عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-09-2022, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية

الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية


قبل الحديث عن الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية من المعلوم أن هوية المصرف وشخصيته الإسلامية لا تتم إلا بتميزه عن المصارف الربوية، والواجب على المصارف الإسلامية لتحقيق هذا التميز أن تتقيد بما يحل وبما يحرم من المعاملات، لكي يتطابق الاسم مع الفعل، وللرقابة الشرعية في المصارف الدور الكبير في ضمان هذا الأمر؛ لذا جاء هذا البحث ليلقي الضوء على موضوع الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية متناولا دورها، وطبيعة عملها، وما يتعلق بها.

1 – مفهوم الرقابة الشرعية
2 – مكونات الرقابة الشرعية
3 – أهمية الرقابة الشرعية
4 – مجالات عمل الرقابة الشرعية
5 -العوائق التي تعترض هيئة الفتوى
6 -إشكالية تعدد الفتاوى بين هيئات الفتوى في المصارف الإسلامية
7 – أخذ الأجرة على الفتوى
1- مفهوم الرقابة الشرعية

إن الرقابة الشرعية مفهوم مستحدث لهيكلية معينة، وهذا المفهوم بحاجة إلى تحديد معالمه، وضبط حدوده، وتقييد مفرداته؛ للوقوف على المعنى المراد منه، لئلا يختلط بغيره من المفاهيم المستخدمة، وأيضا لكي تتضح الصورة حول هذا المفهوم، فلا يعتريها ضباب أو غموض؛ لذا أقول:
الرقابة لغة:
قال ابن فارس: الراء والقاف والباء: أصل واحد مطرد يدل على انتصابٍ لمراعاة شيء(1)، واستعمل لفظ “رقب” في اللغة العربية للدلالة على أكثر من معنى، ومن أبرز هذه المعاني:
1 – الانتظار:
كَتَرقبَهُ، وارْتقبه أي انتظره، والترقب: هو الانتظار، وهو كذلك تنظر وتوقع الشيء، والرقيب هو المنتظِر(2).
2 – الحفظ والحراسة:
من رقب الشيء يَرْقُبُه، وراقَبَه مُراقبة ورِقابا أي حرسه، والرقيب: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، ورقيب القوم: هو الحارس الذي يشرف على مَرْقَبة ليحرسهم، فالرقيب إذا هو الحارس الحافظ(3).
3 – الإشراف والعلو:
من ارتقب المكان أي أشرف عليه وعلا، والمَرْقَبُ والمَرْقَبة: الموضع المشرف الذي يرتفع عليه الرقيب، والجمع مراقب وهي: ما ارتفع من الأرض(4).
الرقابة اصطلاحا:
هي عبارة عن وسيلة يمكن بواسطتها التأكد من مدى تحقق الأهداف بكفاية وفاعلية في الوقت المحدد(5).
مفهوم الرقابة الشرعية:
عرفت الرقابة الشرعية بأنها: التأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية الإسلامية لأحكام الشريعة الإسلامية حسب الفتاوى الصادرة والقرارات المعتمدة من جهة الفتوى(6).
2 – مكونات الرقابة الشرعية
إنني أرى أن تتكون الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية من هيئتين، هما: هيئة الفتوى والتي تُعنى أساسا بإصدار الفتاوى، وتقوم بالناحية النظرية، وهيئة التدقيق الشرعي التي تُعنى أساسا بالناحية العملية من خلال متابعة تنفيذ فتاوى هيئة الفتوى، وسأتكلم عن كل منهما على حدة.
ولا تستغني إحداهما عن الأخرى لأسباب عدة، منها:
1 – أن دور هيئات الفتوى في معظم المصارف الإسلامية لا يتعدى دور الإفتاء النظري إلى القيام بالرقابة الفعلية على أعمال المصارف، ولكن هل طبقت الفتوى كما صدرت من الهيئة؟ وهل يُعرض على الهيئة كل ما يقوم به المصرف(7)؟ لذا فنحن بحاجة إلى هيئة التدقيق التي تقوم بمتابعة تنفيذ الفتاوى وعرض جميع أعمال المصرف على هيئة الفتوى.
2 – مع تطور ونمو المصارف الإسلامية وتزايد أعمالها وتشعب أنشطتها المصرفية والاستثمارية، أصبح من غير اليسير على هيئات الفتوى -والتي غالبا ما تكون غير متفرغة- أن تطلع على جميع الأعمال والنشاطات، وتقوم بنفسها بمتابعة مجريات التنفيذ ومدى التزام إدارة المصرف بتوجيهاتها وقراراتها(8)؛ لذلك كله فإنني أرى ضرورة وجود هيئة التدقيق الشرعي.
ومع وجود الهيئتين لا بد من وجود هيئة عليا تكون بمنزلة المحكمة العليا لجميع هيئات الفتاوى في البنوك الإسلامية.
ومن هنا أرى أنه لا بد من وجود ثلاث هيئات للرقابة الشرعية هي:
1 – الهيئة العليا للرقابة: وهي على مستوى المصارف الإسلامية كافة.
2 – هيئة الفتوى: وهي على مستوى كل مصرف على حدة، وتقوم بالناحية النظرية وإيجاد البدائل الشرعية والحلول العملية لمشاكل المصارف الإسلامية.
3 – هيئة التدقيق الشرعي: وهي على مستوى كل مصرف وتقوم بالناحية العملية، أي التأكد من التزام إدارة المصرف بالحدود المرسومة لها من الناحية الشرعية والتزامها بتوجيهات هيئة الفتوى والفتوى الصادرة منها.
3 – أهمية الرقابة الشرعية
إن الرقابة الشرعية ذات أهمية بالغة للمصارف الإسلامية لأكثر من سبب، من أبرزها:
1 – أن الأساس الذي قامت عليه المصارف الإسلامية المعاصرة هو تقديم البديل الشرعي للمصارف الربوية غير المشروعة، ولا يخفى على أحد أن الرقابة الشرعية ضرورة حيوية للمصارف الإسلامية، فهي الجهة التي تراقب وترصد سير عمل المصارف الإسلامية والتزامها وتطبيقها في معاملاتها للأحكام الشرعية.
2 – عدم الإحاطة بقواعد المعاملات الإسلامية من قبل جميع العاملين في المصارف الإسلامية(9).
3 – في هذا الوقت الذي تعقدت فيه الصور التجارية، وانتشرت أنواع جديدة من المعاملات التجارية كبطاقات الائتمان، والحسابات بأنواعها، والتجارة الإلكترونية التي لا يوجد لها أحكام في المصادر الفقهية القديمة، وإن وجدت الأحكام فإن المصرفيين القائمين على النشاط المصرفي غير مؤهلين للكشف عنها بأنفسهم.
4 – إن العمليات المصرفية في الاستثمار والتمويل بالذات تحتاج إلى رأي من هيئة الفتوى؛ نظرا لتميز هذه العمليات بالتغير وعدم التكرار مع كل حالة أو عملية أو مشروع يموله المصرف، ومن ثم فالعاملون في النشاط الاستثماري يجب أن يكونوا على اتصال مستمر مع الرقابة الشرعية؛ لأنهم دائما بحاجة إلى الفتيا في نوازل وواقعات تواجههم أثناء عملهم.
5 – إن وجود الرقابة الشرعية في المصرف يُعطي المصرف الصبغة الشرعية، كما يُعطي وجود الرقابة ارتياحا لدى جمهور المتعاملين مع المصرف(10).
6 – ظهور كيانات مالية واستثمارية غير جادة تنص نظمها الأساسية وقوانين إنشائها على أنها تعمل وفقا لأحكام الشريعة، دون وجود رقابة تكفل التحقق من ذلك (11).
4 – مجالات عمل الرقابة الشرعية
1 – مجالات عمل هيئة الفتوى:

أ – المجالات العلمية:
إن هيئة الفتوى لها دور كبير في المجالات العلمية، ومن هذه المجالات:
1 – تأصيل الفقه الإسلامي في ميدان المعاملات المالية المصرفية، وإبداء الرأي الشرعي في الأنشطة الاستثمارية وتطبيق القواعد الشرعية على أنشطة المصرف الاستثمارية وغيرها من الأنشطة المصرفية.
2 – الرد على الأسئلة والاستفسارات الفقهية: تثور تساؤلات عديدة عن بعض أنشطة المصارف وحكمها من الناحية الشرعية من المتعاملين أو الباحثين أو الموظفين أو المشككين، وهنا يأتي دور الهيئة في بيان وتوضيح الرأي الشرعي للسائل(12).
3 – التوعية والتثقيف للعاملين في قطاع العمل المصرفي الإسلامي: إن المصرف الإسلامي يحتاج إلى العاملين الذين يفقهون الأحكام الشرعية، ويكونون على قدر معقول من التفقه في الدين وخصوصا في ميدان المعاملات المصرفية الإسلامية.
إن المصارف الإسلامية حديثة النشأة نسبيا، وإن العاملين الذين لديهم خبرات في العمل المصرفي الإسلامي أعدادهم قليلة، ونحن نجد أن كثيرا من موظفي المصارف الإسلامية جيء بهم من البنوك غير الإسلامية، وبالتالي فإنهم قد تعودوا على أساليب العمل المصرفي التي لا تنسجم مع الأحكام الشرعية، ومن جانب آخر فهناك عدد آخر من الموظفين لا خبرة سابقة لديهم في الشقين المصرفي والشرعي، وهذا كله يلقي عِبْئا على كاهل هيئة الفتوى بالارتقاء بهؤلاء العاملين وتوعيتهم وتثقيفهم في:
1 – أحكام المعاملات الشرعية.
2 – أسس وقواعد العمل المصرفي الإسلامي.
3 – أحكام المعاملات المالية المعاصرة.
4 – الآداب التي يجب على موظف المصرف التحلي بها.
ويتم ذلك من خلال عقد الدورات وورش العمل، وتزويدهم بالكتب والنشرات(13).
4 – إقامة الندوات والمؤتمرات وحلقات البحث العلمي: هناك تحديات كبيرة تواجه العمل المصرفي الإسلامي، وهناك مستجدات وهناك حاجة ملحة إلى التطوير والإبداع وتقديم الحلول والبدائل، كل هذه الأعمال تحتاج إلى النقاش والحوار وتلاقح العقول، وهذا يحتاج إلى عقد لقاءات وندوات ومؤتمرات على مستوى الدولة أو على مستوى عدة دول لتدارس المشكلات والتحديات المشتركة التي تواجه المصارف الإسلامية وطرح بدائل لحلها، واستكشاف سبل وطرق الارتقاء بالعمل المصرفي الإسلامي، ومن هذه المشكلات تعدد الفتاوى لهيئات الفتوى في المسألة الواحدة، ومن المسائل التي تحتاج إلى حكم واضح متفق عليه بطاقة الائتمان مثلا(14).
ومن الجدير بالذكر هنا أنه تم انعقاد مؤتمرين للهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية وكلاهما عقد في البحرين(15).
5 – نشر أعمال الرقابة الشرعية: إننا بحاجة ماسة إلى تنوير الرأي العام المسلم بالمسائل المصرفية والاقتصادية من وجهة النظر الشرعية، من أجل إغلاق الباب أمام الشائعات حول شرعية الأعمال المصرفية، ويمكن أن يتم هذا عن طريق نشر وإصدار الكتب والنشرات والاستفادة من صفحات الإنترنت في تبيان فتاوى وقرارات هيئة الفتوى حول الأعمال المصرفية.
ومن الجدير بالذكر هنا ضرورة السعي إلى إصدار موسوعة اقتصادية إسلامية شاملة تضم كل ما تحتاج إليه المصارف الإسلامية من أحكام شرعية لتكون مرجعا لهذه المصارف، ويصدر في كل سنة ملحقٌ لها يحتوي على أحكام ما يستجد من معاملات(16).
ب – المجالات التنفيذية:
إن عمل هيئة الفتوى في معظم المصارف الإسلامية لا يتجاوز الإفتاء النظري، وقليل من المصارف تتيح للهيئة مراجعة عملياتها الاستثمارية بالتفصيل من واقع بياناتها المالية الخاصة بالاستثمارات وبالدخل، بحيث تُمكن الهيئة من الحكم على هذه العمليات هل تمت بصورة شرعية أم لا؟ مع إعطاء التوجيهات لتصحيح المخالفات إن وقعت.
إن هذه الرؤية للهيئة في كونها تضع يدها على تفاصيل العمل، وتشارك في إيجاد حلول وبدائل شرعية للمعاملات المحرمة شرعا بعد أن تراها منفذة فعليا في أرض الميدان، أقوى بكثير من حصر عملها في صورة سؤال وجواب.
لذلك أود أن أعرض فيما يلي نموذجا لتفعيل مجالات عمل هيئة الفتوى التنفيذية، وهذا النموذج يتكون من ثلاثة محاور:
المحور الأول: الرقابة الوقائية (قبل التنفيذ).
المحور الثاني: الرقابة العلاجية (أثناء التنفيذ).
المحور الثالث: الرقابة التكميلية (بعد التنفيذ).
الرقابة الوقائية (قبل التنفيذ):
أمام المصارف الإسلامية مسئولية كبيرة في تقديم نموذج إسلامي للعمل المصرفي كبديل للمعاملات المصرفية الربوية، وهذا يلقى عِبْئا كبيرا على كاهل هيئة الفتوى في تأصيل القواعد الشرعية النظرية والتطبيقات العملية المنسجمة مع الأسس والقواعد النظرية، حيث إنها دفعت المصارف الإسلامية نحو خليج الإباحة الشرعية للمعاملات المصرفية، وسأقوم في هذا المحور بعرض أبرز هذه الأعمال:

1 – مراعاة الجوانب الشرعية في عقد التأسيس واللوائح والنظام الأساسي(17).
2 – إشرافها على إعداد وصياغة نماذج العقود، والخدمات المصرفية، والاتفاقيات مع الآخرين، ومناقشة المشروعات ودراسات الجدوى من وجهة النظر الشرعية، ومن أمثلة هذه النماذج:
أ – نماذج عقود فتح الحسابات الائتمانية، مثل: الودائع بأنواعها.
ب – نماذج تقديم الخدمات المصرفية، مثل: شراء وبيع العملات، الاعتماد المستندي.
ج – نماذج الصيغ الاستثمارية المختلفة، مثل: البيوع بأنواعها، المضاربة، المشاركة، الاستصناع.
د – سياسات وإجراءات الحسابات الختامية، مثل: الإيرادات، المصروفات، حساب الأرباح والخسائر(18).
3 – إيجاد المزيد من الصيغ الشرعية المناسبة للمصرف الإسلامي لمواكبة التطور في الأساليب والخدمات المصرفية(19).
4 – المراجعة الشرعية لكل ما يُقترح من أساليب استثمار جديدة.
5 – وضع القواعد اللازمة لضبط التعامل مع البنوك غير الإسلامية(20).
6 – إعداد دليل عملي شرعي، وهو: دليل الإجراءات الذي يشمل مختلف عمليات المصرف ابتداء من فتح الحسابات الجارية، وحسابات الاستثمار، ومرورا بعمليات التمويل في المرابحة والمضاربة وانتهاء بأشكال الخدمات المصرفية من حوالات وفتح اعتمادات. وتكمن أهمية هذا الدليل في كونه يُسهل توحيد المنهج والضبط والمراقبة، ويعمل كذلك على تنمية الوعي لدى العاملين بحيث يحيطون بالأسس الشرعية الحاكمة للعمل المصرفي الإسلامي، ويُعين هيئة الفتوى لمعرفة ما وراء الأعمال المصرفية من ارتباطات تعاقدية(21).
الرقابة العلاجية (أثناء التنفيذ):
أثناء سير المصرف في أعماله المصرفية والاستثمارية قد يقع في أخطاء شرعية، أو قد يتعرض لبعض المسائل وبعض الإشكالات التي تحتاج إلى رأي شرعي، وهنا يبرز دور الهيئة في ضبط وتصحيح خط سير المصرف وتقويم اعوجاجه، وتقديم الرأي الشرعي للمسائل والمشكلات.
ويمكن أن نلخص دور الهيئة أثناء التنفيذ في مجموعة نقاط، من أبرزها(22):
1 – إبداء الرأي الشرعي فيما يُحال إليها من معاملات المصرف.
2 – المراجعة الشرعية لجميع مراحل تنفيذ العملية الاستثمارية وإبداء الملاحظات ومتابعة تصحيحها أولا بأول.
3 – اشتراط موافقة الهيئة على إتمام المشروعات الاستثمارية قبل اتخاذ الخطوة النهائية في التنفيذ.
4 – تقديم ما تراه الهيئة مناسبا من المشورة الشرعية إلى المصرف في أي أمر من أمور المعاملات المصرفية.
5 – سرعة التحقيق في الشكاوى من الناحية الشرعية أثناء التنفيذ وعمل اللازم تجاهها.
6 – التوجيه والتقييم لأي خطأ في الفهم يؤثر على التنفيذ ويجعله منحرفا عن أهدافه وغاياته.
7 – الاطلاع على تقارير هيئة التدقيق الشرعي بشأن المراجعة الشرعية لعمليات المصرف وإبداء الرأي بشأنها.
الرقابة التكميلية (بعد التنفيذ):
في نهاية كل عام لا بد لهيئة الفتوى من تقييم عمل المصرف من الناحية الشرعية؛ لأن أساس قيام المصرف هو تطبيق قواعد العمل المصرفي الإسلامي، وهذا الأمر يتطلب من الهيئة المراجعة المستمرة لأعمال المصرف، وتتم هذه المراجعة من خلال وسائل عديدة منها(23):
1 – مراجعة ملفات العمليات الاستثمارية بعد التنفيذ.
2 – الاطلاع على الميزانية العامة وتقرير مراقب الحسابات.
3 – مراجعة تقارير الجهات الرقابية الخارجية كالبنك المركزي مثلا، وفي ضوء هذه المراجعة تقدم الهيئة تقريرا دوريا تبدي فيه رأيها في المعاملات التي أجراها المصرف ومدى التزامه بالفتاوى الصادرة عن الهيئة والتوجيهات والإرشادات، وحتى تتم هذه الرقابة على الوجه الأكمل فعلى الهيئة أن تقوم بـ:
1 – وضع برامج الرقابة الشرعية، والتي تشتمل على:
أ – برنامج يتضمن مراقبة كافة أنشطة المصرف.
ب – برنامج زمني يتضمن توقيت عملية الرقابة.
2 – وضع نماذج تجميع البيانات والمعلومات لتسهيل عملية الرقابة.
3 – وضع نماذج تقارير الرقابة الشرعية، والتي تتضمن:
أ – العمليات التي تمت مراجعتها شرعيا.
ب – الملاحظات التي ظهرت أثناء عملية المراجعة.
ج – ماذا تم بشأن هذه الملاحظات.
د – التوصيات والإرشادات والنصائح الواجبة لمعالجة المخالفات والأخطاء.
4 – تخطيط هيكلية عمل هيئة التدقيق الشرعي، وعقد اجتماعات دورية بين هيئة الفتوى وهيئة التدقيق لمتابعة سير العمل وتطويره إلى الأحسن.
ج – أثر هيئة الفتوى في تطوير الأعمال المصرفية:
إن لهيئة الفتوى الدور الكبير في تطوير الأعمال المصرفية وذلك بتطبيق القواعد الشرعية على العقد بداية، واستثناء ما جاء مخالفا للقواعد الشرعية ثانيا، والسعي نحو إيجاد بديل شرعي متناسق مع القواعد ثالثا، ومن المجالات التي كان للهيئة تقعيدها وتطويرها:
1 – المشاركة:
لقد تمكنت هيئات الفتوى من جعل دور المصارف الإسلامية دورا إيجابيا في مجالات التنمية، فطورت أسلوب المشاركة الثابتة الذي يعتمد على الشركة الدائمة القائمة على مساهمة كل طرف من أطراف المشاركة بنصيب في رأس المال إلى المشاركة المنتهية بالتمليك يتنازل المصرف فيها سنويا عن جزء من حصته إلى عميله المشارك معه بحيث تؤول ملكية المشروع كاملا إليه في النهاية(24).
وأشير هنا إلى أن هذا النوع من المشاركة يساعد في انتشار ملكية المشاريع.
2 – بطاقة الائتمان:
لقد قامت هيئات الفتوى بتهذيب البطاقة من شروطها المحرمة لتتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومنها: حذف شرط دفع فوائد تأخير على سداد المصرف لعملائه أصحاب الحسابات المكشوفة، واشترطت الهيئة ألا يترتب على هذه المعاملة بالبطاقات أية معاملات بالفوائد أخذا أو إعطاء، واشترطت كذلك أن يكون تحويل العملات بسعر الصرف المعلن يوم الدفع(25)(26).
3 – الاستصناع:
لقد استطاعت هيئات الفتوى تطوير صيغ الاستصناع الذي احتل دورا رئيسا في استثمارات البنوك الإسلامية، إذ قامت المصارف بتمويل المباني السكنية والاستثمارية بنظام عقود الاستصناع، وساهمت المصارف الإسلامية في صناعات عديدة كالصناعات الزراعية القائمة على المنتجات الزراعية كالتعليب والتجفيف مثلا(27).
وأشير هنا إلى أن هذا التطوير يقتضي أمورا منها:
1 – ضرورة الجهد الجماعي لهيئات الفتوى، فجهد هيئة واحدة لا يكفي، بل لا بد من عقد لقاءات بين أعضاء هيئات الفتوى للمصارف الإسلامية يجتمعون فيها ويتدارسون المشكلات التي تواجه المصارف الإسلامية وسبل الرقي في أعمالها.
2 – ضرورة إحياء الهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية لتراجع فتاوى الهيئات.
3 – ضرورة اتصال الهيئات بالمجامع الفقهية لتعرض عليها ما يواجهها من مشكلات مصرفية تحتاج إلى اجتهاد جماعي.
4 – ضرورة تعميق التأهيل المصرفي لأعضاء هيئة الفتوى، وضرورة معرفتهم بشتى أساليب الأعمال المصرفية.
5 – تعاون أعضاء الهيئة مع الكليات والمعاهد الشرعية والإفادة من الرسائل الجامعية في مجال البنوك الإسلامية.
6 – عقد الندوات على مستوى الهيئات في البلد الواحد لعرض ما يستجد من معاملات على مستوى البلد الواحد.
7 – الاهتمام بأقسام البحوث الشرعية في المصارف الإسلامية لتؤدي دورها في التوجيه والمتابعة والدراسة.
8 – دعم فكرة التدريب بين المصارف الإسلامية وإجراء البحوث المشتركة المتصفة بالعموم للمصارف الإسلامية(28).
مجالات عمل هيئة التدقيق الشرعي:
مع نمو وتطور المصارف الإسلامية، وتزايد أعمالها وتفرع وتشعب أنشطتها المصرفية والاستثمارية: أصبح من غير اليسير على هيئة الفتوى -وهي غالبا غير متفرغة للعمل في المصرف- الاطلاع والمتابعة لمدى التزام إدارات وأقسام المصرف بالتوصيات والإجراءات الصادرة عنها، لذلك برزت الحاجة الملحة إلى إيجاد جهاز تابع للهيئة يجمع بين العلم الشرعي والعلم المصرفي ليكون معينا لها على أداء مهامها ألا وهي هيئة التدقيق الشرعي. إن هيئة التدقيق الشرعي تقوم بالإجابة عن الأسئلة والاستفسارات اليومية التي ترد على مشروعية النشاطات التي يمارسها المصرف الإسلامي، وتشرف على متابعة الالتزام وتنفيذ التوصيات والفتاوى الصادرة عن هيئة الفتوى، كما تقوم بتدقيق المعاملات المختلفة التي يقوم بها المصرف وتتأكد من تطبيق الشروط والمعايير الشرعية فيها(29).
وسأستعرض فيما يلي كيفية ووجوه تدقيق الهيئة لبعض المعاملات التي يجريها المصرف:
أولا: المرابحة
وهي: نقل ما مُلك بالعقد الأول مع زيادة ربح(30).
ومما يدل على صحة المرابحة قوله تعالى: }وَأَحَل اللهُ الْبَيْعَ وَحَرمَ الربَا { [سورة البقرة: آية 275] فهي تدخل ضمن العقود المباحة، ويشترط لصحتها شروط عدة، منها:
1 – أن يكون الثمن الأصلي “الأول” معلوما لطرفي العقد وخاصة للمشتري الثاني، وكذلك ما يحمل عليه من تكاليف أخرى.
2 – أن يكون الربح معلوما: مقدارا أو نسبة من الثمن الأول.
3 – أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال، بمعنى أن يكون له مثيل كالمكيلات والموزونات والعدديات.
4 – ألا يكون الثمن في العقد الأول مقابلا بجنسه من أموال الربا، بمعنى لا يصح بيع النقود مرابحة، ولا يجوز بيع السلعة بمثلها.
5 – أن يكون العقد الأول صحيحا؛ لأن بيع المرابحة مرتبط بالعقد الأول.
6 – أن تكون السلعة موجودة عند البائع حين إبرام عقد البيع، أي أن يكون حائزا للبضاعة ومالكا لها وقادرا على تسليمها إلى المشتري؛ لأن عقد بيع المرابحة يقوم على البيع الحاضر.
وفي مجال العمل المصرفي، فإن بيع المرابحة يتميز بحالتين:
أ – الحالة الأولى: وهي الوكالة بالشراء مقابل أجر، فمثلا يطلب العميل من المصرف الإسلامي شراء سلعة معينة ذات أوصاف محددة، بحيث يدفع ثمنها إلى المصرف مضافا إليه أجر معين.
ب – الحالة الثانية: يطلب العميل من المصرف الإسلامي شراء سلعة معينة محددة الأوصاف، بعد الاتفاق مع المصرف على تكلفة شرائها ثم إضافة ربح معلوم عليها. ويتضمن هذا النوع من التعامل وعدا من العميل بشراء السلعة حسب الشروط المتفق عليها، ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع طبقا لذات الشروط(31).
وعلى هيئة التدقيق الشرعي في عمليات المرابحة للآمر بالشراء ما يلي:
1 – الاطلاع على عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء بين المصرف والعميل مشتملا على تفاصيل البضاعة ومقدار الأرباح وطريقة السداد ومدته، وفترة السماح وأي شروط أخرى، والتأكد من صحة العقد وخلوه من الربا.
2 – الاطلاع على بيان مواصفات وثمن البضاعة المطلوبة من الآمر بالشراء (أو فاتورة عرض الأسعار).
3 – الاطلاع على فاتورة شراء باسم المصرف الإسلامي صادرة عن مورد البضاعة موضح فيها تفاصيل البضاعة المشتراة.
4 – التأكد من سداد المصرف لقيمة البضاعة.
5 – الاطلاع على محضر استلام البضاعة من المورد والتأكد من سلامتها وخلوها من العيوب، والاطلاع على محضر تسليم البضاعة إلى العميل موقعة حسب الأصول.
6 – التأكد من سلامة الضمانات من الناحية الشرعية.
7 – حصر الجزء المدفوع للمصرف من قبل الآمر بالشراء، وحصر الكمبيالات المؤجلة المعادلة لباقي القيمة البيعية المستحقة على الآمر بالشراء (التكلفة مضافا إليها الربح المتفق عليه).
8 – التأكد من إجراءات التسجيل ونقل الملكية.
9 – التحقق من التسلسل التاريخي للعمليات، والتأكد أن البيع للآمر بالشراء قد تم بعد شراء المصرف للبضاعة وحيازته لها وليس قبل ذلك(32).
ثانيا: بيع السلم:
وهو بيع موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا(33).
وقد جاء في مشروعيته قوله صلى الله عليه وسلم: “من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم”(34).
إن عقد السلم من العقود الجائزة ضمن شروط معينة، منها:
أ – شروط تتعلق برأس المال، كأن يكون رأس المال معلوم الجنس كالقمح مثلا، وأن يكون معلوم المقدار بالكيل إن كان مكيلا، وبالوزن إن كان موزونا، وبالعدد إن كان معدودا.
ب – شروط تتعلق بالسلعة (المُسلَم فيه)، كأن تكون في الذمة، وأن يكون الأجل معلوما، وأن تكون ذات صفات معينة محددة تنفي عنها الجهالة، وأن يتم تحديد مكان التسليم.
ومن الأحكام المترتبة على بيع السلم:
1 – انتقال الملك في العوضين.
2 – التصرف في دين السلم قبل قبضه.
3 – إيفاء المسلم فيه.
4 – الإقالة في عقد السلم جائزة إذا كانت برضا المتعاقدين.
ويعتبر بيع السلم أحد أوجه الاستثمار التي تقوم بها المصارف الإسلامية، ويحقق لها ربحا جيدا، فضلا عن كونه يعود بالنفع على عملاء المصرف من ناحية زيادة إنتاجهم وتوفير النواحي المالية لهم(35).
وعلى هيئة التدقيق الشرعي خلال مراجعتها لعملية بيع السلم ما يلي:
1 – التأكد من اعتماد نموذج العقد من قبل هيئة الفتوى.
2 – التحري من كون المبيع –المُسْلَم فيه- معلوم الجنس والنوع والقدر والصفة، وذلك منعا للجهالة المؤدية إلى النزاع.
3 – التأكد من كون المبيع مؤجل التسليم إلى أجل معلوم.
4 – التأكد من عدم كون المبيع نقودا؛ لأن النقود لا تصلح أن تكون مبيعا.
5 – التأكد من كون المبيع مقدور التسليم عند حلول الأجل.
6 – التأكد من معرفة مكان التسليم.
7 – التحقق من خلو البدلين (النقود، المُسلَم فيه) من علة الربا.
8 – التأكد من كون العقد باتا، أي ليس فيه خيار شرط لأي من العاقدين.
9 – التأكد من تعجيل رأس مال السلم وتسليمه للبائع فعلا في مجلس العقد قبل أن يفترق العاقدان.
10 – التأكد من بيان رأس مال السلم، وأن يكون معروف المقدار.
11 – التحقق من سلامة الضمانات(36).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]