عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-08-2021, 10:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي من آداب السفر والابتعاث

من آداب السفر والابتعاث


أ. د. محمد رفعت زنجير






للناس في مسألة السفر للغرب وغيره ثلاثة اتجاهات، هي:
الاتجاه الأول: يرى أصحابه أن أوروبا بلاد الفساد، ومأوى الضلال، ومستنقع اللهو والفجور، ويسرد أصحاب هذا الاتجاه أدلة كثيرة على ما يقولون، ثم ينتهون إلى نتيجة مؤداها رفض ومقاطعة كل ما هو أوروبي أو غربي ولا سيما في مجالات الثقافة والعقيدة، وأن لا ندع شبابنا يذهب إلى بلاد الغرب لكي نفوت عليه فرصة الانحلال والتفلت من الدين والأخلاق.

الاتجاه الثاني: يرى أصحابه بأن علينا اتباع أوروبا اتباعاً أعمى في كل شيء، وعلى الأجيال العربية أن تتثقف ثقافة أوروبية خالصة، وأن تسافر إلى أوروبا لتعرف الحضارة وتشاهد الرقي، ثم تعود إلى أوطانها حاملة معها العلم والمدنية، لتخرج أمتها من ظلمات الجهل والتخلف إلى نور العلم والمدنية.

الاتجاه الثالث: وهو أقل تطرفاً وأكثر موضوعية، فليست أوروبا كعبته التي يطوف بها، ولا هي موضع لعنته، فهي على جانب كبير من التقدم في العلوم البحتة من فيزياء وكيمياء وطب وميكانيك ورياضيات وهندسة وحاسب آلي وذرة وغير ذلك، ولكنها في المقابل في تخلف عظيم في جانب الدين والروح والأخلاق، صحيح بأن لديهم بعض العادات والتقاليد الحسنة، من صدق بالقول وإتقان للعمل، ووفاء للوعد، ولكن هذا لا يعني بأن أخلاقهم حسنة على الإطلاق، فالقوم لهم سجل أسود في المجون والانحلال.

إن السفر إلى أوروبا من أجل تلقي شهادة في علم التاريخ أو العقيدة أو النحو أمر مستهجن، لأن هنالك جامعات إسلامية تغني عن جامعات أوروبا في هذا الباب، أما السفر بقصد تلقي العلوم الطبيعية والطبية والكيميائية والذرية ونحو ذلك من التخصصات النادرة، فأمر مطلوب للنهضة من التخلف العلمي والصناعي الذي نعيش فيه.

ولكن هل يرسل أي طالب يريد الدراسة في أوروبا؟ أم ننتقي الطالب المتميز خلقاً وذكاء؟ لا بد من مواصفات معينة لمن يبتعث إلى بلاد الغرب، بحيث يعود الدارس جندياً مخلصاً لأمته لا خنجراً في ظهرها، وقد مسخ قلبه، وصار عبداً للغالب ضد المغلوب، فلا يرى في أمته إلا كل نقيصة، ولا يرى في الغرب إلا كل كمال!

وهناك ثمة ملاحظات لا بد منها هنا: وهي تتمثل في ضرورة البحث عن الاختصاصات النادرة عند الابتعاث، والتمسك بالقيم والأخلاق الحميدة، والحذر من الغواية والفساد وأصدقاء السوء، ولا بد من المرونة في التعامل مع الآخرين من غير تهاون في الثوابت، وينبغي للإنسان أن يكون صابراً ولا يستسلم لأي فكرة تبعث أثراً سلبياً في نفسه، وعليه أن يكون سفيراً لبلده وأهله ودينه، وأن يحاور الآخرين حول قضايا أمته ومشكلاتها، ويجتهد في العلم ويحاول التفوق فيه، والاقتصاد في النفقة واجب لئلا يحتاج إلى الدين أو العمل، وإذا استطاع أن يذهب وقد أكمل شطر دينه بالإحصان فليفعل، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإذا قضى مهمته من السفر وحقق أربه فعليه أن يعود إلى وطنه لينشر فيه المعرفة التي تعلمها، ويخدم من خلالها أبناء جلدته.


إن الرحلة من أجل العلم ينبغي أن تكون محفوفة بآداب العلم وأخلاق العلماء، وأما الرحلة من أجل السياحة فيدخل فيها أكثر الوصايا الآنفة، وحبذا لو كانت إلى بلد عربي أو مسلم أو إفريقي لكي ينتفع ذلك البلد من عائدات السياحة فيساعد اقتصاده بذلك، وليتعرف الإنسان على البيئة التي حوله وتجاوره قبل أن يتعرف على غيرها من البيئات الإنسانية المتعددة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.58%)]