عرض مشاركة واحدة
  #173  
قديم 14-01-2022, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود






الربع الأخير من سورة فاطر


الآية 15، والآية 16، والآية 17: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ﴾ يعني: أنتم المحتاجون إلى الله في كل شيء، ولا تستغنون عنه طرفة عين، ﴿ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ عن جميع خلْقه، ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته، ﴿ إِنْ يَشَأْ ﴾ سبحانه ﴿ يُذْهِبْكُمْ ﴾ أي: يُهلككم أيها المُشركون ﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ يُطيعونه ولا يُشركون به شيئًا ﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ يعني: وما إهلاككم والإتيان بغيركم بصَعبٍ على اللهِ تعالى، بل هو سهلٌ عليه يسير، فإنه سبحانه يقول للشيء كُن فيكون.

الآية 18: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى أي: لا تَحمل نفسٌ ذنبَ نفسٍ أخرى، إلا إذا كانت سببًا في إضلالها، (ولم تَتُب عن ذلك الإضلال)، ﴿ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا ﴾ يعني: وإنْ تَطلب نفسٌ مُثقَلَةٌ بالخطايا مَن يحملعنها ذنوبها: ﴿ لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ﴾ أي: لا تجد مَن يَحمل عنها شيئًا مِن هذا الحِمل ﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ يعني: ولو كان الذي سألتْه مِن أقربائها (كالأب والأخ ونحوهما).

ولمَّا لم يتأثَّر المُشركون بهذا الإنذار، قال الله لرسوله - ليُصَبِّرَه على تكذيبهم -: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ يعني: إنما ينفع تحذيرك - أيها الرسول - الذين يخافون عذاب ربهموهُم لا يرونه في الدنيا ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَيعني: وأدَّوا الصلاة في أوقاتها - باطمئنانٍ وخشوع - كما أمَرَاللهُ ورسوله، ﴿ وَمَنْ تَزَكَّى ﴾ أي: تَطَهّر مِن الشِّرك والمعاصي والأخلاق السَّيِّئة، ﴿ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ﴾؛ لأنَّ ثواب ذلك سيعود عليه وحده، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ يوم القيامة، فيجازي كُلًا بما يستحق.

من الآية 19 إلى الآية 24: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾ أي: لا يَتساوَى الكافر (الذي عَمِيَ عن آيات اللهِ تعالى رغم وضوحها) والبصير الذي أبْصَرَ آيات اللهِ فآمَنَ بها، ولم يَتكبر عن الانقياد للحق، ﴿ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴾ أي: لا تَتساوَى ظُلُمات الجهل والكفر والمعاصي (وما يَنتج عن ذلك من القلق والحيرة) مع نور العِلم والإيمان والاطمئنان بذِكْر الله وتوحيده، ﴿ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴾ (والحَرور هي الريح الحارة)، فكذلك لا يَتساوى ظلَّ الجَنَّة وَحَرُّ النار، ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾ أي: لا يَتساوَى أحياءالقلوب بالإيمان، وأموات القلوب بالكفر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ (سماعَ فَهْمٍوقَبول)، وهم الذين طلَبوا الهداية مِن ربهم، ولم يَتَّبعوا أهواءهم وشهواتهم، ﴿ وَمَا أَنْتَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ (فكما أنك لا تُسمِع الموتى فيقبورهم، فكذلك لا تُسمِع هؤلاء الكفار لمَوت قلوبهم)، ﴿ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ يعني: ما أنتَ إلا نذير لهم مِن غضبالله وعقابه، وليس عليك هدايتهم، ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ الواضح، لتكُون ﴿ بَشِيرًا ﴾ أي: مُبَشِّرًاللمؤمنين بالجَنَّة، ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ للعصاة والمُكَذِبين من النار، ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ يعني: ما مِن أمَّةٍ سبقتْ إلا جاءها نذيرٌ يُحَذِّرها عاقبة كُفرها وضلالها.

الآية 25، والآية 26: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ ﴾ يعني: إن يُكَذِّبك مُشرِكوا قومك أيها الرسول فاصبر على تكذيبهم وإيذائهم، ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ مِثل تكذيبهم، وذلك عندما ﴿ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي: بالمعجزات الواضحات الدَّالَّة على نُبُوَّتهم، ﴿ وَبِالزُّبُرِ ﴾ أي: جاؤوهم بالكتب السماوية، ﴿ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِأي: وهذه الكتب السماوية فيها نورٌ يَكشف الظُلُمات بِبَيَان الحُجَج، وكَشْف الحقائق، ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بأنواع العذاب، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ أي: فانظر كيف كان إنكاري عليهم وعقوبتي لهم؟

واعلم أن الواو التي بين كلمة: ﴿ الزُّبُرِ ﴾، وبين كلمة: ﴿ الْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾: تُسَمَّى(عطف بيان)، يعني عطف توضيح، لِتُبَيِّن أنّ هذه الكتب هي كتب منيرة، وليس معناها أن(الزُّبُرِ) شيءٌ (وَالْكِتَابِ الْمُنِير)شيءٌ آخر، فكأنَّ المعنى: [ جاؤوا بالزُبُر التي هي كتب منيرة ]، وهذا مِثل قول أحدهم: (هذا هو اللقاء الثالث والأخير)، يعني: هذا هو اللقاء الثالث، وهو نفسه اللقاء الأخير.

الآية 27، والآية 28: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾، (فسَقَينا به أشجارًا في الأرض)، ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ﴾؛منها الأحمر، ومنها الأسود، والأصفر، وغيرذلك) ﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ ﴾ أي: وخَلَقْنا مِن الجبال طُرُقًا بيضاء يسير فيها الناس (إذ الجُدَد جمع جُدَّة وهو الطريق) ﴿ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ﴾ يعني: ومِن الجبال أيضًا خَلقْنا طُرقًا مختلفًا ألوانها (فمنها الأحمر، والأصفر والأبيض، والجبال نفسها كذلك) (عِلمًا بأنَّ اللون الواحد تختلف درجاته أيضًا)، ﴿ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ أي: طُرق وجبالٌ شديدة السَّواد (إذ الغَربيب: هو الشيءُ شديد السواد، كلَون الغراب)، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ ﴾ (وهو كل ما يَدبُّ على الأرض) ﴿ وَالْأَنْعَامِ ﴾ (وهي الإبل والبقر والغنم)، (وقد خَصَّ سبحانه الأنعامَ بالذِّكر مِن بين سائر الدوابِّ لِكثرة منافعها للناس)، وقد خَلَق سبحانه مِن الناس والدوابِّ والأنعام ما هو ﴿ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ﴾ أي: كاختلاف ألوان الثمار والجبال والطُّرق التي فيها.


ولمَّا كان هذا الكلام لا يُدركه إلا المتفكرونَ في خَلق الله، ولا يَعتبر به إلا العالمونَ بقُدرة الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ يعني: إنماالذين يخشون اللهَ تعالى ويتَّقون عقابَه: هم العلماءُ مِن عباده، وهم الذين يعلمون عظَمتَه وجلالهوقُدرته على كل شيء، (وأمَّا أهل مكة، فهم لا يتفكرون ولا يَهتدون، إذًا فلا غرابة في أنهم لم يخافوا اللهَ تعالى ولم يُوَحِّدوه)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ لا يَمنعه مانع مِمَّا أراد، قادرٌ على الانتقام ممَّن أَشرَك به وعصاه، ولكنه أيضًا ﴿ غَفُورٌ ﴾ لكل مَن تاب إليه وطلبَ رضاه، (ولو عَرف العُصاة والمُشركون هذا، ما أصَرُّوا على ضلالهم، ولَسارَعوا بالتوبة إلى ربهم).

الآية 29، والآية 30: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ أي: يقرؤون القرآن ويَعملون به ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ أي: داوَموا عليها في أوقاتها (بشُروطها وأركانها)، ﴿ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ أي: أخرَجوا مِن أموالهم: (الزكاة المفروضةوالصدقات المُستحَبَّة) ﴿ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ أي: في الخَفاء والعَلَن، أولئك ﴿ يَرْجُونَ ﴾ بتلك الأعمال ﴿ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾أي: تجارة لن تَفسد (وهي رضا ربهم ورحمته والفوز بجَنَّتِه)، فهُم يَرجون أن تكون أعمالهم سببًا في حصولهم على رحمة ربهم ليُدخلهم بها جَنَّته، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾ أي يَرجون بأعمالهم رحمة ربهم.

وقد وَفَّقهم سبحانه لهذه الأعمال الصالحة ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ﴾أي: يُعطيهم ثوابهم كاملًا، ﴿ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بمضاعفة حسناتهم، ﴿ إِنَّهُ غَفُورٌ ﴾ لسيِّئاتهم، ﴿ شَكُورٌ ﴾ لأعمالهم، إذ يُثِيبهم على القليل بالكثير، (وفي هذا دليلٌ على فضل تلاوة القرآن والعمل به، وإقام الصلاة وإخراج الصدقات).

الآية 31: ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ - وهو القرآن الذي يُؤجَر المؤمنون بتلاوته - ﴿ هُوَ الْحَقُّ ﴾ مِن ربهم (إذ كُلُّ ما فيهحقٌّ وصِدق)، وقد نَزَلَ ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ أي: مُوافقًا للكتب السماوية السابقة (مُصدقًا لِمَا فيها مِن صِحَّة، ومبيِّنًا لِمَا فيها مِن تحريف)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ ﴾ بشؤونهم وما يحتاجونه، فلذلك أنزل إليهم هذا الكتاب العظيم، ﴿ بَصِيرٌ ﴾ بأعمالهم - هل يؤمنون بهذا الكتاب ويعملون به أو لا؟ -وسيجازيهم على ذلك.

الآية 32، والآية 33، والآية 34، والآية 35: ﴿ ثُمَّ ﴾ بعد هلاك الأمم المُكَذِّبة ﴿ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا يعني: أعطينا القرآن لمَن اخترناهم مِن أمَّة محمد: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ بالتقصير في العمل، وارتكاب بعض المعاصي، ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ وهو المؤدِّي للواجبات،المُجتنِب للمُحَرَّمات، ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ أي: مُسارِع في الأعمالالصالحة، مُجتهد في فِعل فَرْضِها ونفْلها، مُجتنِب للكبائر والصغائر، وذلك ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ وتوفيقه له، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي: إعطاء الكتاب والعمل به ﴿ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، وأعظم ثمرة تَنتج لمَن اتَّبع ذلك الفضل: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ أي: جنات الخلود، التي ﴿ يَدْخُلُونَهَا ﴾، و﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ﴾ أي: يَتزيَّنون فيها بأساور من ذهب، وأساور من لؤلؤ (أو أساور مِن لؤلؤ مُرَصَّع بالذهب)، ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ أي: لباسهم المعتاد في الجَنَّة - رجالًا ونساءً - هو الحرير، ﴿ وَقَالُوا ﴾ حين دخلواالجَنَّة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ أي: أذهَبَ عنا كل حزن وخوف وضِيق وهَمٍّ، وأعطانا الفرحة، وراحة الجسد والبال، والتلذُّذ بأصناف النعيم، ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ ﴾ حيث غفر لناالزَلَّات، ﴿ شَكُورٌ ﴾ حيث قَبِلَ مِنَّا الحسَنات وضاعَفَها، وهو ﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ﴾ أي: أنزلَنا دار الإقامة (وهي الجَنَّة)، فرَزَقنا الخلودَ فيها ﴿ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ ﴿ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ (والفرق بين النصب واللغوب: أن النصب هو التعب أثناء العمل، واللغوب هو الإعياء الناتج بعد العمل)، فهم لا يصيبهم في الجَنَّة شيءٌ مِن هذا لأنهم ليسوا مكلَّفين فيها بفِعل العبادات (جَعَلَنا الله مِن أهل الجَنَّة).

وقد كان أحد السلف يقول: (مَن طلب الراحة: ترَكَ الراحة)، يَعني مَن طلب الراحة في الآخرة: ترَكَ الراحة في الدنيا، واجتهد في الطاعة.

الآية 36، والآية 37: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ ﴾ بالموت ﴿ فَيَمُوتُوا ﴾ ويستريحوا، ﴿ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ﴾ ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ يعني: وبمِثل ذلك الجزاء يَجزي اللهكلَّ مُصِرٍّ على الكفر، ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾ أي: يَصْرُخون مِن شدة العذاب في النار مستغيثين: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا ﴾، ورُدَّنا إلى الدنيا: ﴿ نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، فيقول الله لهم: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ﴾ يعني: ألم نُمْهلكم في الحياة وقتًا كافيًامِن العُمُر، يتَّعظ فيه مَن أراد الاتِّعاظ، ﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لمتتذكروا، ولم تتعظوا، ﴿ فَذُوقُوا ﴾ عذاب جهنَّم ﴿ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ يَنصُرهم وينقذهم مِن عذابربهم.

الآية 38: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي: مُطَّلع على كل غائبٍ في السماوات والأرض، (ومِن ذلك إصرار الكافر على كُفره ولو عاش طُوال الحياة)، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ أي: عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ الصدور مِن النِيَّات والخواطر، (فاحذروا أن يَطَّلع عليكم وأنتم تُخفون في صدوركم ما لا يُرضيه، واعلموا أن القلب هو مَحلُّ نظَر الرَّبِّ).

الآية 39: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي: يَخْلُف بعضكم بعضًا في الأرض، ﴿ فَمَنْ كَفَرَ ﴾ أي: جَحَدَوحدانية الله: ﴿ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾؛ لأنه لن يَضُرَّ بهذا الكفر إلا نفسه، ﴿ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ﴾ أي: كُرْهًا وغضبًا، ﴿ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﴾ أي: هلاكًا وخسارةً في الدنيا والآخرة (إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة).

الآية 40، والآية 41: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للمشركين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ ﴿ أَرُونِي ﴾ يعني: أخبروني ﴿ مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ﴾ يعني: أيُّ جُزءٍ خلقوه منها حتى يستحقُّوا عبادتكم؟!، ﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ يعني: أم أنَّلهم شِركًا مع الله في خَلْق السماوات؟!، ﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ ﴾ يعني: أمأعطينا المشركين كتابًا فهم على حُجَّةٍ مِن صحَّة شِركهم؟! ﴿ بَلْ ﴾ أي: ليس الأمر كذلك، ولكنْ: ﴿ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴾ أي: ما يَعِدُ الكافرون بعضُهم بعضًا إلاخداعًا إذ قالوا: (إنَّ آلهتنا تَشفع لنا عند ربنا وتُقَرِّبنا إليه)، وهذا باطلٌ لا دليلَ عليه.

ثم يُخبر تعالى عن عظيم قُدرته ولُطفه بعباده قائلًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ أي: يُمسكهما حتى لا تزولا عن مكانهما، ويمنعهما من الاضطراب (إذ لو زالَتا واضطرَبَتا، سوف يتَدَمَّر العالم كله في لحظات)، ﴿ وَلَئِنْ زَالَتَا ﴾: ﴿ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ يعني: ما استطاع أحدٌ أن يُمسكهما مِن بعد إمساك الله لهما، لأنه لا يَقدر على ذلك إلا الله تعالى، ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ﴾ في تأخير العقوبةعن الكافرين والعُصاة، رغم قُدرته على إهلاكهم، ﴿ غَفُورًا ﴾ لِمَن ندم على ذنبه واستغفر.

الآية 42، والآية 43: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ أي: أقسم كفار قريش - بأغلظ الأيمان - أنهم ﴿ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ أي: رسولٌ من عند الله: ﴿ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ﴾ أي: لَيَكونُنَّ أكثر استقامة واتِّباعًا للحق من اليهود والنصارى وغيرهم، ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم - الذي يَعرفون أمانته وصِدْقه - ﴿ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴾ أي: ما زادهم مَجيئه إلا بُعْدًا عن الحقونفورًا منه.

♦ وقد كان هذا النفور ﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ﴾ عن الانقياد للحق، ﴿ وَمَكْرَ السَّيِّئِ أي: خداع الناس بالباطل ليَصُدُّوهم عن الهدى والإيمان (بالأقوال الكاذبة والاتهامات الباطلة)، ﴿ وَلَا يَحِيقُ ﴾ أي: لا يُحيط ﴿ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ أي: العاملينَ به (فإنَّ عاقبة المكر السيِّئ تعُود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب) ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: فهل ينتظر هؤلاء المستكبرونَ الماكرون إلا طريقة اللهِ في الأولين، وهي إهلاك الظالمين إذااستمَرُّواعلى تكذيبهم وعِنادهم؟!، ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ يعني: لن يستطيع أحد أن يُغَيِّر طريقة الله في كَوْنه، ولا أنيُحَوِّل العذاب عن نفسه أو عن غيره.

الآية 44: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا ﴾ - أي هؤلاء المُكَذِبون بالعذاب - ألم يَمْشوا ﴿فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: كيف كان مصير المُكَذِّبين مِن قبلكم (كعاد وثمود وقوم لوط)؟ وما نزل بهم من الهلاك، ﴿ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ أي: وقد كان أولئك الكفرة أشدَّ قوة مِن كفار "مكة" ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ (لا قوة الكفار ولا غيرها)، ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا ﴾ بأفعال الظالمين، ﴿ قَدِيرًا ﴾ على إهلاكهم.

الآية 45: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ﴾ مِن الذنوب: ﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ أي: لأَهلَكَهم جميعًا، وما تَرَكَ على الأرض مِن أحدٍ يَتحرَّك، ﴿ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ سبحانه ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ يعني: إلى وقتٍ محدَّد (وهو نهاية آجالهم) ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ﴾ أي: وقت عقابهم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ لا يخفى عليه أحد منهم، ولا يغيبعن عِلمه شيء مِن أفعالهم، وسيجازيهم بما عملوا مِن خير أو شرٍّ.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسَر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدِّيًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمَّن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم مِن سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها اللهُ في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]