عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-12-2021, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,313
الدولة : Egypt
افتراضي ثرثرات في زمن مضى

ثرثرات في زمن مضى
أ. محمود مفلح


لو أملكُ نبضًا أُغوي فيهِ الشمسَ
وأستدرك أسماكَ القرش.. وأجترح الكلماتْ
لو ألوي جِيدَ الزمن الجامحِ
باللمسة أو بالقبلةِ
أو بالخيط الصاعدِ من قلبي الفضي الرائقِ
لا بالطعناتْ..
لو أستنهضُ هذي الرمم المسفوحة في غرفِ التاريخِ
وأنفخ فيها بعض الروحِ
وأقبس من جمر الأولمبِ..
لأشعل نار الخضرة في هذا الشجرِ المعطوبِ..
ولو أكبحُ في يومٍ عربي.. خيلَ الغزوات!
لبقيت يقيناً يا وطني
كالغيمة في أحشاء العمر تفتُّ
وكالوتر الفاغمِ بالطيب يعطرُ أنفاس الصحراءِ..
وكالقنديل الراكض في أعماقِ الظلمةِ..
كالصلواتْ..



أستنهض فيه العمرَ، وأدعوك قليلاً لترافقني عبرَ الأشجارْ
لأقصَّ عليك حكايا الناسِ
وأدْلكَ جبهتك الصفراء بحفنةِ ثلجْ
أذبُّ عن العينين الساحرتينِ.. غبارَ المَرجْ



حدثتك عن خيل ستُغِير علينا أول ضوءٍ
عن أغربة تتقافزُ بجناحاتِ حمامٍ
عن أفعى ترمقُنا بعيون غزال..
عن إيقاع اللغم الجاثم في العرسْ
حدثتك عن أحلامٍ كانت تنهشها غربانُ البحرِ
وعن أقوامٍ فحصوا أوساط الأرؤسِ
عن زمن يتقاضى ثمنَ الشهداءْ..
لكنك قاسٍ يا وطني..
لكنك قاسٍ.. لا تتحسس إلا ظهري..



أعلنت كثيراً:
من يقرع طبلاً لا يصلح يوماً للسيفْ
من يمضع لحمَ أخيه فلن يمضغ لحمَ الأعداءْ..!
من يرقص في زمن الحزنِ الدمويِّ
فلن يرقص في زمن الفرحِ العربيّْ
من يركب خيل الإستعراض..
وينفخُها كالبالوناتِ
فلن يتقن عزفَ الطلقاتْ!



يؤسفني أن أكتب أحياناً.. كي أشعلَ نارَ الحرفِ
لأُنْمِيَ بعض الأزهارِ.. على قارعةِ السيفْ
لأقولَ كلاماً مثل دبيبِ النسغِ
وأطفئَ بالدمعةِ نيرانَ القصفْ



أسرابٌ هربَتْ من روحي
تتشممُ أخبار بلادٍ لم يغمرها الشوكُ
تفتش عن خُلجانٍ ما برحَت كنقاء الفجرْ
لكنَّ الصيفَ.. هو الصيفْ



يحتار صديقي حين يراني مغسولاً بالأمطارِ
وأعصابي هشَّةْ
ويرى عينيَّ على عصفورٍ فوق السلكِ..
وقد ضيع عشَّهْ
من منكُم يجرؤُ أن يبني عشاً لطيور الحُلمِ..
.. على شاهدةِ الرَّمسْ
من يجرؤ أن يستبدل بالدمعة بسمهْ
أو بالبسمةِ دمعهْ..
إلا فوق المسرحِ.. أو فوق الطرسْ!؟



لأنكَ يا سيدي لم تمُتْ..
مُرةٌ أنت أيتها الفاكهةُ المشتهاهْ
مرةٌ كالحياةْ
صعبة صعبةٌ.. كانخفاض الجِباهْ



تبصَّر هنالك فالركبُ يسرعُ
والشمس ساقطةٌ في الفلاةْ
وشيء يعربد فوق المياهْ



ذكرتك حين اشرأبَّ النهارُ
وكنتُ أعاقر خمرَ الكتابْ
وكان صغيري الذي أصطفيه "يهارش" ساقيَ.. يلفظُ: "بابا"
فيحتفل العشبُ تحت النوافذ.. تصفو خدودُ الصبايا
وتندفع الطيرُ صوب القبابْ
ولما ذكرتكَ كان الزمان ثقيلاً
وكان النخيلُ قتيلاً..
وكان يعشعش فيَّ الغُرابْ
فيا كربلاءَ الجديدةَ.. أين الهداةُ، وأين الشُّداةُ..
وأين الشباب؟؟
أما آن للسيف أن يستقيلَ
وهذي الرمالُ تصيحُ.. ارتويتُ ارتويتُ
ارتويتْ..
أما ملَّ من ضجعةٍ في الرقابِ!؟....



... صديقي
واذكر أنك جئتَ تسلِّم يوماً عليَّ
وكنت تلَصُّ بكل الجهاتْ
ولما سألتك عن سر خوفك.. ضجَّ الطريق
وشعَّت نجومٌ بعينيكَ
عاتبتَني كمعاتبةِ السيف للغمدِ
والرملِ للغيمة المشتهاةْ..
ولما تركتكَ..
كنت تصيحُ: الفرات الفرات الفرات الفراتْ




كأنك تجهلُ أن المسافة بين الولادةِ والقبر هذي الرصاصاتُ
بين الوباء وبين النقاءِ.. امتشاقُ الشهادةِ
بين المغاورِ والشمس.. هذي الدماءُ التي في الفلاةْ!






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]