عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 09-01-2022, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح صحيح البخارى للشيخ محمد الحمود النجدي

شرح كتاب «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري (44)

-الإجماع وعمل أهل المدينة (4)


الشيخ.محمد الحمود النجدي



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له منهجه وطريقه، ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، ويخسر أفراده، ويضيع كل ذلك سدى. ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.

الحديث السابع:

7328 – وعن هشام عن أبيه: «أن عمر أرسل إلى عائشة: ائذني لي أن أدفن مع صاحبيّ، فقالت: إي والله، قال: وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة قالت: لا والله، لا أوثرُهم بأحدٍ أبدا».

الشرح:

الحديث السابع في الباب: قال البخاري: وعن هشام عن أبيه، وهو هشام بن عروة ابن الزبير، وهو موصول بالسند الذي قبله، وعروة لم يدرك زمن إرسال عمر إلى عائشة، لكنه محمول على أنه سمعه من عائشة.

قوله «أن عمر أرسل إلى عائشة: أن ائذني لي أن أدفن مع صاحبيّ « صاحبي: بالتثنية، أي: مع رسول الله [ وأبي بكر، وهذا جاء مطولا في قصة مقتل أمير المؤمنين عمر ] وأرضاه؛ فإنه لما طعن أرسل إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يستأذن، وقال للرسول: قل لعائشة: إن عمر يستأذن أن يدفن مع صاحبيه، ولا تقل لها: إن أمير المؤمنين يستأذن، فإني اليوم لست أميرا للمؤمنين، فجاء الرسول إلى عائشة رضي الله عنها، وبلّغها مطلب عمر رضي الله عنه، فقالت: إي والله، وكلمة (إي) عند العرب تعني: نعم، وجاءت هذه اللفظة في كتاب الله تبارك وتعالى جارية على لغة العرب في خطابهم في قوله سبحانه: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} (يونس: 53).

قوله: «فقالت عائشة - وهي تأذن للرسول -: إي»، أي: نعم لا بأس، إني راضية في أن يدفن عمر في الحجرة النبوية، «وكان الرجل إذا أرسل لها من الصحابة قالت: لا والله، لا أوثرهم بأحد أبدا». يعني كانت عائشة رضي الله عنها إذا استؤذنت في أن يدفن أحد مع أبي بكر وقبله مع رسول الله [، لا تأذن في ذلك، ولا تؤثر أحدا على نفسها في القرب من النبي [ وأبيها، ثم إن عائشة رضي الله عنها كرهت أن تدفن معهم؛ خشية أن يظن أحد أنها من أفضل الصحابة بعد النبي [ وصاحبيه، وأنها أفضل أزواج النبي [ كما مر معنا، ولهذا دفنت بالبقيع مع بقية أزواج النبي [ رضي الله عنهن جميعا.

وسأل هارون الرشيد رحمه الله الإمام مالك رحمه الله عن منزلة أبي بكر وعمر من النبي [ في حياته؟ فقال الإمام مالك: كمنزلتهما منه بعد مماته. يعني: إذا أردت أن تعرف منزلة أبي بكر وعمر من النبي [، فإن منزلتهما منه [ في حياته كمنزلتهما منه بعد مماته.

فالإمام مالك زكّى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بقربهما منه في البقعة المباركة، وفي التربة التي دفنوا فيها جميعا؛ فاستدل بذلك على أنهما أفضل الصحابة باختصاصهما به.

والحديث أيضا مما يدل على مزايا المدينة، وفضل من جاور بالمدينة كما هو ظاهر.

الحديث الثامن:

قال البخاري:7329 – حدثنا أيوب بن سليمان: حدثنا أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن صالح بن كيسان: قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك: أن رسول الله [ كان يصلي العصر، فيأتي العوالي، والشمس مرتفعة. وزاد الليث عن يونس: وبُعد العَوالي أربعة أميال أو ثلاثة. (طرفه في: 548).

الشرح:

الحديث الثامن في الباب حديث أنس رضي الله عنه، يرويه البخاري من طريق شيخه أيوب بن سليمان وهو ابن بلال القرشي المدني ثقة. عن أبي بكر بن أبي أويس، وهو عبد الحميد بن عبد الله الأصبحي، مشهور بكنيته، ثقة. عن سليمان بن بلال وهو التيمي مولاهم، ثقة. عن صالح بن كيسان وهو المدني، أبو محمد، ويقال: أبو الحارث، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، ثقة ثبت فقيه، فالسند كله مدنيون.

عن أنس: أن رسول الله [ كان يصلي العصر فيأتي العوالي والشمس مرتفعة.

ما وجه إيراد البخاري رحمه الله لهذا الحديث في هذا الباب الذي هو باب فضل المدينة وكونها مأوى النبي [ والمهاجرين والأنصار؟ ذكر المهلب: أن هذا الحديث تستطيع أن تعرف منه وقت صلاة العصر، ومتى كان النبي [ يصلي العصر؛ لأنه [ كان يصلي العصر في مسجده فيأتي عوالي المدينة، وهي تبعد عن مسجده أربعة أميال، والشمس لا تزال مرتفعة، يعني: لا تزال بيضاء غير نازلة ولا مصفرة، فبهذا الحديث تستطيع أن تعرف به مقدار الوقت الذي كان يصلي فيه النبي [ صلاة العصر، فتمشي عليه.

وهذا المعنى لا يوجد في أي بلد من العالم إلا في المدينة النبوية؛ لأن الرسول [ كان يصلي بها. ولم يقو هذا القول الحافظ ابن حجر، بل قال: فيه تكلف ! إنما كأنه على مثل الحديث السابق، وهو أنه [ كان يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا، فيكون المقصود منه أن النبي [ كان أيضا يراه من كان في طريقه إلى العوالي، والعوالي منطقة قريبة من المدينة كما ذكرنا.

الحديث التاسع:

قال البخاري:7330 – حدثنا عمرو بن زرارة: حدثنا القاسم بن مالك، عن الجعيد: سمعت السائب بن يزيد يقول: كان الصاع على عهد النبي [ مدا وثلثا بمدكم اليوم، وقد زيد فيه. (طرفه في: 185).

الحديث العاشر:

7331 – حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن إسحاق بن عبدالله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك: أن رسول الله [ قال: «اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومدهم «. يعني أهل المدينة. (طرفه في: 2130).

الشرح:

الحديث التاسع يرويه البخاري عن شيخه عمرو بن زرارة وهو ابن واقد الكلابي أبو محمد النيسابوري، ثقة ثبت. والقاسم بن مالك هو المزني، ثقة، وثقه الجمهور وليّنه بعضهم. عن الجعيد، ويكبَّر فيقال: الجعد وهو ابن عبد الرحمن بن أوس الكندي ويقال: التميمي، ثقة.

عن السائب بن يزيد ] قال: كان الصاع على عهد النبي [ مدا وثلثا بمدكم اليوم، وقد زيد فيه.

والصاع أربعة أمداد، والمد قدر ملء كفي الرجل المعتدل.

فهذا الحديث فيه أن قدر الصاع هو ما اجتمع عليه أهل المدينة النبوية، فالصاع الشرعي إذاً هو صاع أهل المدينة، واستمر العمل على اعتباره، وإن كان قد زاد فيه بنو أمية في العهد الأموي.

وأيضا: فيه تقدير الأنصبة الشرعية المقدرة بالصاع، بصاع أهل المدينة، وأن المرجع في تقدير نصاب الزكاة مثلا للزروع، وهو خمسة أوسق - والوَسَق ستون صاعاً - وأيضا تقدير الكفارات وغيرها بالأصواع.

فالمرجع في تقدير الصاع، هو صاع أهل المدينة، فهذا ما قصد البخاري رحمه الله التنبيه عليه، وأن المعتبر شرعا هو الصاع النبوي الذي كان عند أهل المدينة.


والحديث العاشر:

أما سنده فقد مر معنا، وهو حديث أنس في الدعاء لأهل المدينة بالبركة في صاعهم ومدهم، فالرسول [ خصّ أهل المدينة بأن دعا لهم بالبركة في صاعهم ومدهم؛ مما دفع كثيرا من الخلق إلى قصدهم من أجل هذه البركة، وأنه [ جعل صاعهم معيارا للمقادير الشرعية التي ذكرناها, وأن من تبع أهل المدينة في تقدير صاعهم فقد أدى ما فرضه الله عليه؛ إذ لا غنى لأهل الأرض عن صاع أهل المدينة، وتقديرهم له، وهذا مما خص الله تبارك وتعالى به أيضا أهل المدينة.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]