عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-01-2023, 09:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,606
الدولة : Egypt
افتراضي حقوق الآباء والأمهات

حقوق الآباء والأمهات



من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به -بل ويكون واجباً نحوهم- هم الآباء والأمهات، قال -تعالى-: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} سورة النحل: آية 90، وقال سبحانه: {وَوَصَّيْنَا الإِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} سورة العنكبوت: آية 8، وقال جل شأنه {وَوَصَّيْنَا الإِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} سورة الأحقاف: آية 15، وقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله».
من النصوص السابقة، يتبين لنا جليا مدى تأكيد حقوق الآباء والأمهات على الأبناء والبنات، ووجوب رعايتهم والإحسان إليهم، وهذه الحقوق لا تحد بعدد معين، بل تتعدد وتتغير، وتقل وتكثر بحسب الحاجة والحالات والظروف، كما تخضع للعرف الاجتماعي والقدرة، وغير ذلك من الأمور التي تستدعي تعدد ظواهرها؛ لذا فإني سأذكر أهم حقوق الأبوين بإيجاز العامة منها والمستمرة ولا تتغير ولا تندثر، ولا يُكتفى بمعرفة هذه الحقوق، بل لابد من الوفاء بها للوالدين حتى يجني البار لهما سعادة في الدارين. وإليك أهم هذه الحقوق:
(1) شكر الله -تعالى- على نعمة الوالدين
إن نعم الله -تعالى- على الإنسان كثيرة تستوجب شكره، ومنها إنعامه على الإنسان بوالدين يربيانه صغيراً ويرعيانه كبيراً، كما منح الله -تعالى- الأبوين كثيراً من آلائه التي تعود عليهما وعلى ذريتهما بالنعم والخير الوفير؛ فالمؤمن الحق هو الذي يشكر الله على إنعامه عليه وعلى والديه، قال -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} سورة الأحقاف: آية 15، وهذا سليمان -عليه السلام- يتوجه بالشكر لله -تعالى- على نعمه، قال -تعالى- حاكيا عن سليمان -عليه السلام-: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} سورة النمل: آية 19.
(2) شكر الوالدين على رعايتهما له
إن من مظاهر البر والإحسان بالوالدين في حياتهما شكرهما بعد شكر الله -تعالى-؛ على ما تفضلا به على أولادهما من عناية وبر وتربية وتعليم، وغير ذلك مما لا يبخلون به على أبنائهم، كما أن في هذا الشكر من الأهمية أن أمر الله -تعالى- الإنسان بشكره أولاً ثم والديه، قال -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} سورة لقمان: آية 14، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث:
- إحداها: قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} سورة محمد: آية 33، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
- الثانية: قوله -تعالى-: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} سورة البقرة: آية 110، فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه.
- الثالثة: قوله -تعالى-: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} سورة لقمان: آية 14 فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل الله منه.
(3) معرفة حقوقهما وقدرهما
إن قدر الوالدين ومكانتهما عالية، تستوجب تقديرهما، ومعرفة منزلتهما ومالهما من حقوق، ولقد وردت أدلة قطعية تبين منزلتهما، وأن لهما حقوقاً على الأولاد يجب تنفيذها نحوهما، قال الله -تعالى- {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (لقمان: آية 14)، وقال -تعالى- {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (24) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.
إن ما قام به الأبوان نحو أولادهما شيء عظيم، ولا سيما الأم التي حملت، ووضعت وأرضعت وغذت وربت؛ فإنهما يقدمان كل خير لأبنائهما وبناتهما، وقد يحرمان أنفسهما من مطعم وملبس، ويؤثران أولادهما على أنفسهما، كما يضحيان بحياتهما من أجل ذريتهما.
لذا فعلى الأبناء والبنات معرفة حقوق الوالدين عليهم، ووجوب طاعتهما، والبر بهما والتأسي بالسلف الصالح في البر بالأبوين، والإحسان إليهما في وقت الكبر خاصة، قال رجل لعمر بن الخطاب: «إن لي أما بلغ منها الكبر أنه لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها فهل أديت حقها؟ قال -]-: لا؛ لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وتتمنى فراقها».
(4) وجوب طاعتهما
إن أهم حقوق الوالدين نحو أولادهما هو طاعتهما، وامتثال أوامرهما، والبعد عما ينهيان عنه، ما لم يكن معصية لله -تعالى-، قال الإمام القرطبي: «بر الوالدين: موافقتهما على أغراضهما وعلى هذا إذا أمر أحدهما ولده بأمر وجبت طاعته فيه إذا لم يكن في ذلك الأمر معصية».
وإن كان المأمور به من قبيل المباح (الجائز) في أصله، كذلك ما كان من قبيل المندوب (المسنون) فقد ذهب بعض العلماء إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه، وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيداً مثل أن يأمر ولده بتسمية الحفيد باسمه، ثم عقّب على ذلك صاحب كتاب السلوك الاجتماعي بقوله: «الأخذ بالقول الأخير لا يجوز إلا إذا كان عدم تنفيذ الولد للأمر لا يغضب الوالدين أو أحدهما وإلا فإغضابهما محرم كما علمت.
طاعة الوالدين مقدمة على النوافل
ومما ينبغي علمه أن طاعة الوالدين ولا سيما الأم مقدمة على النوافل من صلاة وعمرة وغيرهما، ولعل ما يؤكد هذا قصة جريج العابد؛ ففيها العبرة، وتدل على أهمية بر الوالدين والمسارعة في طاعتهما، وترك المباح والنافلة ولو كان من الطاعات لله -تعالى-، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلاً عابداً، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات -أي الزواني -فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم، قال: فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه، وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك، فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف-أي من الصلاة -أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ فقال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب، فقال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا.
عقوق الأبويين ذنب عظيم
من هذا الحديث يتبين لنا مدى أهمية طاعة الأم، وأن عقوق الأبوين ذنب عظيم؛ فحين انشغل جريح بصلاته النافلة عن طاعة أمه وهي طاعة واجبة، ودعت عليه أمه كانت دعوتها مستجابة، وفي الحديث: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»، ففي حديث جريج أنه انشغل بصلاته عن أمه، فعوقب هذه العقوبة، فما بالكم بمن يقسو على والدته في الكلام! فعدم إجابة جريج لأمه ليس عصيانا لها؛ لأنه لو كان عالماً لعلم أن إجابته أمه أولى من صلاة النافلة.
ذكر ابن حجر سبب دعاء الأم على جريج، فقال: قال ابن بطال: سبب دعاء أم جريج على ولدها أن الكلام في الصلاة كان في شرعهم مباحاً، فلما آثر استمراره في صلاته ومناجاته على إجابتها دعت عليه لتأخيره حقها. انتهى، ثم قال ابن حجر: «والذي يظهر من ترديده في قوله: «أمي وصلاتي «أن الكلام عنده يقطع الصلاة فلذلك لم يجبها»، ومن هنا رأى الفقهاء أن المرء إذا كان في صلاة النافلة وناداه أحد والديه فعليه أن يقطع صلاته ويجيبه.

الشيخ: عبدالمتعال محمد علي

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]