عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-10-2022, 04:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي إعلام الأنام بفضل صلة الأرحام

إعلام الأنام بفضل صلة الأرحام
جمال علي يوسف فياض


الحمد لله الملك العلَّام، رغَّب عباده في صلة الأرحام، ووعدهم على ذلك أعالي الجنان، ورهَّب من قطع الأرحام، ولعن قاطعيها، فأصمَّهم وأعمى أبصارهم، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بيَّن أن صلة الأرحام من أفضل الأعمال، وخير الخِصال، وسببٌ للبسط في العمر والمال، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد عباد الله:
فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل؛ فإنها وصية الله للأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]؛ أما بعد أيها الإخوة الكرام:
فإن من محاسن الشريعة الإسلامية ومكارمها الوصيةَ بالأرحام، والإحسان إليهم؛ فإن ذلك من مقتضيات الإيمان بالله واليوم الآخر، وطريق للألفة والمودة والاجتماع؛ قال ربنا جل جلاله: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].

وإن صلة الأرحام في الشريعة الإسلامية لها فضل عظيم، وقاطعها متوعَّد بالعقاب الأليم، وصلة الأرحام: هي الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والعطف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن تعدوا وأساؤوا، وضد ذلك قطيعة الرحم.

وفي هذه الكلمات الطيبات أحب أن أذكر نفسي وإياكم بفضل صلة الأرحام، والترهيب من قطعها؛ فأقول وبالله حولي وثقتي، وعليه اعتمادي، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فضائل صلة الرحم:
صلة الأرحام من الإيمان بالله جل جلاله:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصِلْ رحِمَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت))[1].

ففي هذا الحديث إشارة إلى أن القاطع للأرحام كأنه لم يؤمن بالله واليوم الآخر؛ لعدم خوفه من شدة العقوبة المترتبة على القطيعة[2].

صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سَرَّهُ أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره؛ فليصِل رحمه"[3].

وبسطُ الرزق توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه، وأما التأخير في الأجل، فمعناه: الزيادة بالبركة في العمر، والتوفيق للطاعات، وعمارة الأوقات بما ينفع في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.

وقال بعض علمائنا: بل المراد أن الزيادة في العمر مشروطة بصلة العبد للأرحام، فإن وصل أرحامه زِيد له في عمره، فيظهر للملائكة في اللوح المحفوظ أن عمره ستون سنةً، إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زِيد له أربعون، وقد علِم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك، وهو من معنى قوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴾ [الرعد: 39].

ولأجل هذا على العبد أن يعرف أرحامه ليصلهم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة[4] في المال، منسأة في الأثر))[5] ، فتعلُّم النسب مندوب لمثل هذا، وقد يجب إن توقف عليه واجب.

صلة الرحم طريق إلى الجنة:
فعن أبي أيوب رضي الله عنه: ((أن أعرابيًّا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته، أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله - أو يا محمد - أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟ قال: فكف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: لقد وُفِّق - أو لقد هُدِيَ - قال: كيف قلت؟ قال: فأعادها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، دَعِ الناقة))، وفي رواية: ((وتصل ذا رحمك، فلما أدبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تمسَّك بما أُمر به دخل الجنة))[6].

واصل الرحم موصول من الله بالرحمة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أمَا ترضَين أن أصِلَ من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23][7].

قال العلماء: وحقيقة الصلة العطفُ والرحمةُ، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم، ورحمته إياهم، وعطفه بإحسانه ونعمه[8].

وما أرق هذه الحديث في الحث على صلة الرحم! وفيه بيان كيف تستجير الرحم المقطوعة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرحم شِجْنَة من الرحمن[9] تقول: يا رب، إني قُطعت، يا رب، إني أُسيء إليَّ، يا رب، إني ظُلمت، يا رب، يا رب، فيجيبها: ألا ترضين أن أصِلَ من وصلك، وأقطع من قطعك؟))[10].

خطورة قطيعة الأرحام:
قاطع الرحم مطرود من رحمة الله:
قال تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]، ففي هذه الآية نهي عن الإفساد في الأرض عمومًا، وعن قطع الأرحام خصوصًا، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض، وصلة الأرحام؛ وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال[11].

تُعجَّل لقاطع الرحم عقوبة في الدنيا:
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنبٍ أجدر أن يعجِّلَ الله لصاحبه العقوبة في الدنيا - مع ما يدخر له في الآخرة - من البغي وقطيعة الرحم))[12].

وما ذلك إلا لأن البغي من الكبر، وقطيعة الرحم من الاقتطاع من الرحمة، والرحم القرابة، ولو غير محرم، بنحو إيذاء، أو صد، أو هجر، فإنه كبير كما يفيده هذا الوعيد الشديد، وفيه تنبيه على أن البلاء بسبب القطيعة في الدنيا، لا يدفع بلاء الآخرة، ولو لم يكن إلا حرمان مرتبة الواصلين[13].

لا يُقبل عمل قاطع الرحم:
ولك أن تتخيل هذا الترهيب الشديد من قطيعة الرحم، أتحب أن تعمل وتجتهد في العمل، ثم في النهاية لا يُقبل عملك؟! لأجل ماذا تصبر على البلاء؟ اسمع ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا حديث شديد، نسأل الله السلامة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أعمال بني آدم تُعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يُقبل عمل قاطع رحم))[14] ، فاللهم ارحمنا برحمتك، وأعنَّا على صلة أرحامنا.

لا يدخل الجنة قاطع رحم:
الله أكبر، اللهم سلِّم سلم، من يتحمل هذا الوعيد؟! من يصبر على قطيعة الرحم بعد هذا؟! أخي الكريم، أصغِ سمعك، وأحضر قلبك لسماع هذا الحديث؛ عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدِّق بالسحر))[15].

وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل الجنة قاطع؛ قال سفيان: يعني قاطع رحم))[16].

فظهر بذلك - أيها الكرام - أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة.

وهذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله الرحمن الرحيم، خلق الرحم واشتق اسمها من اسمه سبحانه، من وصلها وصله، ومن قطعها قطعه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:
فبعدما سمعنا فضل صلة الأرحام، ومغبة وعقوبة قاطعها، فقد يسأل البعض، فيقول: ما هي الأرحام؟ وكيف نصلها؟ وماذا نفعل مع أرحامنا إن أساؤوا إلينا؟

كيف نصل أرحامنا؟
أقول وبالله التوفيق: صلة الرحم معناها: تشريك ذوي القربى في الخيرات، وهذه الصلة قد تكون بالمال وبالخدمة وبالزيارة ونحوها.

والصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب.

ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له، لا يسمى واصلًا.

وأما الأرحام الذين تجب صلتهم، فقد اختلف أهل العلم فيهم، ولعل الصواب في ذلك أنهم كل قريب، سواء كان مَحْرَمًا أو غيره، يرث أو لا يرث، ويشمل كل ذي نسب من جهة الأم أو من جهة الأب.

وأقربهم الآباء والأمهات والأجداد والأولاد وأولادهم ما تناسلوا، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم.

والأرحام قد يكون فيهم أهل الدين والصلاح، وأهل الكفر والفسوق، فكيف تكون صلة هؤلاء وهؤلاء؟


قال ابن أبي جمرة رحمه الله: "تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء، والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارًا أو فجارًا، فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى"[17].

عباد الله: والناس في باب صلة الرحم ثلاثة:
واصل، ومكافئ، وقاطع، فالواصل هو الذي يتفضل ولا يُتفضَّل عليه، والمكافئ هو الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذه، والقاطع الذي لا يُتفضَّل عليه ولا يتفضل.

وعلى العبد - أيها المباركون - أن يحسن إلى أقاربه حتى ولو آذَوه؛ فعن أبي هريرة ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأُحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ[18]، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك))[19].

وقد ذكر أهل العلم معنيَينِ جميلين لهذا الحديث:
أما الأول، فمعناه: كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه.

والثاني: أن معناه: أنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم؛ لكثرة إحسانك، وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم، كمن يسف المل[20].

فأنت - أخي الكريم - مؤيَّد منصور من الله، بل ومأجور على إحسانك إلى أقاربك، وإن جهلوا عليك، وآذَوك، فاستمرَّ على ذلك.

وفقنا الله وإياكم لِما يحب ويرضى، وأسأله سبحانه أن يرحمنا برحمته، وأن يمن علينا من فضله، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يصلح ذات بيننا، وأسأله سبحانه أن يغفر للمؤمنين والمؤمنات، إنه ولي ذلك ومولاه، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه.

[1] رواه البخاري (6138).

[2] شرح مصابيح السنة 4/ 574.

[3] رواه البخاري 2067، مسلم 2557.

[4] أَيْ: سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْمَالِ.

[5] رواه الترمذي، 1979.

[6] رواه مسلم 13.

[7] رواه البخاري 4830، مسلم 2554.

[8] شرح النووي على مسلم 16/ 113.

[9] أي: مشتقة من اسمه.

[10] رواه أحمد 8975، وقال المنذري: إسناد جيد قوي.

[11] تفسير القرآن العظيم 7/ 318.

[12] رواه الترمذي 2511، وأبو داود 4902، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.

[13] فيض القدير 5/ 478.

[14] رواه أحمد 10272، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 674، وصححه غير واحد من أهل العلم.

[15] أخرجه أحمد 19569، وهذا الجزء من الحديث حسن لغيره.

[16] رواه البخاري 5984، ومسلم 2556.

[17] فتح الباري 10/ 418.

[18] المل: هو الرماد الحار؛ أي كأنما تُطْعِمُهُمُوهُ.

[19] رواه مسلم 2558.

[20] شرح النووي على مسلم 16/ 115.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.75 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]