عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-03-2021, 09:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي معنى المعرفة والفرق بينها وبين العلم

نظرية المعرفة عند ابن كثير(1)












معنى المعرفة والفرق بينها وبين العلم





مبارك بن حمد الحامد الشريف




توطئة:



النظرية هي: « تركيب عقلي مؤلف من تصورات منسّقة تهدف إلى ربط التاريخ بالمبادئ »[1]، ونظرية المعرفة: « تبحث في مبادئ المعرفة الإنسانية وطبيعتها ومصدرها وطرائقها وقيمها وحدودها، وفي الصلة بين الذات المدركة والموضوع المدرك، وبيان إلى أي مدى تكون تصوراتنا مطابقة لواقع الشيء المستقل عن الذهن »[2]، ومصادر المعرفة هي أحد مباحث نظرية المعرفة، وسنتناول في هذا المبحث معنى المعرفة والفرق بينها وبين العلم، والمراد بها عند ابن كثير، وكذلك مصادر المعرفة وطرقها عند العلماء المسلمين – ومنهم ابن كثير – أو عند العلماء والفلاسفة الغربيين.







معنى المعرفة لغة واصطلاحًا:



قال ابن فارس: « العين والراء والفاء واصلان صحيحان يدل أحدهما على تتابع الشيء متصلًا بعضه ببعض، والأخرى على السكون والطمأنينة... تقول عرف فلان فلانًا عِرْفانًا ومعرفة، وهذا أمر معروف، وهذا يدل على ما قلناه من سكونه إليه لأن من أنكر شيئًا توحش منه ونبا عنه »[3].







واصطلاحًا:



« إدراك الشيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل بخلاف العلم، ولذلك يسمى الحق تبارك وتعالى بالعالم دون العارف »[4]، وقد ذكر التهانوي[5] أن من معاني المعرفة:



إدراك الشيء بإحدى الحواس.



العلم مطلقًا تصورًا كان أم تصديقًا.



إدراك البسيط سواء كان تصورًا للماهية أو تصديقًا بأحوالها[6].







معنى العلم لغة واصطلاحًا:



قال ابن فارس[7]: « العين واللام والميم أصل صحيح واحد يدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره من ذلك العلامة، وهي معروفة والعلم والراية والجمع أعلام والعلم الجبل والعلم نقيض الجهل »[8]، وعرفّه صاحب القاموس بقوله: «علمه كسمعه علمًا بالكسر عرفه »[9].







واصطلاحًا:



اختلف العلماء في حد العلم فمنهم من رأى أنه لا يُحَّد كالغزالي[10]، والــرازي[11]، والجــــويني[12]، وآخـرون قــالوا بإمكان حده كالباجي[13] فقال هو: « معرفة المعلوم على ما هو به»[14]، وعرفه القاضي[15] عبد الجبار بأنه: « المعنى الذي يقتضي سكون نفس العالم »[16]، وعرفه الجرجاني[17] بقوله: « الاعتقاد الجازم المطابق للواقع »[18].







الفرق بين العلم والمعرفة:



يذكر الإمام ابن القيم أن هناك فرقًا بين العلم والمعرفة لفظي ومعنوي، فاللفظي يتمثل في أن فعل المعرفة يقع على مفعول واحد، قال تعالى: ﴿ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [يوسف: 58]، بينما فعل العلم يقتضي مفعولين كقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ﴾ [الممتحنة: 10]، فإن وقع على مفعول واحد كان بمعنى المعرفة كما في قوله تعالى: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، وأما الفرق المعنوي فمن وجوه:



1- أن المعرفة تتعلق بذات الشيء والعلم يتعلق بأحواله، تقول عرفت أباك وعلمته صالحًا فالمعرفة حضور صورة الشيء ومثاله العلمي في النفس، والعلم حضور أحواله وصفاته ونسبتها إليه، فالمعرفة تشبه التصور، والعلم يشبه التصديق[19].







2- أن المعرفة في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه فإذا أدركه قيل عرفه، أو تكون لما وصف بصفات قامت في نفسه فإذا رآه وعلم أنه الموصوف بها قيل عرفه، ومن الأول قوله تعالى: ﴿ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [يوسف: 58]، ومن الثاني قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ [البقرة: 146]، لما كانت صفاته معلومه عندهم فرأوه عرفوه بتلك الصفات ولهذا كان ضد المعرفة الإنكار وضد العلم الجهل.







3- إن المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره، فإذا قلت علمت زيدًا لم يفد المخاطب شيئًا لأنه ينتظر بعد أن تخبره على أي حال علمته فإذا قلت كريمًا أو شجاعًا حصلت له الفائدة، وإذا قلت عرفت زيدًا استفاد المخاطب أنك أثبته وميّزته عن غيره ولم يبق منتظرًا لشيء أخر[20].







والبعض يرى أنه لا فرق بين العلم والمعرفة كابن حزم[21] فيقول: « وحد العلم بالشيء هو المعرفة به أن تقول العلم والمعرفة اسمان واقعان على معنى واحد وهو اعتقاد الشيء على ما هو عليه وتيقنه به وارتفاع الشكوك عنه، ويكون ذلك إما بشهادة الحواس وأول العقل، وإما ببرهان راجع من قرب أو من بعد إلى شهادة الحواس وأول العقل وأما باتفاق وقع له في مصادفة اعتقاد الحق خاصة بتصديق ما أفترض الله عز وجل إتباعه خاصة دون استدلال »[22].







أما ابن كثير فقد فسر المعرفة بعلم القلب، فقال عند تفسير الآية: ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴾ [النازعات: 21]، « أي فكَّذب بالحق.... ثم قال وعلمه بأن ما جاء به - موسى - أنه حق لا يلزم منه أنه مؤمن به لأن المعرفة علم القلب والإيمان عمله وهو الانقياد للحق والخضوع له » [23].







وقد عبر البعض عن ترادف معنى العلم والمعرفة بقوله « أرى أن مصطلحي العلم والمعرفة من قبيل المصطلحات التي بينهما اتصال وانفصال واتفاق واقتران بحيث يصدق عليها القول بأنها إذا اتفقت اختلفت وإذا اختلفت اتفقت شأنها في ذلك شأن التربية والتعليم والإيمان والإسلام والأخلاق والقيم وسواها يكون السياق هو المحدد الوحيد لمن يراه تفريقًا بينهما ولكن تفريق موضعي لا موضوعي لا يصمد ولا يَطَّرِد في كل حين »[24].











[1] جميل صليبا المعجم الفلسفي 2/ 477.

[2] مجمع اللغة العربية المعجم الفلسفي، ص203.

[3] ابن فارس "معجم مقاييس اللغة" 4/ 281 .

[4] الجرجاني "التعريفات" ص 232-233.

[5] هو: محمد بن علي ابن القاضي محمد حامد بن محمد صابر الفاروقي، الحنفي التهانوي، باحث هندي له «كشاف اصطلاح الفنون» وسبق الغايات في نسق الآيات، توفي سنة 1158هـ. الأعلام.

[6] انظر: محمد التهانوي، "كشاف اصطلاح الفنون" 2/ 1039.

الماهية: هي ما يجاب به على سؤال ما هو ؟ وهي الشيء المتعقّل من شيء ما بغض النظر عن وجوده الظاهر وأعراضه مثل الحيوانية والنطق عند الإنسان. انظر: الجرجاني "التعريفات" 195 وجميل صليبا المعجم الفلسفي 2/ 314.

[7] هو: أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي أبو الحسين، من أئمة اللغة والأدب، قرأ عليه البديع الهمذاني والصاحب بن عباد وغيرهما من أعيان البيان، أصله من قزوين، وأقام مدة في همذان ثم انتقل إلى الري فتوفي بها سنة 395هـ من تصانيفه مقاييس اللغة، والمجمل، والصاحبي في علم العربية ألفه لخزانة الصاحب بن عباد، وجامع التأويل في تفسير القرآن وغيرها، الأعلام 1/ 193.

[8] "معجم مقاييس اللغة" مادة (ع ل م).

[9] "القاموس المحيط" فصل العين باب اللام.

[10] هو: محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي أبو حامد حجة الإسلام، فيلسوف متصوف له نحو مئتي مصنف، رحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر وعاد إلى بلدته، نسبته إلى صناعة الغزل عند من يقول بتشديد الزاي أو إلى غزاله من قرى طوس لمن قال بالتخفيف، من كتبه: احياء علوم الدين، وتهافت الفلاسفة، والجام العوام عن علم الكلام، والوجيز وغيرها، توفي سنة 505. الأعلام 7/ 22.

[11] سبق ترجمته ص 71.

[12] هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين، من أصحاب الشافعي، ولد في جوين من نواحي نيسابور ورحل إلى بغداد فمكة حيث جاور اربع سنين، وذهب إلى المدينة فأفتى ودرس، ثم عاد إلى نيسابور فبنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظامية فيها، وكان يحضر دروسه أكابر العلماء، له مصنفات كثيرة منها: غياث الأمم والتياث الظلم، والورقات في أصول الفقه وغيرها، توفي سنة 478هـ. الأعلام 4/ 160.

[13] هو: سليمان بن خلف بن سعد القرطبي، أبو الوليد الباجي، فقيه مالكي كبير من رجال الحديث ولد في باجه بالأندلس، رحل إلى الحجاز سنة 426هـ فمكث ثلاثة أعوام وأقام ببغداد ثلاثة أعوام وبالموصل عامًا وفي دمشق وحلب مدة، وعاد إلى الأندلس فولي القضاء في بعض أنحائها، من كتبه السراج في علم الحجاج واحكام الفصول في احكام الأصول، والتسديد في معرفة التوحيد وغيرها، توفي سنة 474هـ. الأعلام 3/ 125.

[14] الحدود للباجي ص24.

[15] هو: عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني أبو الحسين قاض أصولي، كان شيخ المعتزلة في عصره، وهم يلقبونه قاضي القضاة ولا يطلقون هذا اللقب على غيره، ولي القضاء بالري ومات بها سنة 415هـ له تصانيف كثيرة منها: تنزيه القرآن عن المطاعن والأمالي شرح الأصول الخمسة وغيرها. الأعلام 3/ 273.

[16] المغني للقاضي عبد الجبار 12/ 13.

[17] هو: علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني، فيلسوف من كبار العلماء بالعربية، ولد في تاكو قرب استراباد، ودرس في شيراز، ولما دخلها تيمور سنة 789هـ فر الجرجاني إلى سمرقند ثم عاد إلى شيراز بعد موت تيمور فأقام إلى أن توفي سنة 816هـ له نحو خمسين مصنفا منها: التعريفات، ومقاليد العلوم وتحقيق الكليات وغيرها. الأعلام 5/ 7.

[18] التعريفات للجرجاني ص 200.

[19] التصور: حصول صورة الشيء في العقل، والتصديق: حكم بالنسبة من طرفين، انظر الجرجاني التعريفات ص 37، وجميل صليبا المعجم الفلسفي 1/ 277.

[20] انظر: ابن القيم مدارج السالكين 3/ 335-337، وانظر: مفرح القوسي، "المنهج السلفي" ص 211-212، مرجع سابق، وللاطلاع على المزيد مما ذكره بعض العلماء في بيان الفرق بين العلم والمعرفة وتحديد العلاقة بينهما انظر:

1- "المفردات في غريب القرآن"، للاصفهاني ص 331.

2- "الذريعة إلى أحكام الشريعة"، للاصفهاني ص 102 - 103.

[21] انظر: ترجمته في ص 352.

[22] "الفصل في الملل والأهواء والنحل"، لابن حزم 5/ 242، انظر: أحمد الدغثي، "نظرية المعرفة في القرآن الكريم"، ص 91 .

[23] انظر: "تفسير القرآن العظيم" 4/ 552.



[24] انظر: أحمد الدغثي، "نظرية المعرفة في القرآن"، ص 92.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.23 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]