الموضوع: خاتم النبيين
عرض مشاركة واحدة
  #45  
قديم 09-05-2023, 03:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خاتم النبيين

خاتم النبيين (45)
الشيخ خالد بن علي الجريش


شيء من هديه عليه الصلاة والسلام



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على مَن أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد أيها الأكارم:
فمرحبًا بكم في برنامجكم خاتم النبيين، وقد أسلفنا الحديث في الحلقة الماضية عن الأحداث الأخيرة في حياته عليه الصلاة والسلام؛ من تجهيزه الجيشَ لغزو الروم بقيادة أسامة بن زيد رضي الله عنه، ومعه بعض أكابر الصحابة، ولكن أسامة لم يستعجل الذهاب بذلك الجيش؛ لأن بداية المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم قد ظهرت، وذكرنا أيضًا في ثنايا الحلقة حصول علامات لدنوِّ أجَلِه عليه الصلاة والسلام، واستطردنا أيضًا في الحديث عن واقع الصحابة مع تلك الأجواء للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا كذلك عددًا من وصاياه عليه الصلاة والسلام في آخر حياته للأمة، وقد عرجنا أيضًا على موقف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، مختتمين تلك الحلقة بالدروس والعِبر العظيمة الْمُستنتَجة من ذلك، وفي حلقتنا هذه نذكر شيئًا من هَدْيِه عليه الصلاة والسلام؛ ليكون ذلك نبراسًا لنا ومنهجًا في حياتنا؛ فهو المعصوم عليه الصلاة والسلام، ومنهجه هو الدليل؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]، فهَديُه عليه الصلاة والسلام أكمل الهديِ، وسيرته أكمل السِّيَرِ وأجملها، وهو رسول رب العالمين، والهدي النبوي هو الطريقة التي كان يسير عليها النبي صلى الله عليه وسلم مرشدًا أمَّتَه بأن تكون على حَذْوِه؛ ولذلك جعل من سار على نهجه فرقةً ناجية؛ حيث عرَّفهم عليه الصلاة والسلام بقوله: ((ما أنا عليه وأصحابي))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني وغيره]، فمنهجه هو المنهج السليم، وطريقه هو الموصِّل إلى جنات النعيم، وقد كتب العلماء رحمهم الله في هديه من كل وجهة؛ في العبادة والمعاملة، والجهاد والدعوة، وفي العسر واليسر، وفي السفر والحضر، وغيرها، وممن كتب في ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه القيِّم: (زاد المعاد في هدي خير العباد)، فكم هو جميل أن تعقد الأسرة درسًا أسبوعيًّا مع هذا الكتاب؛ للتعرف على هديه عليه الصلاة والسلام في حياته كلها.

إن هذا الهدي النبوي الكريم يتسم بسماتٍ وصفات جليلة جميلة؛ ومن أهمها: الرفق والتيسير، والتعليم والإرشاد، والتواضع والإشفاق، وأيضًا البذل في النفس والمال، وكذلك البشارة والنذارة، والصدق والأمانة، إلى غير ذلك مما يطول الحديث عنه؛ وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، فهو الأُسْوَةُ والقدوة عليه الصلاة والسلام، ولعلِّي في تلك الحلقة أذكر شيئًا من هديه عليه الصلاة والسلام في بعض شؤون الحياة.

فمن هديه في أذكار الصباح والمساء التي هي بإذن الله تعالى كالحصن الحصين للمسلم إذا قالها؛ فهي حفظ له من جميع الشرور؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها، ويرشد أمته إليها، ويذكر لهم فضائلها، وقد يسمعه الصحابة رضي الله عنهم وهو يقولها، ثم يَرْوُونها إلى من بعدهم، وهذه الأذكار غاية في الأهمية؛ فعلى الآباء والأمهات تحصين نفسيهما وأولادهم بها؛ ليحفظهم الله تعالى بسببها؛ ومن تلك الأذكار:
أولًا: آية الكرسي.

ثانيًا: السور الثلاث؛ وهي الإخلاص والفلق والناس.

ثالثًا: قول: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض، ولا في السماء، وهو السميع العليم) ثلاثًا في الصباح، وثلاثًا في المساء.

رابعًا: سيد الاستغفار؛ وهو أن يقول المسلم في صباحه ومسائه: ((اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))؛ [رواه البخاري]، وقد ورد أن المحافظة على هذا هو سبب من أسباب دخول الجنة.

خامسًا: أن يقول المسلم: (رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ثلاثًا في الصباح، وثلاثًا في المساء).

سادسًا: أن يقول: (سبحان الله وبحمده في اليوم؛ مائة مرة).

سابعًا: مما يُقال في المساء فقط آخر آيتين من سورة البقرة: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 285]، إلى آخر السورة.

ثامنًا: أن يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق)؛ إن هذا من أهم الأذكار التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها؛ ليحفظه الله عز وجل بسببها، فوالله لو علِم الناس ما فيها من الأجور، وتكفير الذنوب، ودفع البلايا والشرور، ما غفلوا عنها يومًا ولا ليلة، ومن أراد الاستزادة من تلك الأذكار، فليرجع إلى مظانِّها في كتب أهل العلم؛ كالوابل الصيب في صحيح الكلم الطيبـ وأيضًا رياض الصالحين، والصحيحين، وغيرهما، وإن وقت تلك الأذكار من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في الصباح، وتُقضى بعد ذلك لمن نسِيَها، وأما في المساء، فهي من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وتُقضى بعد ذلك لمن نسِيَها.

ومن هديه عليه الصلاة والسلام الأذكار في المواقف العارضة خلال اليوم والليلة؛ كأذكار الدخول للمنزل والخروج منه، ودخول المسجد والخروج منه، وأذكار ركوب الدابة، ودخول الخلاء والخروج منه، وأذكار المأكل والمشرب، وأذكار الأذان والوضوء والصلاة والنوم، ونحو ذلك، فمن لزم ذلك كله، فهو من الذاكرين الله كثيرًا؛ فإن تلك الأذكار مما يزكِّي النفس ويطهِّرها، وتكسب من خلاله صلاح القلب والمظهر والجوهر، وتكسب أيضًا طهرة الجوارح من المخالفات بإذن الله تعالى؛ فإن لها تأثيرًا تربويًّا عظيمًا عند التزامها؛ فعلى الآباء والأمهات أن يستثمروا الفرصة في أولادهم في برمجة تلك الأذكار وتحفيظهم إياها.

ومن هديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يُكْثِرُ منه، وهو طريق واسع وميدان للتنافس في كسب الأجور والمصالح - السلام على الآخرين؛ فقد حثَّ عليه الصلاة والسلام أمته عليه كثيرًا؛ فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضل الإسلام وخيره إطعام الطعام، وأن تقرأ السلام على من عَرَفت وعلى من لم تعرِف))، فيا أخي الكريم، ماذا لو استثمرنا جميع مواقفنا مع معارفنا وغيرهم، وبذلنا لهم السلام، فكم سيحصل من المصالح الدنيوية والأخروية على ذلك؟ لا شك أن ذلك كبير وعظيم، فهو سبب لتآلف القلوب والنفوس، وباب عظيم في تحصيل الأجور والحسنات، وأعلم أنك إذا لقيتَ أخاك المسلم، فإن الأجر الأكبر لمن بادر بالسلام، وإن صحب ذلك المصافحة، فهي نور على نور، وإن صحبه أيضًا ابتسامة، فهي خير على خير، وإن أتْبَعْتَها بكلمة طيبة، فهي صدقة عظيمة، فهذه أربعة أعمال عظيمة في خلال لقائك بأحد إخوانك ممن تعرفه، أو لا تعرفه، وهي لا تستغرق بفضل الله تعالى أكثر من ربع دقيقة، فما أعظم الأجر وأيسر العمل! وذلك كله يدل على سَعَةِ فضل الله تعالى على عباده، فليسلم الصغير على الكبير، والماشي على القاعد، ولنكمل سلامنا إلى البركة، ولنرد التحية بأفضلَ منها، وإذا سلم علينا غير المسلم، قلنا: وعليكم، ولنسلم حال قيامنا من المجلس؛ فكل هذا من هديه عليه الصلاة والسلام.

ومن هديه أيضًا صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ألفاظ اشتهرت بين الناس، فأوضح لأمته النهي عنها، وأيضًا أمر بتركها، ومن ذلك أن يقول أحدهم: (هلك الناس) أو (فسد الزمان)، بل عليه أن يفعل ما يستطيعه في سبيل الصلاح والإصلاح، بدلًا من أن يقول تلك الألفاظ، ومن ذلك أيضًا قول بعضهم: (ما شاء الله وفلان)، فهذا شرك أصغر؛ لأن الواو للمساواة، والمشروع أن يقول: (ما شاء الله ثم فلان)، ومثله قول بعضهم: (لولا الله وفلان)، والصحيح أن يقول: (لولا الله ثم فلان)، ومن ذلك أن يحلف بغير الله؛ كمن يحلف بالنبي، أو بالأمانة، أو نحو ذلك؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفًا، فليحلف بالله أو ليصمت))، ومن الألفاظ التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول المسلم للمسلم: (يا كافر) أو (يا خبيث) أو (يا عدو الله)، ونحو ذلك؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه))؛ [رواه البخاري ومسلم]، ومن ذلك أيضًا سبُّ الريح والزمان، بل عليه أن يسأل الله خير تلك الريح، وخير هذا الزمان، ومن ذلك أيضًا التعصب للأنساب والقبائل؛ لأن مقياس الكرامة والشرف هو التقوى؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغِيبة والنميمة والكذب؛ فهذه ثلاثة طرق واسعة للفساد والإفساد، وزوال الحسنات عن صاحبها، إلى غيره، ومما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم تعليق الدعاء بالمشيئة؛ فبعض الناس إذا دعا ذكر في دعائه كلمة: إن شاء الله، وهذه مع الأسف أخذتها بعض الألسن وكأنها شيء طبيعي، والأمر على خلاف ذلك؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولْيَعْزِمِ المسألة؛ فإن الله لا مُكْرِهَ له))؛ [متفق عليه]، ومن ذلك أيضًا الإكثار من الحَلِفِ؛ فبعض الناس يحلف ويقسم في كثير من قضاياه وكلامه؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾ [البقرة: 224]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم وكثرةَ الحلف))؛ [رواه مسلم]، فأمْسِكْ لسانك - أخي الكريم - عن الحلف ما لم تُستحلَف، فإن استُحْلفت، فإن كان المقام يستحق ذلك، فاحلف، وإلا فأمسك، وذلك بخلاف من يطلق للسانه العِنان، فيحلف في كل قضية ومسألة، وأحيانًا في توافه الأمور وسفاسفها، فكيف يطمئن ذلك الحالف، والله عز وجل قد نهى عن ذلك؟ ومن ذلك الحديث للآخرين عن أسرار البيوت من غير مصلحة تُرتجى من ستر الله تعالى، فليُبْقِ على ستر الله عز وجل له، إن هذه الألفاظ السابقة ونحوها نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن من هديه، فلنحاول تربية أنفسنا وذرياتنا على الابتعاد عنها، ومجانبتها، ومن هديه صلى الله عليه وسلم أنه حثَّ أمته على قراءة القرآن وملازمته، والإكثار من ذلك؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ [رواه مسلم]، فما أجمل أن تجعل لك منهجية واضحة في ذلك المضمار العظيم، والمجال الفسيح لكسب الأجور والحسنات!

أخي الكريم، إن كل ما تم طرحه في تلك الحلقة من هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو يخص جارحة واحدة من الجوارح، وهي جارحة اللسان، فأذكار الصباح والمساء، والأذكار العارضة، والسلام وبذله، والألفاظ المنهي عنها، وقراءة القرآن، إن هذه كلها هي مما يوضح منزلة اللسان في كسب الأجور أو الأوزار؛ فاحفظ لسانك وسخِّره على هلكته في الحق والخير، وأختتم - أخي الكريم - تلك الحلقة ببعض المقترحات في ذلك الجانب؛ فمن ذلك:
المقترح الأول: استحداث برمجة ولو يسيرة للأولاد في تطبيق الهدي النبوي في حياتهم العملية؛ وذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الحديث الودي والعفوي مع الأولاد؛ لإيجاد هذا البرنامج ومشاركتهم في إعداده، وأخذ رأيهم فيه.

ثانيًا: البداية في رسم البرنامج بالأسهل فالأسهل حسب الجو الأسري؛ فالبداية علامة النجاح، ولو كانت يسيرة جدًّا، فهي ستنمو وتكثر بإذن الله عز وجل.

ثالثًا: بداية الواقع العملي لهذا البرنامج المرسوم، والتشجيع والتعزيز على تفعيله، والاهتمام به.

رابعًا: دراسة الوالدين في نهاية الشهر الأول للسلبيات والإيجابيات؛ لتصحيحها.

خامسًا: استشعار الوالدين الكريمين أن هذا العمل هو صدقة جارية لهم، وتربية لأولادهم، وسبب لصلاحهم.

سادسًا: طباعة هذا البرنامج وتوزيعه على الأولاد؛ حتى يزداد حماسهم وقوتهم.

سابعًا: المكافأة الشهرية أو الفصلية للأولاد حسب التنفيذ، مع استمرار التشجيع اللفظي.

ثامنًا: يتضمن البرنامج أن يحفظ الأولاد ذِكْرَين من الأذكار العارضة في اليوم والليلة من الهدي النبوي، في كل أسبوع، مع التوجيه بالمحافظة عليهما، وتفعيلهما على أرض الواقع.

تاسعًا: جلسة أسبوعية خفيفة لمناقشة مجريات هذا البرنامج، والتعرف على مرئياتهم، ومدى استعدادهم وقبولهم للمعالجة والتشجيع.

معاشر الآباء والأمهات، إن ما تقدمونه لأولادكم من أمثال تلك البرامج هو الزاد الحقيقي الذي يحتاجه الأولاد، وربما قام بعضهم بالرعاية وهو يظن أنه قام بالتربية؛ ففرق بين التربية والرعاية؛ فما ذكرناه مما تُربَّى به العقول هو يسمى تربية، وأما الرعاية فهي على معنى آخر؛ فهي توفير المأكول والمشروب، والملبوس والمسكون والمركوب، وما إلى ذلك، فهذه رعاية، والأولى تربية، فلا نخلط - رحمكم الله - بين الرعاية والتربية.

المقترح الثاني: كيف نحافظ على الهدي النبوي في أنفسنا وأولادنا؟ إن هذا السؤال كبير، وغاية في الأهمية؛ إذ إن المحافظة عليه هي الاستقامة والصلاح والإصلاح، وهو مبتغى كل أب وأم لأنفسهم وأولادهم، والمحافظة على الهدي النبوي تكمن في النقاط الآتية:
أولًا: التعرف على هذا الهدي والقراءة عنه، والرغبة فيه؛ فإن هذا دافع قوي ومتين للتمسك به، والدعوة إليه.

ثانيًا: مما يجعلنا نحافظ على الهدي النبوي تفعيله في الواقع العملي للأسرة، ولو بالتدريج، في المجال الفردي والأسري؛ فالوالدان قدوة واضحة للأولاد، بل إن عقول الأولاد الباطنة تخزن ما يفعله الوالدان من خير أو شر؛ فلا تجعل أولادك ينظرون منها إلا خيرًا.

ثالثًا: محاولة استنباط القيم الإيجابية من الهدي النبوي، فيمكن للوالدين الكريمين أن يجعلا لأولادهم في كل أسبوع قيمةً من القيم الإيجابية للحديث عنها، وتطبيقها؛ ومن أمثلة تلك القيم: قيمة البِرِّ بالوالدين، وقيمة اللفظ الحسن، وقيمة الصدق، وقيمة الاحترام، وقيمة الحياء، وقيمة القدوة الصالحة، إلى غير ذلك من القيم الإيجابية، فسيحصل الأولاد خلال عام واحد على نحو أكثر من خمسين قيمة إيجابية، وهذه حصيلة عظيمة جزيلة، تستحق العناية والجهد والمال لتربيتهم عليها، وعندما يقوم الوالدان بذلك، فإنهما يدرأان شرًّا عظيمًا قد يحيط بالأولاد من كل حَدَبٍ وصوب.

رابعًا: الدعاء والابتهال إلى الله تعالى أن يجعلنا وأولادنا من المحافظين على ذلك الهدي النبوي، والمتمسكين به؛ فإن الدعاء سلاح المؤمن، وربما أخفقت الأسباب، وأفلح الدعاء.

المقترح الثالث: من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه حثَّ أمته على تلاوة القرآن وتدبره، والإكثار من ذلك، وهذا الهدي النبوي اقتبسه الصالحون لأنفسهم وذرياتهم، وجعلوه من أولويات شؤونهم؛ حيث إنه نهر يجري لصاحبه بالحسنات والأجور، وإنني أقترح عليك - أخي الأب وأختي الأم الكريمين - الاحتساب في تنمية هذا الحس الإيماني لدى الأولاد؛ حتى يتمسكوا في ذلك الهدي الكريم، فحدِّثوهم عن ذلك، واجعلوا عقولهم الباطنة تستقي ذلك، وتأخذ به، ثم ضعوا لهم برنامجًا يناسبهم، كل على حِدَةٍ، فارسموا لهم الجداول المحررة بعدد الصفحات اليومية التي يقرؤونها، ثم يزيدون منها؛ لأنهم - أصلحهم الله - إذا وجدوا أمامهم شيئًا محسوسًا من أوراق وجداولَ، ونحو ذلك، فإن ذلك يشجعهم ويحفزهم ويعززهم، ومما يُقترَح في ذلك أن يقرأ الابن أو البنت مع كل وقت أربع صفحات فقط، فسيختم في كل شهر ختمة، وفي الختمة ما يزيد على ثلاثة ملايين حسنة، وإن كان مع كل وقت صلاة ثماني صفحات، فسيختمون في كل شهر ختمتين، وهكذا، كلما زادوا، زادت الختمات، وقد يتفاوتون في قدراتهم ورغباتهم، ولكن لا مانع أن يبدؤوا بالأقل، ولو كان قليلًا جدًّا، ولكن يزيدون بعد ذلك، يزيدون في محصولهم القرائي من القرآن، حتى يصلوا بعد ذلك إلى مستويات عالية بإذن الله تبارك وتعالى.

إن هذا الجهد وأمثاله مما يهنأ به الوالدان؛ لأنهما سببٌ في ذلك؛ فلهما مثل أجور ما قرأه هؤلاء الأولاد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه مسلم: ((مَن دلَّ على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله))، ولربما أن تلك الجدولة استمرت وتسلسلت إلى أولادهم وإلى أصدقائهم، فهنيئًا للوالدين بذلك، لكن ليَكُنِ الوالدان موضع القدوة في ذلك، وليكن التشجيع حاضرًا، خصوصًا في الأشهر الأولى من البرنامج، مع المتابعة المستمرة النشطة.

معاشر الآباء والأمهات، ماذا لو كنا كذلك في تمسكنا بالهدي النبوي فيما تم ذكره في جميع تلك الحلقة؟ سيكون أولادنا مضرب المثل في الأدب والأخلاق والسلوك الحسن، بإذن الله تبارك وتعالى، نرجو أن يتم ذلك، وكل ما نفعله من هذا أو غيره مما يصب في دائرة تربية أولادنا إنما هو في صالحنا قبل أن يكون في صالحهم، فمما نستفيده نحن أنهم سيصلحون، فإذا صلحوا، ارتاحت قلوبنا، وزالت عنا المشقة، وبدؤوا يدعون لنا، وبدأنا ندعو لهم، وعاشت الأسرة عيشة هنيئة، لا منغص فيها مما يفسد الأخلاق، أو يخل بالدين.

أسأل الله عز وجل أن يعين الآباء والأمهات على تطبيق مثل هذه المقترحات؛ فإنها مقترحات إيمانية تربوية يكسب من خلالها الآباء والأمهات الأجورَ العظيمة، لا سيما أن هؤلاء الأولاد قد يدلون عليها غيرهم، مما يمكن أن يكون في وسائل التواصل، أو في جلساتهم مع أصحابهم، أو لربما مع أولادهم وأحفادهم، وما إلى ذلك، وما ذلك على الله بعزيز، خصوصًا إذا أوصيناهم بهذا وبيَّنَّا لهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن ((من دل على خير، فله مثل أجر فاعله))، فهؤلاء الأولاد سيذهبون في طرق شتى، ومجالات مختلفة، وسيعلمون الناس ويدلونهم على هذا الخير العظيم الذي بذل فيه الوالدان جهدًا، ربما أنه ليس بكثير على تلك النتيجة المرجوة، أسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح نياتنا وذرياتنا، وأن يجعلنا من المتمسكين بالهدي النبوي الكريم، كما أساله عز وجل أن يغفر لنا ووالدينا والمسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]