عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 18-04-2021, 10:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


فقه وفتاوى وأحكام الصيام
د.أحمد مصطفى متولى
(6)




حكمُ صوم المسافر:
اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل الفطر أفضل، أو أن الصوم مكروه، أو أن الصوم حرام، فعلى رأي أبي محمد الصوم حرام (
[1])ولو صام لم يجزئه، ولكن هذا قول بعيد من الصواب؛ لأن هذا من باب الرخصة.
والدليل على هذا: أن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم «يصومون ويفطرون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في السفر، ولم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم»(
[2])، والنبي صلّى الله عليه وسلّم نفسه كان يصوم.
فالصواب أن المسافر له ثلاث حالات:

الأولى: ألا يكون لصومه مزية على فطره، ولا لفطره مزية على صومه، ففي هذه الحال يكون الصوم أفضل له للأدلة الآتية:
أولاً: أن هذا فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: «كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في رمضان في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر
وما فينا صائم إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة» ([3]) والصوم لا يشق على الرسول صلّى الله عليه وسلّم هنا؛ لأنه لا يفعل إلا الأرفق والأفضل.
ثانياً: أنه أسرع في إبراء الذمة؛ لأن القضاء يتأخر.
ثالثاً: أنه أسهل على المكلف غالباً؛ لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم بعد، كما هو مجرب ومعروف.
رابعاً: أنه يدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان، فإنَّ رمضان أفضل من غيره؛ لأنه محل الوجوب، فلهذه الأدلة يترجح ما ذهب إليه الشافعي ـ رحمه الله ـ أن الصوم أفضل في حق من يكون الصوم والفطر عنده سواء.
الحال الثانية: أن يكون الفطر أرفق به، فهنا نقول: إن الفطر أفضل، وإذا
شق عليه بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهاً؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عزّ وجل.
الحال الثالثة: أن يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة فهنا يكون الصوم في حقه حراماً.
والدليل على ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لما شكى إليه الناس أنه قد شق عليهم الصيام، وأنهم ينتظرون ما سيفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم دعا بإناء فيه ماء بعد العصر، وهو على بعيره فأخذه وشربه، والناس ينظرون إليه، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» (
[4]) فوصفهم بالعصيان.
فهذا ما يظهر لنا من الأدلة في صوم المسافر.
ويتفرع على هذا مسألة، وهي لو سافر من لا يستطيع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى زواله فماذا يصنع؟
الجواب: قال بعض العلماء: إنه لا صوم ولا فدية عليه؛ لأنه مسافر، والفدي
ة بدل عن الصوم، والصوم يسقط في السفر، ولا صوم عليه؛ لأنه عاجز([5])

لكن هذا التعليل عليل؛ لأن هذا الذي على هذه الحال، لم يكن الصوم واجباً في حقه أصلاً، وإنما الواجب عليه الفدية، والفدية لا فرق فيها بين السفر والحضر، وعلى هذا فإذا سافر من لا يرجى زوال عجزه فإنه كالمقيم يلزمه الفدية، فيطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا هو القول الصحيح، والقول بأنه يسقط عنه الصوم والإطعام قول ضعيف جداً لما تقدم.
حكمُ الحاضر الصائم إذ
ا سافر أثناء اليوم:
الحاضر يجب عليه أن يصوم، فإذا سافر في أثناء اليوم، فهل له أن يفطر أو لا يفطر؟
في هذه المسألة قولان لأهل العلم:
القول الأول: أن له أن يفطر، ولكن بشرط كما سنذكره.
القول الثاني: أنه ليس له أن يفطر.
والقول الأول: هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله(
[6])
واستدلوا على ذلك: بعموم قول الله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 184] يعني فأفطر فعدة من أيام أخر، وهذا الآن سافر، وصار على سفر فيصدق عليه أنه ممن رخص له بالفطر فيفطر.
واستدلوا أيضاً بما ثبت في السنة من إفطار النبي ص
لّى الله عليه وسلّم في أثناء النهار([7])
وأهل القول الثاني: عللوا بأن الإنسان شرع في الصوم الواجب فلزمه إتمامه، كما لو شرع في القضاء فإنه يلزمه أن يتمه، وإن كان لولا شروعه لم يلزمه أن يصوم، يعني لو أن إنساناً عليه يوم من رمضان، فقال: أصومه غداً أو بعد غد، نقول أنت بالخيار غداً أو بعد غد.
لكن إذا صامه غداً فليس له أن يفطر في أثنائه ليصوم بعد غد؛ لأن من شرع في واجب حرم على قطعه إلا لعذر شرعي.
والصحيح القول الأول أن له أن يفطر إذا سافر في أثناء اليوم لما سبق، وأما قياسه على من شرع في صوم يوم القضاء فقياس فاسد لوجهين، الأول أنه في مقابلة النص، والثاني أن من شرع في صوم القضاء شرع في واجب فلزمه، وأما صوم المسافر فغير واجب فلا يلزمه إتمامه.


ولكن هل يشترط أن يفارق قريته، إذا عزم على السفر وارتحل فهل له أن يفطر؟
الجواب: في هذا أيضاً قولان عن السلف.
ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر إذا تأهب للسفر ولم يبق عليه إلا أن يركب، وذكروا ذلك عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يفعله(
[8])، وإذا تأملت الآية وجدت أنه لا يصح هذا؛ لأنه إلى الآن لم يكن على سفر فهو الآن مقيم وحاضر، وعليه فلا يجوز له أن يفطر إلا إذا غادر بيوت القرية.
أما المزارع المنفصلة عن القرية فليست منها، فإذا كانت هذه البيوت والمساكن الآن، وانفصلت عنها المزارع فإنه يجوز الفطر، فالمهم أن يخرج عن البلد أما قبل الخروج فلا؛ لأنه لم يتحقق السفر.
فالصحيح أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد.
وإذا جاز أن يفطر خلال اليوم، فهل له أن يفطر بالأكل والشرب أو بأي مفطر شاء؟
الجواب: له أن يفطر بالأكل والشرب وجماع أهله،
وغير ذلك من المفطرات.
حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا:
يجب عليهما القضاء؛ لأن الله تعالى فرض الصيام على كل مسلم، وقال في المريض والمسافر: {{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185] مع أنهما مفطران بعذر، فإذا لم يسقط القضاء عمن أفطر لعذر من مرض أو سفر، فعدم سقوطه عمن أفطرت لمجرد الراحة من باب أولى.
وأما الإطعام فله ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن تفطرا خوفاً على أنفسهما فتقضيا
ن فقط، يعني أنه لا زيادة على ذلك.
الحال الثانية: أن تفطرا خوفاً على ولديهما فقط، فتقضيان، وتطعمان لكل يوم مسكيناً.
أما القضاء فواضح؛ لأنهما أفطرتا، وأما الإطعام فلأنهما أفطرتا لمصلحة غيرهما، فلزمهما الإطعام، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله:{{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}} [البقرة: 184] قال: «كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً، والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا» ، رواه أبو داود(
[9])
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما(
[10])
الحال الثالثة: إذا أفطرتا لمصلحتهما، ومصلحة الجنين، أو الطفل .
وعلى هذا فتقضيان فقط، فيكون الإطعام في حال واحدة وهي: إذا كان الإفطار لمصلحة الغير، الجنين أو الطفل، وهذا أحد الأقوال في المسألة.
والقول الثاني: أنه لا يلزمهما القضاء، وإنما يلزمهما الإطعام فقط سواء أفطرتا لمصلحتهما أو مصلحة الولد أو للمصلحتين جميعاً واستدلوا بما يأتي:


1 ـ حديث: «إن الله وضع الصيام عن الحبلى والمرضع» (
[11])
2 ـ أثر ابن عباس رضي الله عنهما: «... والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا» (
[12]) ولم يذكر القضاء.
القول الثالث: التخيير بين القضاء والإطعا
م.
القول الرابع: يلزمها القضاء فقط دون الإطعام(
[13])، وهذا القول أرجح الأقوال عندي؛ لأن غاية ما يكون أنهما كالمريض، والمسافر، فيلزمهما القضاء فقط، وأما سكوت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن القضاء فلأنه معلوم.
وأما حديث: «إن الله تعالى وضع الصيام عن الحبلى والمرضع» فالمراد بذلك وجوب أدائه، وعليهما القضاء.
وسبب الخلاف أنه ليس هناك نص قاطع صحيح وصريح في وجوب أحد هذه الأمور.

([1]) «المحلى» (6/247).
([2]) سبق تخريجه
([3]) سبق تخريجه
([4]) سبق تخريجه

([5]) وبه قال الأصحاب، ورتبوا على ذلك فقالوا: يعايا بها، فيقال: مسلم مكلف أفطر في رمضان لم يلزمه قضاء ولا كفارة.
وجوابه: كبير عاجز عن الصوم كان مسافراً.
([6]) «الإنصاف» (3/289).
([7]) سبق تخريجه
([8]) أخرجه البيهقي (4/247) وانظر: «الإرواء» (4/64).
([9]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى (2318)، والدارقطني (2/207) وصححه الألبانى فى الإرواء (913)
([10]) أخرجه الشافعي (1/266)؛ والدارقطني (2/207) وصححه؛ والبيهقي (4/230). وصححه الألبانى في «الإرواء» (4/20).
([11]) أخرجه الإمام أحمد (4/347)؛ وأبو داود في الصيام/ باب في الصوم في السفر (2408)؛ والترمذي في الصيام/ باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع (715)؛ والنسائي في الصوم/ باب وضع الصيام عن المسافر (4/180)؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في الإفطار للحامل والمرضع (1667) عن أنس بن مالك ـ أحد بني قُشَير ـ رضي الله عنه، وحسنه الترمذي، وقال الألبانى في «المشكاة» (2025) «سنده جيد».
([12]) سبق تخريجه
([13]) أخرجه الشافعي (1/266)؛ والدارقطني (2/207) وصححه؛ والبيهقي (4/230). وصححه الألبانى في «الإرواء» (4/20).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]