (49)، 2، حديث (1402)، 535.

[13] الرماني، زيد، معالم التربية الاقتصادية، 38.

[14] عاقل، فاخر، معالم التربية دراسات في التربية العامة والتربية العربية، بيروت، دار العلم، ط1، 1383هـ/ 1964م، 115.

[15] الطبراني، المعجم الكبير، 10، حديث ( 9993)، 74.

[16] المناوي، فيض القدير، 4، 270.

[17] الهيثمي، مجمع الزوائد، 2، حديث (3735)، 344.

[18] مسلم، الجامع الصحيح، كتاب الزكاة (13)، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (20)، 3، حديث ( 2389)، 85.

[19] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 3، 488.

[20] ابن حنبل، المسند، 3، حديث ( 14481)، 321.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]