عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26-05-2021, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

إعراب الاستعاذة، ومعناها

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

أ- إعرابهــا:
لعل من المناسب إعراب الآية التي هي الأصل في مشروعية الاستعاذة عند القراءة. وهي قوله تعالى: ï´؟ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ï´¾ [النحل: 98]؛ لأنها مشتملة -كما أشرت سابقًا- على جل ألفاظ صيغة الاستعاذة المختارة وهي: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».

فقوله: ï´؟ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ï´¾ ï´؟ فَإِذَا ï´¾ الفاء للاستئناف، و«إذا»: ظرف للزمن المستقبل متضمن معنى الشرط، في محل نصب متعلق بمضمون الجواب.

ï´؟ قَرَأْتَ ï´¾ قرأ فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بالضمير، والتاء ضمير للمخاطب مبني على الفتح في محل رفع فاعل.ï´؟ الْقُرْآنَï´¾: مفعول به منصوب.

ï´؟ فَاسْتَعِذْ ï´¾ الفاء رابطة لجواب الشرط. استعذ: فعل أمر مبني على السكون الظاهر والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت.

ï´؟ بِاللَّهِ ï´¾ الباء حرف جر، ولفظ الجلالة اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بـ(استعذ).

ï´؟ مِنَ الشَّيْطَانِ ï´¾ ï´؟ مِنَ ï´¾: حرف جر، وï´؟ الشَّيْطَانِ ï´¾ اسم مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بـ(استعذ).

ï´؟ الرَّجِيمِ ï´¾ صفة للشيطان مجرورة مثله، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة على آخرها.

ب- معناهــا:
[ أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ]
(أَعُوذُ) فعل مضارع، يقال: عذت أعوذ، كما يقال: عاذ يعوذ عوذًا وعياذًا، ومعاذًا. قال يوسف- عليه السلام: ï´؟ مَعَاذَ اللَّهِ ï´¾ [يوسف:23، 79] أي: عياذًا بالله.

(أَعُوذُ بِاللهِ) بمعنى أعتصم بالله[1]، كما جاء في حديث أبي هريرة في الدعاء عند دخول المسجد: «اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم»[2].

قال الحصين بن الحمام يخاطب قبيلته[3]:
وعــوذي بأفنــاء العشــيرة إنمــا *** يعــوذ الذليــل بالعزيـز ليعصمـا

وقـال الراجــز[4]:
قالـــت وفيهـــا حيــــدة وذعــــر *** عَـــوذي بربــي منكـــم وحـجــر
أي: اعتصامي بربي.

وبمعنى: ألتجئ إلى الله. قال ابن فارس[5]: «العين والواو والذال أصل صحيح، يدل على معنى واحد، وهو الالتجاء إلى الشيء».

وبمعنى: أستجير بالله[6]، وأتحرَّز به[7]، واستعين به[8].
وأمتنع به من المكروه[9]، وأتعلق به[10]، وأتحيز إليه[11]، وألوذ به[12].
ويقال: إن العياذة لدفع الشر، واللياذة لطلب الخير.

قال ابن كثير[13]: «والعياذة تكون لدفع الشر، واللياذ يكون لطلب الخير كما قال المتنبي[14]:
يا من ألوذ به فيما أؤمله
ومن أعوذ به ممّا أحاذره

لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره
ولا يهيضون عظمًا أنت جابره


لكن بعض أهل اللغة- كما تقدم- على أنهما بمعنى واحد. قال ابن منظور[15]: «الملاذ مثل المعاذ».


(بِاللهِ) الباء للاستعانة[16]، وقيل: للإلصاق[17].
الله: علم على ذات الرب- جل وعلا- وأصل أسمائه سبحانه وتعالى، ومعناه: المألوه المعبود محبة وتعظيمًا. وسيأتي تفصيل الكلام فيه في البسملة- إن شاء الله.

وجملة أعوذ بالله خبرية تتضمن طلب الإعاذة[18].

(مِنَ الشَّيْطَانِ) من لابتداء الغاية.
(الشَّيْطَانِ): مأخوذ عند جمهور أهل اللغة ومحققيهم من شطن بمعنى: بَعُد، يقال: بئر شطون، أي: بعيدة القعر والمدى[19].

قال النابغة الذبياني[20]:
نأت بسعاد عنك نوى شطون *** فبانت والفؤاد بها رهين


والشَطَن الحبل، أو الحبل الطويل[21]. قال عنترة[22]:
يدعون عنتر والرماح كأنها *** أشطانُ بئرٍ في لَبَان الأدهم


فأشطان جمع «شَطَن» وهو الحبل الطويل.

فالنون فيه أصلية. قال ابن فارس[23]: «الشين والطاء والنون أصل مطرد ويدل على البعد».

والشيطان على وزن «فيعال»، للدلالة على أنه بلغ الغاية في البعد[24].

وقيل: إنه مأخوذ من «شاط يشيط»، إذا هاج واشتد غضبًا، وهلك واحترق وبطل، وعلى هذا فالنون فيه زائدة[25].
والصحيح القول الأول.

قال سيبويه[26]: «العرب تقول تشيطن».

وقال الطبري[27] بعدما ذكر القول بأنه مشتق من «شطن»: «ومما يدل على أن ذلك كذلك قول أمية بن أبي الصلت[28]:
أيما شاطنٍ عَصاه عَكاه *** ثم يلقى في السجن والأكبال

قال الطبري: ولو كان فعلان من شاط يشيط لقال: أيما شائطٍ، ولكنه قال: أيما شاطن؛ لأنه من شَطَن يَشْطُن فهو شاطن».

و«ال» في «الشيطان» للجنس[29]، فهو كل متمرد، عات، خارج عن طاعة الله تعالى، من الجن، والإنس، والدواب، وكل شيء؛ قال تعالى: ï´؟ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ï´¾ [الصافات: 7].

ولهذا جمع في قوله تعالى: ï´؟ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ï´¾ [المؤمنون: 97].

وهو يكون من الإنس والجن، كما قال الله تعالى: ï´؟ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ï´¾ [الأنعام: 112]، وقال تعالى: ï´؟ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ï´¾ [الجن: 6]، أي: شياطين إنس يعوذون بشياطين جن.

وقال تعالى: ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ï´¾ [الناس: 1 - 6].

أي شياطين جن وإنس يوسوسون في صدور الناس.
وقال تعالى: ï´؟ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ï´¾ [البقرة: 14] أي شياطين إنس بإنس.

قال جرير[30]:
أيامَ يَدْعُونني الشيطانَ من غَزَلٍ *** وهن يَهْوَيْنَني إذْ كنتُ شَيْطانَا


ويكون من الحيوانات كما جاء في حديث أبي ذر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود. قلت: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟! قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان»[31].

وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- «ركب برذونا فجعل يتبختر به، فجعل يضربه، فلا يزداد إلا تبخترًا، فنزل عنه، وقال: ما حملتموني إلا على شيطان، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي»[32].

وإنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانًا لمفارقته لبني جنسه في أخلاقه، وأفعاله، وصفاته، وطباعه، ومباعدته لهم، وبسبب فسقه، وبعده عن الحق والهدى والخير، وعن رحمة الله تعالى[33].

«ï*»» «فعيل» بمعنى «مفعول» أي: مرجوم[34] كسعير بمعنى: مسعور، مأخوذ من الرجم: وهو الرمي بفعل أو قول.

فمن الرجم بالفعل: الرجم والرمي بالحجارة. قال ابن فارس[35]: «الراء والجيم والميم، أصل واحد، يرجع إلى وجه واحد، وهو الرمي بالحجارة».

ومن الرجم بالقول: قوله تعالى: ï´؟ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ï´¾ [الكهف: 22]، أي: قولاً بالظن. وقوله تعالى عن آزر أنه قال لإبراهيم- عليه السلام: ï´؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ï´¾ [مريم: 46] أي: لأرمينك بسيئ القول.

قال المرقش الأصغر[36]:
وإني وإن كلَّت قَلوصي لراجمٌ *** بها وبنفسـي يا فُطيْمُ المراجما


ومنه القذف بالزنى، فإنه رجم ورمي بالقول.
والشيطان مرجوم بالفعل والقول: أي فعلاً وقولاً، حسًّا ومعنى.

فهو مرجوم فعلاً وحسًّا بإخراجه من الجنة وطرده عنها، وعن الملأ الأعلى وبإهباطه من السموا ت إلى الأرض[37].

قال الله تعالى: ï´؟ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 13]، وقال تعالى: ï´؟ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ï´¾ [الأعراف: 18]، وقال تعالى: ï´؟ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الحجر: 34، 35]، وقال تعالى: ï´؟ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [ص: 77، 78].

وهو مرجوم فعلاً وحسًّا بالشهب، قال الله تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ï´¾ [الملك: 5].

وقال تعالى: ï´؟ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ï´¾ [الصافات: 6 - 10].

وقال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ï´¾ [الحجر: 16 - 18].

وقال تعالى: ï´؟ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ï´¾ [الجن: 8، 9].

وهو مرجوم قولاً ومعنى؛ لأن الله بعد أن أبعده ورجمه بالفعل بإخراجه من الجنة، ومن بين الملأ الأعلى، وطرده من جواره، وسلط عليه الرمي بالشهب حكم عليه أيضًا باللعنة فهو ملعون بلعنة الله إلى يوم القيامة مقضي عليه بالخيبة والخسران، ومطرود عن رحمة الله، وعن كل خير[38].

قال الله تعالى: ï´؟ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الحجر: 35]، وقال تعالى: ï´؟ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [ص: 78]، وقال تعالى: ï´؟ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ ï´¾ [النساء: 117، 118].

وقيل: (الرَّجِيمِ) «فعيل» بمعنى «فاعل»؛ لأنه يوسوس للناس، ويُزين لهم المعاصي، وطرق الشر، ويحثهم عليها، ويُبعدهم عن الخير، ويكيد لهم في ذلك كله أنواع المكايد[39].

قال ابن كثير[40]: «والأول أشهر وأصح».
هذا هو معنى أصح صيغ الاستعاذة: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
وقد جاء في الصيغ الأخرى بعض الزيادات.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]