عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-09-2021, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نص المعارضة وإعادة إنتاج المعنى.. دراسة في معارضات الإحيائيين

ثانيا:على مستوى المعنى الداخلي للأبيات:

ويتعلق هذا المستوى بعمليات التحول في الصياغة والتراكيب،والتي يقوم بها النص المعارض لاستحداث بنية جديدة مخالفة لمثيله في النص الغائب بعيدا عن الاتهام بالسرقة والأخذ،ونقطة الانطلاق في عمليات التحويل قد تكون من لفظ في أول البيت أو أوسطه أو آخره،وقد تصل إلى عبارة أو شطرا كاملا من أشطر النص الغائب لتظهر داخل البيت بمظهر الاقتباس والاستشهاد، ويظل المقطع أو اللفظ الذي يتخيره الشاعر لختام البيت بحكم أهميته - فهو المحتضن للقافية المشتركة بين الأبيات،والمتحكم في اختيار عناصر البيت والمولد لدلالته في صورتها الكاملة - أبرز نقاط الانطلاق والاشتراك بين نصي المعارضة،حتى أن إحصاءً قام به الطرابلسي في دراسته للشوقيات أظهر أن نسبة التلاقي في المقاطع بين نصوص معارضاته ونصوص سابقيه وصلت لنسب عالية،وفي ذلك ما يدل على أن شوقي اعتمد على مجموعة من الكلمات المفاتيح،وجل الكلمات المفاتيح في الشعر من قبيل المقاطع[24] وفيما يلي بعض نماذج للتحولات التي يجريها الشاعر المعارض في معاني الأبيات بتعديل ما على صياغته انطلاقا من لفظ مشترك غالبا ما يكون المقطع.



1- النقض والمخالفة:



ومنه ما قاله البارودي في معارضته لعنترة العبسي في معلقته المشهورة:



هل غادرَ الشعراءُ من متردّمِ

أم هل عرفتَ الدارَ بعد توهّمِ[25]








فقد عارضه قائلا:



كَمْ غادرَ الشعراءُ من متردّم

ولربّ تالٍ بذّ شأوَ مقدّمِ[26]








ويلاحظ من البيتين أن البارودي قام بعملية تبديل أسلوبي مستبدلا (هل) بـ (كم)، تحول معه الإنشاء إلى خبر يعبر عن الكثرة باستخدام كم الخبرية، وكأنه في معرض الإجابة عن سؤال عنترة، ودليلا مبرزا لإمكانية تفوق اللاحق على السابق، ورغبة في إظهار تفوقه على الشعراء الذين يعارضهم. لذلك لم يقع رهين استعمال الشاعر بل أضاف إليه ما ينقض معناه ويخالفه بصورة تكشف عن طبيعة عملية المعارضة القائمة على التنافس،وطبيعة شخصيته وبحثه عن تفرده، وهو ما أكده في الشطر الثاني. فالنص الثاني " يَتَرَسَّمُ خُطا النّص الأول في الوزن والقافية، إلاّ أنه يرفض أيديولوجيته وسلطته، ويحاوره لترسيخ أيديولوجية يؤمن بها الثاني، وهو يحفر تهديمياً في النّص الأصل لبناء نصّ جديد يتجاوز به النّص الأول".[27]

ومنه قول شوقي:



ولم يك ظلم الطير بالرّق لي رضا

فكيف رضائي أن يرى البشر الظلما؟








في معارضته لقول المتنبي:



فلا عبرت بي ساعة لا تعزّني

ولا صحبتني مهجة تقبل الظلما[28]








والكلمة المفتاح في البيتين هي الظلم،حيث تحول شوقي بالبيت من الهم الذاتي إلى الهم الإنساني العام،محققا نوعا من التوسيع لمفهوم الظلم،مستدلا على ذلك بكراهيته لظلم الطير،كما أن ترديد كلمة الظلم مع اتساع دلالته عبر الشطرين له دور صوتي ودلالي تأكيدي،في حين انحصر معنى بيت المتنبي في ذاتيته المتأبية المتضخمة.



وفي بيت آخر من تلك المعارضة يتسامى شوقي عن التسبب في اليتم والفقد للناس من جراء الحروب،في حين يقررها المتنبي حيث يقول:



كأن بنيهم عالمون بأنني

جلوب إليهم من معادنه اليتما








وجاء رد شوقي:



لما كان لي في الحرب رأي ولا هوى

ولا رمت هذا الثكل للناس واليتما








وفي مثال ثالث يكشف عن البعد الحضاري ومراعاة التحولات السياسية والظروف التاريخية بين النصين الغائب والحاضر يقول شوقي:



لم يأت سيفُكَ فحشاءً،ولا هتكتْ

قَنَاكَ من حرمةِ الرهبان والصّلبِ








في معارضته لقول أبي تمام:



لو بيّنت قطّ أمرا قبل موقعه

لم تُخفِ ما حل بالأوثان والصّلبِ[29]








لقد كتب شوقي قصيدته عام 1921م بعد ثلاث سنوات فقط من ثورة سعد زغلول 1919 والتي تجلت فيها الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في مصر في أبهى صورها،وهذا الأمر استدعى من شوقى المراعاة والتأكيد عليه في قصيدته، في حين أن الظروفالتاريخية والحضارية لقصيدة أبي تمام كانت تستدعي ذلك،حيث كانت الحروب الدينية بين الطرفين في عنفوانها،ومن هنا جاءت المناقضةبين البيتين وفقا للظرف التاريخي لكل شاعر.



2- الموافقة

وفيه يبقى المعنى ثابتا في البيتين مع اختلاف فقط في الصياغة،وكأن البيت المعارض ما هو إلا ترجمة وتفسير للبيت السابق،ومن ذلك الموافقة بين قولي شوقي والبحتري:



إمرة الناس همة،لا تأتّى

لجبان ولا تسنّى لجبسِ








وقول البحتري في مطلع قصيدته:



صنت نفسي عما يدنس نفسي

وترفعت عن جدا كل جبس








حيث حول شوقي معنى البيت من الخاص إلى العام،ومن ثم خرج بيته مخرج الحكمة.



ولا يخلو الأمر من تصرف محدود في المعنى لا يصل لدرجة المخالفة أو النقض إنها من قبيل التفسير أو الترجمة أو التحويل من الخاص إلى العام أو العكس في صياغة جديدة.



وقد تأتي الموافقة مع نوع من التوسيع بعرض معنى البيت السابق بصورة أكثر اتساعا في بيتين أو أكثر، ومن أمثلة ذلك:

معارضة البارودي التي قول فيها:



رضيتُ من الدنيا بما لا أودُّه

ُ وأيُّ امرئ يقوى على الدهر زَنْدُهُ








حيث يعارض المتنبي في قوله:



أودّ من الأيام ما لا تودّهُ

وأشكو إليها بيننا وهي جُنْدُهُ






يمثل بيتا البارودي توسيعا لبيت المتنبي،الذي يكاد يهضم بيتيه هضما،وكأن الأخير يقوم بعملية نشر لبيت سابقه،موضحا أن مغبة مخالفة الزمن لذا كان الرضا أمرا ضروريا،وقد فقد بيتي البارودي الهمة البادية في بيت المتنبي،وهي همة قد تعلم مآلها لكن لا بد منها لذا جاء فعلي (أود،وأشكو) أكثر فاعلية،في حين كثرت مثبطات الهمة في بيتي البارودي بفضل التقرير في الشطر الأول،ثم الاستفهام الذي يحمل معاني النفي والاستبعاد في الشطر الثاني.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]