عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 04-05-2021, 04:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع آهل القرآن فى شهر القرآن يوميا فى رمضان


عرضُ القرآن في ليالي رمضان

الشيخ محمد صفوت نور الدين
(22)


عن ابن عباس[1] - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود من الريح المرسلة؛ رواه البخاري ومسلم.
في الحديث الشريف: أن الرفقة الصالحة في الزمان الفاضل، عند هدوء شواغل الدنيا، وطيب الزاد (بمائدة القرآن الكريم: يطيب الخلق، وتعلو الهمة، وتهون أعراض الدنيا.
فالحديث حثَّ المسلم أن يتخذ الأيام الفاضلة كرمضان وذي الحجة، ليصحب فيها أهل الفضل على الزاد الطيب في العلم النافع من القرآن والسنة، فيقوى العبد في جهاد أعداء الإسلام، ولذا كان شهر رمضان شه
ر الانتصارات الباهرة للمسلمين على مر العصور، وكذلك هو شهر الجود، والعطاء، والألفة، والإخاء، والمحبة، وزوال البغضاء، وشهر العبادة والطاعة.
قال النووي: من فوائد الحديث: الحثُّ على الجود في كلِّ وقت، والزيادة في رمضان عند الاجتماع بأهل الصلاح، ومنه: زيارة الصلحاء وأهل الخير، وتكرار ذلك، إذا كان المزور لا يكرهه، ومنها: استحباب الاستكثار من قراءة القرآن في رمضان، وكونها أفضل من سائر الأذكار.
قال ابن حجر: وفيه إشارة أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، فكان يعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفِّي فيه، عارضه به مرتين.

وفيه: أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة.
وفيه: استحباب تكثير العبادة في آخر العمر.
وفيه: مذاكرة الفاضل بالعلم، وإن كان لا يخفى عليه.
وفيه: فضل الليل في رمضان عن النهار في التلاوة، لأن الليل يخلو من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية.
من صور جود النبي - صلَّى ال
له عليه وسلَّم:
قال جابر: "ما سُئل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا قطُّ، فقال: لا"؛ متفق عليه.
وعن أنس: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يُسأل شيئًا على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل، فأمر له بشاءٍ[2] كثير بين جبلين مِن شاء الصدقة، قال: فرجع إلى قومه، فقال يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ رواه مسلم.
وعن أنس: أن رجلاً سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطاه غنمًا بين جبلين، فأتى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً، ما يخاف الفاقة، فإن كان الرجل ليجيء إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يريد إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها؛ رواه أحمد.
فكان في عطائه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتألَّف القلوب في الإسلام، كما فعل
يوم حنين، حيث قسم الإبل الكثيرة، والشاء، والذهب، والفضة في المؤلفة، ولم يعط الأنصار وجمهور المهاجرين شيئًا، بل أنفقه فيمن كان يحب أن يتألَّفهم على الإسلام، وترك أولئك لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، ثم قال لمن سأل من الأنصار: ((أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحوزونه إلى رحالكم؟))، قالوا: رضينا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال أنس: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس، وأشجع الناس.

وكيف لا يكون كذلك، وهو رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المحمول على أكمل الصفات، الواثق بما في يدي الله - عزَّ وجلَّ - الذي أنزل في كتابه العزيز: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10]، وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] ولقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لبلال: ((أنفق بلالُ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلاَّ وملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا))، وقال لعائشة: ((لا توعي فيوعي الله عليك، ولا توكي
فيوكي الله عليك)).
قال ابن الأثير: أي: لا تجمعي وتشحي بالنفقة، فيشح عليك وتُجازَيْ بتضييق في رزقك، ولا توكي؛ أي: لا تدخري وتشدي ما عندك، وتمنعي ما في يدك، فتنقطع مادة الرزق عنك.
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يقول الله - تعالى -: ابن آدم، أَنفق أُنفق عليك))، فكيف لا يكون أكرم الناس وأشجعهم، وهو المتوكل الذي لا أعظم من توكله، الواثق برزق الله ونصره، المستعين بربه في جميع أمره؟! ولقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - ملجأ الفقراء والأرامل والأيتام والضعفاء والمساكين.
دوافع الشح ودوافع الجود:
الإيمان بالقضاء والقدر، وأن الله قدر العطاء تقديرًا، وأن الله - سبحانه - لا يترك عبدًا بغير رزق ساعة من نهار أو ليل - يزيل عن العبد شحه ويظهر جوده، وإيمان العبد بأنه لا ينفق نفقة إلا وجدها عند الله يوم القيامة؛ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، ذلك يُزيل شحَّه ويزيد جوده.
وإيمان العبد بأهوال يوم القيامة، وأن الله - سبحانه - يدفعها بالصالحات من الأعمال: ((عبدي استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: كيف أطعمك وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: استطعمك عبدي فلان، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي))، فإذا علم العبد أن النفقة في رمضان يضاعف فيها الأجر، ويزاد فيها الثواب، سارع بالإنفاق في سبيل الله في رمضان، كل ذلك يدفع الشح ويظهر الجود.
فإذا صح اعتقاد العبد في ربِّه، واليوم الآخر، والقض
اء والقدر، زال شُحُّه، وظهر جوده.
فإذا حسنت رفقته أعين على ذكره في ليله ونهاره، عند ذلك تهون الدنيا عليه، ويؤثر الحياة الباقية على الفانية، فيزداد جوده وعطاؤه[3].

ولذا فإن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخل رمضان، ورافق جبريل، ورتَّل القرآن، كان في عطائه كالريح المرسلة، وفى التشبيه لعطاء الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالريح المرسلة - أى: بالخير - من المناسبة البديعة، ولذا، فإن الله - سبحانه - يقول في سورة الروم: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ * اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 46-
50].
وهكذا يذكرنا الله بأنه أرسل الرياح، وأرسل الرسل، وجعل في كلٍّ حياة، وجعل في الرياح بشرى، والرسل جاؤوا مبشرين، والماء الذي تسوقه الرياح يحيي موات الأرض، والرسل يحيون موات القلوب، وينصر الله المؤمنين، فإذا جاء رمضان شهر القرآن، جمع للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وللمؤمنين من بعده بين العطاءين: القرآن عطاء الهداية، والصدقة والإنفاق عطاء المال، فيحيي به الله موات القلوب، وموات الأبدان، ويؤلف القلوب على الإسلام.
يقول ابن حجر: يعني: أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع، وبجوده كما تعمُّ الريح المرسلة ج
ميع ما تهبُّ عليه.
عرض القرآن:
في حديث فاطمة - عليها السلام -: أسرَّ إلىَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كلَّ سنة، وأنه عارضني العامَ مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي.
وفى حديث أبى هريرة: كان يعرض على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشرًا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه.
ومن ذلك نفهم أن الله قد أحكم كتابه إحكامًا، فلم تنته حياة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى عارضه بالقرآن ودارسه القرآن، فكان القرآن بسوره، وفواصله، وترتيبه، وتلاوته، كله وحي من عند الله – سبحانه - نصًّا، وتلاوةً، وترتيبًا، وقد حضر العرض الأخير زيد بن ثابت، وقيل: إن ابن مسعود حضرها كذلك، فلله الحمد نزَّل القرآن، وحفظه، فحفظ به الأمة، فدين في عنق الأمة مدارسة القرآن، وأن تكون أكثر المدارسة له في شهر رمضان.

[1]راوي الحديث هو عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبوه العباس بن عبد المطلب، هو العم الذي عاش على الإسلام بعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعبدالله بن عباس حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير، وكنيته أبو العباس، ولد بشعب بني هاشم، قبل الهجرة بثلاث سنوات، صحب النبي - صلَّ
ى الله عليه وسلَّم - نحوًا من ثلاثين شهرًا، وحدَّث عنه أحاديث كثيرة، وعن عمر، وعلي، ومعاذ، والعباس، وعبدالرحمن بن عوف، وأبى سفيان، وأبى ذر، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وخلق كثيرين من الصحابة، وقرأ القرآن على أُبي وزيد، وقرأ عليه مجاهد، وسعيد بن جبير، وطائفة من أهل القرآن، وروى عنه ابنه علي، وابن أخيه عبدالله، ومواليه: عكرمة، ومقسم، وكريب، وطاوس، وسواهم كثير، وكان وسيمًا، جميلاً، مديد القامة، مهيبًا، كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال، هاجر مع أبيه سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فقد صحَّ عنه أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء، قال ابن عباس: مسح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأسي ودعا لي بالحكمة، مات رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وابن عباس له ثلاث عشرة سنة، غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي السرح، وروى عنه من أهل مصر خمس عشرة نفسًا، ودعا له النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم علِّمه التأويل وفقِّهه في الدين))، ومناقبة كثيرة وعلمه غزير، فليراجع في مواضعه من كتب الرجال.
[2] الشاء: الغنم جمع شاة.
[3] هذا هو الدواء لكل من شكا من نفسه شحًّا أوشكا انصرافًا وإعراضًا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]