عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-05-2021, 02:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي ختام العشر وزكاة الفطر

ختام العشر وزكاة الفطر


الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي









الخطبة الأولى
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، أوجَب الصيام على أمة الإسلام، وجعله أحد أركان الدين العظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل من صلَّى وصام، وخير مَن أطاع أمر ربِّه واستقام، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، واعلموا أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله، نحن في شهر عظيم؛ شهر تصرَّمت أيامه، وشارَفت على الرحيل لياليه، اجتهد فيه من اجتهد، وقصَّر فيه مَن قصَّر، نشط فيه عباد، وكسل فيه عباد، وما زالت في لياليه بقية؛ قد يكون من بينها أعظم ليلة خلقها الله تعالى ألا وهي ليلة القدر؛ فلا يفرطن قوم في اغتنام ما تبقى؛ فالعبرة بالخواتيم، نعم فالعبـرة في كمال النهايات، لا نقص البدايات.

عباد الله، كم تأسى النفس ويحزن القلب على ما نراه من تفريط واضح من فئة من الناس قصرت في رمضان وفرَّطت، وهو موسم التزود بالطاعات، وعمل الخيرات؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: يا محمد، من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، قلت: آمين)؛ رواه ابن حبان وغيره بسند صحيح، فمن سنحت له ليالي رمضان شهر المغفرة والتوبة والأوبة، ثم فرط فيها، فمتى سيتدارك ما فاته ويغتنم ما تبقى من عمره؟


عباد الله، كم نشعر بالأسى ونحن نرى فئةً من الناس قد فرَّطوا في أداء صلاتي الظهر والعصر في المساجد وغالب من فرَّطوا في صلاتي الظهر والعصر في جماعة قد يكونون من المحافظين على صلاة القيام، وما علِموا أن صلاتي الظهر والعصر أعظم أجرًا من قيام الليل؛ لأن مَن فرَّط في قيام الليل فلا إثمَ عليه، وأما مَن فرَّط في صلاتي الظهر والعصر، فقد فرَّط في فرائض واجبة، وهذا إثـم عظيم، ناهيك عن أن أجر الفرض أعظم من أجر النفل؛ قال الله تعالى في الحديث القدسي: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"؛ رواه البخاري، فالتقرب إلى الله بأداء الفرائض أحب إليه سبحانه من التقرب بأداء النفل، وفي قوله سبحانه: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) - دليل على وجوب أداء الفرائض أولًا؛ إذ كيف يتقرب إلى ربه بالنوافل وهو مفرط في الفرائض؟

عباد الله، إن هناك من لا يعرف فقه الأولويات، وهذا نلاحظه حيـن تـمتلئ الشوارع بالسيارات وقت صلاة العشاء بالباحثيـن عن أئمة معينيـن؛ ليدركوا معهم صلاة التـراويح، فتفوتـهم صلاة العشاء مع الجماعة الأولى في مساجدهم، أو مع المساجد التـي يبحثون عن أئمتها، فتجدهم يصلون أفواجًا في تلك المساجد بعد انقضاء الجماعة الأولى، وما علموا أن ما فرطوا فيه أعظم أجرًا مما بحثوا عنه، ولا يفعل هذا إلا من قل علمه؛ فإذا كان المسلم يبحث عن إمام معين؛ ليصلي خلفه التـراويح، وسـمع إقامة صلاة الفريضة، وغلب على ظنه أنه لن يدرك صلاة الجماعة مع الإمام الذي يبحث عنه، وجب عليه التوقف؛ ليدرك صلاة الفريضة مع أقرب مسجد إليه.

عباد الله، هناك من ارتكب آثامًا، كمشاهدة ما تبثه بعض القنوات من مـحرمات؛ فعليه أن يقلع عن ذلك، وأن يندم على ما اقتـرف من آثام، ويبادر بالتوبة، ويتدارك ما بقي من شهره، كذلك أنصح كل مسلم لم يعتكف أن يعتكف فيما تبقى من ليالي رمضان؛ فهو خير له، ففي الاعتكاف ابتعاد عن مباهج الدنيا وزينتها، وخلوة مع النفس، وتأمُّل في ملكوت الله، وأُنس بالعبادة، وتدبر للقرآن، وانتظار للصلاة بعد الصلاة، وصونٌ للصيام من مفسداته، ولا يشتـرط في الاعتكاف مدة معينة، بل يمكن للإنسان أن يعتكف يومًا أو بعض يوم.

وفَّقني الله وإياكم للصيام والقيام والاعتكاف، وسائر الطاعات، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عِظَمِ نعمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فاتَّقوا الله - عباد الله - حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى.

عباد الله، من الأمور التي شرعها الإسلام بعد رمضان: زكاة الفطر، وهي تؤدَّى قبل العيد؛ قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "فرَض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين"؛ (متفق عليه)، وهي صاع من طعام مما يقتات منه الآدميون؛ من البر والشعير والتمر والأرز، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر"؛ رواه البخاري، فلا تُجزئ الدراهم والفرش، واللباس، وأقوات البهائم والأمتعة، وغيرها؛ لأن ذلك خلاف ما أمر به صلى الله عليه وسلم بقوله: "مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رد؛ (أي مردود عليه)"؛ رواه البخاري ومسلم، ومقدار الصاع يـختلف حجمه مِن صنف لآخر، فبعضه ثلاث كيلوات، وبعضه كيلوان وزيادة، ففرق بين صاع ملئ ببر جيد كبير الحجم، وصاع ملئ ببر رديء صغير الحجم، وبين صاع ملئ بتمر مكنوز، وصاع ملئ بتمر ناشف، وصاع ملئ بأقط أو زبيب، فالمعيار الشرعي: الصاع، لا الكيلوات، هذا هو مقدار الصاع النبوي الذي قدر به النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، ويجب إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، وتُجزئ قبله بيوم أو بيومين، ولا تجزئ بعد صلاة العيد لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: "فرض زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات"؛ رواه أبو داود وابن ماجه بسند صحيح، ولكن لو لم يعلم بالعيد إلا بعد الصلاة، أو كان وقت إخراجها في بر أو بلد ليس فيه مستحق - أجزأ إخراجها بعد الصلاة عند تمكُّنه من إخراجها؛ والله أعلم.


واللهَ أسأل أن يؤلِّف قلوب المسلمين، وأن يجعلهم إخوةً متحابين، وأن يهديهم سُبل السلام، ويُخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن يرزُقنا جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يتم علينا شهر رمضان ونحن بصحة وعافية، والإسلام من نصر إلى نصر وقد أُقرت أعيننا بعودة أراضي المسلمين إليهم، اللهم احمِ بلادنا وسائر بلاد الإسلام من الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخُذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم اجعله سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك، اللهم ارفع راية السنة، واقمع راية البدعة، اللهم احقِن دماء أهل الإسلام في كل مكان، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، اللهم أكثِر أموال مَن حضر وأولادهم، وأطِل على الخير أعمارهم، وأدخلهم الجنة، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.89 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]