عرض مشاركة واحدة
  #48  
قديم 21-08-2021, 11:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,423
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (43)

سورة النساء (16)



وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أمشى وعالا


يعني : وإن كثرت ماشيته وعياله ، وقرأ الآية طلحة بن مصرف ألا تعيلوا وبضم التاء من أعال إذا كثر عياله على اللغة المشهورة .
قوله تعالى : وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ذكر في هذه الآية الكريمة أن الزوجين إن افترقا أغنى الله كل واحد منهما من سعته وفضله الواسع ، وربط بين الأمرين بأن جعل أحدهما شرطا والآخر جزاء .

وقد ذكر أيضا أن النكاح سبب للغنى ، بقوله : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله [ 24 \ 32 ] .
قوله تعالى : إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين الآية ، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه إن شاء أذهب الناس الموجودين وقت نزولها ، وأتى بغيرهم بدلا منهم ، وأقام الدليل على ذلك في موضع آخر ، وذلك الدليل هو أنه أذهب من كان قبلهم وجاء بهم بدلا منهم ، وهو قوله تعالى : إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين [ 6 \ 133 ] .

وذكر في موضع آخر أنهم إن تولوا أبدل غيرهم وأن أولئك المبدلين لا يكونون مثل المبدل منهم بل يكونون خيرا منهم ، وهو قوله تعالى : وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [ 47 \ 38 ] .

وذكر في موضع آخر أن ذلك هين عليه غير صعب ، وهو قوله تعالى : إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز [ 14 \ 19 ، 20 ] ، أي : ليس بممتنع ولا صعب .
قوله تعالى : أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ، ذكر في هذه الآية الكريمة أن جميع العزة له جل وعلا .

[ ص: 319 ] وبين في موضع آخر أن العزة التي هي له وحده أعز بها رسوله ، والمؤمنين ، وهو قوله تعالى : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [ 63 \ 8 ] ، أي : وذلك بإعزاز الله لهم والعزة الغلبة ، ومنه قوله تعالى : وعزني في الخطاب [ 38 \ 23 ] ، أي : غلبني في الخصام ، ومن كلام العرب من عز بز يعنون من غلب استلب ، ومنه قول الخنساء : [ المتقارب ]
كأن لم يكونوا حمى يختشى إذ الناس إذ ذاك من عز بزا


قوله تعالى : وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ، هذا المنزل الذي أحال عليه هنا هو المذكور في سورة " الأنعام " ، في قوله تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره [ 6 \ 68 ] ، وقوله هنا : فلا تقعدوا معهم ، لم يبين فيه حكم ما إذا نسوا النهي حتى قعدوا معهم ، ولكنه بينه في " الأنعام " بقوله : وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين [ 6 \ 68 ] .
قوله تعالى : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ، في معنى هذه الآية أوجه للعلماء :

منها : أن المعنى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين يوم القيامة سبيلا ، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب ، وابن عباس رضي الله عنهم ويشهد له قوله في أول الآية : فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين الآية [ 4 \ 141 ] ، وهو ظاهر . قال ابن عطية : وبه قال جميع أهل التأويل ، كما نقله عنه القرطبي ، وضعفه ابن العربي زاعما أن آخر الآية غير مردود إلى أولها .

ومنها : أن المراد بأنه لا يجعل لهم على المؤمنين سبيلا ، يمحو به دولة المسلمين ويستأصلهم ويستبيح بيضتهم ، كما ثبت في " صحيح مسلم " وغيره عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث ثوبان ، أنه قال : " وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ، فيستبيح بيضتهم ، وإن الله قد أعطاني لأمتي ذلك حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا " ، ويدل لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا الآية [ 40 \ 51 ] ، وقوله : وكان حقا علينا نصر المؤمنين [ 30 \ 47 ] ، [ ص: 320 ] وقوله : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا [ 24 \ 55 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

ومنها : أن المعنى أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلا إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ، ويتقاعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو عليهم من قبلهم ، كما قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم [ 42 \ 30 ] .

قال ابن العربي : وهذا نفيس جدا وهو راجع في المعنى إلى الأول ; لأنهم منصورون لو أطاعوا ، والبلية جاءتهم من قبل أنفسهم في الأمرين .

ومنها : أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلا شرعا ، فإن وجد فهو بخلاف الشرع .

ومنها : أن المراد بالسبيل الحجة ، أي : ولن يجعل لهم عليهم حجة ، ويبينه قوله تعالى : ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا [ 25 \ 33 ] ، وأخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة منع دوام ملك الكافر للعبد المسلم ، والعلم عند الله تعالى .

قوله تعالى : وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ، بين في هذه الآية الكريمة صفة صلاة المنافقين بأنهم يقومون إليها في كسل ورياء ، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلا ، ونظيرها في ذمهم على التهاون بالصلاة ، قوله تعالى : ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى الآية [ 9 \ 54 ] ، وقوله : فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الآية [ 107 \ 4 ] ، ويفهم من مفهوم مخالفة هذه الآيات أن صلاة المؤمنين المخلصين ليست كذلك ، وهذا المفهوم صرح به تعالى في آيات كثيرة بقوله : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون [ 23 \ 1 ، 2 ] ، وقوله : والذين هم على صلواتهم يحافظون [ 23 \ 9 ] ، وقوله : يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة الآية [ 24 \ 37 \ 36 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .



قوله تعالى : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار الآية ، ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين في أسفل طبقات النار ، عياذا بالله تعالى .

[ ص: 321 ] وذكر في موضع آخر أن آل فرعون يوم القيامة يؤمر بإدخالهم أشد العذاب ، وهو قوله : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ 40 \ 46 ] .

وذكر في موضع آخر أنه يعذب من كفر من أصحاب المائدة عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، وهو قوله تعالى : قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وذكر في موضع آخر أنه يعذب من كفر من أصحاب المائدة عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، وهو قوله تعالى : قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين

[ 5 \ 115 ] ، فهذه الآيات تبين أن أشد أهل النار عذابا المنافقون وآل فرعون ومن كفر من أصحاب المائدة ، كما قاله ابن عمر رضي الله عنهما والدرك بفتح الراء وإسكانها ، لغتان معروفتان وقراءتان سبعيتان .
قوله تعالى : ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك الآية ، لم يبين هنا سبب عفوه عنهم ذنب اتخاذ العجل إلها ، ولكنه بينه في سورة " البقرة " بقوله : فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم [ 2 \ 54 ] .
قوله تعالى : وقلنا لهم لا تعدوا في السبت الآية ، لم يبين هنا هل امتثلوا هذا الأمر ، فتركوا العدوان في السبت أو لا ، ولكنه بين في مواضع أخر أنهم لم يمتثلوا وأنهم اعتدوا في السبت ، كقوله تعالى : ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت الآية [ 2 \ 65 ] ، وقوله : واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت الآية [ 7 \ 163 ] .
قوله تعالى : وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ، لم يبين هنا هذا البهتان العظيم الذي قالوه على الصديقة مريم العذراء ، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أنه رميهم لها بالفاحشة ، وأنها جاءت بولد لغير رشدة في زعمهم الباطل لعنهم الله وذلك في قوله : فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا [ 19 \ 27 ] ، يعنون ارتكاب الفاحشة ، ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا [ 19 \ 28 ] ، أي : زانية ، فكيف تفجرين ووالداك ليسا كذلك ، وفي القصة أنهم رموها بيوسف النجار وكان من الصالحين ، والبهتان أشد الكذب الذي يتعجب منه .
قوله تعالى : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم الآية ، لم يبين هنا ما هذه الطيبات التي حرمها عليهم بسبب ظلمهم ، ولكنه بينها في سورة " الأنعام " [ ص: 322 ] بقوله : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون [ 6 \ 146 ] .
قوله تعالى : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل الآية ، لم يبين هنا ما هذه الحجة التي كانت تكون للناس عليه لو عذبهم دون إنذارهم على ألسنة الرسل ، ولكنه بينها في سورة " طه " بقوله : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى [ 20 \ 134 ] ، وأشار لها في سورة " القصص " بقوله : ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين [ 28 \ 47 ] .
قوله تعالى : يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ، هذا الغلو الذي نهوا عنه هو وقول غير الحق هو قول بعضهم : إن عيسى ابن الله ، وقول بعضهم : هو الله ، وقول بعضهم : هو إله مع الله سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوا كبيرا ، كما بينه قوله تعالى : وقالت النصارى المسيح ابن الله [ 9 \ 30 ] ، وقوله : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم [ 5 \ 17 ] ، وقوله : لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة [ 5 \ 73 ] ، وأشار هنا إلى إبطال هذه المفتريات بقوله : إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم الآية [ 4 \ 171 ] ، وقوله : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله الآية [ 4 \ 172 ] ، وقوله : ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام [ 5 \ 75 ] ، وقوله : قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا [ 5 \ 17 ] .

وقال بعض العلماء : يدخل في الغلو وغير الحق المنهي عنه في هذه الآية ما قالوا من البهتان على مريم أيضا ، واعتمده القرطبي وعليه فيكون الغلو المنهي عنه شاملا للتفريط والإفراط .

وقد قرر العلماء أن الحق واسطة بين التفريط والإفراط ، وهو معنى قول مطرف بن عبد الله : الحسنة بين سيئتين وبه تعلم أن من جانب التفريط والإفراط فقد اهتدى ، [ ص: 323 ] ولقد أجاد من قال : [ الطويل ]


ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم

وقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ، وقولوا عبد الله ورسوله " .
قوله تعالى : وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، ليست لفظة " من " في هذه الآية للتبعيض ، كما يزعمه النصارى افتراء على الله ، ولكن " من " هنا لابتداء الغاية ، يعني : أن مبدأ ذلك الروح الذي ولد به عيسى حيا من الله تعالى ; لأنه هو الذي أحياه به ، ويدل على أن من هنا لابتداء الغاية .

قوله تعالى : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه [ 45 \ 13 ] ، أي : كائنا مبدأ ذلك كله منه جل وعلا ويدل لما ذكرنا ما روي عن أبي بن كعب ، أنه قال : " خلق الله أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق ، ثم ردها إلى صلب آدم ، وأمسك عنده روح عيسى عليه الصلاة والسلام " ; فلما أراد خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم ، فكان منه عيسى عليه السلام ، وهذه الإضافة للتفضيل ; لأن جميع الأرواح من خلقه جل وعلا ، كقوله : وطهر بيتي للطائفين [ 22 \ 26 ] ، وقوله : ناقة الله الآية [ 91 \ 13 ] . وقيل : قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحا ويضاف إلى الله ، فيقال : هذا روح من الله ، أي : من خلقه ، وكان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، فاستحق هذا الاسم ، وقيل : سمي روحا بسبب نفخة جبريل عليه السلام المذكورة في سورة " الأنبياء " " والتحريم " ، والعرب تسمي النفخ روحا ; لأنه ريح تخرج من الروح ، ومنه قول ذي الرمة : [ الطويل ]


فقلت له : ارفعها إليك وأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا


وعلى هذا القول ، فقوله : وروح معطوف على الضمير العائد إلى الله الذي هو فاعل ألقاها ، قاله القرطبي ، والله تعالى أعلم .

وقال بعض العلماء : وروح منه ، أي : رحمة منه ، وكان عيسى رحمة من الله لمن اتبعه ، قيل ومنه : وأيدهم بروح منه [ 8 \ 22 ] ، أي : برحمة منه ، حكاه القرطبي أيضا ، وقيل ، روح منه ، أي : برهان منه وكان عيسى برهانا وحجة على [ ص: 324 ] قومه ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وأنزلنا إليكم نورا مبينا المراد بهذا النور المبين القرآن العظيم ; لأنه يزيل ظلمات الجهل والشك كما يزيل النور الحسي ظلمة الليل ، وقد أوضح تعالى ذلك بقوله : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا الآية [ 42 \ 52 ] ، وقوله : واتبعوا النور الذي أنزل معه [ 7 \ 157 ] ، ونحو ذلك من الآيات .
قوله تعالى : فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك الآية ، صرح في هذه الآية الكريمة بأن الأختين يرثان الثلثين ، والمراد بهما الأختان لغير أم ، بأن تكونا شقيقتين أو لأب بإجماع العلماء ، ولم يبين هنا ميراث الثلاث من الأخوات فصاعدا ، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن الأخوات لا يزدن على الثلثين ، ولو بلغ عددهن ما بلغ ، وهو قوله تعالى في البنات : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك [ 4 \ 11 ] ، ومعلوم أن البنات أمس رحما ، وأقوى سببا في الميراث من الأخوات ، فإذا كن لا يزدن على الثلثين ولو كثرن فكذلك الأخوات من باب أولى ، وأكثر علماء الأصول على أن فحوى الخطاب ، أعني : مفهوم الموافقة ، الذي المسكوت فيه أولى بالحكم من المنطوق ، من قبيل دلالة اللفظ ، لا من قبيل القياس ، خلافا للشافعي وقوم ، وكذلك المساوئ على التحقيق ، فقوله تعالى : فلا تقل لهما أف [ 17 \ 23 ] ، يفهم منه من باب أولى حرمة ضربهما ، وقوله : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الآية [ 99 \ 7 ] ، يفهم منه من باب أولى أن من عمل مثقال جبل يراه من خير وشر ، وقوله : وأشهدوا ذوي عدل منكم [ 65 \ 2 ] ، يفهم منه من باب أولى قبول شهادة الثلاثة والأربعة مثلا من العدول ، ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التضحية بالعوراء ، يفهم منه من باب أولى النهي عن التضحية بالعمياء ، وكذلك في المساوئ ، فتحريم أكل مال اليتيم يفهم منه بالمساواة منع إحراقه وإغراقه ، ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن البول في الماء الراكد ، يفهم منه كذلك أيضا النهي عن البول في إناء وصبه فيه ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أعتق شركا له في عبد " الحديث . يفهم منه كذلك أن الأمة كذلك ، ولا نزاع في هذا عند جماهير العلماء ، وإنما خالف فيه بعض الظاهرية .

ومعلوم أن خلافهم في مثل هذا ، لا أثر له ، وبذلك تعلم أنه تعالى لما صرح بأن [ ص: 325 ] البنات وإن كثرن ليس لهن غير الثلثين ، علم أن الأخوات كذلك من باب أولى ، والعلم عند الله تعالى .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]