عرض مشاركة واحدة
  #406  
قديم 30-12-2022, 11:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,424
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النُّورِ
الحلقة (406)
صــ 11 إلى صــ 20




فصل

وقد أفادت هذه الآية أن على القاذف إذا لم يقم البينة الحد ورد الشهادة وثبوت الفسق . واختلفوا هل يحكم بفسقه ورد شهادته بنفس القذف، أم بالحد؟ فعلى قول أصحابنا: إنه يحكم بفسقه ورد شهادته إذا لم يقم البينة، وهو قول [ ص: 11 ] الشافعي . وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يحكم بفسقه، وتقبل شهادته ما لم يقم الحد عليه .

فصل

والتعريض بالقذف- كقوله لمن يخاصمه: ما أنت بزان، ولا أمك زانية- يوجب الحد في المشهور من مذهبنا . وقال أبو حنيفة: لا يوجب الحد . وحد العبد في القذف نصف حد الحر، وهو أربعون، قاله الجماعة، إلا الأوزاعي فإنه قال: ثمانون . فأما قاذف المجنون، فقال الجماعة: لا يحد . وقال الليث: يحد .

فأما الصبي، فإن كان مثله يجامع أو كانت صبية مثلها يجامع، فعلى القاذف الحد .

وقال مالك: يحد قاذف الصبية التي يجامع مثلها، ويحد قاذف الصبي .

وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا يحد قاذفهما . فإن قذف رجل جماعة بكلمة واحدة، فعليه حد واحد، وإن أفرد كل واحد بكلمة، فعليه لكل واحد حد، وهو قول الشعبي، وابن أبي ليلى; وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه حد واحد، سواء قذفهم بكلمة أو بكلمات .

فصل

وحد القذف حق لآدمي، يصح أن يبرأ منه، ويعفى عنه . وقال أبو حنيفة: هو حق لله . وعندنا [أنه] لا يستوفى إلا بمطالبة المقذوف، وهو قول الأكثرين . وقال ابن أبي ليلى: يحده الإمام وإن لم يطالب المقذوف .

[ ص: 12 ] قوله تعالى: إلا الذين تابوا أي: من القذف وأصلحوا قال ابن عباس: أظهروا التوبة; وقال غيره: لم يعودوا إلى قذف المحصنات .

وفي هذا الاستثناء قولان .

أحدهما أنه نسخ حد القذف وإسقاط الشهادة معا، وهذا قول عكرمة، والشعبي، وطاووس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، والزهري، والشافعي، وأحمد .
والثاني: أنه يعود إلى الفسق فقط، وأما الشهادة، فلا تقبل أبدا، قاله الحسن، وشريح، وإبراهيم، وقتادة . فعلى هذا القول انقطع الكلام عند قوله: " أبدا " ; وعلى القول الأول وقع الاستثناء على جميع الكلام، وهذا أصح، لأن المتكلم بالفاحشة لا يكون أعظم جرما من راكبها، فإذا قبلت شهادة المقذوف بعد ثبوته، فالرامي أيسر جرما، وليس القاذف بأشد جرما من الكافر، فإنه إذا أسلم قبلت شهادته .
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين . [ ص: 13 ] والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم

قوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم سبب نزولها أن هلال بن أمية وجد عند أهله رجلا، فرأى بعينه وسمع بأذنه، فلم يهجه حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله إني جئت أهلي، فوجدت عندها رجلا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، فقال سعد بن عبادة: الآن يضرب رسول الله هلالا ويبطل شهادته، فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه [إذ] نزل عليه الوحي، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس . وفي حديث آخر أن الرجل الذي قذفها به شريك بن سحماء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهلال حين قذفها: " ائتني بأربعة شهداء، وإلا فحد في ظهرك " ، فنزلت هذه الآية، فنسخ حكم الجلد في حق الزوج القاذف .

[ ص: 14 ] فصل

في بيان حكم الآية

إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، لزمه الحد، وله التخلص منه بإقامة البينة، أو باللعان، فإن أقام البينة لزمها الحد، وإن لاعنها، فقد حقق عليها الزنا، ولها التخلص منه باللعان; فإن نكل الزوج عن اللعان، فعليه حد القذف، وإن نكلت الزوجة، لم تحد، وحبست حتى تلاعن أو تقر بالزنا في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: يخلى سبيلها . وقال أبو حنيفة: لا يحد واحد منهما، ويحبس حتى يلاعن . وقال مالك، والشافعي: يجب الحد على الناكل منهما .

فصل

ولا تصح الملاعنة إلا بحضرة الحاكم . فإن كانت المرأة خفرة، بعث الحاكم من يلاعن بينهما . وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: ولعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول الزوجة أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا، ثم تقول: وغضب الله عليها إن كان من الصادقين . والسنة أن يتلاعنا قياما، ويقال للزوج إذا بلغ اللعنة: اتق الله فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وكذلك يقال للزوجة إذا بلغت إلى الغضب . فإن كان بينهما ولد، اقتصر نفيه عن الأب إلى ذكره في اللعان، فيزيد في الشهادة: وما هذا الولد ولدي وتزيد هي: وإن هذا الولد ولده .

[ ص: 15 ] فصل

واختلف الفقهاء في الزوجين اللذين يجري بينهما اللعان، فالمشهور عن أحمد أن كل زوج صح قذفه صح لعانه، فيدخل تحت هذا المسلم والكافر والحر والعبد، وكذلك المرأة، وهذا قول مالك، والشافعي . وقال أبو حنيفة: لا يجوز اللعان بين الحر والأمة، ولا بين العبد والحرة، ولا بين الذميين، أو إذا كان أحدهما ذميا; ونقل حرب عن أحمد نحو هذا، والمذهب هو الأول . ولا تختلف الرواية عن أحمد أن فرقة اللعان لا تقع بلعان الزوج وحده . واختلف هل تقع بلعانهما من غير فرقة الحاكم على روايتين . وتحريم اللعان مؤبد، فإن أكذب الملاعن نفسه لم تحل له زوجته أيضا، وبه قال عمر، وعلي وابن مسعود; وعن أحمد روايتان، أصحهما: هذا، والثانية: يجتمعان بعد التكذيب، وهو قول أبي حنيفة .

قوله تعالى: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم وقرأ أبو المتوكل . وابن يعمر، والنخعي: " تكن " بالتاء .

قوله تعالى: فشهادة أحدهم أربع شهادات قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " أربع " بفتح العين . وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: برفع العين . قال الزجاج: من رفع " أربع " ، فالمعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأ حد القذف أربع; ومن نصب فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربعا .

قوله تعالى: والخامسة قرأ حفص عن عاصم: " والخامسة " نصبا، حملا على نصب " أربع شهادات " .

قوله تعالى: أن لعنت الله عليه قرأ نافع، ويعقوب، والمفضل: " أن [ ص: 16 ] لعنة الله " و " أن غضب الله " بتخفيف النون فيهما وسكونهما ورفع الهاء من " لعنة " والباء من " غضب " ، إلا أن نافعا كسر الضاد من " غضب " وفتح الباء .

قوله تعالى: ويدرأ عنها أي: ويدفع عنها العذاب وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها: [أنه] الحد . والثاني: الحبس ذكرهما ابن جرير . والثالث العار .
قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته أي: ستره ونعمته . قال الزجاج: وجواب " لولا " هاهنا متروك; والمعنى: لولا ذلك لنال الكاذب منكم عذاب عظيم . وقال غيره: لولا فضل الله لبين الكاذب من الزوجين فأقيم عليه الحد، وأن الله تواب يعود على من رجع عن المعاصي بالرحمة حكيم فيما فرض من الحدود .
إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم . لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون . ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم [ ص: 17 ] ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم . ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين . ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون . ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم

قوله تعالى: إن الذين جاءوا بالإفك أجمع المفسرون; أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها نزلت في قصة عائشة . وفي حديث الإفك أن هذه الآية إلى عشر آيات نزلت في قصة عائشة . وقد ذكرنا حديث الإفك في كتاب " الحدائق " وفي كتاب " المغني في التفسير " فلم نطل بذكره، لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب ليحفظ . فأما الإفك، فهو الكذب، والعصبة: الجماعة .

[ ص: 18 ] ومعنى قوله: منكم أي: من المؤمنين . وروى عروة عن عائشة أنها قالت هم أربعة: حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبي [بن سلول]، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، وكذلك عدهم مقاتل .

قوله تعالى: لا تحسبوه شرا لكم قال المفسرون: هذا خطاب لعائشة وصفوان بن المعطل، وقيل: لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة; والمعنى: إنكم تؤجرون فيه، لكل امرئ منهم يعني: من العصبة الكاذبة ما اكتسب من الإثم أي: جزاء ما اجترح من الذنب على قدر خوضه فيه، والذي تولى كبره منهم وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وعكرمة، ومجاهد، وابن أبي عبلة ، والحسن، ومحبوب عن أبي عمرو، ويعقوب: " كبره " بضم [ ص: 19 ] الكاف . قال الكسائي: وهما لغتان . وقال ابن قتيبة : كبر الشيء: معظمه، ومنه هذه الآية . قال قيس بن الخطيم يذكر امرأة:

تنام عن كبر شأنها فإذا قامت رويدا تكاد تنعرف

وفي المتولي لذلك قولان .

أحدهما: أنه عبد الله بن أبي، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وعروة عن عائشة، وبه قال مجاهد، والسدي، ومقاتل . قال المفسرون: هو الذي أشاع الحديث، فله عذاب عظيم بالنار . وقال الضحاك هو الذي بدأ بذلك .

والثاني: أنه حسان; روى الشعبي أن عائشة قالت: ما سمعت أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة; فقيل: يا أم المؤمنين، أليس الله يقول: والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت: أليس قد ذهب بصره؟ وروى عنها مسروق أنها قالت: وأي عذاب أشد من العمى، ولعل الله أن يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره، تعني حسان بن ثابت .

[ ص: 20 ] ثم إن الله عز وجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله: لولا إذ سمعتموه أي: هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة ظن المؤمنون من العصبة الكاذبة، وهم حسان ومسطح والمؤمنات وهي: حمنة بنت جحش بأنفسهم وفيها ثلاثة أقوال .

أحدها: بأمهاتهم . والثاني: بأخواتهم . والثالث: بأهل دينهم، لأن المؤمنين كنفس واحدة، وقالوا هذا إفك مبين أي: كذب بين . وجاء في التفسير أن أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه: ألا تسمع ما يقول الناس في أمر عائشة؟! فقال: هذا إفك مبين، أكنت يا أماه فاعلته؟ قالت: معاذ الله، قال: فعائشة والله خير منك; فنزلت هذه الآية .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]