عرض مشاركة واحدة
  #233  
قديم 05-08-2022, 12:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1371 الى صـ 1378
الحلقة (233)


وقد قرر الزمخشري هذا المعنى في دخول (لا) عند قوله: لا أقسم بيوم القيامة على وجه مجمل، هذا بسطه وإيضاحه، فإذا بين ذلك فهذا الوهم الذي يراد إزاحته في القسم بغير الله مندفع في الإقسام بالله، فلا يحتاج إلى دخول (لا) مؤكدة للقسم، فيتعين حملها على الموطئة، ولا تكاد تجدها - في غير الكتاب العزيز - داخلة على قسم مثبت، وأما دخولها في القسم وجوابه نفي، فكثير مثل:


فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر


[ ص: 1372 ] وكقوله:


ألا نادت أمامة باحتمال لتحزنني فلا بك ما أبالي


وقوله:


رأى برقا فأوضع فوق بكر فلا بك ما أسال ولا أغاما


[ ص: 1373 ] وقوله:


فخالف فلا والله تهبط تلعة من الأرض إلا أنت للذل عارف


وهو أكثر من أن يحصى، فتأمل هذا الفصل فإنه حقيق بالتأمل. انتهى.

الخامس: اعلم أن كل حديث صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن رواه جامعو الصحاح، أو صححه من يرجع إليه في التصحيح من أئمة الحديث فهو مما تشمله هذه الآية، أعني قوله تعالى: مما قضيت فحينئذ يتعين على كل مؤمن بالله ورسوله الأخذ به وقبوله ظاهرا وباطنا، وإلا بأن التمس مخارج لرده أو تأويله بخلاف ظاهره لتمذهب تقلده وعصبية ربي عليها - كما هو شأن المقلدة أعداء الحديث وأهله - فيدخل في هذا الوعيد الشديد المذكور في هذه الآية، الذي تقشعر له الجلود وترجف منه الأفئدة.

قال الإمام الشافعي في الرسالة التي أرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه قال: أرسله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى شيخ من زهرة كان يسكن دارنا، فذهبت معه إلى عمر، فسأل عن وليدة من ولائد الجاهلية، فقال: أما الفراش فلفلان، وأما النطفة فلفلان، فقال: صدقت، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالفراش.

قال الشافعي : وأخبرني من لا أتهم، عن ابن أبي ذئب قال: أخبرني مخلد بن خفاف قال: [ ص: 1374 ] ابتعت غلاما فاستغللته، ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى عمر بن عبد العزيز، فقضى لي برده، وقضى علي برد غلته، فأتيت عروة فأخبرته فقال: أروح إليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان، فعجلت إلى عمر فأخبرته بما أخبرني به عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن عبد العزيز : فما أيسر علي من قضاء قضيته، والله يعلم أني لم أرد فيه إلا الحق - فبلغتني فيه سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرد قضاء عمر وأنفذ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراح إليه عروة فقضى لي أن آخذ الخراج الذي قضى به علي له.

قال الشافعي : وأخبرني من لا أتهم من أهل المدينة ، عن ابن أبي ذئب قال: قضى سعيد بن إبراهيم على رجل بقضية، برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فأخبرته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة: هذا ابن أبي ذئب، وهو عندي ثقة، يخبرني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ما قضيت به، فقال له ربيعة: قد اجتهدت ومضى حكمك، فقال سعد: واعجبا، أنفذ قضاء سعد بن أم سعد وأرد قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل أرد قضاء سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعى سعد بكتاب القضية فشقه، فقضى للمقضي عليه.

قال الشافعي : أخبرنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي، قال: حدثني ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي شريح الكعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح: [ ص: 1375 ] من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود .

قال أبو حنيفة : فقلت لابن أبي ذئب : أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح علي صياحا كثيرا، ونال مني وقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وتقول: أتأخذ به؟! نعم، آخذ به، وذلك الفرض علي وعلى من سمعه، إن الله تبارك وتعالى اختار محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك، وما سكت حتى تمنيت أن يسكت. انتهى.

قال الإمام الفلاني في "إيقاظ الهمم" بعد نقل ما مر: تأمل فعل عمر بن الخطاب وفعل عمر بن عبد العزيز وفعل سعد بن إبراهيم ، يظهر لك أن المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعند سائر العلماء المسلمين - أن حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نص كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية، بأن يقال: لعل هذا المجتهد قد اطلع على هذا النص وتركه لعلة ظهرت له، أو أنه اطلع على دليل آخر، ونحو هذا مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين، وأطبق عليه جهلة المقلدين، فافهم. انتهى.

[ ص: 1376 ] وقال ولي الدين التبريزي في "مشكاة المصابيح" في (الفصل الثالث عشر) من (باب الجماعة وفضلها): وعن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم فقال بلال: والله لنمنعهن، فقال عبد الله : أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول أنت: لنمنعهن؟!

(وفي رواية سالم عن أبيه) قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا ما سمعت سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: والله لنمنعهن، رواه مسلم .

وعن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يمنعن رجل أهله أن يأتوا المساجد فقال ابن لعبد الله بن عمر : فإنا نمنعهن، فقال عبد الله أحدثك عن رسول الله وتقول هذا؟ قال فما كلمه عبد الله حتى مات، رواه الإمام أحمد.

وقال الطيبي شارح "المشكاة": عجبت ممن سمي بالسني إذا سمع من سنة رسول الله وله رأي رجح رأيه عليها، وأي فرق بينه وبين المبتدع؟! أما سمع: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ؟

وها هو ابن عمر - وهو من أكابر الصحابة وفقهائها - كيف غضب لله ورسوله وهجر فلذة كبده لتلك الهنة؛ عبرة لأولي الألباب.

وروى الإمام مسلم في "صحيحه" في (كراهة الخذف) قبيل (كتاب الأضاحي) عن [ ص: 1377 ] سعيد بن جبير أن قريبا لعبد الله بن مغفل خذف، قال فنهاه وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين فقال فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ثم تخذف، لا أكلمك أبدا.

قال النووي: فيه جواز هجران أهل البدع والفسوق ، وأنه يجوز هجرانهم دائما، فالنهي عنه فوق ثلاثة أيام إنما هو في هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما هجر أهل البدع فيجوز على الدوام، كما يدل عليه هذا مع نظائر له، لحديث كعب بن مالك .

قال السيوطي : وقد ألفت مؤلفا سميته "الزجر بالهجر" لأني كثير الملازمة لهذه السنة.

أقول: حديث الخذف ساقه الحافظ الدارمي في "سننه" تحت باب (تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثه فلم يعظمه ولم يوقره) ورواه من طرق متنوعة، وفي بعضها: أحدثك أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الخذف ثم تخذف؟ والله! لا أشهد لك جنازة ولا أعودك في مرض ولا أكلمك أبدا.

وأسند الدارمي في هذا الباب، عن قتادة ، عن ابن سيرين أنه حدث رجلا بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: قال فلان وفلان: كذا وكذا! فقال ابن سيرين : أحدثك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول: قال فلان وفلان؟! لا أكلمك أبدا.

وأسند أيضا فيه عن عبد الرحمن بن حرملة قال: جاء رجل إلى سعيد بن المسيب يودعه [ ص: 1378 ] بحج أو عمرة، فقال له: لا تبرح حتى تصلي، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: لا يخرج بعد النداء من المسجد إلا منافق، إلا رجل أخرجته حاجة وهو يريد الرجعة إلى المسجد، فقال: إن أصحابي بالحرة، قال فخرج، قال: فلم يزل سعيد يولع بذكره حتى أخبر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه.

وذكر الدارمي - رضي الله عنه - قبل هذا الباب (باب ما يتقى من تفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول غيره عند قوله صلى الله عليه وسلم) وأسند عن معتمر ، عن أبيه، عن ابن عباس أنه قال: أما تخافون أن تعذبوا أو يخسف بكم أن تقولوا: قال رسول الله وقال فلان.

قال الإمام شمس الدين بن القيم في "أعلام الموقعين": ترى كثيرا من الناس إذا جاء الحديث يوافق قول من قلده - وقد خالفه راويه - يقول: الحجة فيما روى لا في قوله، فإذا جاء قول الراوي موافقا لقول من قلده والحديث يخالفه قال: لم يكن الراوي يخالف ما رواه إلا وقد صح عنده نسخه، وإلا كان قدحا في عدالته، فيجمعون في كلامهم بين هذا وهذا.

بل قد رأينا ذلك في الباب الواحد، وهذا من أقبح التناقض، والذي ندين الله به، ولا يسعنا غيره، أن الحديث إذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه - أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان، لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ولا يحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو أن يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتقاء ذلك كله ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه لم يكن الراوي معصوما، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك، اهـ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]