عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 29-01-2022, 03:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى


تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
من صــ 162 الى صــ 167
الحلقة (27)


السابعة : واختلف العلماء في تأويل قوله عليه السلام : ( وما فاتكم فأتموا ) وقوله : ( واقض ما سبقك ) هل هما بمعنى واحد أو لا ؟ فقيل : هما بمعنى واحد وأن القضاء قد [ ص: 162 ] يطلق ويراد به التمام ، قال الله تعالى : فإذا قضيت الصلاة وقال : فإذا قضيتم مناسككم . وقيل : معناهما مختلف ، وهو الصحيح ; ويترتب على هذا الخلاف خلاف فيما يدركه الداخل هل هو أول صلاته أو آخرها ؟ فذهب إلى الأول جماعة من أصحاب مالك - منهم ابن القاسم - ولكنه يقضي ما فاته بالحمد وسورة ، فيكون بانيا في الأفعال قاضيا في الأقوال .

قال ابن عبد البر : وهو المشهور من المذهب . وقال ابن خويز منداد : وهو الذي عليه أصحابنا ، وهو قول الأوزاعي والشافعي ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل والطبري وداود بن علي .

وروى أشهب وهو الذي ذكره ابن عبد الحكم عن مالك ، ورواه عيسى عن ابن القاسم عن مالك ، أن ما أدرك فهو آخر صلاته ، وأنه يكون قاضيا في الأفعال والأقوال ; وهو قول الكوفيين . قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب : وهو مشهور مذهب مالك .

قال ابن عبد البر : من جعل ما أدرك أول صلاته فأظنهم راعوا الإحرام ; لأنه لا يكون إلا في أول الصلاة ، والتشهد والتسليم لا يكون إلا في آخرها ; فمن هاهنا قالوا : إن ما أدرك فهو أول صلاته ، مع ما ورد في ذلك من السنة من قوله : ( فأتموا ) والتمام هو الآخر .

واحتج الآخرون بقوله : ( فاقضوا ) والذي يقضيه هو الفائت ، إلا أن رواية من روى " فأتموا " أكثر ، وليس يستقيم على قول من قال : إن ما أدرك أول صلاته ويطرد ، إلا ما قاله عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون والمزني وإسحاق وداود من أنه يقرأ مع الإمام بالحمد وسورة إن أدرك ذلك معه ; وإذا قام للقضاء قرأ بالحمد وحدها ; فهؤلاء اطرد على أصلهم قولهم وفعلهم ، رضي الله عنهم . الثامنة : الإقامة تمنع من ابتداء صلاة نافلة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة خرجه مسلم وغيره ; فأما إذا شرع في نافلة فلا يقطعها ; لقوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم وخاصة إذا صلى ركعة منها . وقيل : يقطعها لعموم الحديث في ذلك . والله أعلم . التاسعة : واختلف العلماء فيمن دخل المسجد ولم يكن ركع ركعتي الفجر ثم أقيمت الصلاة ; فقال مالك : يدخل مع الإمام ولا يركعهما ; وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف فوات ركعة فليركع خارج المسجد ، ولا يركعهما في شيء من أفنية المسجد - التي تصلى فيها [ ص: 163 ] الجمعة - اللاصقة بالمسجد ; وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى فليدخل وليصل معه ; ثم يصليهما إذا طلعت الشمس إن أحب ; ولأن يصليهما إذا طلعت الشمس أحب إلي وأفضل من تركهما

وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن خشي أن تفوته الركعتان ولا يدرك الإمام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه ، وإن رجا أن يدرك ركعة صلى ركعتي الفجر خارج المسجد ، ثم يدخل مع الإمام وكذلك قال الأوزاعي ; إلا أنه يجوز ركوعهما في المسجد ما لم يخف فوت الركعة الأخيرة .

وقال الثوري : إن خشي فوت ركعة دخل معهم ولم يصلهما وإلا صلاهما وإن كان قد دخل المسجد .

وقال الحسن بن حي ويقال ابن حيان : إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا تطوع إلا ركعتي الفجر .

وقال الشافعي : من دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة دخل مع الإمام ولم يركعهما لا خارج المسجد ولا في المسجد . وكذلك قالالطبري وبه قال أحمد بن حنبل وحكي عن مالك ; وهو الصحيح في ذلك ; لقوله عليه السلام . إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة . وركعتا الفجر إما سنة ، وإما فضيلة ، وإما رغيبة ; والحجة عند التنازع حجة السنة .

ومن حجة قول مالك المشهور وأبي حنيفة ما روي عن ابن عمر أنه جاء والإمام يصلي صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة ، ثم إنه صلى مع الإمام .

ومن حجة الثوري والأوزاعي ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه دخل المسجد ، وقد أقيمت الصلاة فصلى إلى أسطوانة في المسجد ركعتي الفجر ، ثم دخل الصلاة بمحضر من حذيفة وأبي موسى رضي الله عنهما . قالوا : ( وإذا جاز أن يشتغل بالنافلة عن المكتوبة خارج المسجد جاز له ذلك . [ ص: 164 ] في المسجد ) ، روى مسلم عن عبد الله بن مالك ابن بحينة قال : أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي والمؤذن يقيم ، فقال : ( أتصلي الصبح أربعا ) ! وهذا إنكار منه صلى الله عليه وسلم على الرجل لصلاته ركعتي الفجر في المسجد والإمام يصلي ، ويمكن أن يستدل به أيضا على أن ركعتي الفجر إن وقعت في تلك الحال صحت ; لأنه عليه السلام لم يقطع عليه صلاته مع تمكنه من ذلك ، والله أعلم . العاشرة : الصلاة أصلها في اللغة الدعاء ، مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا ; ومنه قوله عليه السلام : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل أي فليدع . وقال بعض العلماء : إن المراد الصلاة المعروفة ، فيصلي ركعتين وينصرف ، والأول أشهر وعليه من العلماء الأكثر . ولما ولدت أسماء عبد الله بن الزبير أرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت أسماء : ثم مسحه وصلى عليه ، أي دعا له . وقال تعالى : وصل عليهم أي ادع لهم . وقال الأعشى :


تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا



وقال الأعشى أيضا :


وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسم


ارتسم الرجل : كبر ودعا ، قاله في الصحاح ، وقال قوم : هي مأخوذة من الصلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه ، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل ; لأنه يأتي في الحلبة ورأسه عند صلوى السابق ، فاشتقت الصلاة منه ، إما لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت [ ص: 165 ] بالمصلي من الخيل ، وإما لأن الراكع تثنى صلواه . والصلا : مغرز الذنب من الفرس ، والاثنان صلوان . والمصلي : تالي السابق ; لأن رأسه عند صلاه . وقال علي رضي الله عنه : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر . وقيل : هي مأخوذة من اللزوم ، ومنه صلي بالنار إذا لزمها ، ومنه تصلى نارا حامية . وقال الحارث بن عباد :


لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرها اليوم صال


أي ملازم لحرها ، وكأن المعنى على هذا ملازمة العبادة على الحد الذي أمر الله تعالى به . وقيل : هي مأخوذة من صليت العود بالنار إذا قومته ولينته بالصلاء . والصلاء : صلاء النار بكسر الصاد ممدود ، فإن فتحت الصاد قصرت ، فقلت صلا النار ، فكأن المصلي يقوم نفسه بالمعاناة فيها ويلين ويخشع ، قال الخارزنجي :


فلا تعجل بأمرك واستدمه فما صلى عصاك كمستديم


والصلاة : الدعاء والصلاة : الرحمة ، ومنه : ( اللهم صل على محمد ) الحديث . والصلاة : العبادة ، ومنه قوله تعالى : وما كان صلاتهم عند البيت الآية ، أي عبادتهم . والصلاة : النافلة ، ومنه قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة . والصلاة التسبيح ، ومنه قوله تعالى : فلولا أنه كان من المسبحين أي من المصلين . ومنه سبحة الضحى . وقد قيل في تأويل نسبح بحمدك نصلي . والصلاة : القراءة ، ومنه قوله تعالى : ولا تجهر بصلاتك فهي لفظ مشترك . والصلاة : بيت يصلى فيه ، قاله ابن فارس . وقد قيل : إن الصلاة اسم علم وضع لهذه العبادة ، فإن الله تعالى لم يخل زمانا من شرع ، ولم يخل شرع من صلاة ، حكاه أبو نصر القشيري .

قلت : فعلى هذا القول لا اشتقاق لها ، وعلى قول الجمهور وهي :الحادية عشرة : اختلف الأصوليون هل هي مبقاة على أصلها اللغوي الوضعي [ ص: 166 ] الابتدائي ، وكذلك الإيمان والزكاة والصيام والحج ، والشرع إنما تصرف بالشروط والأحكام ، أو هل تلك الزيادة من الشرع تصيرها موضوعة كالوضع الابتدائي من قبل الشرع . هنا اختلافهم والأول أصح ; لأن الشريعة ثبتت بالعربية ، والقرآن نزل بها بلسان عربي مبين ، ولكن للعرب تحكم في الأسماء ، كالدابة وضعت لكل ما يدب ، ثم خصصها العرف بالبهائم فكذلك لعرف الشرع تحكم في الأسماء ، والله أعلم . الثانية عشرة : واختلف في المراد بالصلاة هنا ، فقيل : الفرائض . وقيل : الفرائض والنوافل معا ، وهو الصحيح ; لأن اللفظ عام والمتقي يأتي بهما . الثالثة عشرة : الصلاة سبب للرزق ، قال الله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة الآية ، على ما يأتي بيانه في " طه " إن شاء الله تعالى . وشفاء من وجع البطن وغيره ، روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال : هجر النبي صلى الله عليه وسلم فهجرت فصليت ثم جلست ، فالتفت إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أشكمت درده ) قلت : نعم يا رسول الله ، قال : قم فصل فإن في الصلاة شفاء . في رواية : ( أشكمت درد ) يعني تشتكي بطنك بالفارسية ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .الرابعة عشرة : الصلاة لا تصح إلا بشروط وفروض ، فمن شروطها : الطهارة ، وسيأتي بيان أحكامها في سورة النساء والمائدة . وستر العورة ، يأتي في الأعراف القول فيها إن شاء الله تعالى .

وأما فروضها : فاستقبال القبلة ، والنية ، وتكبيرة الإحرام والقيام لها ، وقراءة أم القرآن والقيام لها ، والركوع والطمأنينة فيه ، ورفع الرأس من الركوع والاعتدال فيه ، والسجود والطمأنينة فيه ، ورفع الرأس من السجود ، والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه ، والسجود [ ص: 167 ] الثاني والطمأنينة فيه . والأصل في هذه الجملة حديث أبي هريرة في الرجل الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لما أخل بها ، فقال له : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها خرجه مسلم . ومثله حديث رفاعة بن رافع ، أخرجه المسروقي وغيره . قال علماؤنا : فبين قوله صلى الله عليه وسلم أركان الصلاة ، وسكت عن الإقامة ورفع اليدين وعن حد القراءة وعن تكبير الانتقالات ، وعن التسبيح في الركوع والسجود ، وعن الجلسة الوسطى ، وعن التشهد وعن الجلسة الأخيرة وعن السلام . أما الإقامة وتعيين الفاتحة فقد مضى الكلام فيهما . وأما رفع اليدين فليس بواجب عند جماعة العلماء وعامة الفقهاء ; لحديث أبي هريرة وحديث رفاعة بن رافع . وقال داود وبعض أصحابه بوجوب ذلك عند تكبيرة الإحرام . وقال بعض أصحابه : الرفع عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع واجب ، وإن من لم يرفع يديه فصلاته باطلة ، وهو قول الحميدي ، ورواية عن الأوزاعي . واحتجوا بقوله عليه السلام : صلوا كما رأيتموني أصلي أخرجه البخاري .

قالوا : فوجب علينا أن نفعل كما رأيناه يفعل ; لأنه المبلغ عن الله مراده . وأما التكبير ما عدا تكبيرة الإحرام فمسنون عند الجمهور للحديث المذكور . وكان ابن قاسم صاحب مالك يقول : من أسقط من التكبير في الصلاة ثلاث تكبيرات فما فوقها سجد قبل السلام ، وإن لم يسجد بطلت صلاته ، وإن نسي تكبيرة واحدة أو اثنتين سجد أيضا للسهو ، فإن لم يفعل فلا شيء عليه ، وروي عنه أن التكبيرة الواحدة لا سهو على من سها فيها . وهذا يدل على أن عظم التكبير وجملته عنده فرض ، وأن اليسير منه متجاوز عنه . وقال أصبغ بن الفرج وعبد الله بن عبد الحكم : ليس على من لم يكبر في الصلاة من أولها إلى آخرها شيء إذا كبر تكبيرة الإحرام ، فإن تركه ساهيا سجد للسهو ، فإن لم يسجد فلا شيء عليه ، ولا ينبغي لأحد أن يترك التكبير عامدا ; لأنه سنة من سنن الصلاة ، فإن فعل فقد أساء ولا شيء عليه وصلاته ماضية .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]