عرض مشاركة واحدة
  #289  
قديم 23-09-2022, 12:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(275)
الحلقة (289)
صــ 183إلى صــ 190





وأما قول عبد الله بن عمر حين صار بالمزدلفة : " هذا كله مشاعر إلى مكة " ، فإن معناه أنها معالم من معالم الحج ينسك في كل بقعة منها بعض مناسك الحج لا أن كل ذلك" المشعر الحرام " الذي يكون الواقف حيث وقف منه إلى بطن مكة قاضيا ما عليه من الوقوف بالمشعر الحرام من جمع . [ ص: 183 ]

وأما قول عبد الرحمن بن الأسود : " لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام " فلأنه يحتمل أن يكون أراد : لم أجد أحدا يخبرني عن حد أوله ومنتهى آخره على حقه وصدقه ؛ لأن حدود ذلك على صحتها حتى لا يكون فيها زيادة ولا نقصان ، لا يحيط بها إلا القليل من أهل المعرفة بها . غير أن ذلك وإن لم يقف على حد أوله ومنتهى آخره وقوفا لا زيادة فيه ولا نقصان إلا من ذكرت ، فموضع الحاجة للوقوف لا خفاء به على أحد من سكان تلك الناحية وكثير من غيرهم . وكذلك سائر مشاعر الحج ، والأماكن التي فرض الله عز وجل على عباده أن ينسكوا عندها كعرفات ومنى والحرم .
القول في تأويل قوله تعالى ( واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ( 198 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : واذكروا الله أيها المؤمنون عند المشعر الحرام بالثناء عليه ، والشكر له على أياديه عندكم ، وليكن ذكركم إياه بالخضوع لأمره ، والطاعة له والشكر على ما أنعم عليكم من التوفيق ، لما وفقكم له من سنن إبراهيم خليله بعد الذي كنتم فيه من الشرك والحيرة والعمى عن طريق الحق وبعد الضلالة كذكره إياكم بالهدى ، حتى استنقذكم من النار به بعد أن كنتم على شفا حفرة منها ، فنجاكم منها . وذلك هو معنى قوله : " كما هداكم" .

وأما قوله : " وإن كنتم من قبله لمن الضالين " ، فإن من أهل العربية من يوجه تأويل" إن" إلى تأويل" ما" ، وتأويل اللام التي في" لمن" إلى" إلا" . [ ص: 184 ]

فتأويل الكلام على هذا المعنى : وما كنتم من قبل هداية الله إياكم لما هداكم له من ملة خليله إبراهيم التي اصطفاها لمن رضي عنه من خلقه إلا من الضالين .

ومنهم من يوجه تأويل"إن" إلى"قد" .

فمعناه على قول قائل هذه المقالة : واذكروا الله أيها المؤمنون كما ذكركم بالهدى ، فهداكم لما رضيه من الأديان والملل ، وقد كنتم من قبل ذلك من الضالين .
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، ومن المعني بالأمر بالإفاضة من حيث أفاض الناس؟ ومن" الناس" الذين أمروا بالإفاضة من موضع إفاضتهم؟

فقال بعضهم : المعني بقوله : " ثم أفيضوا" ، قريش ومن ولدته قريش ، الذين كانوا يسمون في الجاهلية"الحمس" ، أمروا في الإسلام أن يفيضوا من عرفات ، وهي التي أفاض منها سائر الناس غير الحمس . وذلك أن قريشا ومن ولدته قريش ، كانوا يقولون : "لا نخرج من الحرم" . فكانوا لا يشهدون موقف الناس بعرفة معهم ، فأمرهم الله بالوقوف معهم .

ذكر من قال ذلك :

3831 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه . عن عائشة قالت : كانت [ ص: 185 ] قريش ومن كان على دينها - وهم الحمس - يقفون بالمزدلفة يقولون : "نحن قطين الله!" ، وكان من سواهم يقفون بعرفة . فأنزل الله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "

3832 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبان ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة : أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان كتبت إلي في قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار : "إني أحمس" وإني لا أدري أقالها النبي أم لا؟ غير أني سمعتها تحدث عنه . والحمس : ملة قريش - وهم مشركون - ومن ولدت قريش في خزاعة وبني كنانة . كانوا لا يدفعون من عرفة ، إنما كانوا يدفعون من المزدلفة وهو المشعر الحرام ، وكانت بنو عامر حمسا ، وذلك أن قريشا ولدتهم ، ولهم قيل : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، وأن العرب كلها كانت تفيض من عرفة إلا الحمس ، كانوا يدفعون إذا أصبحوا من المزدلفة . [ ص: 186 ]

3833 - حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، قال : حدثنا أبو توبة ، قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن سفيان ، عن حسين بن عبيد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت العرب تقف بعرفة ، وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة ، فأنزل الله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم الموقف إلى موقف العرب بعرفة .

3834 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عبد الملك ، عن عطاء : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " من حيث تفيض جماعة الناس .

3835 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن عبد الله بن طلحة ، عن مجاهد قال : إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى [ ص: 187 ] السماء الدنيا في الملائكة ، فيقول : هلم إلي عبادي ، آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ! فيقول : ما جزاؤهم؟ فيقال : أن تغفر لهم . فذلك قوله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " .

3836 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، قال : عرفة . قال : كانت قريش تقول نحن : " الحمس أهل الحرم ، ولا نخلف الحرم ، ونفيض عن المزدلفة " ، فأمروا أن يبلغوا عرفة .

3837 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، قال قتادة : وكانت قريش وكل حليف لهم وبني أخت لهم ، لا يفيضون من عرفات ، إنما يفيضون من المغمس ، ويقولون : "إنما نحن أهل الله ، فلا نخرج من حرمه" ، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات ، وأخبرهم أن سنة إبراهيم وإسماعيل هكذا : الإفاضة من عرفات .

3838 - حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، قال : كانت العرب تقف بعرفات ، فتعظم قريش أن تقف معهم ، فتقف قريش بالمزدلفة ، فأمرهم الله أن يفيضوا مع الناس من عرفات .

3839 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، قال : كانت قريش وكل ابن أخت وحليف لهم ، لا يفيضون مع الناس من عرفات ، يقفون في الحرم ولا يخرجون منه ، يقولون : "إنما نحن أهل حرم الله فلا نخرج من حرمه"; [ ص: 188 ] فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس; وكانت سنة إبراهيم وإسماعيل الإفاضة من عرفات .

3840 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، قال : كانت قريش - لا أدري قبل الفيل أم بعده - ابتدعت أمر الحمس ، رأيا رأوه بينهم ، قالوا : نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت ، وقاطنو مكة وساكنوها ، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا ، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا ، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم ، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم" وقالوا : قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم ، فتركوا الوقوف على عرفة ، والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم ، ويرون لسائر الناس أن يقفوا عليها ، وأن يفيضوا منها ، إلا أنهم قالوا : نحن أهل الحرم ، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ، ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس - والحمس : أهل الحرم .

ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل مثل الذي لهم بولادتهم إياهم ، فيحل لهم ما يحل لهم ، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم . وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك . ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن ، حتى قالوا : "لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط ، ولا يسلأوا السمن وهم حرم ، ولا يدخلوا بيتا من شعر ، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حراما" . ثم رفعوا في ذلك فقالوا : "لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل [ ص: 189 ] في الحرم ، إذا جاءوا حجاجا أو عمارا ، ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة" . فحملوا على ذلك العرب فدانت به ، وأخذوا بما شرعوا لهم من ذلك ، فكانوا على ذلك حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله - حين أحكم له دينه وشرع له حجه : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " - يعني قريشا ، و"الناس" العرب - فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات ، والوقوف عليها ، والإفاضة منها . فوضع الله أمر الحمس - وما كانت قريش ابتدعت منه - عن الناس بالإسلام حين بعث الله رسوله .

3841 - حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كانت قريش تقف بقزح ، وكان الناس يقفون بعرفة ، قال : فأنزل الله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " .

وقال آخرون : المخاطبون بقوله : " ثم أفيضوا " ، المسلمون كلهم ، والمعني بقوله : " من حيث أفاض الناس " ، من جمع ، وب " الناس " ، إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام .

ذكر من قال ذلك .

3842 - حدثت عن القاسم بن سلام ، قال : حدثنا هارون بن معاوية الفزاري ، عن أبي بسطام عن الضحاك ، قال : هو إبراهيم . [ ص: 190 ]

قال أبو جعفر : والذي نراه صوابا من تأويل هذه الآية ، أنه عني بهذه الآية قريش ومن كان متحمسا معها من سائر العرب لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله .

وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية : فمن فرض فيهن الحج ، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ، وما تفعلوا من خير يعلمه الله .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.83%)]