عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-03-2021, 09:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,112
الدولة : Egypt
افتراضي الفاصلة القرآنية

الفاصلة القرآنية












د. حسني حمدان الدسوقي حمامة




الآن نتوقف وقفة تأمل مع الفاصلة القرآنية، والفاصلة هي رأس الآية القرآنية.







فقد ذكر الجاحظ في البيان والتبيين: حدَّثوا أن رجلًا أعرابيًّا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ: ﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 209]، وذكر غفور رحيم بدلًا من عزيز حكيم، فقال الأعرابي: لا يكون، وفي رواية أخرى أنه قال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا الحكيم؛ لا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراء عليه.








ورُوي أن أعرابيًّا سمع رجلًا يقرأ: ﴿ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ﴾ [القمر: 13، 14] بفتح الكاف، فقال الأعرابي: لا يكون، فقرأها عليه بضم الكاف وكسر الفاء، فقال الأعرابي: يكون.







ويُذكر في مصدر يتوقع فيه النزاهة، في دائرة المعارف البريطانية، استدلال غبي يقول: إن القرآن مجرد إنشاء بطريقة عشوائية. وتذكر تلك الدائرة عن الفواصل القرآنية: "وكأن القرآن يعطي للقارئ انطباعًا بأنه مجرد إنشاء جاء بطريقة عشوائية".








وقد تصدَّى للرد على هذه الفِرْيةِ الدكتور فضل حسن عباس في كتابه "إعجاز القرآن"، فذكر على سبيل المثال أن خاتمة الآية التالية: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، لايصلح غيرُها ختامًا للآية ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].







والفاصلة القرآنية - رأس الآية القرآنية - لم تأتِ لمجرد الإعجاز الصوتي، ولكنها ضرورة لا يحُلُّ غيرُها محلَّها؛ فمثلًا بدافع من الحمية والعصبية وانتصاًرا للذات، قد لا يوافق الأهل على عودة المطلَّقة لزوجها ردًّا للاعتبار، أو انتقامًا من الزوج لسوء معاملته لها، ولكن الزوجة جمَعَها مع زوجها عاطفة أخرى، وقد أَفْضى بعضهما إلى بعض.. فلا يعضل أهل المطلَّقة ابنتَهم إذا أرادت الرجوع لزوجها، لماذا؟ تعطيك الفاصلة الجواب حيث يقول عز وجل: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232].







ومثالآخر على حكمة الفاصلة القرآنية: إن حالة السكون تحتاج إلى سماع وعلم، ومن ثم كانت الفاصلة القرآنية في الآية التالية ﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 13].







ولما كان ظلام الليل يحتاج إلى سمع حيث تعطل حاسة البصر، وضوءُ النهار يحتاج إلى بصر حيث قد تعطلت حاسة السمع؛ فإننا ندرك حينئذٍ سرَّ الفاصلة القرآنية في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [القصص: 71، 72].







ولنفس الحكمة تأتي الفاصلة أيضًا في آيتين من خواتيم سورة السجدة؛ فهلاك الأمم السابقة يحتاج إلى تحرٍّ، وبالتالي إلى سمع، أما سوق الماء إلى الأرض الجُرُزِ، فيحتاج إلى بصر، ولنذهب إلى المصحف الشريف لنقرأ قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السجدة: 26، 27].






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]