عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-06-2021, 03:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,088
الدولة : Egypt
افتراضي تعليم المعلمات الأطفالَ الذكور (رؤية شرعية)

تعليم المعلمات الأطفالَ الذكور (رؤية شرعية)


صادق بن محمد الهادي





بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



أما بعد:

فإن مما لا شك فيه أن التعليم يُعد من الروافد المهمة لنهوض أي أمة، وما من أمةٍ تقدمت، وصار لها شأن، إلا وكان تطوير تعليم أبنائها من ركائز تقدمها، فبالتعليم يمكن صياغة شعب بأكمله من جديد، والعملية التعليمية ليست عملية أداء وظيفي محض، بل هي عملية وضع اللبنات الأساسية في بناء الإنسان، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود المعلم الذي تتجسد به القيم والمبادئ الاجتماعية والدينية، ويعكس النموذج الذي يجب أن يُحتذى من قبل الطالب أو الطالبة.



وإن أبرز ما يواجه الأمة الإسلامية هو سقوطها -أثناء محاولة استعادة نهضتها- في فخ المفاهيم والرؤى الغربية، وهو الأمر الذي قادها إلى حالة من التخبط في فهم التاريخ، وطريقة النظر إلى المستقبل، ولقد استسلم المسلمون لحديث الغرب وللحضارة الغربية، ونظروا إلى أنفسهم من خلال الغرب فقط.



ولقد أُخذ كثيرٌ على شبابنا تقليد الغرب في مظاهر حياته المترفة، بعيداً عن جوهر عملية التقدم، حيث العلم والأبحاث والتكنولوجيا والصناعة المتطورة، وعلى نفس المنوال تجري عملية تطوير كافة القطاعات ومنها التعليم، ويُكتفى فيه فقط بالأخذ بالمظاهر، فتقتصر عملية التطوير لدينا على الاختلاط في المدارس، أو مسخ المناهج، أو تأنيث التعليم[1] وما إلى ذلك، ولا ندري لماذا في أي عملية للتطوير نتجه غرباً، ونبحث عن المظاهر الشكلية، ونحاول أن ننقلها بكل سلبياتها وإيجابياتها؟[2].



ومن المعلوم أن المرحلة الابتدائية مرحلة أولية في حياة الطالب، وهي مرحلة حساسة جداً، تحتاج إلى عناية خاصة؛ لأنها تشكل الملامح المبدئية لشخصية الطالب، فلا بد أن يكون المعلم فيها على قدر كافٍ من الصبر، والوعي بكيفية التعامل مع الأطفال؛ لتأسيس جيل قوي في إيمانه، وشخصيته، وجميع خصائصه.



ولا بد من الاعتناء بمعلم المرحلة الابتدائية بإقامة الدورات التأهيلية والتثقيفية في التعامل مع الأطفال في هذه المرحلة، ولكن -للأسف- أننا نجد أن المرحلة الابتدائية مهملة على حساب المتوسطة والثانوية، مع أن المفروض أن تُعطى اهتمام أكبر كون معلمين الصفوف الدنيا هم الذين يؤسسون، ويبنون للمراحل التي فوقها! فهي محتاجة إلى المعلم الواعي الصبور والحكيم، الذي يعامل الأطفال مثل أولاده، لا كمعلم ناقل للمعلومة فقط، أو كجلاد للطلاب.



وفي كل يوم تطلُّ علينا في شتى مناحي الحياة إشكالاتٌ عديدة متنوعة، نحتاج معها في أحايين كثيرة إلى استشارة تنير لنا الطريق، لكن العجيب أن الكثيرين منا يبحثون حل هذه الإشكالات، والحُكم عليها من خلال آراء البشر التي لا تعرِف استقراراً، ولا تؤمنُ بثبات، فهي مُتقلِّبة تقلُّب مسارات الحياة! ولقد دلنا الشارع الحكيم سبحانه أن الطريق الأوحد والممهد لحل كل مشاكل وإشكاليات حياتنا المتزايدة هو الرجوع إلى كتاب ربنا، وسنة نبينا الكريم.



بل وأكدت الآيات أن أصل الإيمان ينتفي عمن لا يُحكِّمهما في حياته ويرجع إليهما، قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [(65) سورة النساء] لكننا نجد الآن -وللأسف- من يُحيل إشكالياتِ واقعنا إلى العقل والمنطق والهوى! ليجعلها له قِبْلة بعد ذلك يؤمُّها كلما اعترض عليه أحد، أو خالفه، ومن هذه الإشكاليات الجديدة التي تشتعل الآن في الأوساط التعليمية بل والمجتمعية تدريس النساء الأطفال الذكور في الصفوف الأولية[3].



وهذا ما سنتناوله في هذا البحث من حيث مشروعية هذا العمل، وهل له أصل من الناحية الشرعية والتاريخية أو لا أصل له؟ وهل هو من السياسات الشرعية والمصالح المرعية أو لا؟ وهل له مساوئ أو لا مساوئ له؟



وقبل البدء في تناول الموضوع لا بد من معرفة أمور هامة، وهي:

أولاً: لا بد أن نعرف أن الفقه ليس معرفة الخير من الشر، والمصلحة من المفسدة، بل هو معرفة خير الخيرين، وشر الشرين، فتُحَصّلُ أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدرأ أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وهذا هو الفقه المطلوب عند التزاحم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، إنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين، وينشد:



إن اللبيب إذا بدا من جسمه

مرضان مختلفان داوى الأخطرا[4]








وقال: "وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين، وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية، والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات، ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع..."[5].



وقال: "والشارع دائماً يرجح خير الخيرين بتفويت أدناهما، ويدفع شر الشرين بالتزام أدناهما..."[6]. وقال: "فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين، فان الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعاً، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعاً..."[7].



وقال: "فالأقل ظلماً ينبغي أن يعاون على الأكثر ظلماً؛ فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين وشر الشرين، حتى يقدم عند التزاحم خير الخيرين، ويدفع شر الشرين..."[8].



وقال -رحمه الله-: "وعلى هذا استقرت الشريعة بترجيح خير الخيرين، ودفع شر الشرين، وترجيح الراجح من الخير والشر المجتمعين..."[9].



وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فإن الشارع الحكيم يدفع أعظم الضررين بأيسرهما..."[10]. وقال: "فيؤثِر الأعلى على الأدنى، ويقدم خير الخيرين بتفويت أدناهما، ويرتكب أخف الشرين خشية حصول أقواهما..."[11].



ونقل عن عمر بدون إسناد قائلاً: "وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ولكنه الذي يعرف خير الخيرين، وشر الشرين..."[12].



ومن السهل -كما يقول أهل العلم- على كثير من الناس معرفة الخير والشر؛ لأن الفرق بينهما واضح لكل ذي فطرة سليمة، إلا أن معرفة خير الخيرين لإتباعه، وشر الشرين لاجتنابه هو الفقه الدقيق الذي يحتاجه المسلم خاصة عند كثرة الفتن، واضطراب المفاهيم، وتغير الأحوال؛ ولذا قال عمر -كما سبق-: "ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين"[13] لأنه كما قال الشاعر:



ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى.








ثانياً:لا بد أن يعلم المسلم أن باب سد الذرائع باب عظيم في الشريعة، وهو في الأصل يتعامل مع المباحات، ولكن من منظور أنها قد تؤدي إلى مفاسد بالنظر إلى عنصري الزمان والمكان، بمعنى أن الحكم في أمر مباح قد يختلف باختلاف أحدهما أو كليهما، فتسد الأبواب والطرق المفضية إلى الحرام، وليس هذا من باب الظنون والشكوك والهوس كما يقول البعض، وإنما هو شرع رب العالمين.



وهذا الباب مُناط بأهل العلم؛ لأنه أمر اجتهادي يتطلب الرسوخ في العلم، فليس لأحد أن يتناوله بالاجتهاد سواء باستخدامه كمطية للفتوى بدون علم، أم بنقض الفتاوى الصادرة بحجة أن هذا الباب استخدم لتحويل عادات وموروثات اجتماعية إلى مقدسات، أو أنه تضييق بلا مبرر، أو ظنون فارغة؛ ولهذا نجد أن الشارع الحكيم جعل قيوداً لمنع الذريعة، ومنها:

أن يؤدي الفعل المأذون فيه إلى مفسدة قطعاً.

أن تكون تلك المفسدة راجحة على مصلحة الفعل المأذون فيه.

أن يكون أداء الفعل المأذون فيه حيلة إلى المفسدة غالباً.



وبيّن ما هي المفسدة التي تُسد ذريعتها؟ فالمفسدة ضد المصلحة، وهي كل ما عُلم مفسدتها بطريق الشرع، ومن المعلوم أن الدين جاء ليحفظ ضرورياته الخمس: (الدين، النفس، العقل، المال، النسب- أو النسل) فكل ما أفسد هذه الضروريات، أو أحد منها باعتبار الشرع فهو مفسدة، وليس لأحد أن يحدد مصلحة أو مفسدة لأمر ما بمجرد عقله وهواه، إذ إن ذلك من خصوصيات الشرع، ومعلوم عند كل عاقل أن العقل السليم يوافق النقل الصحيح.



وقاعدة سد الذرائع تقوم على المقاصد والمصالح، فهي تقوم على أساس أن الشارع ما شرع أحكامه إلا لتحقيق مقاصدها، من جلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا أصبحت أحكامه تستعمل ذريعة لغير ما شرعت له، ويتوسل بها إلى خلاف مقاصدها الحقيقية، فإن الشرع لا يُقرُّ إفساد أحكامه، وتعطيل مقاصده، وقد عُلم بالاستقراء أن موارد التحريم في الكتاب والسنة يُظهِر أن المحرمات منها: ما هو محرم تحريم المقاصد، كتحريم الشرك والزنا وشرب الخمر والقتل العدوان وغيرها، ومنها: ما هو تحريم للوسائل والذرائع الموصلة لذلك والمسهلة له.



وهذه القاعدة -سد الذرائع- دلت عليها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [(108) سورة الأنعام] فنهى الله تبارك وتعالى عن سب آلهة الكفار؛ لئلا يكون ذلك ذريعةً إلى سب الله تعالى، مع أن سب الكفار في أصله مشروع، لكن إذا أفضى إلى مفسدة سبهم لله تعالى فإنه يُنهى عنه.



ونهى سبحانه عن كلمة: (راعنا) في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا﴾ [(104) سورة البقرة] لئلا يكون ذلك ذريعةً لليهود إلى سب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن كلمة: (راعنا) في لغتهم سب للمخاطب، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا﴾ [(97) سورة النساء] ففي هذه الآية نهى الله تعالى عن الإقامة في أرض الكفر، وترك الهجرة إلى بلد الإسلام، مع أن الإقامة لا يلزم منها في ظاهرها كفر ولا نفاق، ولا ما دون ذلك، ولكن لما كانت الإقامة الدائمة بين ظهراني الكفار تؤثر في سلوك المسلم واعتقاده، وتعرضه للفتن ولو بعد زمن نهى الله عنها سداً لذريعة المفسدة.



ومن السنة قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))[14]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في المشبهات كان كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمًى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه))[15] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما))[16] مع أن الخلوة في ظاهرها لا محظور فيها، ولا يلزم منها الوقوع في الفاحشة، لكنها لما كانت ذريعة إليها غالباً حرَّمها الشرع، فتحريمها من تحريم الوسائل، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع))[17] فأمر بالتفريق بينهم في المضاجع خشية أن يفضي نومهم في مضجع واحد إلى وقوعهم في الفاحشة.



والشواهد على أصل العمل بسد الذرائع كثيرة ومستفيضة في نصوص الوحيين، ومنها قرر أهل العلم قواعد مهمة في هذا الباب، منها: "للوسائل أحكام المقاصد" و"كل ما أفضى إلى حرام فهو حرام".



ونجد أن هذه القاعدة تدخل في أبواب كثيرة في الشريعة، قال ابن رشد: "إن أبواب الذرائع في الكتاب والسنة يطول ذكرها، ولا يمكن حصرها"[18].



وقال ابن القيم -رحمه الله-: "باب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما: ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين"[19].



ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها؛ كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها، وارتباطها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليها فإنه يحرمها، ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل المفضية والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء"[20].



ولم ينفرد علماء الشريعة بالعمل بهذا الأصل (سد الذرائع) بل هو معمول به حتى في الأنظمة والقوانين الوضعية، وما من دولة إلا وهي تعمل بقاعدة سد الذرائع في أنظمتها وقوانينها، وإن اختلفت في درجة العمل به تضييقاً أو توسيعاً.



إذن فأصل قاعدة سد الذرائع متفق عليه بين أهل العلم، فكل ما يفضي إلى الحرام قطعاً فهو حرام عند أهل العلم جميعاً، ولا خلاف بينهم في هذه الصورة[21] وكذلك ما نص الشرع على تحريمه مما يفضي إلى الحرام غالباً كالخلوة مثلاً، فهم متفقون على تحريمها عملاً بالنص، لا إعمالاً لسد الذرائع.



فالعمل بسد الذرائع فيما يفضي إلى الحرام غالباً -هو مذهب جمهور العلماء- وإن كان لا يُقطع بإفضائه إليه؛ استشهاداً بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، وبنهيه عن الدخول على المغيبات، وعن سفر المرأة بلا محرم، فهذه الصورة لا تفضي إلى الحرام والمفسدة قطعاً، وإنما تفضي إلى الحرام في الغالب، فاعتُبِرت، وإن كانت أحياناً لا تقع بها فتنة ولا فاحشة.



وفي الزمن الذي تكثر فيه الفتن، وتضطرب فيه الأفهام تبرز أهمية فقه المصالح والمفاسد، والذي يفرط في هذا الفقه يظلم نفسه وغيره، والمصالح متفاوتة (ضروري وحاجي وتحسيني) كما أن من المحرمات ما هو لذاته، وما هو لغيره، وعليه فإطلاق الأحكام لا بد من مراعاة الشرع والعقل والواقع.



ثالثاً: إن أهمية التعليم مسألة لم تعد اليوم محل جدل في أي منطقة من العالم، فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن بداية التقدم الحقيقية، بل والوحيدة هي التعليم، وإن كل الدول التي أحرزت شوطاً كبيراً في التقدم تقدمت من بوابة التعليم، بل إن الدول المتقدمة تضع التعليم في أولوية برامجها وسياستها، ومن الطبيعي أن يكون للتحويلات والتغيرات العالمية انعكاساتها على العملية التعليمية في شتى بقاع العالم، باعتباره نظاماً اجتماعياً فرعياً داخل إطار المنظومة المجتمعية الشاملة.



ولهذا لا بد من العمل على تحقيق أهداف التعليم التي تلتزم السياسة التربوية الشرعية المطورة بتحقيقها، والتي منها: غرس الإيمان بالله ورسله والقيم الدينية، وتقوية الاعتزاز بالدين والأمة والذاتية الثقافية والحضارية، وتدريب الفرد على واجبات المواطنة والمشاركة المجتمعية والسياسية، وتنشئة المتعلمين على الأخلاق والقيم الفاضلة، وممارسات العمل والإنتاج والإتقان، وتمكين المتعلمين من إتقان أساسيات التعلم (القراءة والكتابة والحساب) وتمكين المتعلمين من التزود بالمعرفة والعلوم المتقدمة، وأساليب البحث والاستكشاف العلمي، وتعزيز اتجاهات ومهارات التعلم الذاتي وصولاً إلى مجتمع دائم التعلم[22].



يقول الشاعر (محمد إقبال) مبيناً أهمية التعليم في الأمم: "إن التعليم هو (الحامض) الذي يذيب شخصية الكائن الحي، ثم يكوّنها كما يشاء، وهذا (الحامض) هو أشد قوة وتأثيرًا من أي مادة كيمائية، فهو الذي يستطيع أن يحول جبلاً شامخًا إلى كومة تراب"[23].



فالتعليم إذاً بمفرداته المختلفة سواء المعلم أو المنهج أو الأسلوب كلها تصب في بوتقة واحدة؛ ولذلك فإن اختلال كل تلك العناصر أو بعضها تؤدي إلى خلل في المخرجات التعليمية، ويرى كثير من الباحثين أن المعلم يعد عصب العملية التعليمية، ومن هنا ظهر الجدل حول تأنيث تعليم الأطفال في السعودية وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وهذه القضية وإن كان لها شق تعليمي وتربوي فإن شقها الآخر هو وضعية المرأة، والسعي إلى ما يعرف بـ(تمكين المرأة) حسب المصطلحات العلمانية.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]