عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 01-09-2022, 11:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من دقائق العربية

من دقائق العربية (4) الزحلقة في الكلام
د. أحمد عيد عبدالفتاح حسن




معناها:



الزَّحْلقَةُ: مصدر الفعل الرباعي المجرد (زَحْلَقَ)، ووزنه: (الفَعْلَلَةُ)، كـ(الدَّحْرَجَة) مصدر الفعل الرباعي (دَحْرَجَ).



تقول: الصبيانُ تَزَحْلَقُوا عَلَى المَكَانِ؛ أي: تزلَّقُوا عَلَيْهِ بأَسْتاهِهم. والمُزَحْلَقُ: الأَمْلسُ. وَقَدْ تَزَحْلَق الرجلُ[1].



والزحلقة في النحو العربي - كما ظهرت لي -: نقلُ العربِ حرفَ المعنى من مكانه الذي استحقَّه في أصل الوضع إلى مكانٍ آخر؛ لغرض إصلاح التركيب، وتحسين الأسلوب، واستقامة الكلام.







موطنُها:



وقفتُ على الزَّحْلَقَة في موطنين من ضوابط العربية:



أولهما: مشهور، يعرفه كلٌّ من المبتدئ في هذا العلم والمنتهي، ويتساءلون عنه.







الثاني: عزيزٌ لا يقف عليه أيُّ أحدٍ، مع أنَّهُ موجودٌ، ويستعمله كلُّ من يجيد التحدث بالعربية، وإليك بيان هذين الموطنين:



الموطن الأول: مجيء لام الابتداء بعد (إنَّ) المكسورة:



حقُّ هذه اللام أن تقع أوَّل الكلام "من حيث كانت لام الابتداء، ولامُ الابتداء لها صدرُ الكلام، نحوَ قولك: (لَزيدٌ قائمٌ)، ونحو قوله تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]، وقوله: ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ [البقرة: 221].








وكان القياس أن تُقدَّم اللام، فتقول: (لإنَّ زيدًا قائمٌ) في (إنَّ زيدًا لَقائمٌ)، وإنَّما كرهوا الجمع بينهما؛ لأنَّهما بمعنى واحد، وهو التأكيد، وهم يكرهون الجمع بين حرفَيْن بمعنى واحد؛ وذلك أنَّ هذه الحروف إنَّما أُتيَ بها نائبةً عن الأفعال اختصارًا، والجمعُ بين حرفَيْن بمعنى واحد يُناقِض هذا الغرضَ"[2].








فموضع لام الابتداء الذي استحقته في أصل الوضع: أولُ الجملة وصدرها، لا آخرها وعجزها، لكن العرب كرِهت تلاقيَ حرفين لمعنى واحد - وهو التوكيد - فزحلَقت اللام، وأخَّرتها إلى الخبر، وما يقع موقعَ الخبر؛ فقالت العربُ: (إنَّ زيدًا لقائمٌ) تحسينًا للفظ، وإصلاحًا للقول، والأصل: (لإِنَّ زيدًا قائمٌ)، وقالت: (إنَّ زيدًا لفي الدار قائمٌ)، والأصل: (لإِنَّ زيدًا في الدار قائمٌ).








ولم تزحلق العرب (إنَّ) وتُقدِّم اللام؛ لأمور:



أحدها: أنَّ اللام لو تقدَّمت، وتأخرت (إنَّ)، لم يجُز أن تنصب (إنَّ) اسمَها الذي من عادتها نصبُه؛ من قِبَلِ أنَّ لام الابتداء إذا لقيت المبتدأ قوَّت سببَه، وحمَت من العوامل جانبَه، فكان يلزم المتكلم أنْ يرفعه، فيقول: (لَزيدٌ إنَّ قائمٌ)، ولم يكن له إلى نصب زيدٍ - وفيه لام الابتداء - سبيلٌ.



والثاني: أنَّنا لو تكلفنا نصب زيدٍ - وقد أخرنا عنه (إنَّ) - لأعملنا (إنَّ) فيما قبلها، و(إنَّ) لا تعمل أبدًا إلا فيما بعدها.



والثالث: أنَّ (إنَّ) حرف عامل، واللام حرف غير عامل، والحرف العامل أقوى من غير العامل؛ فقدَّموا العامل، وزحلقوا غير العامل عن مكانه.








والدليل على أنَّ موضع اللام التي في خبر (إنَّ) هو أول الجملة قبل (إنَّ):



أنَّ العرب لمَّا جفا عليها اجتماع هذين الحرفين اللذين يؤديان معنًى واحدًا - قلبوا الهمزة هاءً؛ ليزول لفظ (إنَّ)، فيزول ما كان مستكرهًا من ذلك، فقالوا: (لهِنَّك قائمٌ)، والمراد: لَإِنَّك قائمٌ[3].








ولأنَّ لام الابتداء لها الصدر، ولا يتخطاها عاملٌ - كانت من وسائل تعليق الفعل الذي ينصب مفعولين عن العمل في لفظِ ما بعده، كما في قوله عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 102]، وإنَّما تخطاها العامل هنا "في باب (إنَّ) فرفع الخبرَ؛ لأنَّها مؤخرةٌ من تقديم؛ لإصلاح اللفظ، وأصلها التقديم على (إنَّ)"[4].








فـ"إذا قلنا: (زيدٌ قائمٌ)، فقد أخبرنا بأنَّهُ قائمٌ لا غير، وإذا قلنا: (إنَّ زيدًا قائمٌ)، فقد أخبرنا عنه بالقيام مؤكَّدًا، كأنَّهُ في حكم المكرَّر، نحو: (زيدٌ قائمٌ، زيدٌ قائمٌ)، فإن أتَيْتَ باللام، كان كالمكرَّر ثلاثًا، فحصلوا على ما أرادوا من المبالغة في التأكيد وإصلاح اللفظ بتأخيرها إلى الخبر"[5].








وهذه اللام تدخل في خبر(إنَّ) المكسورة دون غيرها؛ "لأنَّها أُختُها في المعنى، وذلك من جهتَيْنِ:



إحداهما: أنَّ (إنَّ) تكون جوابًا للقسم، واللام يُتلقَّى بها القسمُ.



والجهة الثانية: أنَّ (إنَّ) للتأكيد، واللام للتأكيد، فلمَّا اشتركا فيما ذكرنا، ساغ الجمع بينهما؛ لاتِّفاق معنيَيْهما"[6].








الموطن الثاني: مجيء الفاء في جواب (أمَّا) بين المبتدأ والخبر:



أمَّا: حرف بسيط فيه معنى الشرط، يؤوَّل بـ: (مهما يكن من شيء)؛ لأنَّهُ قائم مقام أداة الشرط وفعل الشرط، ولا بدَّ بعده من جملة هي جواب له، فالأصل في قول العرب: (أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ): مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ، فحذفوا فعل الشرط وأداته، وأقاموا (أمَّا) مقامهما، فصار التقدير: (أمَّا فزيدٌ منطلقٌ)، فجاءت الفاءُ في صدر الجواب تلي الحرفَ الذي يدل على الشرط، فقبُح اللفظ؛ لأنَّ حرف الشرط لا تليه الفاء التي يُتلقى بها الشرط؛ فقدموا شيئًا من جملة الجواب على الفاء، وهو المبتدأ، وزَحْلَقُوا الفاء إلى الخبر؛ ليزول قبح اللفظ، فقالوا: (أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ)؛ لضربٍ من إصلاح اللفظ[7].







فإذا جئت بأصل قولك: (أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ)، وصرحت بلفظ الشرط فيه، قلت: (مهما يكن من شيء فزيدٌ منطلقٌ)، فتجد الفاء في جواب الشرط في صدر الجزأين - المبتدأ والخبر - مقدَّمةً عليهما، وهو الموضع الذي استحقته في أصل الوضع؛ أن تكون في صدر جملة الجواب.








وإذا جئت بالصورة المستعملة في الكلام فقلت: (أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ)، تجد الفاء متوسطة بين الجزأين، وتلحظ أنَّك لا تقول: (أمَّا فزيدٌ منطلقٌ)، كما تقول فيما هو في معناه: (مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ)؛ وذلك لإصلاح اللفظ، وتحسين الأسلوب.








وهذا مفهوم قول ابن يعيش: "أصلُ هذه الفاء أن تدخل على مبتدأ، كما تكون في الجزاء كذلك، من نحو قولك: (إن تُحْسِنْ إليَّ فالله يجازيك)، وإنَّما أُخرت إلى الخبر مع (أمَّا)؛ لضربٍ من إصلاح اللفظ"[8].







وتأمل تلك الشواهد القرآنية، تقف على ذلك:



﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ﴾ [الكهف: 79]، الأصل: مهما يكن من شيء فالسَّفِينَةُ كَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، وصار بنيابة (أمَّا) عن (مهما يكن من شيء): أمَّا فالسَّفِينَةُ كَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، فزُحلقت الفاء إلى الخبر؛ للإصلاح والتحسين.







﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ﴾ [الكهف: 80]، والأصل: مهما يكن من شيء فالْغُلَامُ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. وصار بنيابة (أمَّا) عن (مهما يكن من شيء): أمَّا فالْغُلَامُ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ، فزُحلقت الفاء إلى الخبر؛ للإصلاح والتحسين.







﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ [الكهف: 82]، والأصل: مهما يكن من شيء فالْجِدَارُ كَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ، وصار بنيابة (أمَّا) عن (مهما يكن من شيء): أمَّا فالْجِدَارُ كَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ، فزُحلقت الفاء إلى الخبر؛ للإصلاح والتحسين.







ولم أَرَ من سَمَّى الفاء في ذلك الموضع بـ(المزحلقة) إلا الأستاذ الدكتور/ غريب عبدالمجيد نافع - متعه الله بدوام الصحة والعافية ما حَيِيَ[9].



﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾[الكهف: 10].







[1] ينظر: لسان العرب (ز ح ل ق).




[2] شرح المفصل؛ لابن يعيش 4/ 532، 533.





[3] ينظر: الخصائص، 1/ 315 - 316، والأشباه والنظائر في النحو، 1/ 144.




[4] التصريح، 1/ 371.




[5] شرح المفصل، 4/ 534.




[6] شرح المفصل؛ لابن يعيش، 5/ 534.




[7] ينظر: توضيح المقاصد والمسالك، 3/ 1305، وتمهيد القواعد، 2/ 1053.




[8] شرح المفصل، 5/ 125.




[9] ينظر: الدلالة اللغوية لـ" لولا، وأمَّا" في ضوء القرآن الكريم، ص42.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.06 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]