الموضوع: الكرسي دوار
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-10-2022, 03:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي الكرسي دوار

الكرسي دوار
د. علي أحمد الشيخي


قصة وعبرة

الكرسي دوار

قال لي أحدُهم:
أنا موظَّف في إحدى الإدارات الحكوميَّة، وكان مديرنا الأسبق شخصًا مَحبوبًا من الجميع؛ يعطف على الصَّغير، ويقدِّر الكبيرَ، ويوجِّه عند الخطأ، ويشارك الزملاءَ في مناسباتهم، وكذا في لقاءاتهم ورحلاتهم للنُّزهة خارج محيط العمل، وإضافة إلى ذلك يَمتاز بالمرح والدُّعابة، ويقف مِن الجميع بمسافة واحدة تقريبًا فيما يخصُّ الحقوق والمزايا؛ ولهذا كان مستوى الإنجاز في إدارته جيِّدًا دون خَلَل أو تقصير، وتمرُّ الأيام فيتقاعد، ويخرج راضيًا مبتسمًا؛ لأنَّه يؤمن بقاعدة "لو دامَتْ لغيرك، ما وصَلَت إليك"، ويُودَّع مِن الجميع توديعَ مَن عزَّ فراقُه، ويُكرَّم تكريم الأبطال، ثمَّ يحل بعده مديرٌ آخر، فيحكم الإدارة بالسِّياط، ويهتم بِروتين العمل قبل ظروف الموظَّف، فلا تقدير ولا احترام، ولا تفاهم لحلِّ خلافات العمَل بين الموظفين، وكان يتبع سياسة: "إن لم تكن مَعي، فأنت ضدِّي"، ثمَّ تمر السِّنون ويصِل إلى السنِّ التي لا تقبل الشَّفاعةَ في مواصلة المسير، ويترجَّل كسابقه بقوَّة النِّظام، لكنَّه يخرج ساخطًا متضجرًا؛ لأنَّه كان يعتقد في مقولة: "ما في هذا البلد، إلَّا هذا الولد"، ويودَّع توديعًا باهتًا، قد لا يَرقى لتكريم أصغر الموظَّفين، ودون حضور جُلِّ الموظَّفين الساخطين على طريقة إدارته لدفَّة العمل.

ويتابع صاحبنا الموظَّف حديثه فيقول:
ويدخل هذان المديران حلبةَ الحياة العامَّة، فيقابل المجتمعُ المديرَ الأول كلاعبٍ لا يزال يحتفظ بمقعده؛ بل وكأبٍ يُكرَّم ويبجَّل، فيلتف حوله المحبُّون كلَّما حضر، ويقبِّلون رأسَه تقديرًا واحترامًا، وإذا طال اختفاؤه سألوا عنه أو اتصلوا به، أمَّا الآخر، فإذا حضر مجلسًا، جلس في زاوية وحيدًا، وإن حاول التودُّد نفروا منه، وكأنَّ لسان حالهم يقول: "لا يُصلِحُ العطارُ ما أفسده الدَّهر"، وحتى حاشيته السابقة قد انشغلت عنه بالكرسيِّ الدَّوَّار، الذي طالما أحبُّوه؛ بل وعبدوه، فأُشفق على حال هذا الأخير، وأقول في نفسي:
"الحمد لله الذي عافاني ممَّا ابتلاك به".

ثمَّ يستطرد راوي القصَّة في حديثه فيقول:
وأنظر إلى مديرنا الجديد، وأشفِق على حاله عندما أجده يتغطرَس ابتهاجًا بالكرسي الدَّوَّار الذي وصل إليه مؤخرًا، فأجده تارةً يتلطَّف ويتودَّد إلى موظَّفيه، وتارة أخرى يجنح إلى أسلوب الإدارة التسلُّطيَّة، فأخاطب حاله، وأقول في نفسي:
ألا ترى يا صاحبي حالَ صاحبَيْك، فلِمِثل هذا فليعمل العاملون!

ولعلَّني أهمس في آذان بعضٍ مِن القادة، أولئك الذين نَسُوا سابقَ عهدهم قبل صاحب السعادة، فاعتقدوا أنَّهم خُلقوا هكذا قادة ومديرين، فمشوا كمشية الطَّاوس، ورفعوا رؤوسَهم عاليًا بمستوى علو رأس النَّعامة، فأقول لهم جملة مِن النصائح والحِكم:
كوِّنوا علاقةً وَدودًا مع النَّاس، عمرها يكون أطول مِن بقاء الأبدان، ونفَسُها أنقى وأزكى من شذى الزَّهر.

لا شيء يستطيع أن يحقن في أوردتك جرعات مِن الودِّ والاحترام تجاه شخصٍ ما، كما يفعل التواضعُ والعفويَّة، بعيدًا عن ماكياج الأهمية الكاذب، وتصنُّع العظمة.

للقيادة قوانين؛ منها قانون الارتباط، فالقادة الجيِّدون يَعملون على الارتباط بزملاء العمل طوال الوقت؛ لأنَّ الارتباط يولِّد الإخلاصَ والانتماء؛ (مدونة أحمد الجبرين).

مهما بلغَتْ درجة استغنائك عن الآخرين، فاحذر أن تصِل لليوم الذي تَكون في حالة فرح، ثمَّ لا تجد مَن يشاركك فرحتَك، فتنقلب بهجتك إلى غمٍّ وحسرة.

عاشروا الناسَ معاشرةً؛ إن غبتم حنُّوا إليكم، وإن متم بَكوا عليكم.
كلُّ شخص لديه لافتة غير مرئيَّة تتدلَّى مِن عنقه مكتوبٌ عليها: اجعلني أشعر بالأهميَّة.
ليست الوحدة أن تعيش منفردًا وبعيدًا عن الناس، ولكنَّ الوحدة أن تعيش وسط الناس وهم لا يَشعرون بوجودك.

وأختم بعطر الحديث بعد كلام المولى سبحانه، وهو حديث الصَّادق المصدوق، الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تدخلون الجنَّةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتُم، أفشُوا السلامَ بينكم))؛ [مسلم: 54].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.58%)]