عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-12-2021, 10:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,467
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البيان في النصوص الشرعية(

البيان في النصوص الشرعية(2 -2)


د.وليد خالد الربيع



وقد ذكر العلماء أن البيان أعم من التفسير؛ فالتفسير إيضاح اللفظ بلفظ آخر أوضح منه، أما البيان فإنه يكون بالقول والفعل والكتابة والإشارة والترك، ومثال ذلك:
1- البيان بالقول : كقوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}، ثم قال: {بقرة صفراء فاقع لونها}، وكقوله عز وجل: {وآتوا حقه يوم حصاده} بيّنه[ بقوله: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر».
2- البيان بالفعل: كما بيّن جبريل عليه الصلاة والسلام مواقيت الصّلاة للنّبيّ[ بالفعل؛ حيث أمّه في البيت يومين، ولمّا سئل رسول اللّه[ عن مواقيت الصّلاة قال للسّائل: «صلّ معنا»، ثمّ صلّى في اليومين في وقتين ، فبيّن له المواقيت بالفعل، وفي الحجّ قال لأصحابه: «خذوا عنّي مناسككم»، ولأنّ البيان عبارة عن إظهار المراد؛ فربّما يكون ذلك بالفعل أبلغ منه بالقول؛ لأنّه[ أمر أصحابه بالحلق عام الحديبية، فلم يفعلوا ثمّ لمّا رأوه حلق بنفسه حلقوا في الحال . فعرفنا أنّ إظهار المراد يحصل بالفعل كما يحصل بالقول .
3- البيان بالكتابة: كالكتب التي كتبها رسول الله[ وبين فيها الأحكام ككتابه لعمرو بن حزم، والضحاك بن سفيان، وأبي بكر الصديق في الصدقات.
4- البيان بالإشارة: كقوله[: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» وأشار بأصابعه العشرة، وكذلك جوابه إشارة لمن سأله، فعن ابن عباس أن النبي[ سئل في حجته فقال السائل: ذبحت قبل أن أرمي ؟ فأومأ بيده قال : «ولا حرج»، قال : «حلقت قبل أن أذبح ؟ فأومأ بيده : «ولا حرج» أخرجه البخاري.
5- البيان بالترك: قال الشافعي: «ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا»، ومعنى ذلك أن ما تركه الرسول[ سنة كما أن ما فعله سنة، فسنة النبي[ كما تكون بالفعل تكون بالترك. فما تركه مع قيام المقتضي وعدم المانع يدل على أن السنة تركه، كتركه الأذان والإقامة للعيدين والكسوف والاستسقاء، وتركه الجهر بالنية قبل العبادة، وهذا بيان منه[ على أن السنة عدم فعل ذلك، بخلاف ما تركه للفطرة كتركه لبعض الأطعمة، أو ما تركه للخصوصية كترك الأكل من الصدقة، وما تركه لسبب كتركه قيام رمضان جماعة خشية أن يفرض على الأمة.
وقد ذكر علماء الأصول - كالشاشي والسرخسي وغيرهما - أن البيان في النصوص الشرعية أنواع على النحو الآتي:
أولاً- بيان التّقرير: وهو توكيد الكلام المعلوم المعنى بما يقطع احتمال المجاز إن كان المؤكد حقيقة، أو احتمال الخصوص إن كان المؤكد عاما، مثاله :
1- قوله عز وجل: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}، فقوله: {يطير بجناحيه} توكيد للمعنى المراد بيانه من لفظ «طائر» وهو الطائر الحقيقي؛ لقطع احتمال إرادة معنى آخر وهو البريد مثلا.
2- قوله تعالى: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون}، فصيغة الجمع تعمّ الملائكة على احتمال أن يكون المراد بعضهم، وقوله تعالى: {كلّهم أجمعون} بيان قاطع لهذا الاحتمال، فهو بيان التّقرير .
ثانياً- بيان التّفسير: وهو توضيح الكلام بما يرفع الخفاء، كبيان المجمل والمشترك ونحوهما، مثل: قوله تعالى: {أقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} فإنّه مجمل؛ إذ العمل بظاهره غير ممكنٍ، وإنّما يوقف على المراد للعمل به بالبيان، ثمّ لحق هذه الآية البيانُ بالسّنّة؛ فإنّه[ بيّن الصّلاة بالقول والفعل، والزّكاة بقوله: «هاتوا ربع العشور» فإنّه يكون تفسيراً .
ثالثاً- بيان التّغيير: وهو البيان الّذي فيه تغيير لموجب الكلام، مثل:
1- تخصيص العام : فقوله عز وجل: {وأُحِلَّ لكم ما وراء ذلكم} ظاهر في حل ما عدا المذكورات من المحرمات من النساء، ثم جاء في السنة ما يفيد تغيير هذا الظاهر بنهيه[ عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها .
2- تقييد المطلق : فقوله عز وجل: {من بعد وصية يوصَى بها أو دين} يقتضي العمل بأي وصية دون قيد أو تحديد، إلا أنه قد جاء في السنة ما يبين أن الوصية مقيدة بما عدا الوارث وفي حدود الثلث .
رابعاً- بيان التّبديل : وهو النّسخ، وهو رفع حكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ شرعيٍّ متأخّرٍ.
حيث يبين الدليل الناسخ أن العمل بالحكم المنسوخ قد انتهى.
خامساً- بيان الضّرورة : وهو نوع من البيان يحصل بغير اللّفظ للضّرورة، وذلك بأن يقع البيان بما لم يوضع للبيان في الأصل، مثاله :
النّوع الأوّل : ما يكون في حكم المنطوق، وذلك بأن يدلّ النّطق على حكم المسكوت عنه، وقد مثّلوا له بقوله تعالى: {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثّلث}؛ فإنّه لمّا أضاف الميراث إليها في صدر الكلام، ثمّ بيّن نصيب الأمّ، كان في ذلك بيان أنّ للأب ما بقي، فلم يحصل هذا البيان بترك التّنصيص على نصيب الأب، بل بدلالة صدر الكلام يصير نصيب الأب كالمنصوص عليه.
النّوع الثّاني: هو السّكوت الّذي يكون بياناً بدلالة حال المتكلّم مثل إقرار النّبي[ لبعض الأفعال التي وقعت في حضرته كأكل الضب، وإنشاد الشعر، ولعب الحبشة بالحراب في المسجد، وما كان النّاس يتعاملون به من أنواع التصرفات المالية، فأقرّهم عليها ، ولم ينكرها عليهم؛ فدلّ أنّ جميعها مباح في الشّرع؛ إذ لا يجوز من النّبيّ[ أن يقرّ النّاس على منكرٍ محظورٍ.
ومن مسائل البيان في النصوص الشرعية مسألة تأخير البيان عن وقت الحاجة: وذلك أن كلّ ما يحتاج إلى البيان من مجملٍ وعامٍّ، ومجازٍ ومشتركٍ ومطلقٍ، إذا تأخّر بيانه فذلك على وجهين
الوجه الأوّل: أن يتأخّر عن وقت الحاجة وهو وقت تنفيذ التكليف، وهو الوقت الّذي إذا تأخّر البيان عنه لم يتمكّن المكلّف من معرفة ما تضمّنه الخطاب، وذلك في الواجبات الفوريّة .
فهذا النّوع من التّأخير لا يجوز؛ لأنّ الإتيان بالشّيء مع عدم العلم به ممتنع عند جميع القائلين بمنع التّكليف بما لا يطاق.
الوجه الثّاني: تأخير البيان عن وقت ورود الخطاب إلى وقت الحاجة إلى الفعل، وذلك في الواجبات الّتي ليست بفوريّةٍ، وقد ذهب الجمهور إلى أنه جائز، واستدلوا بوقوعه، ومن ذلك:
1- قوله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه} فهذا يدل على جوازه؛ لقوله: «ثم» التي تفيد التراخي.
2- قوله عز وجل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه..}؛ فظاهر الآية تخميس عموم ما يغنم، ثم ورد ما يقتضي إخراج بعض الأفراد من هذا الحكم، وذلك كالسَّلَب مثلا لا يقسم.

3- قوله عز وجل: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}؛ فإن النبي[ بين الصلاة والزكاة بقوله وفعله على التراخي.
4- قوله عز وجل: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} فلما اعترض الكفار بعيسى والعزير عليهما السلام أنزل الله عز وجل: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.
فهذه جملة مختصرة من بعض ملامح البيان في النصوص الشرعية ، وفي كتب الأصول مزيد تفصيل وإيضاح لمن رام التوسع في هذا الباب، وبالله التوفيق .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]