عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-03-2021, 09:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية ______ متجدد إن الله

فتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا، والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفِّقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر.






ودل قوله: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار.





﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ الرَّحْمَنِ ﴾: ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق.





﴿ الرَّحِيمِ ﴾: ذي رحمةٍ خاصَّة، يختصُّ بها عبادَه المؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب 43]، وقال سبحانه: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21].





التفسير:

(الرحمن والرحيم) اسمانِ مشتقَّان من الرَّحمة على وجه المبالَغة، ورحمن أشدُّ مبالغةً من رَحيم؛ وذلك لأنَّ (رحمن) على وزن فعلان، وهذه الصيغة تفيد الكثرة والسعة.





فالرحمن والرحيم اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله الذين لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.





﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ مَالِكِ ﴾: صاحب الملك المتصرف في ملكه كيف يشاء.

﴿ يَوْمِ الدِّينِ ﴾: يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة.





التفسير:

اللهُ عزَّ وجلَّ هو المتصرِّف في جميع خلْقِه بالقول والفِعل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله ﴾ [الانفطار: 17-19]. وكما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]، وقال أيضًا: ﴿ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لله الوَاحِدِ القَهَّارِ ﴾ [غافر: 16].





فالمالك هنا: هو الله تعالى الذي من صفاته صفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف في ملكه ومماليكه بجميع أنواع التصرفات (لا معقب لحكمه)، ولا رادَّ لقضائه، وأضاف الملك ليوم الدين، وهو يوم القيامة، وهو اليوم الذي يدان الناس فيه بأعمالهم، خيرها وشرها؛ لأنه في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى إنه يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والأحرار، كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاته، راجون لثوابه، خائفون من عقابه، فلذلك خصه بالذكر، وإلَّا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام، وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر، وحثٌّ له على الاستعداد له بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.





﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ إِيَّاكَ ﴾: ضمير يخاطب به الواحد.

﴿ نَعْبُدُ ﴾: نطيع مع غاية الذل لك والخضوع والتعظيم والحب.

﴿ إِيَّاكَ ﴾: الواو: حرف عطف. إياك: ضمير يخاطب به الواحد.

﴿ نَسْتَعِينُ ﴾: نطلب عونك لنا على طاعتك وعلى أمورنا كلها.





التفسير:

أي: قولوا: ﴿ إيَّاك نَعبُد وإيَّاك نستعين ﴾، ومعناها: لا نعبُد إلَّا أنت، متذلِّلين لكَ وحْدَك لا شريكَ لك، ولا نستعين إلَّا بك وحْدَك لا شريكَ لك، نخصك وحدك بالعبادة، ونطلب عونك وحدك لنا على طاعتك وعلى أمورنا كلها، فالأمر كله بيدك، لا يملك منه أحد مثقال ذرة.





وتقديم العبادة على الاستعانة، من باب تقديم العام على الخاص، واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة. والاستعانة: هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.





والقيام بعبادة الله والاستعانة به هما الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، وإنما تكون العبادة عبادة صحيحة، إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودًا بها وجه الله، وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي، وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده، وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله، ومن أمراض الرياء والعجب، والكبرياء.





﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ اهْدِنَا ﴾: دُلَّنا، وأرشدنا، ووفِّقنا، وثبِّتنا.

﴿ الصِّرَاطَ ﴾: الطريق.

﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾: الذي لا اعوجاج فيه.





التفسير:

أي: قولوا: ﴿ اهدِنا الصِّراطَ المستقيمَ ﴾، ومعناها: دُلَّنا وأرشِدْنا، ووفِّقنا للطَّريق الواضِح الذي لا اعوجاجَ فيه، وثبِّتنا عليه حتى نلقاك، وهذا الطريق هو دين الإسلام الذي هو معرفة الحق والعمل به، كما دلَّ عليه خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الطريق الموصل إلى رضوان الله تعالى وإلى جنته، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.





وهداية الصراط هدايتان: هدايةٌ إلى الصراط، وهدايةٌ في الصراط، فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط: تشمل التوفيق لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا، وطلب الهداية من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا أوجب الله تعالى على الناس سؤالها في كل ركعة من صلاتهم، رحمةً منه سبحانه بعبيده، ولضرورتهم إليها.





﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ صِرَاطَ ﴾: طريق.

﴿ الَّذِينَ ﴾: اسم موصول.

﴿ أَنْعَمْتَ ﴾: الإنعام: إيصال الإحسان إلى الغير.

﴿ عَلَيْهِمْ ﴾: على: حرف جر، هم: ضمير.





التفسير:

طريق الذين أنعمت عليهم بالهِداية والاستقامة، وهم الذين علِموا الحقَّ وعمِلوا به بإخلاصٍ لله تعالى وحده، وهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].





﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ غَيْرِ ﴾: اسم استثناء.



﴿ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾: هم الذين غضب الله تعالى عليهم، وهم اليهود ومن كان مثلهم، لكفرهم وإفسادهم في الأرض، ولأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به.



﴿ وَلَا ﴾: الواو: حرف عطف، لا: حرف نفي.



﴿ الضَّالِّينَ ﴾: هم الذين لم يهتدوا لطريق الحق، وهم النصارى ومن كان مثلهم.





التفسير:

أي: إنَّ مِن صفات الذين أَنعم الله تعالى عليهم، أنَّهم ليسوا كاليهود، ومَن سلَك طريقتَهم في ترْك العمل بالحقِّ بعد معرفته.





فأخصُّ أوصاف اليهود، الغضبُ؛ كما قال الله تعالى فيهم: ﴿ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 60]، وقال سبحانه أيضًا: ﴿ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ﴾ [البقرة: 90].





وليس من صِفات الذين أنعمَ الله تعالى عليهم أنَّهم كالنَّصارى، ومَن سلك طريقتَهم ممَّن جهِلوا الحقَّ، فعبَدوا الله تعالى بغير عِلم.





فأخصُّ أوصاف النصارى الضلال؛ كما قال سبحانه: ﴿ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77].





عن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى)؛ [رواه أحمد 19400 وصحَّحه الألبانيُّ بمجموع طرقه].






المراجع:


« الميسر في تفسير القرآن الكريم »، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف.

« تفسير ابن كثير ».

« تفسير البغوي ».

« تفسير السعدي ».

« تفسير الطبري ».

« تفسير القرطبي ».

« موقع الدرر السنية ».

« موقع قاموس ومعجم المعاني ».




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]